بين الاستقالة والاعتذار، العلاقات الإسرائيلية التركية في مواجهة الثورة الهادئة
ترجمة: مركز الناطور للدراسات والأبحاث 04/08/2011.
إعداد: عوديد عيران وجاليا لندشتراوس
نشرة مباط العدد 272 معهد أبحاث الأمن القومي في 01/08/2011
إعلان رئيس الأركان التركي وقادة الأسلحة البرية والجوية والبحرية في الجيش التركي عن استقالتهم هو في الحقيقة اللمسات الأخيرة في عملية تحييد الجيش في تركيا كلاعب سياسي رئيسي وهام، هذه العملية تتصدر الثورة الهادئة التي تمر بها تركيا منذ صعود حزب العدالة والتنمية إلى سدة السلطة لأول مرة في عام 2002 . هذا الحزب نجح في العمل على التآكل في مكانة الجيش الذي يعتبر حامي العلمانية في تركيا والإضرار بهذا الجانب وجوانب أخرى من ميراث أتاتورك، لهذه العملية عملية تحييد النفوذ السياسي الداخلي للجيش التركي أهمية من الدرجة الأولى فيما يتعلق بما يحدث داخل تركيا لكن لهذه العملية دلالات في سياستها وعلى الأخص العلاقات مع إسرائيل. التغييرات الدراماتيكية في تركيبة قيادة الجيش التركي تؤدي إلى تبديد الأمل هذا إذا كان قائما بإمكانية إعادة إحياء العلاقة الأمنية بين إسرائيل وتركيا، التغييرات في قيادة الجيش التركي إلى جانب لوائح الاتهام التي قدمت ضد عشرات الضباط تفضي إلى وضع عدم توقع محاولة من جانب الجيش التركي لتقويض سياسة الحكومة التركية تجاه إسرائيل، أكثر من ذلك فبعد نجاح رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان وحزبه في إحداث تآكل في مكانة الجيش سيبذل الجهد من أجل تقنين هذا الإنجاز ومنع الجيش من الازدهار مرة أخرى كلاعب ذو نفوذ سياسي كبير في الساحة الداخلية التركية، في هذا السياق يطرح السؤال التالي: “فيما إذا كانت هناك في هذه الظروف فائدة من وراء تقديم إسرائيل اعتذار لتركيا عن نتائج السيطرة على الباخرة مرمرة ؟” تركيا عادت وأكدت أنها لن تتخلى عن شرط تقديم الاعتذار من أجل إعادة بناء العلاقات إلى جانب دفع تعويضات ورفع الحصار عن غزة. المندوب التركي إلى اللجنة التي عينها الأمين العام للأمم المتحدة في التحقيق في أحداث القافلة “لجنة بلمار” في محاولة للتقليل من خطورة عدم وجود اتفاق بين الدول شبّه ما حدث بسكب كأس من القهوة عن طريق الخطأ إذ يتعذر مقابل ذلك تقديم الاعتذار وتقديم مقابل . التشبيه ليس دقيقا لأسباب كثيرة لكنه في الحقيقة يمثل عمق الاعتذار الإسرائيلي الذي تستطيع إسرائيل أن تعلن عنه في الوقت الحاضر، أي اعتذار محدود يتمحور حول إخفاقات عملياتية. إلى جانب حقيقة الاعتذار هذا إذا ما قدّم، فإنّ مثل هذه الخطوة لن تحدث تغييرا مهما في البعد الأمني للعلاقات بين إسرائيل وتركيا وهناك عدة عوامل يمكن أن توضح الاستعداد الإسرائيلي للاستغلال المحدود. هذه العوامل هي بكل تأكيد ستؤثر على العلاقات التركية الإسرائيلية خلال الفترة القادمة إذا لم يفلح الطرفان في التوصل إلى تسوية في الوقت الحاضر. العامل الأول: هو الضغط من جانب الولايات المتحدة، العلاقات الإسرائيلية التركية ليست فقط علاقات ثنائية وإنما أصبحت بمرور السنين جزءا من ثالوث حيث أن الولايات المتحدة تشكل أحد أضلاعه. الربيع العربي عزز من أهمية تركيا كحليف إقليمي بالنسبة للولايات المتحدة، هذا الأمر نابع من حقيقة أنّ الحليفات الأخريات للولايات المتحدة في الشرق الأوسط قد ضعفت إلى حد كبير أو تعرضت لتغييرات حولتها إلى أقل مصداقية. الولايات المتحدة تستخدم ضغوط كبيرة على إسرائيل وتركيا من أجل إعادة بناء العلاقات بينهما، بالنسبة للولايات المتحدة وبالمقارنة مع جميع المشاكل المزمنة الأخرى القائمة في الشرق الأوسط فإن العلاقات المتعكرة بين إسرائيل وتركيا هي بمثابة عثرة مؤقتة يجب معالجتها قبل أن تفضي إلى نتائج سلبية أخرى. عامل آخر هو الحاجة إلى علاقات عمل سليمة بين إسرائيل وتركيا على ضوء التغييرات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط وانعدام الاستقرار النابع عن الربيع العربي وعلى الأخص في سوريا، وكما ذكرنا فإنّ استئناف العلاقات الأمنية على المستوى التي كانت عليه في عقد التسعينات ينبغي أن يكون مطروحا على جدول الأعمال حتى وإن تم التعاون بمستوى أساسي، على سبيل المثال إذا ما تفاقم عدم الاستقرار في سوريا. إسرائيل وكما عبر وزير الدفاع (إيهود باراك) في الآونة الأخيرة لا تستطيع أن تسمح لنفسها أن لا تكون لها علاقة مع واحدة من الدول الرئيسية في المنطقة على الأقل مصر وإيران والسعودية وتركيا. التغييرات في مصر وحالة اللايقين بالنسبة لمستقبل الدولة، المواجهة العلنية مع إيران، وحقيقة عدم وجود اتصال مع السعودية تفرض تحسنا معينا في العلاقات مع تركيا. العامل الآخر محاولة حماية الجنود الذين شاركوا في السيطرة على سفينة مرمرة من دعاوى قضائية، الخوف هو أنّ تقرير بلمار (عندما ينشر) يمكن أن يشكل أساس لدعاوى ضد جنود جيش الدفاع الإسرائيلي ومحاولة الحصول على موافقة تركيا على ذلك لعدم تقديم مثل هذه الدعاوى القضائية، حيث مثل هذا الطلب يشكّل عامل آخرا يسهم في تحفيز الاستعداد الإسرائيلي للاعتذار المحدود. وهناك سؤال آخر يطرح وهو إذا كان هذا هو الدافع الرئيسي لدى إسرائيل فعلا أو أن ذلك هو الطريق لإعداد الرأي العام الإسرائيلي لقبول الاعتذار، حيث أنّ معظم الجمهور يعارضه. يبدو مع ذلك أن النظام القضائي في إسرائيل اقتنع بأنّه لن تكون هناك تداعيات قانونية بعد أن يقدّم الاعتذار. عامل آخر هو العلاقات التجارية بين الدولتين: العلاقات الاقتصادية شهدت تطورا واتساعا إلى جانب التوترات السياسية، هذا على ضوء كون تركيا وإسرائيل تمتلكان اقتصاديات مكملة لبعضهما البعض من نواحي كثيرة، حكومة العدالة والتنمية تركز إلى حد كبير على استخدام الأدوات للسياسة الخارجية لغرض تطوير الاقتصاد التركي، بالإضافة إلى ذلك فإذا ما تفاقمت التوترات بين الدولتين فإنّ المزيد من رجال الأعمال لدى الطرفين قد يتخوفون من التعاون مع بعضهم البعض.