#شؤون اقليمية

محمد الجزار: عام التعويضات في الإتحاد الأفريقي: بين الماضي والمستقبل

محمد الجزار 3-6-2025: عام التعويضات في الإتحاد الأفريقي: بين الماضي والمستقبل

محمد الجزار  باحث في شؤون السياسة الأفريقية

قام معهد الدراسات الأمنية بجنوب أفريقيا (ISS) بنشر مقالة تحت عنوان عام التعويضات في الاتحاد الأفريقي بين الماضي والمستقبل , من تأليف الدكتور تاديسي سيمي ميتيكيا , وهو باحث أول في معهد الدراسات الأمنية , متخصص في سيادة القانون , ونظرا لأهمية موضوع هذه الدراسة الذي يدور حول تحقيق العدالة للأفارقة والأشخاص المنحدرين من أصول أفريقية عن الفترة الإستعمارية والعبودية وتجارة الرقيق من خلال التعويضات , بوصفه الموضوع الذي اعتمدته قمة الاتحاد الأفريقي التي عقدت في فبراير 2025 , وتركز هذه المقالة علي المعوقات التي تواجهها عملية المطالبة بالتعويضات ومستقبل العدالة التصالحية مع القوي الاستعمارية , وقد قمت بإعداد وترجمة هذه المقالة ونقلها للغة العربية نظرا لأهمية الموضوع الذي تتحدث عنه , خاصة في ظل تغافل العديد من الدول العربية والمنظمات الدولية العربية كجامعة الدول العربية عن فتح ملف التعويضات عن الجرائم الاستعمارية التي ارتكبت في حق الدول العربية خلال الاستعمار الأوروبي لها , بما فيها جرائم النهب الثقافي , وأهمية فتح ملفات الاسترداد الثقافي للكنوز العربية المنهوبة خلال فترة الاستعمار , بجانب ضرورة فتح ملفات ارجاع رفات بعض المناضلين العرب الذي لا يزال موجودا في متاحف الدول الأوروبية كمتحف الإنسان بباريس , حيث أحببت أن أسلط الضوء علي جهود الاتحاد الأفريقي والدول الأفريقية التي تطالب بالتعويضات من الحكومات الغربية عن جرائم دولهم خلال المرحلة الاستعمارية التي قاموا خلالها بنهب واستخراب وليس استعمار أفريقيا , فضلا عن سرقة كنوزها الثقافية للخارج ووضعها في متاحف أوروبا , علي أمل أن تفتح هذه المقالة الباب لتحرك عربي سيرا علي الدرب الأفريقي , وإليكم المقالة المترجمة فيما يلي :

إن الموضوع الذي اعتمدته قمة الاتحاد الأفريقي التي عقدت في منتصف فبراير 2025 ليكون القضية المحورية لعام 2025 , والذي جاء تحت عنوان ” العدالة للأفارقة وللأشخاص المنحدرين من أصول أفريقية عن الفترة الإستعمارية والعبودية من خلال التعويضات ” , يعيد إحياء نقاش بدأ منذ أكثر من 30 عاما منذ إعلان أبوجا الصادر في عام 1993 ، وتم تنشيطه بإعلان أكرا بشأن التعويضات الصادر في عام 2023 , وإعلان أكرا بشأن التعويضات والتعافي العرقي الصادر في عام 2022 .

ومن شأن خريطة الطريق المعتمدة من قبل الاتحاد الأفريقي أن تساعد في دمج موضوع هذا العام على المستويين القاري والعالمي , وبفضل مشاركة البلدان الأفريقية ومنظمات المجتمع المدني وأجهزة الاتحاد الأفريقي الأخرى ، تعطي خريطة الطريق الأولوية لإنشاء وحدة لتقديم الدعم الفني والسياسي وتنسيق التنفيذ

ويهدف هذا الموضوع إلى تطوير موقف إفريقي مشترك بهدف حشد الإرادة السياسية للدول , حيث قد تتردد بعض الدول في الانخراط في الدعوة أحادية الجانب للمطالبة بالتعويضات (بما يتجاوز المطالبات بإعادة الأشياء المسروقة) بسبب ديناميكيات القوة غير المتكافئة والاعتماد الاقتصادي على الغرب , كما تهدف التعويضات إلى إعادة بناء العلاقات ومنع الظلم ، مما يمهد الطريق لنظام عالمي أكثر عدالة.

ومن خلال إعادة فتح النقاش المتعلق بهذا الموضوع ، يقدم الاتحاد الأفريقي فرصة للقارة بأكملها لتحديد ما تعنيه التعويضات حقا , وتحديد نطاقها من خلال إشراك “المنطقة السادسة” (الشتات الأفريقي) ، والمجتمع الكاريبي ، والأميركيين من أصل أفريقي , حيث ينبغي أن يشجع النقاش على إيجاد منظور متوازن بين الضرر واللوم .

وعندما يتعلق الأمر بالتحيز ، فإن الأفارقة والأشخاص ذوي الأصول الأفريقية لديهم مواقف مختلفة , ولا بد من الاعتراف بالمسؤولية التاريخية أثناء التعامل مع الحقائق المعاصرة والتأكد من أن أفريقيا لا تلقي باللوم كله على الغرب وألا يقلل الغرب من الآثار الدائمة لهذه المظالم التاريخية .

وفي أوروبا وأميركا الشمالية ، يرى البعض أن التعويضات الأفريقية هي تعويضات رجعية , ومع ذلك فإن تحديد موقف مشترك والوقوف صفا واحدا ما هو إلا جزء واحد من حل اللغز .

 وقد واجهت مبادرة تعويضات الاتحاد الأفريقي بالفعل مقاومة عميقة وسوف تستمر في مواجهتها , حيث تزعم العديد من القوى الاستعمارية السابقة أنها ليست مسؤولة بشكل مباشر عن الظلم الذي ارتكب منذ قرون ، وترفض المطالبات بالتعويضات باعتبارها غير قابلة للتحقيق أو حتى رجعية , ويرى آخرون أن مساعدات التنمية ، وتخفيف أعباء الديون ، والاستثمار الأجنبي ، تشكل بالفعل تعويضات .

وعلاوة على ذلك ، لا تملك أفريقيا الوسائل اللازمة لإجبار القوى الاستعمارية السابقة على الالتزام بتعويضات ذات معنى ,  وعلى النقيض من الناجين اليهود من الهولوكوست أو الأميركيين اليابانيين الذين حصلوا على تعويضات ، على سبيل المثال , تفتقر الدول الأفريقية إلى النفوذ السياسي أو الاقتصادي أو المؤسسي للضغط على القوى الاستعمارية السابقة للقيام بذلك.

ومن بين الطرق التي يمكن من خلالها القيام بذلك توسيع نطاق موضوع الاتحاد الأفريقي ، الذي يركز حاليا على العدالة والتعافي للأفارقة والأشخاص المنحدرين من أصل أفريقي , ويمكن للاتحاد الأفريقي أن يتعامل مع التعويضات باعتبارها أجندة عالمية مستقبلية تشمل الضحايا والجناة على حد سواء .

ومن خلال القيام بذلك ، يمكن للمفوضية أن تستفيد من المفاهيم الأفريقية التقليدية للعدالة ، المتجذرة في سياساتها المتعلقة بالعدالة الانتقالية وإعادة الإعمار والتنمية بعد الصراع ، حيث يعتبر التعويض بطبيعته مستقبليا , وتتوافق مع هذا التوصيات الصادرة عن فريق الخبراء العامل التابع للأمم المتحدة المعني بالأشخاص المنحدرين من أصل أفريقي وقرارات اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب .

كما يمكن للاتحاد الأفريقي أن يتعامل مع التعويضات باعتبارها أجندة عالمية تتطلع إلى المستقبل , ومن شأن إعادة صياغة هذه الرؤية أن تعالج المنتقدين من أوروبا وأميركا الشمالية الذين يرفضون برنامج التعويضات في أفريقيا باعتباره برنامجا رجعيا ، على افتراض أن العنف انتهى بإلغاء تجارة الرقيق والاستقلال , ولكن في واقع الأمر ، حلت محلها أشكال من الظلم النظامي تعمل على إدامة التفاوت العالمي ، وتنعكس بشكل خاص في التمثيل داخل المؤسسات المتعددة الأطراف .

وعلاوة على ذلك ، وبحكم التعريف فإن التعويضات لا تتعلق بالماضي فحسب , بل إنها تعمل أيضا على استعادة العلاقات المكسورة ومنع عودة العنف , كما أن النهج الاستشرافي من شأنه أن يعزز نظاما دوليا أكثر عدالة ، حيث يتم تصحيح الأخطاء التاريخية بشكل فعال , ويمكن النظر إلى دعوات إصلاح النظام العالمي المتعدد الأطراف ، كما هو منصوص عليه في ميثاق المستقبل،  باعتبارها مرتبطة ارتباطا جوهريا بالتعويضات .

كما أن الأمر الأكثر أهمية الذي يتماشى مع تقاليد العديد من المجتمعات الأفريقية ، وتؤكده روابط خريطة طريق الاتحاد الأفريقي المتعلقة بالعدالة الانتقالية يتمثل في أن التعويضات لا تقتصر أبدا على الضحايا , وتشمل أيضا مرتكبي الجرائم , وتتحمل القوى الاستعمارية السابقة التي استفادت من معاناة أفريقيا مسؤولية الجراح الأخلاقية التي لم تعالج .

وكذلك لا تزال المجتمعات التي تأسست على العبودية والاستغلال الاستعماري تعاني من العنصرية وعدم المساواة الاقتصادية ونسيان التاريخ , ولهذا فإن العدالة التصالحية توفر لهذه الدول الفرصة للتعافي ومواجهة ماضيها وإعادة بناء العلاقات مع الأفارقة والأشخاص ذوي الأصول الأفريقية.

وفي ذات السياق فإن هناك طريقة أخرى لرفع مستوى هذا النقاش وهي عدم التركيز على الجرائم المرتكبة ضد أفريقيا ، بل على الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية , حيث أن الفظائع التي ارتكبت بما في ذلك الإبادة الجماعية ، والتهجير القسري ، ونهب الموارد والتحف الثقافية ، وجرائم الحرب العديدة والعبودية لم تكن مجرد جرائم ضد أفريقيا ، بل كانت جرائم ضد الإنسانية ككل.

وتعد القوى الاستعمارية السابقة هي التي  تتحمل مسؤولية الجروح الأخلاقية التي لم تُعال , وينعكس هذا الرأي بالفعل في قرارات الأمم المتحدة والصكوك الإقليمية والدولية , ومنذ إعلان وبرنامج عمل ديربان ، اعترف الاتحاد الأوروبي ، دون تقديم أي اعتذار ، بأن العبودية والاستعمار كانتا جريمتين ضد الإنسانية , وقد نظر الاتحاد الأفريقي للتو في اقتراح لتصنيف العبودية والترحيل والاستعمار باعتبارها جرائم ضد الإنسانية وإبادة جماعية ، من أجل تعزيز قضية التعويض.

ويتماشى هذا النهج السابق مع المبادئ القانونية والأخلاقية العالمية التي تعترف بهذه الانتهاكات التي تهز ضمير الإنسانية , ومن الناحية القانونية فإن هذا القرار يعزز خطة الاتحاد الأفريقي لطلب رأي استشاري من محكمة العدل الدولية , ويمكن استخدامها أيضا لجذب الجماهير الغربية وإثارة الغضب الأخلاقي العالمي ، وهو الغضب الذي حملته أفريقيا والشعوب ذات الأصول الأفريقية لأجيال ، وفي كثير من الأحيان مع القليل من الاعتراف على نطاق عالمي .

ويبين التاريخ أن الغضب الأخلاقي يمكن أن يكون تحوليا , حيث أشار الخبراء الذين حضروا حدثا نظمه معهد دراسات السلام والأمن على هامش قمة الاتحاد الأفريقي في فبراير إلى أن الحركة العالمية ضد نظام الفصل العنصري دفعت الحكومات الغربية إلى فرض عقوبات على جنوب أفريقيا ، ليس من خلال الإكراه الاقتصادي ، ولكن من خلال الضغط الأخلاقي المستمر  , وفي السنوات الأخيرة أدت أساليب مماثلة إلى استعادة القطع الثقافية الأفريقية .

ومع ذلك، فإن الغضب الأخلاقي ليس كافيا ,  ويجب أن يتم توجيهه بطريقة قادرة على التأثير على الخطاب الدولي والضغط على الحكومات وتغيير الرأي العام , ولتحقيق هذه الغاية في سياق الأزمة العالمية وعدم اليقين ، يتعين على الاتحاد الأفريقي وأصحاب المصلحة المحددين في خريطة الطريق بذل جهود مستدامة ومنسقة , ومن الضروري أيضا إشراك القوى والمؤسسات الاستعمارية السابقة.

وفي نهاية المطاف، لا بد من تعزيز الحجة الأخلاقية لصالح التعويضات من خلال خطة لتوحيد البحوث المجزأة بشأن الأضرار التي لحقت بأفريقيا والأشخاص المنحدرين من أصل أفريقي , ويجب أن تُستكمل هذه الخطة بالدعوة الاستراتيجية ، والعمل القانوني ، وبناء القدرات الاقتصادية لتحقيق العدالة التصالحية ذات المغزى ، والتي لا يتم تقديمها كمطالبة مالية فحسب ، بل كضرورة أخلاقية وسياسية.

وبالنسبة للاتحاد الأفريقي ولأفريقيا ، فإن “عام التعويضات” 2025 هو مجرد البداية , كما أن التحدي الحقيقي يكمن في جعل الحركة معترف بها عالميا وتظل أولوية بعد هذا العام ، لتتطور في نهاية المطاف إلى “عقد الاتحاد الأفريقي للتعويضات”، كما تتصور خريطة الطريق.

وستكون الحركة أكثر استدامة إذا تم النظر إلى العدالة التصالحية ليس فقط باعتبارها استجابة لماضي أفريقيا ، ولكن أيضا كأساس لتشكيل مستقبل العالم .

المراجع :

رابط الدراسة :

 https://issafrica.org/fr/iss-today/l-annee-des-reparations-de-l-ua-entre-memoire-et-avenir .

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى