ترجمات أجنبية

مطالب إيران الرئيسية لإحياء خطة العمل الشاملة المشتركة

معهد الشرق الأوسط – بقلم صاحب صادقي*- 14/10/2021

نشر معهد الشرق الأوسط تقريرًا عن حيثيات استئناف العمل بالاتفاقية الشاملة للبرنامج النووي الإيراني التي عقدتها طهران مع دول كبرى يأتي في مقدمتها الولايات المتحدة. ويشير التقرير الذي أعدَّه صاحب صادقي،  إلى أن طهران اعتمدت على ثلاث وثائق في مفاوضاتها مع الولايات المتحدة من أجل إحياء خُطَّة العمل الشاملة المُشتركَة.

هناك خمس قضايا رئيسة من المُرجَّح أن يركِّز عليها الإيرانيون أثناء إجرائهم للمفاوضات، موضحًا أن أبرز مطالب الإيرانيين تتمثَّل في التحقُّق من رفع العقوبات المفروضة على طهران بطريقة سليمة، وإلغاء الأوامر التنفيذية التي أصدرها رؤساء أمريكا وضمان عدم انسحاب الولايات المتحدة مرة أخرى من خُطَّة العمل الشاملة المشتركة.

ثلاثة مبادئ توجيهية واضحة

حكومة إيران المحافِظة الجديدة بقيادة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي استندت في النهج الذي اتَّبعته بشأن المباحثات النووية، التي تهدف إلى إحياء الاتفاق النووي التي أُعلِن عنها عام 2015 (وهي اتفاقية أبرمتها إيران بشأن برنامجها النووي مع الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا وألمانيا والصين)، إلى ثلاث وثائق رئيسة تُحدِّد ثلاثة مبادئ توجيهية واضحة:

يتمثَّل المبدأ التوجيهي الأول في الخطاب الذي أرسله آية الله علي خامنئي، المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، في 21 أكتوبر (تشرين الأول) 2015 إلى الرئيس الإيراني آنذاك حسن روحاني، والذي أعرب فيه خامنئي عن موافقته على إبرام الاتفاق النووي شريطة أن تستوفي تسعة شروط، أما المبدأ التوجيهي الثاني فهو مشروع قانون «خطة العمل الإستراتيجية لمواجهة العقوبات المفروضة على طهران»، الذي اعتمده البرلمان في 2 ديسمبر (كانون الأول) 2020، فيما يتمثَّل المبدأ الثالث في الخطاب الذي أدلى به المرشد الأعلى للثورة الإيرانية في 7 فبراير (شباط) 2021 (بعد أن أعرب الرئيس جو بايدن عن رغبته في إحياء الاتفاق النووي) عندما أعلن المرشد الأعلى «سياسة إيران النهائية التي لا رجعة فيها» من أجل إحياء الاتفاق.

القضايا الخمس الرئيسة

إيران وباقي الدول المشاركة في الاتفاق النووي (وهي فرنسا وبريطانيا وألمانيا والصين وروسيا)، بمشاركة غير مباشرة من الولايات المتحدة، عقدت ست جولات من المباحثات منذ أبريل (نيسان) 2021 في العاصمة النمساوية فيينا. ولكن نظرًا لتغيير الحكومة الإيرانية، أُجِّلَت هذه المباحثات حتى منتصف يونيو (حزيران).

وبناءً على ذلك، وتماشيًا مع التوجيهات المنصوص عليها في هذه الوثائق الثلاث، سيركِّز الإيرانيون على خمس قضايا رئيسة في المفاوضات المستقبلية، ومن المُرجَّح أن يتخذوا موقفًا حازمًا من أجل تلبية مطالبهم. وتتمثَّل القضايا الخمس الرئيسة فيما يلي:

1- ستستمر نشاطات إيران النووية، وعدم وفائها بالتزامات الاتفاق النووي، والقيود المفروضة على وصول مُفتِّشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى المنشآت النووية الإيرانية، إلى أن تنتهي المفاوضات. ولذلك، من المُستبعَد تمامًا أن يقبل الفريق الإيراني المعني بإجراء المفاوضات بإبرام اتفاق مؤقَّت في صورة «التزام بالالتزام» أو إبرام اتفاق تدريجي. وقد وضعت تشريعات البرلمان الإيراني خارطة طريق تهدف إلى توسيع نطاق نشاطات إيران النووية إلى أن تُرفَع العقوبات المفروضة.

2- لا يمكن تغيير الجداول الزمنية التي حدَّدها الاتفاق النووي، بما في ذلك يوم الانتقال عام 2023 (وفقًا للأمم المتحدة، يكون يوم الانتقال بعد انقضاء ثماني سنوات من يوم اعتماد الخطة أو بعد أن يتلقى مجلس الأمن تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي يفيد أن الوكالة قد توصَّلت إلى الاستنتاج العام بأن جميع المواد النووية في إيران لا تزال تُستخدَم في الأنشطة السلمية) ويوم إنهاء العمل بأحكام قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2231 في عام 2025 (يكون هذا اليوم بعد انقضاء عشر سنوات على يوم اعتماد الاتفاق النووي، وشريطة عدم استئناف العمل بأحكام قرارات مجلس الأمن السابقة، ينتهي العمل بجميع أحكام القرار 2231 الذي صدر عام 2015 ويكفُّ مجلس الأمن حينئذ عن النظر في المسألة النووية الإيرانية).

وهناك تقارير تشير إلى أن الولايات المتحدة والبلدان الأوروبية كانت تحاول إدراج بندٍ آخر في بنود إحياء الاتفاق النووي لضمان التزامات طويلة الأمد بشأن عدم الانتشار، ولكنَّ طهران ترى أن هذا الإجراء يُعد محاولة لإرساء الأساس من أجل تغيير الجداول الزمنية التي حدَّدها الاتفاق النووي.

3- وفقًا للشروط التي وضعها المرشد الأعلى للثورة الإيرانية آية الله خامنئي، يُعد فرض أي عقوبات تحت ذريعة الدفاع عن حقوق الإنسان أو مكافحة الإرهاب أو القضايا العسكرية، بعد تطبيق الاتفاق النووي في يناير (كانون الثاني) 2016، انتهاكًا للاتفاق. وردًا على ذلك، لن تطلب إيران رفع جميع العقوبات بموجب الاتفاق النووي فحسب، بل ستدعو أيضًا إلى رفع العقوبات المفروضة بعد دخول الاتفاق حيِّز التنفيذ، مثل القيود التي فرضها باراك أوباما على الإعفاء من التأشيرة في عام 2015 أو القيود التي فرضها دونالد ترامب بموجب قانون مكافحة أعداء أمريكا من خلال فرض العقوبات الصادر عام 2017.

4- تسعى إيران للحصول على ضمانات بأن الولايات المتحدة لن تنسحب مرةً أخرى من الاتفاق النووي.

5- تُعد مسألة التحقُّق أهم هذه القضايا، وآية ذلك أن المرشد الأعلى خامنئي قال في خطاب له: «إذا كانوا (الأمريكيون) يريدون أن تعود إيران إلى الوفاء بالالتزامات التي فرضها الاتفاق النووي، يجب أن ترفع الولايات المتحدة كل العقوبات، ويجب أن نتحقَّق من ذلك وأن نشعر بأن العقوبات قد رُفِعَت بطريقة سليمة، وسوف نفي بعد ذلك بالتزامات الاتفاق النووي هذه». وأضاف: «وهذه هي سياسة الجمهورية الإيرانية القاطعة ولن نتنازل عنها».

مسألة التحقُّق

ادِّعاء إيران بشأن حاجتها إلى التحقُّق من امتثال الأطراف الأخرى لالتزامات الاتفاق النووي يرجع جذوره إلى التجربة التي مرَّت بها طهران خلال حقبتي ما قبل إبرام الاتفاق النووي وما بعدها. وكانت الوكالة الدولية للطاقة الذرية تتمتَّع بصلاحية التحقُّق من نشاطات إيران النووية، وتحقَّقت الوكالة في البداية من امتثال إيران للمعايير الفنية الدقيقة والقابلة للقياس، ولكن عندما دخل الاتفاق النووي حيز التنفيذ وبدأت رفع العقوبات، لم تتمتَّع الوكالة بصلاحية التحقُّق من عملية رفع العقوبات.

واستمر التحقَّق الدقيق الذي أجرته الوكالة الدولية للطاقة الذرية فيما يتعلَّق بالبرنامج النووي الإيراني لمدة عامين ونصف العام بعد تنفيذ الاتفاق النووي وما يصل إلى عام بعد انسحاب الولايات المتحدة من هذا الاتفاق في مايو (آيار) 2018، إذ أكَّدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في تقاريرها الفصلية (الربع سنوية) خلال هذه المدة امتثال إيران بواقع 16 مرة. بيد أنه وفقًا لمسؤولين إيرانيين، لم ترفع الولايات المتحدة والبلدان الأوروبية العقوبات المفروضة على إيران وتزيل الحواجز التي تحول دون تطبيع علاقاتها التجارية الدولية على نحوٍ فعَّال وعملي، بموجب الاتفاق النووي. وفي الوقت ذاته، لم تلقَ الشكاوى التي قدَّمتها إيران آذانًا صاغية على الرغم من تأكيدها مرارًا وتكرارًا على أن علاقاتها التجارية مع واشنطن لم تعُد إلى طبيعتها وأنها لم تجنِ المكاسب الاقتصادية المتوقَّعة من رفع العقوبات خلال المدة التي تمتد من يناير 2016 إلى مايو 2018.

وطرحت السلطات الإيرانية مسألة التحقُّق من رفع العقوبات للنقاش. ومع أن الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني أوضح أن عملية التحقُّق لن تستغرق سوى بضع ساعات، إلا أن المشرِّعين الإيرانيين أكَّدوا في بيانٍ أدلوا به أنَّ هذه العملية قد تستغرق من ثلاثة إلى ستة أشهر.

ووفقًا للمشرِّعين، تحتاج إيران خلال هذه المدة إلى إعادة إنتاجها وصادراتها النفطية إلى المستويات التي وصلت لها طهران قبل فرض العقوبات، فضلًا عن حاجتها إلى حرية وصولها إلى عائداتها، وتطبيع علاقاتها المصرفية مع العالم.

إلغاء الأوامر التنفيذية

وفي الوقت ذاته، ووفقًا لمركز الأبحاث التابع للبرلمان الإيراني، فبالإضافة إلى رفع الولايات المتحدة العقوبات بموجب أحكام الاتفاق النووي، ينبغي أن تُلغي واشنطن أيضًا الأوامر التنفيذية التي أصدرها رئيس البلاد. وعلاوةً على ذلك، يجب أن يُحدِّث مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأمريكية سياساته بشأن إيران وأن يمنح إعفاءات من العقوبات العامة والخاصة لأي أشخاص أو شركات ترغب في أن تُجري تعاملات تجارية معه.

ويتمثَّل أحد أهم المطالب الإيرانية في هذا الصدد في أن تُغطي إعفاءات مكتب مراقبة الأصول الأجنبية للأشخاص والكيانات القانونية للتجارة مع إيران مدة زمنية معقولة، على الأقل حتى يوم إنهاء العمل بأحكام قرار مجلس الأمن رقم 2231 (عام 2025).

كما يشير مركز الأبحاث التابع للبرلمان الإيراني إلى أنه بعد إزالة الحواجز التجارية وتقليل مخاطر العمل مع الاقتصاد الإيراني، ينبغي اتخاذ تدابير أخرى قابلة للتحقُّق منها. على سبيل المثال، ينبغي أن تعيد واشنطن النظر في الصحائف الوقائعية والنشرات الاستشارية والإرشادات والإخطارات والأعلام الحمراء والأحكام الإدارية والتوجيهات وسجلات الإخطارات الاتحادية وغيرها من الإجراءات التي يُصنَّف بموجبها الاقتصاد الإيراني بأنه متورط في جرائم مالية عالية المخاطر، فضلًا عن اتهامات بغسيل الأموال. وينبغي أن تعتمد واشنطن أيضًا اللوائح اللازمة لتطبيع العلاقات التجارية مع إيران وأن تغيِّر إرشادات شبكة الإنفاذ المعنية بمكافحة الجرائم المالية من كونها إرشادات قائمة على المخاطر إلى إرشادات تستند إلى القواعد.

وإذا استُئنِف العمل بالاتفاق النووي، فسيشترط البرلمان الإيراني إجراء تحقُّق منتظم من عملية رفع العقوبات. وفي بيان صدر في 13 أبريل (نيسان)، أوضح المشرِّعون الإيرانيون أنه يجب التحقُّق من استمرار الفائدة التي يجنيها الاقتصاد الإيراني من رفع العقوبات على مدى ستة أشهر.

كيف تفي واشنطن بالتزاماتها؟

القضايا التي توليها إيران أهمية عندما يتعلَّق الأمر بالتحقُّق من رفع العقوبات وامتثال الولايات المتحدة لالتزامات الاتفاق النووي تتمثَّل في كيفية وفاء واشنطن بالتزاماتها بموجب القرار رقم 2231 الذي أصدره مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. ووفقًا لهذا القرار، كان يُفترَض رفع حظر الأسلحة المفروض على إيران في 18 أكتوبر 2020.

غير أن ما توليه إيران أهمية بالغة يتمثَّل في إلغاء الأمر التنفيذي الذي أصدره الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في سبتمبر (أيلول) 2020، والذي تُعاقب الحكومة الأمريكية بموجبه أي بلد لا يلتزم بالعقوبات التي تفرضها. وتنظر طهران إلى هذا الأمر بوصفه انتهاكًا صارخًا للقرار رقم 2231 والاتفاق النووي، وسيكون إلغاؤه مؤشرًا قويًّا على اعتزام واشنطن الوفاء بالتزاماتها.

قال حسين أمير عبد اللهيان، وزير الخارجية الإيراني، خلال زيارته لسوريا في 9 أكتوبر، إذ أوضح عبد اللهيان أن طهران ستعود إلى إجراء المباحثات المتعلقة بخطة العمل المشتركة الشاملة، مُشدِّدًا على أن التحقُّق من رفع العقوبات بعد إبرام أي اتفاقات يُعد من أهم اهتمامات إيران.

وفي أثناء إجراء ست جولات من المباحثات في فيينا، لم تُحرِز طهران سوى تقدمًا طفيفًا بشأن المسألتين الرئيستين المتمثلتين في التحقُّق من رفع العقوبات والضمانات التي تفيد أن الولايات المتحدة لن تنسحب من الاتفاق النووي مرة أخرى، وآية ذلك أن هناك تقارير أشارت إلى أن الوفد الأمريكي المعني بإجراء المفاوضات وافق على طلب إيران بالتحقُّق من رفع العقوبات في غضون يومين، ولكن إيران قالت إن هذا الأمر غير مقبول وأنه عبارة عن إجراء شكلي.

وبناءً على ذلك، من المرجَّح بشدَّة أن يُحدِّد الموقف الصارم الذي اتخذه فريق التفاوض الإيراني الجديد، استنادًا إلى القضايا الخمس الرئيسة المشار إليها أعلاه، مسار مباحثات الاتفاق النووي ومصيرها.

*صاحب صادقي، كاتب العمود ومُحلِّل شؤون السياسة الخارجية المتعلقة بإيران والشرق الأوسط في الموقع. 

نشر هذا التقرير  تحت عنوان  :  

Iran’s key demands for the revival of the JCPOA 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى