إسرائيل اليوم: على إسرائيل أن تخلق مجال نفوذ على مناطق سورية تحت سيطرة الدروز والاكراد

إسرائيل اليوم 19/12/2024، تسفي هاوزر: على إسرائيل أن تخلق مجال نفوذ على مناطق سورية تحت سيطرة الدروز والاكراد
تقف إسرائيل امام فرصة تاريخية غير مسبوقة لتغيير الميزان الاستراتيجي في الشرق الأوسط. عن فرص من هذا النوع درج القول “فرصة مرة واحدة في مئة سنة”. أساسها – خلق مجال نفوذ جوهري على المناطق التي كانت ذات مرة دولة سوريا، وتوجد تحت سيطرة قوى درزية وكردية، الى جانب المرابطة على مسار حدود مختلف عن ذاك الذي اضطرت إسرائيل الى الانسحاب اليه في 1974.
توجد نوافذ زمنية تاريخية نادرة يمكن فيها تحقيق إنجازات كبرى في مدى زمني قصير، بخلاف العادة التي يمكن فيها تحقيق إنجازات صغيرة في فترة زمنية طويلة. فرص تاريخية كهذه هي فرص نادرة.
نظام جديد بثمن بخس
احدى هذه الفرص تقع امامنا هذه الأيام، وفي اطارها يمكن ان يتأسس في سوريا نظام جديد باثمان بخسة نسبيا وبفرص نجاح عالية. ان تصميم المجال السوري في اليوم التالي لنظام الأسد سيؤثر على ميزان القوى في المجال كله، ويوجد فيه ما يخلق إمكانية كامنة لتغييرات أخرى في المنطقة.
لكن لاجل تحقيق هذه الفرصة على إسرائيل أن تتصرف كقوة عظمى إقليمية، ان تعمل بشكل نشط، ان تفكر بالامور الكبيرة وان تثبت حقائق حتى قبل أن يثبتها الاخرون نيابة عنها. تفكير تكتيكي محدود لانجازات عسكرية مركزة او جلوس على الجدار ميز إسرائيل في العقود الأخيرة ستبتلع في تغيير واقع استراتيجي تمليه قوى عظمى إقليمية أخرى وعلى رأسها تركيا.
ان عمل إسرائيل في المجال السوري لا ينبغي أن يختبر حيال واقع الامس، بل حيال واقع الغد. استيلاء مؤقت على المنطقة العازلة في هضبة الجولان وكذا السيطرة في جنوب جبل الشيخ هي خطوات تكتيكية لا تشكل جوابا استراتيجيا مناسبا فيه ما يحقق الفرصة الكبرى التي وقعت في طريقنا.
ان خطوات إسرائيل ينبغي أن تختبر حيال النشاطات والإنجازات الاستراتيجية لتركيا في المجال بما في ذلك مساحة الأراضي السورية التي ستضم بحكم الامر الواقع الى تركيا ومدى السيطرة التركية على السياسة الداخلية السورية وكذا حيال الإنجازات الاستراتيجية لإيران في المنطقة في العقد الأخير. محظور لإسرائيل أن تغفو في الحراسة وان تتباهى على عادتها بانجازات تكتيكية – عسكرية، بدلا من أن تدير استراتيجية قومية مرتبة.
لقد استثمرت تركيا على مدى السنين في تنمية حلفاء وفي تثبيت مجالات نفوذ جوهرية في سوريا. احتلت، عمليا، أراض في سوريا، فيما هي تطرد سكان اكراد من مناطق اكبر بعدة اضعاف من اراضي هضبة الجولان. تركيا تجني الان الثمار، توسع جدا حدودها على حساب الأراضي السورية التي توجد تحت سيطرة كردية وتثبت “دولة مرعية” إسلامية سُنية في باقي الأراضي – دولة من شأنها ان تكون معادية لإسرائيل.
حيال هذا يبرز العمى الاستراتيجي لإسرائيل منذ “الربيع العربي” وبداية الحرب الاهلية في سوريا وحتى اليوم. كان ينبغي لإسرائيل منذ 2012، وحتى قبل دخول الروس الى سوريا، ان تخلق علاقات استراتيجية مع الاكراد ومع الدروز في سوريا. المستوى العسكري لإسرائيل اختار ان يدخل الى مساحة الراحة التكتيكية – العسكرية، وان يصف إنجازات الحرب ما بين الحروب في هذه المجالات كاهداف استراتيجية، فيما ان المستوى السياسي اغمض عينيه.
لقد أنطوت الاستراتيجية الإسرائيلية داخل “تمنيات النجاح لكل الأطراف في سوريا”، انطلاقا من قصر نظر عن الفرص الجغرافية الاستراتيجية التي وقعت امام إسرائيل مع نشوب الحرب الاهلية في سوريا. الان، في العام 2024 الوضع مختلف لكن المبدأ يبقى مشابها – نافذة الفرص ضيقة وعدم استغلالها سيكون بكاء للأجيال.
تفكيك سوريا الى مجالات اثنية
حيال السعي التركي للحفاظ على وحدة سوريا وتحويلها الى إسلامية سُنية مناهضة لإسرائيل، على إسرائيل ان تتطلع الى تغيير مسار الحدود وتثبت حزام دفاعي فاعل في وجه تهديدات مستقبلية، تتضمن تضعضع الحكم الأردني وذلك الى جانب تفكيك سوريا الى المجالات القائمة على أساس الانقسامات الاثنية والدينية القائمة في ظل التطلع الى خلق مناطق نفوذ إسرائيلية.
في اطار ذلك، يمكن أن نشخص مجموعتين مركزيتين: الدروز، الذين القسم الأساس منهم يقف في مسار المنطقة المجاورة للحدود مع إسرائيل، والاكراد، المدعومين من الولايات المتحدة والموجودين في القسم الشمالي – الشرقي من سوريا. هاتان المجموعتان كفيلتان بان تشكلا شريكين طبيعيين لإسرائيل. تعزيزهما سيحسن وضعها الاستراتيجي ويثبت مصالحها في المجال.
من خلال دعم سياسي، اقتصادي بل وعسكري لهما، يمكن لإسرائيل، بتنسيق امريكي، ان تساعد في خلق مناطق حكم ذاتي تؤدي الى الاستقرار وتلطف حدة السيطرة الراديكالية في المجال. توريد وسائل قتالية اخذت كغنيمة من لبنان ومن غزة، الى جانب مساعدة إنسانية واقتصادية، يمكنها أن تكون اساسا لتعاون طويل المدى يثبت المصالح الإسرائيلية والأمريكية في المنطقة.
ان التغييرات الدراماتيكية في المجال تضع امام دولة إسرائيل تحديا هاما يلزمها بان تعيد صياغة مصالحها الجغرافية الاستراتيجية بشكل يستشرف المستقبل.
التصرف كقوة عظمى إقليمية
على إسرائيل أن تستغل الحوار الجغرافي الاستراتيجي الحديث مع الولايات المتحدة بالنسبة لمستقبل المنطقة مثلما أيضا انعدام الاستقرار في سوريا كي تدافع عن مصالحها المشتركة ومصالح الولايات المتحدة وتثبت مكانتها كقوة عظمى إقليمية.
حذار على حكومة إسرائيل أن تتباهى بالاعمال الإعلامية حول إنجازات تكتيكية – عسكرية في المنطقة الفاصلة او في قمة جبل الشيخ.
هذه لحظة تاريخية لا يجب تفويتها. إسرائيل ملزمة بان تعمل الان بتصميم، بسرعة واساسا بشجاعة كي تضمن امنها ومناعتها في المستقبل.
ومن المهم التشديد على ان مجرد سلوك إسرائيل كقوة عظمى إقليمية لا تخشى من الاحتكاك هو عنصر حيوي في تثبيت مناعتها ومكانتها المستقبلية، حتى لو لم يؤدي الجهد الى النتيجة المرجوة.