ترجمات عبرية

هآرتس: من المتوقع أن تنخفض نسبة تصويت العرب إلى مستوى غير مسبوق

هآرتس 3/10/2022، بقلم: ضياء حاج يحيى

فاطمة الأعصم، من سكان “تل شيفع” وعمرها 42 سنة، كانت من أشد المؤمنين بالديمقراطية. حرصت كل أربع سنوات على المجيء إلى صناديق الاقتراع كي تنتخب ممثلها في الكنيست، وحتى عندما تحولت الجولات الانتخابية إلى متكررة أكثر وانتهت بطريق مسدود، لم تيأس. جولة الانتخابات الأخيرة كانت لها القشة التي قصمت ظهر البعير. والأكثر دقة، ما حدث في أعقابها. ومثل معظم سكان النقب العرب، صوتت فاطمة الأعصم لـ”راعم”. وحسب قولها، فإنه رغم انضمام الحزب إلى الائتلاف بفضل أصواتهم فإن الدولة لم تتوقف عن المس بسكان النقب، بل وازداد وضعهم سوءاً.

“دائماً أصوت، على الرغم من أن المنتخبين يعدون ولا ينفذون”، قالت. “في الجولة الانتخابية الأخيرة، معظم المواطنين العرب في النقب صوتوا لـ”راعم”، ومكنته أصواتهم من اجتياز نسبة الحسم. بعد ذلك، دخل الحزب إلى الائتلاف للمرة الأولى، لكن هدم البيوت استمر في النقب، وتم طرد الناس من أراضيهم، وازدادت الجريمة، وتعززت العنصرية ضدنا. قالوا لنا في السابق إننا إذا دخلنا إلى الائتلاف فسنستطيع التأثير من الداخل. حصل هذا، ولكن شيئاً لم يتغير. لذلك، لن أصوت في الانتخابات القادمة، وأعتقد أنني لن أصوت في المستقبل”.

الأحزاب العربية تناضل منذ عدة جولات انتخابية لرفع نسبة التصويت في الوسط العربي، لكن يتوقع أن تكون النسبة منخفضة بشكل خاص في الانتخابات القريبة القادمة. وحسب الاستطلاع الذي أجراه معهد “ستاتنت” ليوسف مقالدة، الأسبوع الماضي، وشمل 500 عينة، فإن نسبة تصويت العرب ربما تكون 43.5 في المئة في هذه المرة. هذه النسبة أقل من نسبة التصويت في انتخابات آذار 2021 (44.6 في المئة)، وأقل من النسبة في الجولات الانتخابية الثلاثة السابقة. وإذا تحقق ذلك، فستكون النسبة الأقل من بين جميع الانتخابات.

تحدثت “هآرتس” مع ثمانية من المواطنين العرب الذين لا ينوون التصويت في انتخابات الكنيست القادمة، وسمعت منهم سبب قرارهم هذا، بدءاً من خيبة الأمل من النظام السياسي، سواء كان ممثلوه جزءاً من الائتلاف في السنة والنصف الأخيرة أم بقوا خارج الائتلاف، ومروراً بعدم الثقة في أن تحسن في وضع الوسط العربي سيتحقق عن طريق الكنيست، وانتهاء بالشعور أنهم مواطنون أفراد لا تأثير لهم على واقع حياتهم.

محمد جبارين، أحد سكان أم الفحم وعمره 60 سنة، قال إنه اعتاد التصويت في الانتخابات، ولكنه لا ينوي التصويت هذه المرة. ومن بين أسباب ذلك، أشار إلى خيبة الأمل، سواء من الأحزاب العربية أو من أحزاب اليسار والوسط التي حسب قوله: “تخلت عن طريقها ونضالها وأظهرت الضعف أمام اليمين”. هذه هي حقيقة عدم نجاح الأحزاب العربية المختلفة في تحقيق إنجازات لناخبيها، بل إنها لا تحقق المساواة بين المواطنين والعرب.

“رأينا أنه عندما حصلت القائمة المشتركة على 15 مقعداً، لم نتمكن من التأثير”، وأضاف: “حتى في الحكومة التي اعتبرت يساراً والتي فيها حزب عربي، لم يتغير شيء”. وأضاف جبارين أنه سيقاطع الانتخابات أيضاً من أجل “أن تعرف القيادة في إسرائيل والعالم بأن إسرائيل لا ديمقراطية للعرب فيها”. وحسب قوله: “على إسرائيل أن تخرج من المناطق المحتلة وتنهي الاحتلال. وعليها أن توفر لمواطنيها الذين يعيشون داخل حدود الدولة الحقوق التي يستحقونها”.

“نسي أعضاء الكنيست العرب أنهم إضافة إلى نضالهم لإنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية، إنما يمثلون مجموعة سكانية مضطهدة منذ سنوات وتعاني من العنصرية ومحرومة من حقوقها وتنقصها البنى التحتية والبيوت وأماكن العمل والتعليم والرفاه، التي هي أحد الأسباب الرئيسية للعنف المتفشي في المجتمع العربي”، قال. “علينا ألا نتنازل عن هذه الأمور. لكن للأسف، فشلت الأحزاب العربية في تسريع ذلك”.

هيا باني، وهي إحدى سكان الطيبة وعمرها 26 سنة، لن تصوت في الانتخابات القادمة رغم حرصها على التصويت سابقاً. قالت: “لست راضية عن أداء الأحزاب العربية. ورفض الأحزاب للاتحاد يضر بثقة الناخبين بها. كل حزب يعمل لمصلحته. وهذا الاتحاد الذي كان يمكن أن يشكل قوة ثابتة، يتفكك. مقاطعة الانتخابات تهدف إلى نقل رسالة للأحزاب العربية عن عدم الرضى من أدائها في الكنيست في السنوات الأخيرة. على هذه الأحزاب أن توافق على تشكيل كتلة واحدة لهدف مشترك يخدم المجتمع، فربما يساعد هذا على زيادة الثقة بها”.

         

       الجمهور يريد الاندماج

البروفيسور أمل جمال، من قسم العلوم السياسية في جامعة تل أبيب، والذي يدير معهد “وولتر ليبخ” لدراسات العلاقات اليهودية – العربية، أضاف إلى ذلك بأنه في السابق، حيث توحدت الأحزاب العربية لزيادة درجة تأثيرها على سياسة الحكومة، كان الجمهور العربي رد على ذلك بشكل إيجابي وصوت بنسبة مرتفعة في الانتخابات. تابع: “الجمهور العربي يريد الاندماج وتحسين مستوى حياته. ويمكنه فعل ذلك إذا أثرت الأحزاب العربية على تغيير السياسة. منذ اللحظة التي يتفكك فيها الاتحاد، فهذا يعني أن قيادته تفضل المصالح الحزبية على المصالح العامة، وهذا يؤدي إلى خيبة أمل وتراجع عن الاستعداد للتصويت”.

سهام أبو عرقوب، وهي من اللد وعمرها 25 سنة، لا تنوي التصويت في الانتخابات. وقد جسدت أقوال البروفيسور أمل وقالت: “الرسالة التي تنقلها مقاطعة الانتخابات للأحزاب العربية، أنه إذا لم نكن معاً في حزب واحد فلا تأثير لنا على الواقع. عندها، من الأفضل عدم الذهاب للتصويت. وإذا كانت الأحزاب العربية موحدة في قائمة واحدة ربما سأفكر في التصويت. في المجتمع العربي الكثير من الأزمات في المواضيع الاجتماعية. علينا البدء في حلها، وجزء من الحل –كما أرى- أن نكون موحدين”.

مصطفى الزعبي، وهو أحد سكان الناصرة وعمره 25 سنة، لم يستغل حقه في التصويت يوماً ما، ولا ينوي فعل ذلك هذه المرة. يعتقد أن نضال العرب من أجل حقوقهم يجب أن يكون من خارج الكنيست. “حتى نتمكن من تحقيق حقوقنا، علينا التوحد في جسم واحد يتم انتخابه بشكل ديمقراطي ويشمل جميع شرائح المجتمع العربي، وليس من خلال أحزاب تتصارع على الوظائف والمبادئ”، قال. “جسم مستقل يختار فيه المجتمع قادته، ليس مثل لجنة المتابعة العليا التي لا توجد فيها انتخابات شعبية، ويُنتخب الأعضاء فيها رئيس اللجنة”.

حسب موقف الزعبي، فإن تمثيل العرب في الكنيست يضر بالمجتمع، إذ يخلق عرضاً مزيفاً وكأن إسرائيل دولة ديمقراطية، وكأن العرب يتمتعون فيها بحقوق متساوية. إضافة إلى ذلك، قال الزعبي بأنه لا يثق بالأحزاب العربية. ويعتقد بأنه ليس للأعضاء فيها أي تأثير ملموس على الوضع. “أعتقد أنه من الجيد طلب الميزانيات والتطلع إلى تحسين رفاه العرب، لكن الأكثر أهمية هو الحفاظ على الهوية الفلسطينية”، قال.

عبد الرحمن، وهو من سكان الطيبة وعمره 20 سنة، كان على قناعة في السابق بأن التصويت في الكنيست أمر ضروري. وقال إنه في الجولات الانتخابية التي بلغ فيها جيل 18 جسد حقه في التصويت، وقبل ذلك شارك بضع مرات في الحملة التي هدفت إلى رفع نسبة التصويت للأحزاب العربية. كان عضواً في “حداش” مدة سنتين، وشارك قبل الانتخابات السابقة في تنظيم حملة للشباب في المدينة التي يعيش فيها لصالح القائمة المشتركة. مع ذلك، لا ينوي التصويت في الانتخابات القادمة.

قال عبد الرحمن إنه لن يصوت؛ لأنه يعتبر التصويت في الانتخابات ووجود أحزاب عربية في الكنيست إعطاء شرعية للاحتلال، الأمر الذي -حسب رأيه- سيتم استغلاله فيما بعد كدعاية كاذبة أمام العالم. وحسب رأيه، أثبتت الأحزاب العربية أن وجودها في الكنيست لا يسهم في إنهاء الاحتلال، وتجربتها في التمسك بمبادئها فشلت، سواء عندما صوتت لصالح قوانين عنصرية أو عندما تنافست مع كبار اليمين في الدولة. الأحزاب العربية مست بثقة الناس الذين تتفاخر بتمثيلهم، الأمر الذي يجعل مقاطعة الانتخابات أمراً صحيحاً.

جنان بسول، وهي من تل أبيب، 32 سنة، لم تصوت في الانتخابات منذ نيسان 2019، بسبب الجولات الانتخابية الأربعة التي تتالت في السنوات الثلاث الأخيرة وانتهت بنتائج مشابهة، وبسبب الجمود السياسي والاجتماعي والشعور بأنه لا تأثير لمواطني إسرائيل. “لأصحاب المصالح تأثير أكبر من ورقة الانتخابات التي أضعها في صندوق الاقتراع، الأمر الذي يخلق الشعور بالإحباط”، قالت.

وأضافت بسول بأنه إضافة إلى قرارها عدم التصويت، إدراكها بأن ليس في إسرائيل أحزاب يسارية. “عندما تكونين شابة يسهل التفكير بأن محاربة الاحتلال توازي اليسار. ولكني أدركت مع مرور الوقت، أن هذه ليست القضية. لا يوجد يسار في إسرائيل. نقطة. الموجود هو أحزاب قومية متطرفة ترتدي قناعاً يظهرها كيسار. اليسار الصهيوني بجوهره لا يمثلني، والأحزاب العربية بعيدة عن أن تكون يسارية. فهي أحزاب وطنية متطرفة، لكنها لا تعتبر كذلك لأنها “مستضعفة”، وحقيقة أنها نقشت على رايتها محاربة الاحتلال”.

حسب قولها: “بلد” حزب يميني واضح، الحركة الإسلامية هي اليمين في جوهره، وكذلك “راعم”. بقي “حداش” الذي هو بتعريفه حزب يساري سياسي واجتماعي، ولكن عند انضمامه للجهات الأخرى في القائمة المشتركة إلى جانب الوضع في إسرائيل والمطالبة بالانشغال طوال الوقت “بإطفاء الحرائق”، فقد ظهر أيضاً كحزب آخر وطني عربي. لا نسمع الحزب يتطرق إلى قضايا النوع الاجتماعي أو قضايا الأقليات الجندرية. يتحدثون أبداً عن قضية المثليين الفلسطينيين، ولا نريد الحديث عن القضايا البيئية”.

خلافاً لبسول، سيمتنع جهاد بدير (33 سنة) من كفر قاسم، عن التصويت لانتخابات الكنيست للمرة الأولى، وهو يطلب من جميع العرب الشيء نفسه. وقال بأن الجمهور العربي صوت في السابق لأحزاب من كل الطيف السياسي، لكن وضعهم بقي سيئاً جداً. “ثمة سيطرة يهودية على القدس بهدف طرد سكانها العرب. يتم دفع سكان النقب العرب بشكل متعمد إلى مناطق مأهولة، وفي المقابل يسيطر اليهود على أراضيهم، ولا يحصل العرب على الحماية من الشرطة”، قال.

مثل الزعبي، يعتقد بدير أنه لم يبق خيار عدا مقاطعة الانتخابات للكنيست. “حتى الآن، نحو نصف أصحاب حق الاقتراع في المجتمع العربي يجسدون حقهم في التصويت. لذلك، إذا كنا مصممين على تغيير الواقع فعلينا البدء في مقاطعة الانتخابات. يعتقد العالم أن العرب في إسرائيل مواطنون متساوو الحقوق رغم أن القانون يقول بأننا لسنا كذلك، وأن الدولة يهودية قبل أي شيء، وبعد ذلك ديمقراطية، هذا إذا كانت ديمقراطية حقاً”، قال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى