د. أيمن سمير: تسعة محددات: كيف يفكر ترامب في حرب إسرائيل وإيران؟

د. أيمن سمير، المستقبل للابحاث 17-6-2025: تسعة محددات: كيف يفكر ترامب في حرب إسرائيل وإيران؟

تفاجأ الكثيرون بتأكيد الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، علمه ومباركته لكل تفاصيل الهجمات العسكرية الإسرائيلية على إيران فجر يوم الجمعة 13 يونيو 2025، بينما كان يتحدث علانية قبل اندلاع هذه الحرب عن إمكانية نجاح الجولة السادسة من المفاوضات مع إيران بالعاصمة العُمانية مسقط. وجاءت المفاجأة لكل الذين اعتقدوا بوجود خلافات جوهرية بين واشنطن وتل أبيب حول الملف النووي الإيراني؛ حيث ساد اعتقاد لوقت طويل بأن ثمة أجندة أمريكية للتعاطي مع البرنامج النووي الإيراني تختلف في الأدوات والأهداف عن نظيرتها الإسرائيلية، وكان الحديث وقتها عن أن ترامب يفضل الحل الدبلوماسي لهذه الأزمة عبر المفاوضات، وأنه يكبح جماح رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الذي كان يراهن فقط على العمل العسكري ضد إيران.
وفي هذا الإطار، تثور تساؤلات بشأن كيفية تفكير ترامب في الحرب الحالية بين إسرائيل وإيران، وهل يأخذ في اعتباره مصالح الأصدقاء والحلفاء في منطقة الشرق الأوسط؟ وإلى أي مدى تُشكل رؤية ترامب والخيارات المتعددة التي قدمها الجنرال مايكل كوريلا، قائد القيادة المركزية الأمريكية، محاور الاستراتيجية الجديدة لواشنطن إزاء طهران؟
دعم أمريكي:
بعد الضربة الافتتاحية الإسرائيلية على إيران، جدد ترامب دعمه “الكامل وغير المشروط” للعملية العسكرية الإسرائيلية، قائلاً: “إنني أدعم إسرائيل كما لم تدعمها أي حكومة أمريكية من قبل”، وحذّر من تدمير كل شيء في إيران إذا لم تتوقف عن الهجوم على إسرائيل وتذهب إلى طاولة التفاوض. وترافق ذلك مع مشاركة الولايات المتحدة في إسقاط الصواريخ البالستية والطائرات المُسيَّرة الإيرانية التي استهدفت إسرائيل منذ بداية هذه الحرب، وتأكيد طهران أن البيت الأبيض شريك رئيسي في العمليات العسكرية الإسرائيلية، ليس فقط عبر تقديم الدعم المعلوماتي والاستخباراتي، وتفعيل إيلون ماسك خدمة الإنترنت عبر الأقمار الاصطناعية “ستارلينك” بعد أن قيدت الحكومة الإيرانية هذه الخدمة؛ بل أيضاً من خلال منح الولايات المتحدة إسرائيل القنابل والذخيرة اللازمة لاختراق الدروع وتحصينات المفاعلات النووية الإيرانية مثل قنبلة “جي بي يو 28” التي يصل وزنها إلى نحو 6000 رطل، وقنابل “بلو 109” التي يزيد وزنها على 2000 رطل.
وفي ظل التقديرات التي تؤكد أن الحرب تتجه نحو توسيع رقعة الضربات المتبادلة بين إيران وإسرائيل، سارع ترامب بتوجيه المدمرة “يو إس إس توماس هودنر” للإبحار نحو شرق البحر المتوسط، كما وجه البيت الأبيض مدمرة ثانية للتحرك في اتجاه الشرق الأوسط، بالإضافة إلى توجه أكبر حاملة طائرات أمريكية “يو إس إس نيميتز” إلى بحر عُمان لتكون قريبة من إسرائيل والقواعد العسكرية الأمريكية في المنطقة.
حسابات ترامب:
يمكن توضيح رؤية الرئيس ترامب للحرب الجارية بين إسرائيل وإيران في النقاط التسع التالية:
1- الدبلوماسية القائمة على القوة: يؤمن ترامب بمبدأ “الدبلوماسية القائمة على القوة”، وسبق له أكثر من مرة الحديث عن هذا المبدأ. وبعد انتهاء مهلة الـ60 يوماً التي أعطاها في إبريل الماضي لإيران لتفكيك البرنامج النووي الإيراني أو الدخول في الحرب، منح الضوء الأخضر لنتنياهو لضرب إيران في فجر أول يوم بعد انتهاء هذه المهلة، وهي ثقافة أمريكية قديمة مرتبطة بـ”الكاوبوي”؛ حيث يتم التفاوض دائماً في حضور الأسلحة. وهذا يُفسر دعوة ترامب للإيرانيين إلى استئناف المفاوضات بعد الهجمات الإسرائيلية، فهناك إيمان أمريكي عميق بأن الدبلوماسية لا يمكن أن تنجح أو تحقق أي نتيجة إلا بالضغط العسكري؛ ولهذا يراهن ترامب على تعميق خسائر إيران بالحد الذي يدفعها من جديد إلى طاولة المفاوضات للقبول بالشروط الأمريكية والإسرائيلية.
2- حماية المواطنين الأمريكيين: هناك نحو 700 ألف إسرائيلي يحملون الجنسية الأمريكية؛ ما يجعل إسرائيل ثاني دولة بعد المكسيك تحتضن مواطنين أمريكيين، وحماية المواطن الأمريكي في الداخل والخارج ركن رئيسي في استراتيجية ترامب لتعزيز شعبيته الداخلية. وتكفي هنا الإشارة إلى أن ترامب دخل لأول مرة في مفاوضات مباشرة مع حركة حماس لنحو أربعة أشهر؛ بهدف تأمين إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي الذي يحمل الجنسية الأمريكية، عيدان ألكسندر؛ ولهذا يرى ترامب أنه بحماية إسرائيل من الصواريخ والمُسيَّرات الإيرانية يحمي آلاف الأمريكيين على الأراضي الإسرائيلية.
3- قضية انتخابية: يُعد دعم إسرائيل بشكل مطلق جزءاً من التنافس بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري، وكل هذا انطلاقاً من رغبة الحزبين في تعزيز موقفهما الانتخابي من خلال التقرب من المؤسسات الأمريكية الداعمة لتل أبيب في الولايات المتحدة، مثل منظمة “أيباك”. ويتفاخر ترامب بأنه أكثر رئيس أمريكي دعم إسرائيل خلال ولايته الأولى، عندما نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، واعترف بضم هضبة الجولان السورية إلى إسرائيل، وكذلك خلال ولايته الحالية عندما أعاد إرسال القنابل التي علقت الإدارة الأمريكية السابقة برئاسة جو بايدن تسليمها إلى تل أبيب.
4- الدعاية للأسلحة الأمريكية: يُشكل نجاح إسرائيل في قصف الأهداف الإيرانية، وتجاوز دفاعاتها الجوية، أفضل وسيلة تسويق ودعاية للأسلحة الأمريكية. وكان هذا واضحاً عندما وصف ترامب الهجوم الإسرائيلي على إيران بأنه “ممتاز” لأنها تستخدم الأسلحة والذخيرة الأمريكية الأفضل في العالم؛ حيث استخدمت إسرائيل في الموجة الأولى من الضربات نحو 200 طائرة من طائرات “إف 16″، و”إف 35″، كما أن غالبية الذخائر الموجهة التي تستخدمها هذه الطائرات جاءت من مصانع شركات السلاح الأمريكية مثل “لوكهيد مارتن” و”جنرال ديناميكس” و”نورثروب غرومان”.
وبالفعل أشاد غالبية المراقبين العسكريين في العالم بالذخيرة والطائرات الأمريكية التي استخدمتها إسرائيل في الهجوم على إيران؛ حيث كانت الإصابات دقيقة بالرغم من أن الضربات كانت على بُعد 1500 كيلومتر في مناطق غرب طهران، ووصلت إلى نحو 2000 كيلومتر في الأهداف داخل طهران التي تقع شرق الحدود العراقية بنحو 450 كيلومتراً، فضلاً عن أن منظومات الدفاع الأمريكية الشهيرة مثل “باتريوت” و”ثاد” أدت دوراً كبيراً في إسقاط الصواريخ البالستية والطائرات المُسيَّرة الإيرانية؛ حيث يُعد نظام “باتريوت” الأفضل عالمياً لإسقاط الصواريخ والمقذوفات على ارتفاعات متوسطة، بينما يقوم نظام “ثاد” بدور بارز في إسقاط الصواريخ بعيدة المدى وفرط الصوتية. وهناك مؤشرات تقول إن الطلب على الأسلحة الأمريكية سوف يزداد بعد نهاية الحرب الإسرائيلية الإيرانية؛ ولهذا ينظر ترامب إلى انتصار تل أبيب في هذه المواجهة باعتباره انتصاراً وتفوقاً للسلاح الأمريكي.
5- تغيير في الأدوات والأهداف: يكشف تحليل تصريحات وقرارات ترامب تجاه إيران منذ عودته إلى البيت الأبيض في 20 يناير الماضي، عن تغيير كامل في الأدوات والأهداف التي يؤمن بها ويعمل عليها. فالأهداف في ولاية ترامب الأولى ركزت على التوصل إلى اتفاق مع إيران أكثر قوة من اتفاق (5+1) الذي وقّعه الرئيس الأمريكي الأسبق، باراك أوباما، في يوليو 2015، وانسحب منه ترامب لاحقاً في مايو 2018، وكانت الأهداف تتعلق وقتها بتجنب الأخطاء التي كان يراها ترامب في اتفاق 2015. واقتصرت أدوات ترامب في ولايته الأولى على الضغط الاقتصادي والدبلوماسي عبر سياسة “العقوبات القصوى” على طهران بدايةً من نوفمبر 2018، وتصفير مبيعات النفط والغاز الإيرانية. ومع عودة ترامب إلى البيت الأبيض هذا العام، تغيرت الأدوات إلى إمكانية استخدام القوة والعمل العسكري، بجانب الضغط الدبلوماسي والاقتصادي، وتحولت الأهداف من مجرد تحسين اتفاق عام 2015 إلى تفكيك البرنامج النووي الإيراني بالكامل على غرار تفكيك نظيره الليبي.
6- القيادة من الخلف: السؤال الذي يطرحه الجميع في الوقت الحالي هل تنخرط الولايات المتحدة عسكرياً في الحرب الإسرائيلية الإيرانية؟ من يراجع حقيقة موقف واشنطن يتأكد أنها داعمة لتل أبيب في مجال الاستخبارات والمعلومات، كما تدافع منظومات “باتريوت” و”ثاد” الأمريكية عن إسرائيل، وتطبق الولايات المتحدة في ذلك استراتيجية “القيادة من الخلف” دون أن تكون في صدارة العمليات العسكرية ضد إيران. لكن في حال فشل إسرائيل في القضاء على البرنامج النووي الإيراني، وقدرة طهران على “تعميق الألم” في إسرائيل، ومقتل أمريكيين في ضربات إيرانية، ووجود ضغط من أعضاء الكونغرس؛ فإن ذلك يمكن أن يدفع ترامب إلى الدخول مباشرةً في الحرب لصالح إسرائيل.
بيد أن هذه المعادلة محفوفة بالخطر؛ حيث إنها سوف تعني أكثر من دخول واشنطن الحرب؛ لأنه في هذا السيناريو قد تتحول الحرب الثنائية بين تل أبيب وطهران إلى حرب إقليمية واسعة؛ بسبب تهديد إيران باستهداف القواعد الأمريكية في المنطقة، وهذا خيار لا يريده ترامب؛ لذا فإن أكثر الخيارات المتاحة لترامب هو دعم إسرائيل بكل شيء لتحقيق جزء كبير من أهدافها، حتى لا تضطر الولايات المتحدة إلى الدخول بنفسها على خط الصراع.
7- نزع ورقة من روسيا والصين: منذ انتصار الثورة الإيرانية في عام 1979، تحولت طهران من المعسكر الغربي، واتجهت نحو الاتحاد السوفيتي السابق، ثم إلى روسيا والصين. وتقوم العقيدة السياسية الأمريكية على أن إيران مع روسيا والصين وكوريا الشمالية يعملون معاً ضد المصالح الأمريكية في العالم، وأن موسكو هي التي ساعدت طهران في برنامجها النووي خاصةً في محطة بوشهر، بينما جاءت غالبية تكنولوجيا الصواريخ والطائرات المُسيَّرة الإيرانية من الصين. ويتهم البيت الأبيض إيران بأنها زودت روسيا بآلاف المُسيَّرات الانتحارية من طراز “شاهد” والتي تُطلقها روسيا على المدن الأوكرانية مثل كييف وخاركيف وأوديسا وسومي؛ ولهذا فإن إضعاف إيران يصب في صالح تحقيق الأهداف الأمريكية ضد موسكو وبكين.
8- تعزيز الأحادية القطبية: لا يمكن وصف الحرب الإسرائيلية الإيرانية باعتبارها صراعاً ثنائياً أو تنافساً إقليمياً ثنائياً، فهذه الحرب ترتبط بالمعادلات الدولية؛ حيث تصطف إيران مع الصين وروسيا من أجل إنهاء الهيمنة الأمريكية وسياسة القطب الواحد؛ لذا فإن إضعاف إيران هو بمثابة إضعاف لصوت قوي كان ضد الأحادية القطبية.
9- استدارة أمريكية: لأكثر من عقد ونصف ومنذ عام 2010 عندما كتبت هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك، مقالها الشهير “الاستدارة شرقاً” في عدد مايو من مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية؛ ساد اعتقاد بأن الولايات المتحدة تخرج من منطقة الشرق الأوسط، وتتجه نحو شرق وجنوب شرق آسيا؛ بهدف مواجهة الصين. لكن الانخراط الدبلوماسي الأمريكي، والذي يمكن أن يتحول إلى عسكري في أي وقت خلال الحرب الإسرائيلية الإيرانية، يؤكد أن واشنطن عادت من جديد إلى المنطقة وأنها في قلب “الاستدارة نحو الشرق الأوسط”، في ظل المخاوف الأمريكية على أمن إسرائيل، وتنامي مصالح واشنطن الاقتصادية؛ وهو ما يجعل من الولايات المتحدة محور التفاعلات السياسية والاقتصادية والعسكرية في الإقليم.