أقلام وأراء

د. عمرو حمزاوي: في رفض التبرير المستتر لجرائم الكراهية والعداء للسامية

د. عمرو حمزاوي 1-7-2025: في رفض التبرير المستتر لجرائم الكراهية والعداء للسامية

خطأ بالغ أن يصمت أصحاب الضمير والمعنيون برفض الحرب والقتل الجماعي واحتلال واستيطان أراضي الغير والتهجير القسري والتجويع في فلسطين، خطأ أخلاقي وسياسي بالغ أن يصمتوا عن إدانة العنف وجرائم الكراهية والعداء للسامية التي يتعرض لها وعلى نحو متصاعد المواطنون اليهود في الولايات المتحدة الأمريكية وفي القارة الأوروبية وفي مناطق أخرى من العالم. كذلك يورط تجاهل جرائم الاغتيال والعنف الفردية المرتكبة ضد المدنيين والدبلوماسيين الإسرائيليين، كما حدث قبل أسابيع قليلة في العاصمة واشنطن، في محظورات قاسية لكون حماية الحق في الحياة لا تقبل القسمة على اثنين ولأن المسطرة الأخلاقية والسياسية التي ترفض وتندد بالقتل الجماعي في فلسطين لابد وأن تمد على استقامتها لترفض وتندد أيضا بالجرائم الفردية ضد مواطني إسرائيل.

فالتذرع بكون الحرب في غزة والعنف الهيكلي الذي يمارسه الاحتلال ومجموعات المستوطنين في الضفة الغربية وخرائط الدماء والدمار التي تفرضها هذه الجرائم على الشعب الفلسطيني تبرر إن بحسابات الكم (حيث ضحايا الحرب والعنف في فلسطين يفوقون عددا وبكثير عدد ضحايا جرائم الكراهية والعداء للسامية المرتكبة ضد اليهود والإسرائيليين) أو بحسابات الكيف (فثمة فوارق حادة بين دماء ودمار حرب مستعرة منذ أكثر من عام ونصف وبين اغتيالات وأعمال عنف تظل فردية على الرغم من تكررها المتزايد) الصمت على جرائم الكراهية والعداء للسامية هو إما خلط لأمور لا ينبغي لا أخلاقيا ولا سياسيا أن تخلط أو تنصل من مقتضيات مبدأ إنساني عام هو رفض القتل والعنف سواء مارستهما حكومة أو جماعة أو أفراد وسواء كان الضحايا شعب بأكمله أو مجموعة من البشر أو شخص وحيد.

لا ينبغي أبدا أن يرتب التضامن المشروع والضروري مع الشعب الفلسطيني الذي يواجه حرب إبادة وتجويع وأخطار الاستيطان والتهجير والاحتلال وتصفية قضيته العادلة إلغاء حق المواطنين اليهود في الولايات المتحدة وأوروبا والعالم أجمع في الحياة الآمنة وفي الحماية من جرائم الكراهية والعداء للسامية.

ومثلما يتعين أخلاقيا وسياسيا الامتناع عن إلصاق أعمال حماس بعموم الشعب الفلسطيني الذي جرت عليه نتائج 7 أكتوبر 2023 وبالا لم يرده، يتعين أيضا التمييز القاطع بين مواطني إسرائيل غير المتورطين في حرب الإبادة والتجويع التي يواجهها الشعب الفلسطيني وبين المسؤولين السياسيين والعسكريين والأمنيين عنها. بل أن التمييز يظل ضروريا أيضا فيما خص السياسيين والعسكريين والأمنيين بين من يتخذون قرارات إطالة حرب غزة ومواصلة منع دخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع ويرفضون التوصل إلى وقف لإطلاق النار وبين من ينفذون القرارات الواردة إليهم من أصحاب الأمر والنهي.

كذلك فإن الدفاع عن حق المواطنين اليهود وحق المدنيين الإسرائيليين وحق غير المتورطين في اتخاذ قرارات الحرب والإبادة والتجويع، الدفاع عن حقهم جميعا في الحياة الآمنة لا يجب أن يربط شرطيا بتضامنهم هم مع حق الشعب الفلسطيني في الوجود وتقرير المصير ووضع حد للحرب والاستيطان والاحتلال.

بعبارة أخرى، للمواطنين اليهود وللمدنيين الإسرائيليين الذين ينكرون حق الفلسطينيين في الدولة المستقلة ويدافعون عن الحرب في غزة وعن المزيد من النشاط الاستيطاني في الضفة الغربية وإعادة احتلال غزة نفس الحق في الحياة الآمنة وعدم التعرض لجرائم الكراهية والعداء للسامية وعلينا واجب الانتصار لهذا الحق والتضامن معهم مثلما ننتصر لحق اليهود والإسرائيليين الذين يؤيدون الحقوق الفلسطينية ونتضامن معهم وهم يعارضون سياسات وممارسات حكومة اليمين المتطرف ورئيس وزرائها بنيامين نتنياهو.

ليس الاقتراب أو الابتعاد عما نؤمن به نحن كحقوق وعدالة لا تقبل المساومة بمعيار إقرارنا لحق الآخر اليهودي والإسرائيلي في الحياة الآمنة من عدمه. فالحق هذا هو أيضا لا يقبل المساومة، ودفاعنا عنه ينبغي ألا يقتصر على من يتفقون معنا في الرأي والموقف.

لا أرفض فقط تهديد حياة وأمن وسلامة أصدقائي من اليهود الأمريكيين والأوروبيين الذين يعترفون ويدافعون عن الحقوق الفلسطينية ومن شابههم من المواطنين اليهود والإسرائيليين التقدميين والليبراليين وأصحاب النزعة الإنسانية، بل أرفض أيضا تهديد حياة وأمن وسلامة من لا أعرفهم من منكري الحق الفلسطيني ومناصري الحرب والاحتلال والاستيطان.

وفيما خص السياسيين والعسكريين والأمنيين في إسرائيل الذين يصيغون ويروجون لسياسات الحرب والاستيطان والاحتلال ويتخذون قرارات مواصلة تجويع وحصار أكثر من مليونين من الفلسطينيين ويسعون بلا كلل إلى جعل التهجير القسري من غزة والسيطرة الكاملة عليها وعلى الضفة الغربية واقعا لا فكاك منه، ففيما خص هؤلاء كأصحاب الأمر والنهي، دون خلط بينهم وبين من يتبعونهم وينفذون الأوامر ويلتزمون بالنواهي، يتعين المطالبة بمحاسبتهم قانونا وفقا للمبادئ والقواعد القانونية المعمول بها في إسرائيل ووفقا لمبادئ وقواعد القانون الدولي المعمول بها أمام محاكم كمحكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية والمحاكم الوطنية في بعض دول العالم.

لا يبرر تورط نتنياهو وحلفائه في الدماء والدمار الترويج لمقلوب ممارساتهم الإجرامية والعنيفة والإرهابية. فقد كان ذلك هو خطأ حركة حماس الكارثي حين ارتكبت عملية 7 أكتوبر. بل الواجب هو المطالبة بأن يواجه نتنياهو وحلفاؤه العدالة، عدالة تنتظم في ساحات تقاضي وطنية ودولية. الواجب هو الإصرار على أن يواجه المتورطون في حرب غزة العدالة، حتى وإن باعدت حقائق السياسة وعلاقات القوة بيننا وبين حدوث ذلك عملا.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى