عمر إمام: رؤية نتنياهو لـ”إسرائيل الكبرى” مشروع توسعي يُهدد المنطقة
تثير أسئلة حول مستقبل علاقة تل أبيب مع دول المنطقة

عمرو إمام، المجلة 21-8-2025: رؤية نتنياهو لـ”إسرائيل الكبرى” مشروع توسعي يُهدد المنطقة
يكشف التمسك الذي أظهره رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مؤخرا بما يُعرف برؤية “إسرائيل الكبرى” عن لحظة يجب أن توقظ وعي مئات الملايين من العرب المعتدلين في مختلف أنحاء المنطقة.
ويطرح هذا التمسك، الذي عبّر عنه نتنياهو خلال مقابلة حديثة مع القناة الإسرائيلية “i24News”، تساؤلات حول قدرته على توجيه بلاده نحو أي سلام أو تعايش مع جيرانه.
ويكشف كتاب نتنياهو الصادر عام 1993 بعنوان “مكان بين الأمم: إسرائيل والعالم” الكثير في هذا السياق. في هذا الكتاب، يعرض نتنياهو رؤيته للوطن القومي اليهودي المنشود، وهي رؤية يمكن اعتبارها نموذجا مصغرا لـ”إسرائيل الكبرى” التي ألمح إليها، ولو بشكل غير مباشر، في المقابلة التلفزيونية المشار إليها.
ويُحمّل نتنياهو الغرب مسؤولية خذلان الشعب اليهودي والنكث بوعوده، وفي مقدمتها وعد بلفور عام 1917، الذي نصّ على منح اليهود وطنا يمتد ليشمل فلسطين كاملة وأراضي تقع شرقا وغربا من نهر الأردن. كما يرسم نتنياهو في كتابه ملامح خريطة الوطن اليهودي المنشود، إذ يتصوّر أن يتفوّق المهاجرون اليهود عدديا على ملايين الفلسطينيين، ليُترك هؤلاء ليعيشوا كأجانب تحت الحكم الإسرائيلي. ويكشف هذا الكتاب، المشبع بقناعات نتنياهو وأيديولوجيته السياسية، عن رؤى توضّح طريقة تفكيره والطريقة التي سيتصرّف بها إذا أُتيحت له الفرصة. وحاليا، مع توليه قيادة الدولة الأكثر تسليحا في الشرق الأوسط، يبدو من المحتمل أن تتاح له هذه الفرصة.

كتاب نتنياهو الصادر عام 1993 بعنوان “مكان بين الأمم: إسرائيل والعالم”
لا سلام
عند صدور الكتاب، كان الفلسطينيون والإسرائيليون قد توصلوا حديثا إلى اتفاقات أوسلو، وهي أول اتفاق مباشر بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، وأول وثيقة يعترف فيها الطرفان بشرعية بعضهما البعض. ووضعت الاتفاقات إطارا لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي عبر التفاوض، بهدف نهائي يتمثل في تحقيق حل الدولتين.
ويُبدي نتنياهو في كتابه معارضة حاسمة لاتفاقات أوسلو، وهو الأمر الذي يعكس الفكر السائد داخل حزبه، “الليكود”. ومع ذلك، فإن رؤية نتنياهو لـ”إسرائيل الكبرى” لا تتعلق بالماضي بقدر ما ترتبط بالمستقبل.
فبينما يقدّم كتابه رؤى حول تفكيره هو ومعظم أعضاء حزبه في ذلك الوقت، توفر رؤيته أيضا نظرة على الفكر السائد في إسرائيل في الحاضر والمستقبل. ويمكن لهذا الفكر أيضا تفسير معظم التطورات الراهنة، بدءا من خطة إسرائيل لغزو غزة بأكملها، مرورا باحتلال أجزاء من جنوب سوريا ووجودها في خمسة مواقع استراتيجية في جنوب لبنان، وصولا إلى دعوات بعض السياسيين الإسرائيليين لإعادة احتلال سيناء المصرية أو تهجير سكان غزة إليها.
عندما زار رئيس “الموساد” ديفيد برنياع الدوحة في 14 أغسطس/آب، قيل إنه أخبر رئيس الوزراء القطري بأن غزو غزة ليس مجرد ورقة ضغط على “حماس” لإظهار المرونة في المحادثات غير المباشرة الجارية، بل هو خطة فعلية لإعادة الوجود الإسرائيلي الدائم في الأراضي الفلسطينية، ولا سيما إذا لم تُحرز المحادثات أي تقدم.
ويكتسب مشروع إعادة توطين غزة زخما شعبيا في إسرائيل، في ظل عزم قوي على المضي قدما نحو الهدف الديني المتمثل في استعادة ما يسميه الإسرائيليون “أرض إسرائيل” بشكل كامل، وتشكيل مستقبل الدولة الإسرائيلية.
ونظرا للخطط الجديدة لبناء آلاف المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية المحتلة، يبدو من المرجح أن يكون المستقبل خاليا تماما من أي دولة فلسطينية. وستظل هذه الدولة مجرد فكرة افتراضية بلا أي فرصة حقيقية للتحقق، إذ لن تتبقَّى أي أرض لتأسيسها. وسيؤدي القضاء على فرصة إقامة دولة فلسطينية إلى تدمير فكرة السلام برمتها في المنطقة.
هل جاءت تلك التصريحات مصادفة؟
لا يقتصر الأمر طبعا على غزة أو الضفة الغربية، إذ توجد حركة نشطة لطمس فكرة الدولة الفلسطينية عبر بناء آلاف المستوطنات اليهودية الإضافية المشيدة على أراض فلسطينية يُفترض أن تكون جزءا من دولتهم المنشودة.
بل يتعلق الأمر بالمنطقة الأوسع، إذ ينبغي أن يدفع ارتباط نتنياهو برؤية “إسرائيل الكبرى” الجميع إلى دق ناقوس الخطر والتوقف عن اتباع سياسة النعامة، أي دفن الرأس في الرمال. كما يجب أن تثير هذه الرؤية تساؤلات حول مدى جدية إسرائيل في صنع السلام مع جيرانها، وما هو مفهومها الحقيقي للسلام.
ويعتقد نتنياهو أن السلام لا يمكن تحقيقه إلا عبر إبراز القوة الإسرائيلية الساحقة وإحداث تغييرات جذرية في المنطقة. وقد منحت هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، التي شنتها “حماس” وفصائل غزية أخرى، رئيس الوزراء الإسرائيلي وأعضاء حكومته، الذين يشكّل المستوطنون غالبيتهم، فرصة لإظهار هذه القوة وإحداث تغييرات في المنطقة.
فمن استهداف “حزب الله” في لبنان، إلى إضعاف المحور الإيراني عبر ضرب مركز هيمنته في إيران نفسها، وصولا إلى القضاء على “حماس” في غزة، تُغيّر إسرائيل المنطقة بالفعل. وهي حريصة على ضمان دوام هذا التغيير، لذلك تواصل مراقبة إيران، وتسعى لإبقاء سوريا ضعيفة وعاجزة، وتعمل على نزع سلاح “حزب الله”، وتُصر على إنهاء وجود “حماس” في غزة.
ومن المنطقي أن تتبع ذلك خطوات لتحويل رؤية “إسرائيل الكبرى” إلى واقع، وهو الأمر الذي يُظهر أن توقيت تصريحات نتنياهو ليس صدفة على الإطلاق.
إجابة في وقتها
وتُقدّم هذه التصريحات أيضا إجابات في الوقت المناسب على سؤال طالما طرحه السياسيون الإسرائيليون ومراقبو الإنفاق الحكومي المصري: لماذا تُنفق مصر كل هذه المبالغ على شراء الأسلحة، رغم أنها ليست في حالة حرب مع أي طرف؟
كان من المفترض أن تُنهي معاهدة السلام المصرية-الإسرائيلية عام 1979 صفحة العداء بين البلدين، الذي استمر لعقود منذ عام 1948، وخاضت خلاله مصر والجيوش العربية أربع حروب ضد الدولة اليهودية المعلنة ذاتيا، بما في ذلك حرب 1973 لاستعادة سيناء من الاحتلال الإسرائيلي.
ومنذ ذلك الحين، لم تُفوّت مصر فرصة لتعزيز قوتها العسكرية، لكنها حاولت في الوقت نفسه تجنب أخطاء الماضي، مثل الاعتماد على مورد واحد للأسلحة.
وتشمل قائمة الأسلحة والمعدات التي يمتلكها الجيش المصري، وهو أحد أقوى الجيوش عالميا، معدات مستوردة من الولايات المتحدة وأوروبا وروسيا والصين، إضافة إلى أي مورد محتمل آخر، وهو ما يعكس قدرة فريدة على تشغيل أنظمة متنوعة بشكل متزامن وبمهارة عالية.
وربما يُظهر الإنفاق العسكري الرسمي لمصر، البالغ 5.2 مليار دولار في عام 2024، وهو مبلغ قد يُعتبر كبيرا في ظل ظروفها الاقتصادية، لكنه منخفض نسبيا مقارنة بإنفاق دول إقليمية أخرى، أن المخططين والاستراتيجيين في القاهرة لطالما اعتبروا معاهدة السلام لعام 1979 مع إسرائيل مجرد هدنة طويلة الأمد. وتأتي رؤية نتنياهو لـ”إسرائيل الكبرى” لتؤكد صحة هذا التقدير المصري المحتمل للمعاهدة.
ومع ذلك، تثير هذه الرؤية الكثير من الأسئلة حول المستقبل، ليس فيما يتعلق بالعلاقات مع مصر فحسب، بل أيضا بعلاقات إسرائيل مع جميع دول المنطقة.
ويجب أن تُحفّز هذه الرؤية على تفكير عميق في كيفية تعامل العرب جميعا مع دولة ستكون تحركاتها دائما مدفوعة بطموح التوسع في أراضي الدول الأخرى، ضمن رؤية تقاوم تغير الظروف الإقليمية وتتجاهل الدعوات المستمرة لرسم مستقبل يقوم على التعايش ورفض الأحلام الاستعمارية.