أقلام وأراء

د. عبد المنعم سعيد: حرب أم لا حرب؟

د. عبد المنعم سعيد 20-8-2024: حرب أم لا حرب؟

في 18 حزيران 1914 لقي وليّ عهد إمبراطورية النمسا والمجر الأرشيدوق فرانز فرديناند مصرعه في سراييفو في البوسنة والهرسك التي كانت تابعة في ذلك الوقت للإمبراطورية، وكان اغتياله السبب المباشر في اندلاع الحرب العالمية الأولى. حدث ذلك من خلال سلسلة من عمليات التعبئة العسكرية التي جرت في فيينا اتقاء لاحتمالات أن يكون الاغتيال افتتاحية لقيام مملكة صربيا بالهجوم على البوسنة الخاضعة لأسرة الهابسبورج التي تقود الإمبراطورية.

إعلان التعبئة في النمسا دفع صربيا إلى إعلان التعبئة العامة هي الأخرى؛ ومن أجل مساندة الإمبراطورية أعلنت ألمانيا التعبئة العامة هي الأخرى؛ وهكذا انتقلت عدوى التعبئة إلى روسيا وفرنسا وبريطانيا والإمبراطورية العثمانية. وخوفاً من أن يفقد كل طرف فضيلة المبادرة العسكرية لم يكن الأمر يحتاج لأكثر من طلقة لكي تشتعل الحرب التي ضاع فيها 60 مليون ضحية وبعدها انهارت كل الإمبراطوريات.

الحالة كانت أنه من المستحيل التحكم في موقف متعدد الأطراف الدولية، وكل منها يضع أصبعه على الزناد دون أن يتحول الموقف بدافع التوتر على الأقل إلى إطلاق الطلقة الأولى، وبعدها يشتعل العالم أو في حالتنا إقليم الشرق الأوسط حيث الحرب بالفعل قائمة، قلبها حرب غزة الخامسة نعم، ولكن هناك حرباً أخرى حيث «وحدة الساحات» بين حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن والحشد الشعبي في العراق، وأطراف متعددة في سورية؛ وجميعهم مع إسرائيل المؤيدة من الولايات المتحدة.

الصورة في الشرق الأوسط لم يكن تنقصها عملية الاغتيال، فهي جزء أصيل من عملية الحرب في المنطقة؛ ولكن الأرشيدوق في هذه الحالة كان رئيس حركة حماس إسماعيل هنية والذي جرى اغتياله في طهران أثناء الاحتفال بتولي الرئيس بزشكيان سلطاته بعد مقتل أو اغتيال الرئيس السابق عليه إبراهيم رئيسي.

وبالتوازي مع عملية القتل في العاصمة الإيرانية تم اغتيال فؤاد شكر القائد العسكري لحزب الله في ضاحية الحزب في بيروت. لم يكن هناك شك أن إسرائيل كانت وراء عمليتَي الاغتيال؛ ومن وقتها بدأت تصريحات أن هناك أثماناً كبيرة سوف تُدفع من إسرائيل إزاء ما ارتكبته من جرائم.

وهكذا جرت عمليات التعبئة في إيران، وكافة أنواع الميليشيات المقاتلة في المنطقة، وكذلك فعلت إسرائيل، ولم يعد هناك شك في أن سلسال الحرب العالمية الأولى قد وصل إلى الشرق الأوسط بعد أكثر من مائة عام. وعندما كُتب هذا المقال قبل أيام كان مانشيت صحيفة الأهرام الغراء «إسرائيل تتأهب لهجوم إيراني قبل الخميس»؛ ولم يكن ذلك هو مانشيت الأهرام وحدها ولكن مثيله كان ذائعاً في صحف العالم، ويأتي في طليعة نشرات الأخبار.

دقت الحرب على أبواب الشرق الأوسط، فلم يكن غائباً أن إسرائيل بعملية الاغتيال كانت تريد استدراج إيران إلى حرب تتخلص فيها إسرائيل من التهديد النووي كما فعلت من قبل مع سورية والعراق. ولكن إيران وتوابعها بات لديهم من الصواريخ المتنوعة، والمسيّرات المختلفة، وقدرات عسكرية ممتدة من الخليج إلى البحر الأحمر وحتى البحر الأبيض المتوسط.

وكتاب الحرب عندما يُفتح لا يعرف أحد متى يصل إلى صفحة النهاية؛ ولذا لم يكن هناك مفر من دخول أطراف أخرى تحاول منع الحرب. مصر وقطر وبتأييد من الولايات المتحدة ودول عربية اتجهت نحو تحقيق الهدنة الموعودة في حرب غزة، وهو ما بدا أنه يعطي طهران نافذة للخروج منها، فإذا ما توقف القتال في غزة فلا داعي لشنّ الحرب فيما عداها.

واشنطن اتّبعت استراتيجية قوامها الأول الردع من خلال حشد هائل من القوة العسكرية مجسدة في حاملة طائرات إضافية «ابراهام لينكولن» وعليها خير ما أنتجت ترسانة الحرب الأميركية من طائرات ومسيّرات؛ ومعها جاءت قوافل الخبرة العسكرية من البنتاغون إلى الشرق الأوسط.

وإلى جانب الردع جاءت الدبلوماسية، وبقدر ما حصلت على دعم الدول الأوروبية – بريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا – لكي تضع أساطيلها وطائراتها في الميزان؛ حصلت منهم أيضا على تأييد كامل للعملية الدبلوماسية لوقف إطلاق النار في غزة الذي يعطي الفرصة لطهران لكي توقف انتقامها إلى يوم آخر.

لم يحدث في تاريخ الشرق الأوسط أن توقفت الأنفاس والأنظار عن الانشغال بأي أمر آخر سوى أن تنشب الحرب أو لا تنشب؛ تتصاعد أو لا تتصاعد؛ وهل يكون في اللحظة الحرجة مفتاح جهنم أو النعيم. مثل هذه اللحظة من ناحية أخرى تعطي الفرصة للأطراف المباشرة لكي تتلاعب بالموقف لتحسين شروط التفاوض أو لتسوية حسابات لم تسوّ. هي لحظة فارقة على أية حال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى