معاريف: وقع نصرالله في نفس المفهوم الخاطئ لحماس، فهل يعيد التاريخ نفسه؟
معاريف 26/9/2024، د. يرون فريدمان: وقع نصرالله في نفس المفهوم الخاطئ لحماس، فهل يعيد التاريخ نفسه؟
أعلن نصرالله حرب استنزاف غداة 7 أكتوبر مع علمه أن القرى الشيعية في جنوب لبنان هي التي ستدفع الثمن لقاء ذلك. بقراره هذا اثبت أنه يضع المصلحة الإيرانية فوق اللبنانية. فطالما كانت حرب استنزاف ذات اطار جغرافي محدود – جنوب لبنان وشمال إسرائيل – كان يمكن لنصرالله أن يدعي بانه منظمته تساعد غزة دون أن تدفع لقاء ذلك ثمنا باهظا. اما في الأيام الأخيرة فقد تغيرت المعادلة وخرج الجيش الإسرائيلي الى حرب مبادر اليها في لبنان. منذ اشهر طويلة و “محور المقاومة” يهدد إسرائيل بانه ستقع عليها السماء اذا ما تجرأت على مهاجمة المنظمة. وها هو الهجوم يأتي والمحور مشلول.
يبدو ان نصرالله وقع في المفهوم المغلوط ذاته لدى حماس، إذ اعتقد بانه ما أن تبدأ الحرب الشاملة ضد إسرائيل سينضم اليه كل حلفائه. أما الان حين تنتقل إسرائيل من الدفاع الى الهجوم، يبدو أن الشلل يتحكم “بمحور المقاومة” والمقاومة هي نمر من ورق. ايران اطلقت الصواريخ نحو إسرائيل في 14 نيسان، لانه أصيب دبلوماسي واحد لها في القنصلية في دمشق، لكن عندما يدور الحديث عن وكلائها في العالم العربي القصة تختلف تماما. ايران لم تتدخل في قطاع غزة بعد عشرات الاف القتلى. فما الذي تنتظره ايران الان؟ يوجد لحزب الله منذ الان اكثر من 500 قتيل بينهم كل القيادة العليا للمنظمة، قسم هام من منظومة الصواريخ ومخازن السلاح المتجمع يدمر هذه الأيام والقوة البشرية للمنظمة – الطائفة الشيعية، تعيش أزمة قاسية للغاية، قد تكون الاقسى في تاريخها. قرى الجنوب مدمرة وقفراء، مئات الاف اللاجئين، معظمهم شيعة، فروا من الجنوب الى البقاع اللبناني.
معارضو حزب الله في لبنان وخارجه، معظمهم مؤيدو المعارضة السورية ومن دول الخليج والسعودية، يحتفلون هذه الأيام. نصرالله يسمى على ألسنتهم “أبو الدجاج” لانه يتباهى بضرب قواعد الجيش الإسرائيلي لكن منظمته لا تنجح في الواقع الا في ان تضرب أخمام الدجاج في الجليل. تعبير “أبو زميرة” من حرب أهلية في سوريا عاد الى الموضة. فقد ولد في اعقاب الخطابات الصارخة لنصرالله. الكثيرون من الكُتّاب في الشبكات هم سوريون عانوا جدا من وقع ذراع حزب الله قبل عقد عندما اجتاح سوريا وشارك في الفظائع التي وقعت هناك. هم فرحون الان في أن يشاهدوا الشيعة مؤيدي حزب الله يعانون ويصبحون لاجئين بالضبط مثلما مروا به هم. معظمهم حذرون من تمجيد إسرائيل لكنهم يحتفلون بسقوط حزب الله.
يبدو أن حزب الله فهم متأخرا بانه ارتكب خطأ حين ميز في التقارير عن القتلى في لبنان بين النشطاء (“شهداء على طريق القدس”) والمواطنين. في الأيام الأخيرة توقفوا في وسائل الاعلام اللبنانية عن التمييز في هذه التقارير وبدأوا مثلما في غزة يتحدثون فقط عن “شهداء لبنانيين”. في العالم العربي تكاد لا تكون تقارير عن مظاهرات مؤيدة للبنان، ربما لانه لا يزال لا يوجد تمييز واضح بين حزب الله ولبنان، مثلما يفعلون في العالم بين حماس وغزة. ينبغي الافتراض بان المظاهرات ضد إسرائيل ستثور في العالم العربي (وبعد ذلك في العالم كله) اذا توقف الجيش الإسرائيلي عن التركيز على حزب الله وبدأ يضرب البنى التحتية المدنية في الدولة. عندما تبدأ تنتشر صور قاسية من دولة الارز، من شبه المؤكد ان الصورة ستتغير في وسائل الاعلام العالمية. في هذه ا لاثناء يبدو أن اغلبية العالم العربي ترى في حزب الله المذنب المركزي في المصيبة التي تقع في لبنان.
نهاية الحرب، التي لا توجد الان الا في بدايتها، ليست معروفة، لكنها لن تكون جيدة لحزب الله. نصرالله سيقول في نهايتها اذا ما نجا “لو كنت أعرف”. ولعل السنوار أيضا قال هذا منذ الان.
*دكتور يارون فريدمان، خريج دكتوراه في جامعة السوربون (باريس)، محاضر ومدرس اللغة العربية في جامعة حيفا في قسم الدراسات الشرق أوسطية والإسلامية. نشر يارون مقالات أكاديمية عن الشيعة والعلويين في سوريا.