ترجمات عبرية

معاريف: إسرائيل هُزمت، نتنياهو ينتصر

معاريف 28/5/2025، بن كسبيتإسرائيل هُزمت، نتنياهو ينتصر

مثل كل شيء في الجيش الإسرائيلي، حتى الـ 600 يوم الرهيبة التي مرت علينا تنقسم الى ثلاثة أجزاء: في البداية هزيمة، بعد ذلك نصر، وعندها مرة أخرى هزيمة. وبتوسع: في اليومين الاولين هُزمنا. بعد ذلك صحونا، انتعشنا، شحذنا أسناننا وانتصرنا. هذا النصر حققه المقاتلون والقادة بالدم، العرق، الدموع، البطولة، البسالة والتضحية. لكن عندها كالمعتاد، لم نتمكن من جني ثمار النصر. في الأشهر (الكثيرة) الأخيرة نحن نفقد الزخم، نتأخر عن القطار، نفوت الفرصة، نعطل الإنجازات ونقترب من هزيمة أخرى. ليس بالذات عسكرية، وليس لنا من نتهم. بايدن لم يعد هنا، “القانونيون” لا يتدخلون في الحرب، المستشارة والنائبة العسكرية تعطيان للجيش اسنادا كاملا، غالنت اقيل، رئيس الاركان استبدل، الائتلاف مستقر ولا يوجد ائتلاف يميني – قومجي – متطرف اكثر منه. باختصار لا يوجد في المحيط مذنبون يمكن أن نلقي عليهم بالمسؤولية، اتهامهم بالطعم الحامض للهزيمة الجديدة. لكن ثقوا بنتنياهو واقزامه. فهم سيجدون، أي سيختلقون شيئا ما. في هذه اللحظة وقعت وردية “المذنب الدوري” على يئير غولان. حتى المذنب التالي.

نبدأ بالهزيمة. الاصعب في تاريخنا. سقوط مدوٍ، اليم، مهين لن تكون له ابدا أي كفارة. لخطة “اسوار اريحا”، او بلغة الفلسطينيين “طوفان الأقصى” كان هدف واضح واحد: كسر فرقة غزة واقتحام دفاعات الجيش الإسرائيلي عن الغلاف. هذا الهدف تحقق بكامله، بما يتجاوز التوقعات الأكثر وردية لمحمد ضيف ويحيى السنوار. فرقة غزة انكسرت، قاعدة الفرقة احتلت، منظومة الدفاع من الجيش الإسرائيلي انهارت كبرج من الورق والاف قتلة النخبة فعلوا في الغلاف وسكانه كما يشاؤون من الساعة السادسة والنصف صباحا وحتى نهاية ذاك اليوم الرهيب.

لأول مرة منذ قيامها ومن نهاية حرب الانبعاث، احتلت أجزاء من إسرائيل من قبل أعداء (“بالشباشب”، على حد تعبير المسؤول الرئيس عن الكارثة). استغرق ثلاثة أيام كاملة أخرى لانهاء تطهير المنطقة. لنزع آخر المخربين من مخبئه ولاعادة استقرار الخط. في هذا الزمن تعرضت إسرائيل لاكثر الضربات رعبا وقعت عليها منذ الازل. 1200 إسرائيلي قتلوا في يوم واحد. عائلات كاملة شطبت. كيبوتسات ومدن زراعية احتلت، أحرقت وسلبت ونهبت. أهالي قتلوا امام عيون أبنائهم، أطفال ذبحوا امام عيون اهاليهم. نساء اغتصبن، رؤوس قطعت. مدنيون، نساء، شيوخ وأطفال اضطروا لان يقاتلوا في سبيل حياتهم دون أن يهرع الجيش الإسرائيلي لانقاذهم او يصل اليهم. كل الفظائع، كل الأسباب التي دفعت اباءنا لان يقيموا هنا الدولة اليهودية انقضت علينا من جديد، من بين كوابيس الماضي. بلدات إسرائيلية أصبحت تشبه البلدة اليهودية إياها، في اثناء الاعتداءات الجماهيرية. الاضطرابات عادت الى حياتنا. كل هذا، فيما ان الدولة التي اقمناها تحوز لقب “قوة عظمى إقليمية” فخورة ولا تهزم. تضرجنا في دمائنا.

وكان أيضا شيء ما يتجاوز الجانب المادي والالم الإنساني. لأول مرة عاد ليسترق الى قلوب غير قليل من الإسرائيليين الخوف الوجودي. انعدام الامن اليهودي إياه. الإحساس بان إسرائيل ليست مسلما بها. وجودها غير مضمون. هي هشة. هي ضعيفة. اعداؤها يهددون. الى حياتنا دخلت أيضا “خطة الإبادة” الإيرانية. فجأة، دفعة واحدة، فهمنا أننا على مسافة خطوة من تحقق هذه الخطوة. “إبادة”. ما لنا وللابادة؟ وبالفعل، بدأنا نعتاد هذا الاصطلاح من جديد.

الأسابيع الأولى بعد الكارثة كانت أسابيع استقرار من الصدمة. الجيش الإسرائيلي، سكان الغلاف، مواطني إسرائيل، حكومة إسرائيل، رئيس وزراء إسرائيل. كلهم، ربما باستثناء اوريت ستروك (“قبل كل شيء عيد سعيد”)، حاولوا ان يجمعوا شظايا روحهم وحياتهم والتفكير بما يفعلونه بعد ذلك. فقط واحد من كل أولئك، ذاك الذي كان آخر من ذكر، كان ناجعا ومركزا منذ البداية. وكما بلغنا في هذه الصفحات، استغرق نتنياهو يوم واحد فقط كي يجمع رجاله ويكلفهم بمهمتهم، مهمة حياته: نحن لا نرحل الى أي مكان، قال لهم، هاتوا لي بخطة. كي ننجو نحن من هذا. كيف نبقى نحن في الحكم. كيف نستفيد ونستغل ما حصل هنا لصالحنا.

وهكذا كان.

عندما سجل لبتسلئيل سموتريتش قال قائلا انه “بعد قليل” الإسرائيليون سيصحون وسيطردوننا، كان نتنياهو قد انتقل الى خطة طرد خاصة به: كيف سيطرد كل المسؤولين، باستثنائه. لكن في هذه الاثناء كان يعرف شيئا بسيطا: لاجل ان ينجو هو بحاجة الى تعزيز. وقد وجده في شكل وطنيين إسرائيليين ساذجين، كسولين غبيين (من ناحيتنا)، إسرائيليين متفانيين من ناحيتهم. غانتس وآيزنكوت. انضمامهما منذ 11 أكتوبر سمح لنتنياهو بان يجمع الطاقة اللازمة، يلتقط الزمن الضروري، يجتاز الفترة الصعبة ويبدأ، رويدا رويدا، بترميم مكانته في أوساط القاعدة.

انضمامهما كان أيضا حيويا للانتعاش العسكري. نتنياهو نفسه خاف من المناورة في غزة.  مخاوفه المتكررة لم تختفي بل تعززت فقط. اللواء اسحق بريك، العميد عوفر فينتر وآخرون أخافوه من شرك موت للجيش الإسرائيلي في غزة. غانتس وآيزنكوت رمما ثقته الذاتية. غابي اشكنازي حث من الخارج. الجيش الإسرائيلي خرج الى المناورة وسحق حماس بلا شروط. عدنا لانفسنا.

عن النصر العسكري لا حاجة لمزيد من الحديث. فقد استخدم الجيش الإسرائيلي كامل قوته. سلاح البر جرى تأبينه قبل الأوان. المقاتلون، الضباط، الوية المشاة، المدرعات الرائعة، كلهم أعطوا ما لديهم في تضحية لا نهاية لها. الشباك المرضوض والمهزوز، صحا. وهو يعطي منذ 7 أكتوبر ما يسمى “عرض”. أمان، من غياهب هزيمته، نهض من جديد ووحدة 8200 توفر منذ 7 أكتوبر كميات هائلة من المعلومات النوعية.

كل هؤلاء، مضافة اليه بطولة المقاتلين في النظامي وفي الاحتياط، والقوة والدقة لسلاح الجو وباقي وحداتنا التكنولوجية والقتالة – فعلت الفرق. غزة احتلت، الوية وكتائب حماس هزمت، كل قيادة حماس صفيت، كل سلسلة القيادة الوسطى والصغرى لحماس صفيت. وحتى كل قادة الشرطة لحماس في غزة ارسلوا الى السماء. قسم كبير من غزة نفسها دمر. بنية الانفاق تلقت ضربة قاسية.

العميد باراك حيرام، قائد فرقة غزة (الذي حل محل القائد المهزوز آفي روزنفيلد)، سُمع امس في التسجيلات التي بثت في القناة 12 يبلغ سكان الغلاف بان كل الانفاق التي اجتازت محور فيلادلفيا من غزة الى مصر او العكس دمرت. لا يوجد هدف عسكري ذو مغزى لم يحققه الجيش الإسرائيلي في غزة. مخزون صواريخ حماس دمر تماما تقريبا. قوتها العسكرية كُسرت، 25 الف مخرب قتلوا.

صحيح، لحماس توجد قدرة إعادة بناء. واساسا في ضوء حقيقة ان إسرائيل لم تتمكن حتى الان من إيجاد بديل لها وحقيقة أنها تواصل السيطرة (رغم كل شيء) على توريد المساعدات الإنسانية. لكن لا شك ان قدرتها على أن تشكل مرة أخرى تهديدا ذا مغزى على إسرائيل أو تكرار مذبحة 7 أكتوبر لم تعد قائمة، ولن تكون في السنوات القادمة.

في هذه المرحلة وفي ضوء النجاحات الجارفة في جبهات أخرى أيضا (الضربة القاضية التي القاها حزب الله والضربات الأليمة التي تلقتها ايران)، اعدت لإسرائيل خشبات قفز الاحلام لاعادة البدء والانطلاق من جديد: الرئيس ترامب انطلق الى الشرق الأوسط بقوة هائلة، يجر وراءه الجميع تقريبا – السعودية، الامارات، قطر، تركيا وحتى سورية، ومصر ودول المغرب. كلهم يريدون ان يقفزوا الى عربة ترامب نحو افق وردي من الاستثمارات المشتركة، الاحلاف الإقليمية والارتباطات الاستراتيجية.

الكل، باستثنائنا. القطار يغادر المحطة بدوننا. مسيرة تحول نتنياهو الى بن غفير استكملت. الليكود اصبح حزبا كهانيا. التفكيك المنهاجي لكل مؤسسات الدولة يتواصل بقوة شديدة. الان، يتهجمون حتى على رئيس الأركان الجديد الذي لتوهم عينوه بأنفسهم. نحن على شفا ازمة دستورية، فيما يتحدث الحزب الحاكم بصوت عال عن عدم طاعة قرارات محكمة العدل العليا.

لقد فقد نتنياهو الكوابح والتوازنات الأخيرة التي تبقت له. واحيانا يبدو هو سكرا. ليس واضحا اذا كان مشوشا او كاذبا، ليس واضحا ماذا يمر في رأسه حين ينكل بعائلات المخطوفين او يبلغ، في شريط رسمي، بانه منذ بدل طاقم المفاوضات تحرر 25 مخطوفا (لم يتحرر أي واحد).

لاجل ماذا كل هذا؟ لاجل البقاء الشخصي للرجل. الخطة إياها، التي وضعت في 8 أكتوبر، نجحت. هو لا يزال هنا. حي، يركل ويهذر. لا توجد في العالم دولة واحدة رئيس الوزراء كلي القدرة فيها كان يمكن أن ينجو اكثر من أسبوعين بعد حدث مثل 7 أكتوبر. هذا مميز لنا. نتنياهو يعرف انه لم يتبقَ من حماس شيء تقريبا. نتنياهو يعرف أن الان يجب مواصلة الحرب ضد حماس بالطريقة التي نقاتل فيها في الضفة. نتنياهو يعرف بانه لا توجد في العالم ضمانة دولية تمنع إسرائيل من العودة الى غزة، في الجو او في البر، حتى بعد اتفاق لاعادة كل المخطوفين. نتنياهو يعرف أن إسرائيل تصبح، في هذه الأيام، دولة منبوذة. يعرف أن أحدا غير مستعد لان يطير الى هنا، أحدا غير مستعد لان يسثتمر هنا، وان عشرات الدول تفكر بفرض عقوبات علينا أو الاعتراف بدولة فلسطينية أو هذا وذاك. هو يحطم إسرائيل من الداخل ومن الخارج أيضا. كل شيء مشروع من اجل نجاته. الملك اهم من المملكة.

ليس نتنياهو هو المذنب. هذا هو الرجل. اسحق شمير شخصه منذ ذلك الحين حين وصفه بانه “ملاك التخريب”. في هذه الاثناء تحول الملاك الى شيطان والتخريب الى سقوط، لكن يوجد حول نتنياهو أناس كثيرون يسمحون لهذا ان يحصل. في حزبه وخارجه. أناس يرون المشاهد ويسمعون الأصوات، ينظرون بعيون عليلة الى تفكك الحلم الصهيوني، الى تفكك كل المؤسسات التي تبقي هذه الدولة وذلك فقط لان إعطاء هواء التنفس لعائلة الحاكم. أناس يعرفون الحقيقة ويتنكرون لها. هم الشركاء في الجريمة. وهم لن يطهروا. ليس في محاكمة التاريخ – وينبغي الامل ان ليس في محاكمة الشعوب أيضا.

وعليه فالقصة بسيطة: إسرائيل هُزمت، نتنياهو ينتصر. على الأقل صحيح حتى الان.

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى