إسرائيل اليوم: هدية وشوكة فيها

إسرائيل اليوم – ايال زيسر – 9/2/2025 هدية وشوكة فيها
30 سنة مفاوضات عقيمة بين إسرائيل والفلسطينيين، منذ عهد أوسلو وحتى ما قبله اتسمت برفض وصد من الجانب الفلسطيني – رفض عنيد للتقدم في طريق السلام وصد تلقائي لكل اقتراح حل وسط قدمته لهم إسرائيل او الولايات المتحدة.
الرفض والصد شهدا على الصعوبة الفلسطينية للاعتراف بالواقع، مهما كان قاسيا، والتخلي عن حلم تصفية دولة إسرائيل.
بعد كل شيء، على مدى السنين، وربما اليوم أيضا، يوجد فلسطينيون كثيرون يؤمنون بان الزمن يلعب في صالحهم وكل ما عليهم عمله هو الصمود وعدم التنازل الى أن تنهار إسرائيل من تلقاء ذاتها أو ان ينجح الفلسطينيون، بمساعدة ايران وفي حينه حزب الله ايضا في التغلب عليها.
لكن حتى بفرضية، يمكن بالطبع الجدال فيها، ان يكون حسم لدى الفلسطينيين – بعضهم على الأقل – الامر فقرروا أيضا الوصول الى تسوية سلام مع الفلسطينيين فان الترقب بانهيار إسرائيل حل محل الايمان بانه كلما تلبث الفلسطينيون في طريق السلام وكلما صدوا اقتراحات السلام المقدمة اليهم، هكذا يكون افضل؛ فهم ليس فقط لن يدفعوا أي ثمن على رفضهم بل قد يربحون كثيرا فيتلقون اقتراحات محسنة وتنازلات أخرى من جانب إسرائيل.
ينبغي الاعتراف بان الاسرة الدولية – لكن إسرائيل أيضا – تعاونت مع هذا السلوك الفلسطيني اذ انها لم تجبي من الفلسطينيين ابدا ثمنا على رفضهم بل بدلا من ذلك تقدمت لهم المرة تلو الأخرى باقتراحات جديدة ومحسنة تتضمن تنازلات أخرى. وهكذا، فان جولة محادثات جديدة بين إسرائيل والفلسطينيين بدأت من نقطة النهاية – أي من اقتراحات الحل الوسط والتنازلات – للجولة السابقة.
أول من حطم الدائرة السحرية لاقتراحات الحل الوسط والتنازلات، الرفض الفلسطيني لقبولها والعودة مرة أخرى كان الرئيس ترامب في ولايته الأولى في البيت الأبيض. في الشمال اعترف بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان، مثابة غرامة بل وعقاب للنظام السوري على رفضه على مدى العقود الثلاثة الأخيرة التقدم في طريق السلام. اما حيال الفلسطينيين فتقدم بصفقة القرن وفي اطارها اعترف بالقدس كعاصمة إسرائيل وكان حتى مستعدا للتسليم بضم أجزاء من يهودا والسامرة لإسرائيل. وهكذا اطلق رسالة واضحة في أنه اذا كنتم تريدون التقدم، فعلى الفلسطينيين أن يفهموا بان الاقتراح الذي يرفضونه لن يتكرر.
رفض الفلسطينيون باحتقار صفقة القرن لترامب مثلما رفضوا كل اقتراح حل وسط سابق عرض عليهم في الماضي. فواضح ان الفلسطينيين، حتى اكثر من إسرائيل، يخشون كل تقدم في طريق السلام ويفضلون استمرار الوضع الراهن. وذلك لانهم لا يمكنهم ان يتخلوا عن الحلم والنزول الى ارض الواقع.
صفقة القرن لترامب في كانون الثاني 2022 قد تكون بعيدة عما حلم به الفلسطينيون أن توقعوه، لكنها كانت اقتراحا واقعيا كان سيعفيهم من مسار العذابات، مسار الدم والنار الذي اختاروا ان يصعدوا اليه وقادهم الى 7 أكتوبر، هجمة الإرهاب الاجرامية تلك لحماس، التي نهايتها إيقاع كارثة على سكان غزة.
بالمناسبة، في الجانب الفلسطيني وكذا الكثيرين في الاسرة الدولية، يتوقعون ان تتلقى حماس جائزة ترضية على هجمة الإرهاب في 7 أكتوبر وان يتاح لها مواصلة السيطرة في غزة بل وتلقي تنازلات أخرى من إسرائيل. لكن لدى ترامب هذا لن يحصل.
ترامب يتحدث تجارة لكنه اثبت أنه يتحدث أيضا بلغة الشرق الأوسط، وعنده لا توجد جائزة ترضية او فرصة ثانية. وهكذا فان الفلسطينيين الذين رفضوا صفقة القرن لترامب والان يرفضون باحتكار خريطة طريقه لاعمار القطاع كفيلون بان يكتشفوا بانه ليس فقط فقدوا غزة بل وأيضا يهودا والسامرة.
وهكذا لا يمكن للفلسطينيين ان يتهموا الا أنفسهم، مثلما يتهمون العالم العربي، ولا سيما الاسرة الدولية التي تقف خلفهم بتأييد تلقائي لمواقفهم التي أدت فقط الى التشدد في هذه المواقف بدلا من المرونة والبراغماتية اللتين كانتا ستتيحان تحقيق تسوية.