اسرائيل اليوم – قضم اقليمي زاحف
اسرائيل اليوم – بقلم غرشون هكوهن – 7/1/2022
” من تحت الرادار يعمل وزير الدفاع مع الادارة المدنية على خطوات ذات مغزى تسير في اتجاه تحويل مناطق ج من خطوط الحد الادنى الضرورية لامن اسرائيل الى مجال ينقل تدريجيا الى الفلسطينيين “.
أثار لقاء وزير الدفاع بني غانتس مع رئيس السلطة الفلسطينية الاسبوع الماضي كما كان متوقعا انتقادا من الجانب الاخر للخريطة السياسية وتأييدا في جانبها الثاني. من ناحية امنية وسياسية، اللقاء شرعي. السؤال الجدير بالتركيز – فضلا عن تفصيل ما اتفق عليه الرجلان في اللقاء، حول مضامينه العلنية والسرية – هو ما هي الرؤيا السياسية التي تتصدره وما هي الميول الميدانية التي تسعى لان تحققها.
تعود السياسة الرسمية لحكومة اسرائيل فتوضح بانه لن تتخذ في هذه الحكومة خطوات سياسية ذات مغزى – لا الضم ولا التسوية السياسية. كما انها واضحة للسلطة الفلسطينية وللادارة الامريكية اضطرارات القيادة الاسرائيلية. غير أنه في هذه الاثناء لا يستطيع الواقع على الارض حقا الوقوف في مكانه مثلما لا يمكن لزوجين ينتظران وليدا ان يجمدا الزمن. وهذا ما يبعث قلقا في الميل المتصدر بقيادة وزير الدفاع. مع ان عموم الجهات التي تعمل في الساحة استوعبت جيدا انه في السنتين القريبتين لن تكون مسيرات سياسية رسمية، تحمل انعطافة معلنة، ومع ذلك، يبدو أن الوزير غانتس يعمل في هذه الاثناء في الميدان على خطوات ما من تحت الرادار – في ميل رؤيا الدولتين. ففي مسيرة زاحفة، دونم هنا ودونم هناك بتشجيع من الادارة الامريكية، تبنى الدولة الفلسطينية في المجالات التي تخرج عما يوجد منذ الان لديها في مناطق أ و ب.
جرى الحديث كثيرا عن البناء والسيطرة الفلسطينية في المناطق ج. يحتمل ان يكون في اساس موقف وزير الدفاع من هذه المسألة يقبع الفهم ان في نهاية المطاف – معظم المجال المحدد حاليا كالمنطقة ج سينتقل على اي حال الى سيطرة فلسطينية. رؤياه للوضع النهائي في المجال يبقي في يد دولة اسرائيل ليس اكثر من كل الاستيطان المجاورة للخط الاخضر والذي يتلخص في 3 في المئة في اقصى الاحوال من مجالات يهودا والسامرة، وقاطع ضيق على طول غور الاردن، على نحو يشبه الميل الذي وضعه رئيسا الوزراء اهود باراك واهود اولمرت. وهنا يبرز حجم الورم الذي تضخم من رؤيا رئيس الوزراء اسحق رابين، كما عرض في المداولات في الكنيست في القرار حول اوسلو ب في تشرين الاول 1995، وبين الموقف الذي تبناه اولمرت وباراك.
اساس الفرق بين خريطة رابين وبين خريطة باراك – اولمرت يتلخص بالمعنى المنسوب لدور المناطق ج. في خريطة رابين تعبر مناطق في هذه المنطقة عن شروط اقليمية ضرورية في مفهوم الامن لدولة اسرائيل. بينما في مفهوم باراك – اولمرت هي ليست اكثر من وديعة، مؤتمن عليها حتى التسوية النهائية في ايدي دولة اسرائيل ومن شأنها في المستقبل أن تنتقل الى سيطرة فلسطينية في نهاية المسيرة.
حدود قابلة للدفاع
تقسيم المجال الى مناطق أ و ب و ج نشأ على طاولة رابين في مسيرة تخطيطية مفصلة. مجالات بدت في نظره كمعبرة عن مصالح امنية لاسرائيل تحددت في خريطة الاتفاق كمناطق ج.
في الجهد للحفاظ على الاغلبية اليهودية في دولة اسرائيل اليهودية – الديمقراطية سعى رابين حقا لان ينقل اساس السكان الفلسطينيين الى سيطرة فلسطينية. ولهذا الغرض نقل اجزاء كبيرة في يهودا، السامرة وغور الاردن الى سيطرة السلطة الكاملة في المناطق أ والى السيطرة المدنية في المناطق ب. وبذلك انهى عمليا السيطرة المباشرة لدولة اسرائيل على معظم الفلسطينيين في المجال. وبالتوازي، وانطلاقا من رؤيا امنية، حدد مناطق ج كمرسى ضروري لسيطرة اسرائيلية في المجالات التي خلف الخط الاخضر. لقد اقيم مفهومه على اربعة عواميد اساسية: الاول – سيطرة اسرائيلية في القدس الموسعة، التي تضم ايضا جفعات زئيف ومعاليه ادوميم؛ الثاني – سيطرة في غور الاردن في كامل عمقه كمجال الامن للدفاع عن دولة اسرائيل من الشرق؛ الثالث – الاحتفاظ بمناطق حيوية في المجال مثل جبل حتسور ومفترقات مركزية في مفترق تفوح، في جهد متداخل لنشر الاستيطان وقوات الجيش الاسرائيلي؛ والاخير – حفظ وحيازة اروقة تحت سيطرة اسرائيلية لربط غور الاردن بقاطع الشاطيء، وفي اطار ذلك حيازة آمنة لشبكة المحاور لحركة سير حرة وآمنة لقوات الجيش الاسرائيلي والمستوطنين.
بهذا الشكل، فان المناطق ج – حيث تنتشر كل المستوطنات الاسرائيلية ومعسكرات الجيش الاسرائيلي في مجالات يهودا والسامرة، الى جانب شبكة الطرق – تعبر عن المجال الذي رأى فيه رابين ضرورة لوجود وحماية دولة اسرائيل، تعبيرا عن تطلعه الى “حدود قابلة للدفاع”.
في هذا المفهوم الامني، استغل رابين جيدا مسيرة التقدم لتحقيق اتفاقات اوسلو في صالح جهد شامل لتنظيم اقليمي متجدد. في هذا الاطار تصدر جهد تصميم شبكات واسعة النطاق بشق شبكة طرق التفافية في المنطقة ج، تمنح الجيش الشروط اللازمة للحراك العملياتي في المجال. شبكة الطرق السريعة والمتطورة التي وضعها رابين – طريق الانفاق الى غوش عصيون، الطريق السريع الى ارئيل، طريق التفافي رام الله وطريق التفافي حلحول – هي التي اتاحت عمليا انسحاب الجيش الاسرائيلي من التجمعات السكانية الفلسطينية في مناطق أ و ب في ظل الحفاظ على المصالح الامنية لدولة اسرائيل.
مسألة حرية الحركة
بعد اكثر من نصف يوبيل يمكن توجيه نظرة نقدية مقارنة بين المفهوم الامني الذي تبلور في يهودا والسامرة وبين ذاك الذي تبلور في قطاع غزة. وبخاصة بعد فك الارتباط في العام 2005، نشأت في قطاع غزة حدود متواصلة في نظام متصلب يثبت نمط عمل قوات الجيش بانتشار خطي على طول الحدود، في مجال نظم في فصل مطلق – “هم هناك ونحن هنا”. اجتياز الحدود لعمل الجيش الاسرائيلي في المجال الفلسطيني، الذي تسيطر عليه حماس – اصبح في قطاع غزة حدثا قتاليا مركبا.
في هذا الواقع، فقد الجيش الاسرائيلي حرية العمل في عمق المجال الخاضع لسيطرة حماس. في مجالات يهودا والسامرة، بالمقابل، كنتيجة مباشرة للمفهوم الاقليمي الابداعي الذي بلوره رابين، في التقسيم المتداخل للمجال الى مناطق أ و ب و ج – بقيت حرية حركة الجيش الاسرائيلي في كل المجال بشكل غير مقيد تقريبا. هذا، ضمن امور اخرى، ما اتاح انجازات حملة حارس الاسوار في يهودا والسامرة، وهذا ما اتاح لقوات الامن في يهودا والسامرة الوصول في غضون وقت قصير الى نشطاء الارهاب واعتقالهم، دون استخدام قوات كبيرة – مثل العملية في اطراف جنين للقبض على المخربين الذين هربوا من سجن جلبوع، او مثل العملية السريعة في سيلة الحارثة لاعتقال قتلة يهودا ديمنتمن في حوفش.
الشكل الذي نظم فيه مجال الموزع في مناطق ج في هامش مناطق أ و ب يعبر عن مفهوم مجال امني يهودي اثبت نجاعته الامنية في نصف اليوبيل الذي انقضى منذ وضع. اما ميول البناء التي يجري العمل عليها بشكل تآمري من جانب السلطة الفلسطينية في المناطق ج، الى جانب تنازلات اسرائيلية متفق عليها يدفعها وزير الدفاع الى الامام، يتم القضم لاساس البنية الاقليمية التي وضعها اسحق رابين كشروط امنية واجبة. هذا مثلا هو خطر المخطط الهيكلي الجديد الذي يعملون عليه هذه الايام في الادارة المدنية لتوسيع محاجر فلسطينية في المناطق ج، بجوار محاور السير الرئيسة.
ان الميول التي يعمل عليها وزير الدفاع غانتس في مجالات يهودا والسامرة والغور هي شأن مفهوم الامن الوطني الشامل لدولة اسرائيل. وهي ذات مغزى لمستقبل دولة اسرائيل، وفيها يجدر تركيز النقاش الجماهيري.