ترجمات عبرية

يديعوت: أصبحت موجة العمليات أكثر فتكًا، فنحن بحاجة إلى عمليات هادفة

يديعوت 20-6-2023، بقلم: رون بن يشاي: أصبحت موجة العمليات أكثر فتكًا، فنحن بحاجة إلى عمليات هادفة

 
كانت مسألة وقت ليطوّر النشطاء في منطقة جنين، وبصورة خاصة في مخيم جنين، أدوات وطرق عمل من أجل وقف الاقتحامات والاعتقالات وإحباط الخلايا التي يقوم بها الجيش. أول من أمس، نجحوا في القيام بذلك بوساطة عبوة أصابت مركبة عسكرية عملياتية من نوع “النمر” تابعة للجيش، تواجدت فيها قوة من المستعربين من “حرس الحدود” وجنود من الجيش كانوا يعملون سوياً.

لم يكن الضرر الذي لحِق بالمركبة العسكرية نتيجة كمين ذكي تم التخطيط له، بل نتيجة عملية زرع عبوات قام بها النشطاء خلال الأشهر الماضية على طول الطريق المؤدية إلى مخيم جنين، وإلى جنين ذاتها، وأيضاً إلى وادي برقين القريب منها. أصيبت مركبة “النمر” وهي في طريق الخروج، بعد نهاية حملة اعتقالات ناجحة. تحركت المركبة في الساعة الـ 7 صباحاً، في ضوء النهار؛ وبالإضافة إلى العبوة تم إطلاق النار في اتجاهها عن بُعد من أطراف مخيم جنين.

هذه الحقائق مهمة لفهم أنه لم يكن هناك كمين تم التخطيط له من أجل استهداف القوة، أو تسريب معلومات عن الحملة إلى النشطاء الفلسطينيين، إنما كان هناك تحليل صحيح يستند إلى عام تقريباً من الخبرة في محاور الوصول والانسحاب التي تستخدمها القوات الخاصة في الجيش، للقيام باقتحامات موضعية، استناداً إلى معلومات استخباراتية لاعتقال مطلوبين، أو إحباط خلايا تخطط لتنفيذ عمليات.

بدأ النشطاء الفلسطينيون، التابعون لـ”الجهاد الإسلامي” و”حماس”، بزرع العبوات على المحاور المتوقع أن يستخدمها الجيش منذ نهاية العام الماضي. فعملياً، منذ أيلول 2022 واجهت قوات الجيش، التي كانت تعمل في شمال الضفة وجنين ونابلس، عبوات ناسفة تم زرعها على المحاور المركزية، من أجل إلحاق الضرر بالمركبات المحصنة التي تنسحب فيها القوات بسرعة، ولذلك، تسير هذه المركبات على الطرقات الرئيسية التي لا يستطيع الفلسطينيون إغلاقها مسبقاً، وأيضاً خلال عملية الاعتقالات.

الهدف الأساسي من هذه العبوات هو تدفيع القوات الثمن أثناء انسحابها، بعد تنفيذ عمليتها. هذه الظواهر لا نراها في مناطق أُخرى في الضفة الغربية، لأن الأجهزة الأمنية الفلسطينية ما زالت تعمل هناك، وعملها يقلل جدوى وضرورة النشاط الإحباطي الذي يقوم به الجيش في هذه المناطق.

تقريباً، لا حاجة إلى اقتحامات القوات الخاصة التابعة للجيش، أو “الشاباك”، أو “حرس الحدود”، في الخليل مثلاً، حيث توجد للسلطة الفلسطينية سيادة جيدة. وفي المقابل، منذ آذار 2022، تواجه أجهزة الأمن الفلسطينية صعوبة في فرض النظام والقانون، بالأساس في منطقتي نابلس وجنين. ومؤخراً، تحسّن الوضع في نابلس نتيجة عمل مكثف قام به الجيش و”الشاباك”، اللذان نجحا في قمع “عرين الأسود”.

في منطقة جنين، لا تزال الأزمة هي نفسها: أجهزة الأمن الفلسطينية لا تنجح، ولا تتجرأ أيضاً على العمل بصورة مكثفة وفعالة هناك. وهو ما يدفع “الشاباك” و”اليمام” والجيش إلى إحباط النشاطات في المنطقة بأنفسهم. عرّف ضابط كبير في الجيش، مؤخراً، الحالة في منطقة جنين بمقولة صائبة: “حملة كاسر الأمواج التي بدأت في آذار 2022 تحولت إلى وضع كاسر الأمواج الذي نعيش فيه منذ أكثر من عام”.

تطوير وتحسين طرق الدفاع

يبدو أن أجهزة الأمن الإسرائيلية ليست الوحيدة التي طورت طرق القتال التي سمحت بحملات إحباط خاصة وناجحة جداً، تقريباً من دون خسائر في طرفنا. الفلسطينيون أيضاً، كما اتضح في أيلول الماضي، طوروا طرق دفاع خاصة بهم للتصدي لحملات “الاقتحام العميق” التي يقوم بها الجيش و”الشاباك” والوحدات الخاصة التابعة لحرس الحدود.

رصدوا محاور خروج المركبات التي تحمل القوات من الميدان كنقطة ضعف، وزرعوا فيها عبوات ناسفة بكميات كبيرة جداً على طول تلك المحاور. في البداية، كانت هذه العبوات مصنوعة من مواد متفجرة، صناعة محلية بأوزان وقوة ضئيلة، لكن القوات الخاصة تواجه في الأشهر الأخيرة عبوات كبيرة، يبلغ حجمها أكثر من 20 كيلوغراماً من المواد المتفجرة، يتم تفعيلها عن بُعد، عبر الهواتف النقالة.

انتبه الجيش لهذه الظاهرة منذ بداية الشهر الحالي، ونشر المراسل العسكري لقناة “كان 11″، روعي شارون، خبراً مفاده أن الجيش بدأ بتحصين قاعدة المركبات العسكرية المستعملة في عمليات العمق داخل مخيم جنين، وفي المنطقة.

وهذا معناه أن العبوات ليست ظاهرة جديدة. لقد واجهها الجيش خلال حملة “السور الواقي” سنة 2002. أنا جربتها بنفسي حين رافقت قوات الجيش في دخولها إلى مخيمات اللاجئين في طولكرم وبلاطة. الجيش أيضاً لديه خبرة في التعامل مع هذه العبوات الذكية والقاتلة من لبنان، ومن ضمنها “عبوات المقلاع” التي تستطيع اختراق المركبات المحصّنة، وقتل مَن فيها.

العبوات التي يستعملها “الجهاد الإسلامي” وأيضاً “حماس” في جنين ليست بهذا الذكاء، وليس لديها القدرة على الفتك كتلك التي استعملها “حزب الله” في لبنان. تستند العبوات في شمال الضفة، جزئياً، إلى مواد متفجرة صالحة يتم زرعها، ليس فقط على جوانب الطريق، بل أيضاً في الأماكن التي يمكن الحفر فيها، وسط طرقات ترابية. وعلى الرغم من أنها ليست ذكية وفتاكة كتلك التي استُعملت في لبنان، فإن الانتشار الواسع لهذه العبوات البسيطة، نسبياً، والتي يزرعها النشطاء في شمال الضفة، تحدّ حرية الحركة العملياتية للجيش و”الشاباك” وحرس الحدود. وما جرى صباح أول من أمس كان دليلاً.

يمكن التخمين أن العبوة التي أصابت مركبة “النمر”، التي حملت قوات “اليمام” وحرس الحدود، تم تفعيلها تحت المركبة العسكرية المحصّنة، وبالإضافة إلى أنها أصابت نقطة ضُعف المركبة فإن إحدى العجلات الخلفية انفصلت عن المحور ودفعت بالمركبة العسكرية إلى السقوط أرضاً بشكل يستوجب دفعها. وزن مركبة “النمر” 10 أطنان تقريباً، وتصل سرعتها إلى 70 كلم في الساعة. وتوجد فيها أماكن جلوس مريحة لـ14 جندياً، ويمكن أن تُستعمل لإخلاء المصابين أيضاً.

لكن، وبسبب الوزن الثقيل للمركبة، فإنه من الصعب جداً جرّها، في حال فقدت أحد إطاراتها، من المنطقة التي أصيبت فيها. ولسوء الحظ، فإن مركبة “النمر” أصيبت، صباح أول من أمس، بنيران أُطلقت من أطراف المخيم. لذلك، أصيبت عدة مركبات أصغر أيضاً وجنود أكثر في المنطقة التي أصابت مركبة “النمر” الكبيرة وبعض ركابها.

وبفضل التحصين الجيد لـ”النمر”، خرج الجنود الذين كانوا فيها بإصابات متوسطة وخفيفة فقط. حتى الآن، لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت هذه المركبة ضمن المركبات التي عزّز الجيش تحصينها، مؤخراً، وذلك لتفادي إصابتها بعبوات كهذه. ما جرى بعد ذلك كان “معركة إنقاذ كلاسيكية”، استعمل فيها الجيش طائرات ومسيّرات مسلحة من نوع “زيك”، للتغطية على حملة الإنقاذ وجرّ المركبات، وضمنها “الفهد” التي أصيبت محركاتها نتيجة إطلاق النار، وكان يجب جرّها من المنطقة.

زرع العبوات عملية من الصعب القيام بها في السر، لأنها تحتاج إلى نقل العبوة وحفر حفرة وزرعها، ثم تغطيتها والتأكد من أن منظومة تفعليها ستستقبل الإشارة. كان يجب على أجهزة جمع المعلومات الاستخباراتية لدى الجيش اكتشافها والعلم مسبقاً بها، بالأساس في ساعات الليل، وأن تحدد للقوات مكان هذه العبوات، وأن تختار لها أيضاً طريقاً التفافياً غير مزروع بالعبوات. لماذا لم يحدث هذا؟ وإذا حدث، فلماذا لم ينجح؟ هذه الأسئلة يجب الإجابة عليها بسرعة كبيرة.

من الواضح، ومنذ هذه المرحلة، أن الاستعمال الواسع للعبوات على يد النشطاء يستوجب تغيير الجيش طريقة عمله والأدوات التي يستعملها لتنظيف محاور الخروج المخطط لها في كل حملة لمنع إلحاق الضرر بالمركبات الخارجة التي تحمل القوات بعد تنفيذ مهمتها. يمكن الافتراض أن هذه العبوات التي زرعها الفلسطينيون ستتعزز، وسيتم توسيع طرق عملهم، وأيضاً سيكون الضرر الذي سيُلحقونه أكبر وقاتلاً أكثر بكثير.

تغيّر الوضع

يمكن الافتراض أن زرع العبوات لن ينحصر في محاور الدخول والخروج من منطقة جنين والبلدات المحيطة بها، بل سيتوسع إلى محاور الحركة الأُخرى في شمال الضفة لإلحاق الضرر بالمركبات الإسرائيلية والركاب فيها. تفرض هذه الحقيقة على الجيش تطوير وتفعيل أدوات جمع المعلومات الاستخباراتية الاستباقية، والقيام بعمليات حركة على هذه المحاور عموماً، وفي مخيم اللاجئين ومدينة جنين خصوصاً.

يجب الاعتراف بأن الوضع تغيّر، ويفرض تطوير طرق عمل ملائمة. يكثر الحديث عن عملية عسكرية كبيرة على طريقة “السور الواقي”، لكن عملية كهذه تستوجب احتلال كل المنطقة، وهو شيء غير ضروري، إذ لدى “الشاباك” و”الجيش” استخبارات ممتازة، وهما ينجحان في قمع وإحباط العمليات، عبر عمل موضعي.

وفي المقابل، إن ظهور العبوات وانتشارها الواسع على الأرض يبرر حملة واسعة، ولكن يجب أن تكون محدودة، وتستند إلى استخبارات مفصلة ودقيقة تسمح بالوصول إلى المختبرات التي تصنع المتفجرات، وإلى مخازن المركبات الإلكترونية ومخزون المواد المتفجرة الصالحة الموجودة في المخيم ومدينة جنين والمناطق المحيطة. لن يمنع هذا كلياً تصنيع العبوات وزرعها، لكن من المؤكد أنه يمكن أن يقلل الظاهرة، ويعيد إلى الجيش حرية الحركة التي باتت محدودة، مؤخراً، بسبب العبوات، كما اتضح، صباح أول من أمس.

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى