أقلام وأراء

محمود جودت قبها: بروباغندا إسرائيل لم يعد لها فائدة و البروباغندا الإسرائيلية الممنهجة الصهيونية

محمود جودت قبها * 25-6-2023: بروباغندا إسرائيل لم يعد لها فائدة و البروباغندا الإسرائيلية الممنهجة الصهيونية

لا تفوت آلة البروباغندا في الكيان الصهيوني أي فرصة، فلا تقع أحداث كبرى في بلاد العرب والمسلمين إلا تتفاعل معها، وتحاول أن تقحم نفسها في المشهد، لتثبت حضورها عبر حساباتها المختلفة الرسمية وغير الرسمية، على وسائل التواصل الاجتماعي بمختلف أنواعها وذلك يأتي من معرفتهم بأهمية تلك الوسائل، ومدى تفاعل الناس في العالم العربي معها، وخصوصًا الشباب وصغار السن، فهؤلاء بالنسبة لهم يمثلون شريحة مهمة، يستهدفون بكثافة بشعارات ملؤها الكذب والتدليس من عينة أن إسرائيل هي بلد التعايش والتسامح والديمقراطية الوحيد في الشرق الأوسط، إلى آخر هذا الهراء.

ويعتمدون في ذلك على حداثة ذاكرة الشباب العربي والمسلم، وعدم مناصرتهم لكثير من الأحداث التاريخية، في مسار الصراع (العربي/ الإسلامي) مع الكيان الصهيوني، ولذا يكثف المسؤولون آلة البروباغندا الصهيونية في استهداف تلك الفئات خصيصًا، لبث أفكارهم المسمومة بينها، في عملية يمكن وصفها بأنها غسيل أدمغة لهؤلاء، طمعًا في الوصول في يوم من الأيام إلى جيل ذي ذاكرة مشوهة لدى آلة البروباغندا الصهيونية خبرة كبيرة في قلب وتزييف الحقائق وجعلها في صالحهم، كما لديهم أيضا خبرة في الاستفادة من نكبات ومصائب الآخرين، وأحدث الأمثلة على استفادتهم من نكبات ومصائب الآخرين، هي مشاركتهم في عمليات الإنقاذ الحالية بالمناطق التي ضربها الزلزال في جنوب تركيا.

وهنا قد يتوقف من يقرأ هذه السطور ويتهمني بالتحامل على الصهاينة، ويقول إن ما يقومون به عمل إنساني يجب أن نشكرهم عليه، بدلًا من توجيه الانتقاد إليهم. الحقيقية أني بغض النظر عن خبرتي مع هؤلاء ومعرفتي ونياتهم الخبيثة تجاه كل ما هو عربي وإسلامي، كنت أتمنى أن يخيب علمي ومعرفتي بهم هذه المرة، ولكن ما رأيت من أسلوب دعائي فجّ، بواسطة آلة البروباغندا الصهيونية، جعلني أتأكد أني على حق؛ فالأمر هنا -بدون تحامل- لا يمثل دولة تحاول إبراز صداقتها لدولة أخرى، في ظل ما تمر به من كارثة إنسانية صعبة، الأمر هنا لا يعدو كونه عملية استغلالية وليست استثمارية، تبحث من خلالها آلة البروباغندا الصهيونية عن استغلال مشاركتها بالحصول على صور وفيديوهات وتسويقها لدى العالم بشكل عام، والعرب والمسلمين بشكل خاص، على أنها دولة إنسانية تقدر قيمة حياة الإنسان، وتبذل الغالي والرخيص من أجلها، خصوصًا (حياة الأطفال)، في ما يمكن تسميته استغلال مصائب القوم من أجل غسل السمعة الملوثة بالدماء، وخصوصًا دماء الأطفال، التي تركز آلة البروباغندا الصهيونية على عملية إنقاذهم.

ترفع آلة البروباغندا الصهيونية خلال مشاركتها، في عمليات الإنقاذ شعار “الإنسانية فوق كل الاعتبارات” ببعثة أطلق عليها اسم “غصن الزيتون” ولا أعرف أي زيتون يمتلكه الصهاينة، في الزيتون كالأرض التي ينبت فيها معروف بأنه فلسطيني، ولنا عودة إلى هذا الاسم، ولكننا نود هنا طرح الأسئلة التالية على المسؤولين في الكيان الصهيوني: ما هو الاختلاف بين الأطفال في فلسطين والأطفال في تركيا؟ لماذا لا ترفعون شعار الإنسانية فوق كل الاعتبارات في تعاملكم مع أطفال فلسطين، وتوقفوا عمليات القتل والتنكيل الممنهج ضدهم.

حتى لا يكون الكلام مجرد كلام نظري، أو مدفوع بالعاطفة، وحتى نضيع الفرصة على آلة البروباغندا الصهيونية، في التنصل من عملية التنكيل بالأطفال وقتلهم في فلسطين

هذا فضلًا عن جريمة الاحتلال في عدم احتراما لحرمة الموت، وقيامه باحتجاز جثامين الشهداء من الأطفال، فبحسب تقارير الحملة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء المحتجزة والكشف عن مصير المفقودين، يحتجز الاحتلال جثامين 12 طفلا، أقدمهم جثمان الشهيد محمد الطرايرة الذي استشهد عام 2016، ويحكي والده ناصر الطرايرة قائلًا: “قتلوه بدم بارد، وبشكل بشع، بعد أن سيطروا عليه، فقد اخترق الرصاص عدة أنحاء من جسده، كان جبينه مهشّمًا، ولم يسمحوا لي حتى بتقبيلها قبلة الوداع”. وكذلك يحتجز الاحتلال جثمان الشهيد يوسف صبح (15 عاما)، وهو أصغر الشهداء المحتجزة جثامينهم حتى اللحظة لدى قوات الاحتلال، وقد قتلته قوات الاحتلال أثناء اقتحامها لقريته برقين، ويوسف هو الولد الوحيد بين اربع بنات، كانت تحلم أمه بأن تزفه عريسًا في يوم من الأيام، ولكن صارت كل أمانيها في الحصول على جسد تزفه شهيدًا، وتقول والدته السيدة رجاء حثناوي “إن الأم الفلسطينية حوصرت أحلامها، في فلسطين تُقتل الأحلام مع كل قطرة دم تسيل من أجساد الشهداء”.

ولم يتوقف الأمر عند قيام الاحتلال باحتجاز جثامين الشهداء، بل وصل إلى سرقة أعضائهم، وذلك حسب التقرير الصادر عن وزارة الإعلام الفلسطينية، في أبريل/نيسان 2022، الذي اتهمت فيه سلطات الاحتلال، بسرقة أعضاء جثامين الشهداء المحتجزة لديها، مشيرة إلى أن الاحتلال دأب على هذه الممارسات منذ عام 1948، الاحتلال الإسرائيلي يحتجز جثامين 105 شهداء في الثلاجات و256 شهيدًا في مقابر الأرقام، بينهم 9 أطفال و 3 شهيدات و8 أسرى أمضوا مددًا مختلفة في سجون الاحتلال.

ولا يمكن مغادرة هذه الفقرة من دون ذكر ذلك الطفل البريء “ريان الفلسطيني” صاحب السنوات السبع الذي استشهد في سبتمبر/ أيلول 2022، نتيجة لتوقف قلبه من الخوف، بعد مطاردة جنود الاحتلال المدججين بالأسلحة له من دون سبب، ولم يتركوه إلا بعد أن تأكدوا أنه أصبح جثة هامدة.

أي بلد يمر بكارثة كبرى كالتي تمر بها تركيا حاليًّا لا يمكن أن يرفض المساعدة من أي طرف لأن كل همه هو إنقاذ مواطنيه العالقين تحت الركام والدمار ولكن يجب علينا نحن أن نبقي عقولنا يقظة وأعيننا مفتوحة لمراقبة سلوك العدو وحرمانه من استغلال تلك اللحظة لتسريب رسائل مغلوطة يضلل من خلالها الرأي العام العالمي والعربي، ويصوّر نفسه على أنه منقذ محب للإنسانية وخصوصًا الأطفال فجرائم الاحتلال في حق الأطفال لا تعد ولا تحصى وما تم ذكره في المقال هنا هو قطرة في بحر جرائم الاحتلال في حق الفلسطينيين عمومًا والأطفال منهم خصوصًا ما تقوم به آلة البروباغندا الصهيونية في تغطيتها لنشاط، بعثتها في عمليات الإنقاذ بجنوب تركيا، يمكن وصفه بأنه محاولة لغسيل السمعة والأيدي الملوثة بالدماء من خلال كوارث ومصائب الغير.

بعد أن انتهى مشروع تهجير ما يكفي من اليهود إلى فلسطين وتأسيس ما بات يعرف بدولة إسرائيل أصبحت الدول والشعوب العربية هي المرمى الجديد الدعاية الموجهة التي يهدفون من خلالها إلى إقناع الدول العربية بالتطبيع وخلق قاعدة شعبية عربية مؤيدة لهم وتمييع القضية الفلسطينية في عقول الجيل العربي الحالي والأجيال الجديدة وتحويل المقاومة الفلسطينية بذهن المتلقي إلى جماعة إرهابية معتدية والاحتلال إلى مدافِع عن حقه لا يهاجم أو يقتل إلا لضرورة الدفاع عن أرضه وقد كان لانشغال العرب بمشاكلهم الاقتصادية وحروبهم الداخلية أثرٌ في عدم إعطاء القضية الفلسطينية حقها الكافي سواء من الناحية الإعلامية أو التربوية وأدى هذا الغياب الإعلامي العربي  إلى انتشار الدعاية الإسرائيلية بشكل أكثر فعالية خاصة في ظل اهتمامهم الزائد بجانب الدعاية وتسخير إمكانيات ضخمة في سبيل تطويرها وتقوية أثرها، مستغلين بذلك انتشار مواقع التواصل الاجتماعي وسهولة استخدامها وقوة تأثيرها على المتلقي.

أما الأدوات التي استخدمتها هذه الاّلة الدعاية لتحقيق أهدافها فهي متعددة منها: إنشاء صحف متحدثة باللغة العربية أو تعريب بعض فقرات الصحف الأخرى وتمويل بعض البرامج المعروضة في القنوات العربية  وإنشاء مجموعة من الصفحات العربية في مواقع التواصل الاجتماعي وغير ذلك أما مؤخرًا فقد كان للدعاية أساليب جديدة وغير مسبوقة، منها:

1_ استخدام الدول المطبعة كأداة للترويج وبما أن اتفاقية إبراهام بين الإمارات وإسرائيل مثلت سابقة جديدة من نوعها حيث تهدف هذه الاتفاقية إلى تعزيز العلاقات بين الدولتين في مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية بل وحتى مجالات التعليم والصحة والتجارة والأمن فقد لعبت الإمارات العربية المتحدة دور الطالب المجتهد في تأدية واجبه تجاه معلمه حيث باتت إحدى أبرز هذه الأدوات الدعائية  وسخرت كل إمكانياتها الإعلامية لإقناع الشعوب العربية بأن التطبيع هو الحل.

2_ استخدام شيوخ الدين كأداة من أدوات الدعاية وربما لأول مرة يتم تجنيد رجال دين في هذا الجانب وقد جاهد وسيم يوسف بكل تفانٍ في الصفوف الأولى للمعركة ودون منازع.

أما عن تداعيات كل ذلك، فلم تؤثر الدعاية في موقف أغلب العرب تجاه فلسطين، وقد كان التضامن العربي مؤخرًا مع أحداث الشيخ جراح واقتحام المسجد الأقصى القصف الإسرائيلي لقطاع غزة دورٌ في إنعاش القضية الفلسطينية لدى الشعوب العربية.

الفلسطيني يدرك قضيته الفلسطينية من زاوية الروح من زاوية القدس وهذا يعطي لنضاله دينامية تاريخية غير مسبوقة ويتابع حديثه عن مدى ضعف الاحتلال الذي مهما بدت قوته المادية والعسكرية  لن يكون قادرًا على مواجهة الحق الفلسطيني في هذا الزمن الثقافي يعرف الفلسطيني ماذا يفعل وبحضور القدس يحضر المعنى للقضية  ولا قبل لهؤلاء بمواجهة وعي الفلسطيني بذاته أو تجريده من المعنى ويظهر ذلك جليًّا في مشروع صفقة القرن هذه الصفقة التي تصور القضية الفلسطينية كصفقة تجارية يمكن حلها عن طريق عملية بيع وشراء وتبادل الأموال وكأن الفلسطيني ليس سوى تاجر لا يهتم سوى بالأرباح والخسائر المادية  ولكن خابت أمانيهم، وتحولت صفقتهم إلى صفعة هذه الصفعة تتجلى بانتفاضة الفلسطينيين اليوم في العام 2023 فبمواجهة أحداث حي الشيخ جراح واقتحام الأقصى وقصف قطاع غزة بالصواريخ أثبتت ردة الفعل الفلسطينية مدى كذب الدعاية الإسرائيلية وكشفت عن زيفها فلا الجيش الإسرائيلي قادر على مواجهة شجاعة الفلسطيني ولا القبة الحديدية قادرة على مواجهة الصواريخ الفلسطينية  وهكذا أسقطت أحداث فلسطين الأخيرة هذا القناع المزيف وفضحت حقيقتها أمام العالم الذي يجهلها.

*باحث في درجة الماجستير في العلوم السياسية والتنمية السياسية

مركز الناطور للدراسات والأبحاث  Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى