ترجمات عبرية

يديعوت – بقلم سيفر بلوتسكر – ميل عالمي ، البحث عن الوسط

يديعوت – بقلم  سيفر بلوتسكر – 9/12/2019

تمر الحركات والاحزاب الاشتراكية – الديمقراطية في العالم بمسيرة غريبة. فكلما تعززت قوة اليمين الشعبوي – القومي المتطرف وارتفعت قوته الانتخابية، تتدحرج هذه الاحزاب الى اليسار والى مزيد من اليسار، حتى حدود التطرف. فالبرنامج السياسي لحزب العمال البريطاني، للانتخابات البرلمانية التي ستجرى هذا الاسبوع يقرأ كجمع للتوصيات بثورة بحجوم لم تشهدها بريطانيا. والفرضية أن معظم البريطانيين يحلمون بجعل وطنهم نوعا من “الديمقراطية الشعبية” مردودة في ضوء تصويتهم السابق في صالح الانسحاب من الاتحاد الاوروبي وفشل حزب العمال في الانتصار في الانتخابات التي جلبت رئيسة الوزراء الاكثر غير شعبية، تريزا ماي.

ان التوجه اليساري الثوري لاحزاب الوسط – اليسار في ضوء الموجة القومجية – اليمينية لا يظهر فقط في بريطانيا. فهو يحصل في قارة اوروبا وفي امريكا بقوة لا تقل. فالديمقراطيون في الولايات المتحدة يتحركون الى مطارح ايديولوجية كانوا زاروها مؤخرا في عهود فوضى اليسار الجديد في 1968؛ فالبقايا المعتدلة للحزب الاشتراكي الفرنسي، والتي كانت حركة واسعة ومؤثرة، تتماثل مع رعاع عنيف يرتدي بزات صفراء ومع جهات متطرفة من بين الاتحادات المهنية المستعدة لان تصعد الى المتاريس للحفاظ على حقوق افرادها في الاعتزال للتقاعد في سن 57 والحصول من الدولة على تقاعد أعلى من أجر الاجير الفرنسي المتوسط. وذلك دون ان تعطي ولو للحظة الرأي في أن العبء الثقيل المتمثل في تمويل العاطلين عن العمل ابناء الستين سيتعين عليهم أن يحملوه على اكتاف ابنائهم بل وحتى احفادهم؛ فحكومة فرنسا غارقة منذ الان في ديون جسيمة. في بولندا، التي فاز فيها الحزب المحافظ – القومي “القانون والعدالة” لانجاز انتخابي بارز، يذوب اليسار (الصغير) في خطابات مليئة بالحماسة الثورية لنجوم السياسة الذين يطلقون اقوالا ترن كتذكير عن سنوات الشيوعية الكريهة.

يمكن ان نأتي بالمزيد من الادلة على الانجرار اليساري من جانب اليسار المركزي السابق، وان كان هذا لا يقربه من الحكم وهو غير قادر على ان يوقف شيئا من الشعبوية اليمينية. بل انه يعززها؛ فهي تعزو لنفسها الكراهية التي يبثها اليسار المتزمت. احيانا يتشوش بسهولة الفرق بين التزمت والتزمت.

ردا على نفي الاحتباس الحراري العالمي من جانب اليمين المتطرف، ضم اليسار الشعبوي – التآمري أزمة المناخ الى قائمة الاوضاع التي بسببها لا مفر من ثورة شاملة. ولكن وجه هذه الازمة لا يزال ممكنا استقباله بنجاعة كبيرة بواسطة الضرائب والحوافز، وذلك فقط اذا ما كفت الحكومات عن الخوف من رد الشارع وتحدثت معه بالحقائق.

ليس صدفة ان ينتقد الرئيس الامريكي السابق براك اوباما الجناح الراديكالي في الحزب الديمقراطي. ففي عهده كرئيس نجح اوباما في أن يمرر في مجلسي الكونغرس تشريعا شدد جدا الرقابة على القطاع المالي، أدى الى تشغيل كامل وغير من الاساس جهاز الصحة العامة من اجل السماح لعشرات الملايين بالتمتع بتأمين صحي مدعوم حكوميا. اما الان فينشغل حزبه ليس بمبادرات تشريعية اجتماعية واقتصادية بل بحملة عابثة لعزل ترامب.

احاسيس قلق مشابهة يتشارك فيها سياسيون ليبراليون كثيرون. فهم يفهمون ما فهمه منذ زمن بعيد –المفاجأة، المفاجأة – سياسيون في البلاد، أي ان فقط الوسط المعتدل، الواعد بالاستقرار، عديم التزمت، الوطني، النقي من نظريات المؤامرة ومن حملة “القضاء على النخب” يمكنه ان يوقف الطوفان العكر لليمين الصاخب، القومجي والمناهض لليبرالية. هكذا كان حزب “كديما” بقيادة شارون، حزب “يوجد مستقبل” بقيادة لبيد في عهد عظمته، وهكذا هي الان قائمة أزرق أبيض. الاخير بعيد عن هتافات القتال الحماسة لدوائر من اليسار المتطرف، غير المستعد للاكتفاء باقل من ثورة تامة (“العالم القديم خرب من الاساس”) ومن اليمين المتطرف غير المستعد للاكتفاء باقل من الضم. وخير أن هكذا، من ناحيته. في الانتخابات القادمة قد يشكل أزرق أبيض مرسى لملايين الاسرائيليين القلقين، ذوي النية الطيبة والفكر الديمقراطي المساوم والمتمني للتسوية مع الفلسطينيين، والمتسامح.

العالم، واسرائيل، لا يحتاجان الى ثورة اخرى. شبعنا ثورات، احصينا ما يكفي من ضحاياها. لاحزاب اليمين/اليسار الوسطى، المتوازنة والتي تقول الحقيقة يوجد جمهور ناخبين هائل معني بحل الازمات والمشاكل بطرق منطقية واستنادا الى خيارات واقعية. اما لغة العنف فليست لغته، ومملكة الاكاذيب ليست مملكته.

لا “الى الجحيم بالحقائق” ولا “الى الجحيم بالتفكير المنطقي”. لا يزال لهما طلب كبير. ولا حاجة الا الى سياسيين شجعان يلبوه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى