معاريف: مناورة من الافلام
معاريف 7/5/2024، بن كسبيت: مناورة من الافلام
السنوار أجرى لنا امس مناورة من الأفلام. انتظر اللحظة الأخيرة كي يسرق الأوراق مع “نعم” مدوية، غريبة وغير واضحة، بينما دبابات الجيش الإسرائيلي باتت تشق طريقها الى أطراف رفح. الأثر كان فوريا. تشوش في صفوف الجيش (القوات تلقت امرا بالتوقف، وبعد ذلك تلقت امرا بالمواصلة)، جلب دولية كبرى، والكل مقتنعون بانه يوجد هنا تحول في اللحظة الأخيرة فيما أن أحدا لا يعرف في واقع الامر ماذا يوجد هنا.
إسرائيل تدخل الى رفح بينما كل العالم مقتنع بانها تتجاهل موافقة حماس على مقترح هي نفسها طرحته. الامريكيون غاضبون، المصريون غاضبون، الأوروبيون غاضبون واذهب لتشرح لهم باننا نتعامل مع قتلة بدم بارد هم أيضا كذابون ماهرون. في مثل هذه اللحظات تنقص هنا شبكة علاقات ثقة مستقرة، عميقة ومتبادلة بين رئيس وزراء إسرائيل والرئيس الأمريكي. شبكة علاقات كهذه هي ذخر استراتيجي بالضبط في هذه الأوضاع. أريك شارون كان سيعرف كيف يشرح لجورج بوش الان ما هي القصة. كما اسلفنا اهود أولمرت. كما اسلفنا بينيت/لبيد. من هنا وحتى “فرملة” قوية أمريكية على العملية الإسرائيلية، التي منذ البداية لا تستهدف ان تكون واسعة النطاق، سيكون الطريق قصيرا. سننهض صباح غد ونأمل بمعجزة.
في هذه الاثناء فعلت إسرائيل الامر الوحيد الذي يمكن أن تفعله امس – قررت بان العملية في رفح مستمرة، لكن المفاوضات أيضا تستأنف، بمستويات عمل متدنية. الى أن نعرف ما هي القصة. قرار معقول بالاجمال، بالنسبة للظروف الصعبة.
في الواقع، رفح هي مدينة نسيها الرب، مغبرة، مكتظة ونائية في الطرف البعيد لقطاع غزة. مدينة تنزل فيها الكتائب الأضعف لحماس. باختصار، رفح هي الاحبولة الإعلامية الانجح في العصر الحالي. كل شيء يبدأ، يتواصل وينتهي في رفح. كل شيء متعلق برفح – “النصر المطلق” أو الهزيمة النكراء. هذان الامران يكتظان في رفح وينتظران حسم المحلفين – الموت او الاحتلال لرفح. يا رفح، هل كنتِ ام اننا حلمنا حلما.
حلمنا حلما. رفح هي هراء. هيا نفترض ان الجيش دخل صباح غد الى رفح بإذن امريكي كامل. احتلها، قتل 500 مخرب ونحن لم يقع بيننا الا مصابي فزع فقط. ماذا إذن؟ انتصرنا؟ الجواب هو لا. النصر على حماس يتحقق بعمل كد ومواظب يتواصل لسنين. السور الواقي بدأت باجتياح واسع للجيش لكل المدن الفلسطينية في الضفة، احتلالها، تفكيك بنى الإرهاب، تطهير القصبات وترويض مخيمات اللاجئين. وماذا حصل بعد ذلك؟ لا شيء. واصلنا الدخول والخروج من هناك على طريقة ماكنة قص العشب كي نحبط كل ما حصل، يحصل وسيحصل. الجيش الإسرائيلي يعمل في الضفة الان أيضا.
كل ما حصل في الضفة يفترض أن يحصل في غزة، باستثناء انه سيكون اقسى واخطر، لان حماس 2024 هي وحش اخطر واقوى بكثير من الإرهاب الفلسطيني لبداية الالفية في الضفة. هدف الحرب الحالية هي خلق وضع يتمكن فيه الجيش الإسرائيلي من الدخول والخروج من والى غزة بحرية نسبية، وقطع كل رأس إرهاب يرتفع هناك في كل لحظة معطاة. هذا الهدف، الى هذا الحد او ذاك، حققناه. توجد نجمة قرب رفح. يمكن تفكيك الكتائب هناك في ظل لحظة معطاة. قبل ذلك واجب اغلاق محور فيلادلفيا، هذا اكثر الحاحا من رفح. لكن احد ما يحتاج الى رمز، الى احبولة. الى وقت. محظور أن ينهي الاحد ما هذا الحرب. انهاء الحرب معناه لجنة تحقيق، احتجاج اقوى، أسئلة اصعب.
لقد بدأ الجيش امس الاستعدادات للعملية في رفح. اذا سألتم الجيش ما الذي يريده المستوى السياسي منه، فان الجيش لن يعرف كيف يجيب. وكذا المستوى السياسي لا يعرف. لاشهر وهم يتحدثون عن هذه العملية. اقوال مثل الرمل ولا شيء للاكل. في النهاية، اختاروا المقاس الاسهل الاخف كي يرفعوا شارة النصر كي يكون ممكنا الإعلان عن النصر. وحتى هذا ليس واضحا، ليس مؤكدا وليس مستقرا. هكذا هو الحال عندما لا تكون خطة استراتيجية مرتبة، عندما لا يكون هدف محدد ودقيق، عندما لا يكون سعي مرتب لنتيجة ما او نهاية فعل بتفكير مسبق. كل ما يوجد هو ارتجال متواصل، مراوحة مستدامة وقدر لا ينتهي من علامات الاستفهام.
وصلنا الى الصفقة. مع إضافة الزمن أمس مساء نجحت حماس، في اللحظة الأخيرة في نقل الكرة الى الملعب الاسرائيل. في إسرائيل ادعوا امس مساء بان هذه احبولة، انه لا يوجد هنا جواب إيجابي على الاقتراح الإسرائيلي – المصري المرتب بل على شيء آخر. حتى الصباح سنعرف ما الذي سيخرج من هذا، اذا ما خرج أي شيء.
ينبغي التشديد – معظم الذنب في أنه لا توجد صفقة لتحرير المخطوفين هو على حماس. حتى من يعتقد أن نتنياهو هو مصيبة لإسرائيل (مثلي) يعرف هذا. المشكلة مع نتيناهو هي نظافة اليدين. هو لا يأتي لهذا الحدث نظيف اليدين. هو يأتي اليه مع تضارب مصالح واضح. لا حاجة للعيون كي نرى هذا. هذه القصة تصرخ وتلوح بذاتها بكل من يريد. نتنياهو يعرف بانه اذا ما سار نحو الصفقة سيفقد الحكومة. اذا كان لا يعرف فثمة من سيعرفه. وقد فعلوا ذلك هذا الأسبوع بنبرة مهددة.
وعليه، فانه عندما يتردد وفد حماس في جوابه على الاقتراح المصري – الإسرائيلي، يحرص نتنياهو على ان ينشر في اثناء السبت، مرتين بيانات عن “ستكون عملية في رفح مع او بدون صفقة”. كما انه يرسل مستشاره للامن القومي الى التلفزيون ليقول هذا لمن فوت البيان. من يدعي بان هدف المناورة القذرة هذه هو الايضاح للامريكيين بان إسرائيل لن توافق على ضمانات أمريكية لانهاء الحرب، لا يعرف لمنظومة ولا يعرف عما يتحدث. فالامريكيون لا ينتظرون بيانات “مصدر سياسي”. الامريكيون يتمتعون بقنوات مباشرة لكل لباب المنظومة الإسرائيلية. يوجد لهم هنا سفير، لنا يوجد هناك سفير، مسؤولو البيت الأبيض يتحدثون مع نظراهم في إسرائيل مرة في الساعة.
وشيء ما آخر: اذا كان الامريكيون بالفعل وعدوا بضمانات لحماس بالا تستأنف الحرب فلماذا ببساطة لا يفعلون هذا الان؟ يبلغون إسرائيل بجلاء ووضوح بان الحرب لا تستأنف. هكذا ببساطة، اليس كذلك؟ اذا كان بوسعهم ان يفعلوا هذا بعد الصفقة، فان بوسعهم ان يفعلوا هذا الان أيضا. ولماذا لا تطلق إسرائيل بيانا بسيطا كهذا؟ إذ ان أحدا لا يمكنه أن يتعهد باسمنا بانهاء الحرب. فقط إسرائيل، كدولة سيادية، تعلن عن انهاء هذه الحرب. نقطة، نهاية.
بدلا من هذا يعلنون أنهم سيدخلون الى رفح في كل حال، في اللحظة الأكثر حساسية للاتصالات. بمعنى يؤشرون لوفد حماس ان يقطع الاتصال دون قول “نعم”. وهكذا يمكن السير وكأنك ترتدي ملابسك وتشعر مع ذلك بانك بدونها. ان تعطي تفويضا لطاقم المفاوضات ان يقول “نعم”، للاقتراح المصري لكن ان تحبط الـ “نعم” لحماس بطرق ملتوية. هذه الالتواءة الأخيرة في الحبكة الـ “نعم” المتأخرة من حماس (لا يمكن بعد أن نعرف بالضبط لماذا قالوا “نعمل”، تنقل الضغط عائدا الى إسرائيل. هكذا سيتواصل هذا الامر في الأيام القادمة أيضا. هكذا يبدو الحال عندما يكون صاحبا القرار في الطرفين، لا يحتاجا صفقة بل زمن.