عاموس جلعاد – 3 قضايا وجودية لا يمكن لإسرائيل تنحيتها
القناة 12 العبرية – بقلم اللواء عاموس جلعاد – 3/1/2022
لعقود عديدة، كان يقود “إسرائيل” رجال دولة كان فنهم حاسمًا. لم يكونوا جزءًا من التاريخ، لقد كانوا التاريخ نفسه. أعلن نفس القادة عن قيام الدولة مثل بن غوريون، وعرفوا كيف يبدأون الحروب مثل ليفي أشكول، ويقيمون اتفاقيات سلام مثل رابين وبيغن، أو يجرون تغييرات تاريخية في الأراضي، سواء من خلال الاتفاقات أو من جانب واحد. وكان شارون الأخير من جيل المصير الذي نفذ فك الارتباط عن غزة عام 2005 بينما أظهر انعكاساً أيديولوجياً عميقاً مقارنة بالمواقف القديمة التي كان يشغلها.
يمكن مناقشة طبيعة القرارات أو تداعياتها، لكن من الواضح أنها كلها نابعة من الاعتراف التاريخي والرؤية طويلة المدى، واعتمدت على أخذ المبادرة كاستراتيجية وجودية ورافقتها شجاعة كبيرة.
في العقد ونصف العقد الماضيين، تم استبدال عصر القرارات التاريخية باستراتيجية “إدارة الصراع”. استبدلت قرارات شن الحروب أو إبرام اتفاقيات سلام مصيرية بعمليات عسكرية (خاصة في غزة)، بعضها بادرت به “إسرائيل” والبعض الآخر فرضه عليها العدو مثل جولة القتال الاخيرة ؛ تحركات عسكرية استراتيجية لكنها محددة (بما في ذلك تدمير المفاعل النووي في سوريا عام 2007)، أو توقيع اتفاقيات سلام مع دول المنطقة، وهي ذات أهمية كبيرة، لكنها لا تتطلب نقاشًا حادًا داخل “إسرائيل” حول المسائل الوجودية أو تتطلب منها تنازلات جوهرية.
عمليًا، هناك حاليًا ثلاث قضايا ونصف تتطلب من القيادة في “إسرائيل” اتخاذ قرارات: القضية النووية الإيرانية، الاندماج المتزايد مع الفلسطينيين في الضفة الغربية، مكانة حمـــاس في غزة، ونصف القضية، وهي لا يشكل تهديدا: العلاقة بين الدولة ومواطنيها العرب.
في جميع القضايا الثلاثة الأولى، فضلت “إسرائيل” أو أُجبرت على مدى عقد ونصف على اتخاذ إجراء بدلاً من اتخاذ قرار.
والنتيجة العملية لهذا النهج هي تكثيف مستمر للتهديدات المتجسدة فيها: إيران تسير بخطى ثابتة نحو امتلاك القدرة النووية العسكرية، وحمـــ اس تؤسس نفسها حكومياً وعسكرياً (نوع من “حـــ زب الله على حدودنا الجنوبية”) وهي الاستعداد لاحتـــ لال القيادة الفلسطينية، وفي الضفة الغربية، يتطور واقع الدولة الواحدة تدريجياً، وبدون تخطيط أو إرادة.
وقت اتخاذ القرارات
لا جدال في أن هذا وقت صعب بشكل خاص بالنسبة للقرارات: لا يوفر المجتمع الدولي، ولا سيما الولايات المتحدة، الدعم لـ”إسرائيل” لتحركات عسكرية استراتيجية، وخاصة الهجوم على إيران يتراوح الفلسطينيون من عدم القدرة إلى عدم الرغبة في اتخاذ قرارات مصيرية. الحكومة الإسرائيلية والجمهور منشغلون بمشاكل أخرى خطيرة أبرزها كورونا، والواقع السياسي المعقد يجعل من الصعب التقدم بالقرارات العسكرية أو السياسية.
ومع ذلك، فإن القيادة بعيدة النظر لم تعد قادرة على الاعتماد على شعارات “إدارة الأزمات” والشعور بأنه من الممكن اللعب بالوقت، بطريقة سهلة ومادية على نهج سلبي.
تتطلب كل قضية من القضايا الثلاث قرارات ذات طبيعة مختلفة: يختلف توقيت العمل في كل حالة، وكذلك العواقب في الداخل والخارج.
في حالة “الساعة الرملية الإيرانية”، لا تزال “إسرائيل” مطالبة في هذه المرحلة بتوفير فرصة لتحقيق تحركات دولية سياسية واقتصادية ضد النظام الإسلامي بالتنسيق الوثيق مع الإدارة الأمريكية.
هذا، بالتوازي مع البناء المتسارع للقوة تجاه إمكانية التحرك العسكري، قد يكون له بالفعل على المدى القريب عواقب وخيمة، بما في ذلك الاحتكاك مع الولايات المتحدة والمواجهة على الجبهة الشمالية.
في المنتصف بين البديل العسكري والدخول إلى حقبة استراتيجية جديدة تكون فيها إيران على “مسافة هجوم” من القدرة النووية العسكرية، تختفي البدائل الوسيطة المختلفة.
القرار بشأن الضفة الغربية مختلف تماما، يتطلب ذلك من صانعي القرار أن يكونوا ناضجين عقليًا، وأن يركزوا على التفكير الموجه نحو العملية بدلاً من استعباد التركيز على الأحداث الجارية.
بشكل ملموس، يجب أن يكون مفهوماً أن السياسات الحالية القائمة على تصورات “السلام الاقتصادي” أو إدارة الصراع والتخفيف من حدته يمكن أن تنتج السلام، ولكنها ليست بديلاً عن حل استراتيجي، وتشكل في الواقع غطاءً لتسلل مستمر إلى واقع دولة واحدة.
يُطلب من صانعي السياسات البدء في تطوير نقاش سياسي وعام مؤثر حول المسألة المصيرية للانفصال، بما في ذلك ما سيكون التعبير الإقليمي عن هذه الخطوة، وهل سيتم تنفيذها بموافقة أو من جانب واحد وما هي مكانة وسلطات الكيان الفلسطينييني.
في ما يتعلق بقضية غزة، الخيار بين بديل سيء وسيئ: الاستمرار في السياسة الحالية القائمة على التحسين المتسارع للوضع المدني في قطاع غزة، الأمر الذي يرسخ حمـــ اس كحقيقة ويسمح لها ببناء قوتها للمعركة القادمة(دون أي ضمانات بإعادة المبادرة في مواجهة إسرائيل)، أو اعتماد نهج صارم يصب المحتوى في الإعلان الصادر في مايو الماضي بأن “من كان لن يكون”.
في هذا السياق، ستتم تلبية جميع احتياجات الوجود في غزة، لكن “إسرائيل” لن تبذل قصارى جهدها لتحسين الواقع في غزة وبالتالي تعزيز موقع حمــــ اس الاستراتيجي.
من المرجح أن يؤدي هذا النهج إلى احتكاكات في قطاع غزة، لكنه قد يكون عقبة في طريق حمـــ اس للحصول على قوى استراتيجية وعسكرية وسياسية.
لا يتطلب “نصف القرار” أقل شجاعة وبصيرة. سبعة عقود ونصف منذ إنشائها، طُلب من “إسرائيل” صياغة واضحة وحديثة لنظام العلاقات بينها وبين الجمهور العربي الذي يتأرجح بين أقطاب المواجهات والمظاهرات في مايو والتكامل التاريخي الذي روج له حزب راعام.
القرار المطلوب في هذه الحالة هو صياغة ميثاق اجتماعي يتم فيه تحديد مكانة المواطنين العرب بشكل واضح لا لبس فيه، بشأن حقوقهم والمساواة التي يستحقونها، وحول واجباتهم واندماجهم المطلوب. قد يساهم هذا في استقرار الساحة الداخلية المشحونة التي ثبت بالفعل في مايو الماضي أنها يمكن أن تصبح تحديًا استراتيجيًا.
الوقت لا يتجمد ولا يسمح “بتنحّي” القضايا الساخنة والعودة إليها عندما تكون ناضجًا.
القرارات التي لا يتم اتخاذها بسرعة ستصبح قريباً تهديدات ستفاجئ “إسرائيل” بالدهشة والمفاجأة حيث أنه أقل شأناً من الناحية الاستراتيجية، وبالتالي من المتوقع أيضًا أن تدفع ثمنا باهظًا منه.
وهذا يستحق على الأقل نقاشًا حيويًا بين الجمهور الإسرائيلي، والذي استند في السنوات الأخيرة إلى جو من عدم الاهتمام، والهروب من الواقع، والسخرية واليأس.
Ibrahemibrach1@gmail.com