الاستيطان

وليد حبّاس: سموتريتش إذ يتطلع إلى محاربة توسيع البناء الفلسطيني في المنطقتين أ و ب

وليد حبّاس 12-8-2023: سموتريتش إذ يتطلع إلى محاربة توسيع البناء الفلسطيني في المنطقتين أ و ب

وليد حباس
وليد حباس

بتاريخ 19 تموز الماضي، وفي الغرفة رقم 2750 في الطابق الثاني من مبنى الكنيست، عقدت لجنة الخارجية والأمن البرلمانية جلسة خاصة لوضع خطة لمواجهة ما سماه المجتمعون “سيطرة السلطة الفلسطينية على المناطق المفتوحة في الضفة الغربية، والرد الإسرائيلي على ذلك”.

اقترح وزير المال بتسلئيل سموتريتش، رئيس “الصهيونية الدينية” والوزير الثاني في وزارة الدفاع، والذي طغى خطابه الاستيطاني على الجلسة، أن يتم إدراج أفعال السلطة الفلسطينية تحت بند “أعمال سياسية معادية”، وطالب ببلورة خطة وطنية صهيونية لضبط الأمور. تقدم هذه المقالة قراءة في مخرجات هذه الجلسة التي تعتبر، كما كتبنا مرارا وتكرارا في صفحات “المشهد الإسرائيلي”، خطوة أخرى في اتجاه إنهاء اتفاقيات أوسلو من قبل التيار الاستيطاني الحاكم في إسرائيل.

في جلسة لجنة الخارجية والأمن حضر المقدم آدم أفيدان، رئيس البنية التحتية في الإدارة المدنية، والذي قال إن مهمات الإدارة المدنية حاليا، ووفق اتفاق أوسلو، هي إنفاذ القانون الإسرائيلي المتعلق بالبناء والهدم والتخطيط فقط في المنطقة “ج”. وحسب أفيدان، فإن نحو 90-95% من طلبات الفلسطينيين للبناء في منطقة “ج” يتم رفضها إما لاعتبارات تقنية أو لاعتبارات سياسية بحسب اعترافه. بينما نحو 60-70% من طلبات المستوطنين للبناء تتم المصادقة عليها. وأضاف أنه في العام 2022، تم إنشاء 1600 مبنى فلسطيني جديد غير قانوني في المنطقة “ج”، وتم هدم نحو 500 بناء (بعضها تم بناؤه قبل العام 2022). وفي النصف الأول من العام 2023 تم إنشاء 1000 مبنى فلسطيني جديد، وتدمير ما يقرب من 220 مبنى. في المقابل، هدمت الإدارة المدنية فقط 76 منشأة استيطانية في العام 2022، ونحو 21 منشأة فقط منذ بداية العام 2023. والسبب هو أن معظم البنايات الجديدة في المستوطنات تقع ضمن “االمخطط القانوني الأوسع الذي تم اعتماده لكل مستوطنة”، وبالتالي، حتى لو كان البناء الاستيطاني غير قانوني، فإن الادارة المدنية تحيل قضية إنفاذ القانون إلى مجالس المستوطنات التي تتجاهل أوامر الهدم.

ومع ذلك، رد عضو الكنيست عن الليكود، أفيحاي بارون، وهو ممثل المستوطنين داخل كتلة الليكود البرلمانية، بأن معطيات الإدارة المدنية قد لا تكون ذات صلة بالجلسة المنعقدة لأن مسؤولية الإدارة المدنية تتحدد داخل المنطقة “ج”، بينما الاستيطان الفلسطيني ووضع اليد الفلسطينية على الحيز المفتوح، على حدّ تعبيره، يتم ممارستهما في المنطقتين “أ” و”ب”، وهنا يجب على إسرائيل التدخل. وحسب التقارير الإسرائيلية، فإن هذه هي المرة الأولى التي تعقد فيها لجنة مختصة في الكنيست جلسة تتعلق بالبناء الفلسطيني في منطقتي “أ” و “ب”، بهدف وضع خطة استراتيجية لمواجهة الأمر.

خارطة البؤر الاستيطانية والمستوطنات التي يعتزم وزير المالية بتسلئيل سموترتش تبنيها وتمويلها بقيمة 175 مليار شيكل، في إطار خطة توسيع الاستيطان وزيادة عدد المستوطنين بنصف مليون ليصل العدد الإجمالي للمستوطنين مليون

لقد تمت صياغة اتفاق أوسلو بشكل فضفاض فيما يخص العديد من القضايا، بحيث أن البناء والتخطيط العمراني هي إحدى هذه القضايا التي قد تحمل أكثر من تأويل على خلاف ما هو دارج في تفسيرات الاتفاق. المقصود بكلمة “فضفاض”، هو أن إسرائيل لا تعتبر أن نقل السلطات المدنية والأمنية إلى السلطة الفلسطينية في المنطقة “أ” (وتقدّر مساحتها بنحو 17-18% من مساحة الضفة) يجب أن يعني أن القانون الدولي يمنعها من التدخل في مسائل التخطيط والبناء في هذه المنطقة. ففي الملحق رقم (1) من اتفاق أوسلو 2 الموقع العام 1995 والذي عرف صلاحيات السلطة الفلسطينية في منطقتي “أ” و”ب”، ورد تحت الفقرة (1) البند (7) التالي: “ليس في هذه المادة ما ينتقص من صلاحيات إسرائيل ومسؤولياتها الأمنية وفقا لهذه الاتفاقية”. حسب أقوال الوزير بتسلئيل سموتريتش، في جلسة لجنة الخارجية والأمن بتاريخ 19 تموز، فإن “المباني التي سيتم هدمها ستكون تلك التي تتعارض مع الأمن القومي لإسرائيل”، بحيث أن تعريف إسرائيل لمفهوم الأمن، والأمن القومي، يتحدد وفق معاييرها الخاصة، والذي يحدد هذه المعايير اليوم هو التيار الاستيطاني بزعامة سموتريتش. وعلى وجه الخصوص، فإن إسرائيل تنظر إلى البناء الفلسطيني في المنطقة “أ” المحاذية لحدود ولاية المستوطنات، أو التي تشرف على تخوم توسعها الطبيعي، وتعتبره تهديداً لأمنها المستقبلي.

وفي الجلسة نفسها، تركز جل الحديث على المنطقة التي تسميها إسرائيل “محمية الاتفاق”، وهي المنطقة “البرية” الممتدة بين بيت لحم وحدود الأردن. هذه المنطقة مصنفة حاليا كمنطقة “ب” لكن لها وضعية مختلفة قانونيا. فالمنطقة تشكل نحو 3% من مساحة الضفة الغربية على مساحة تصل إلى نحو 166 ألف دونم، وتم نقل الصلاحيات المدنية (وليست الأمنية) عليها إلى السلطة الفلسطينية بموجب اتفاق واي ريفر في العام 1998. وتدعي إسرائيل أنه في اتفاق واي ريفر، تعهدت السلطة الفلسطينية بتخصيص نحو 3% من مساحة الضفة والتي ستقع ضمن مساحات المنطقة “ب” (والتي تشكل جميعها نحو 28% من مساحة الضفة) كمناطق خضراء أو محميات طبيعية. لقد مر الأمر ضمن اتفاق واي ريفر من دون أن يتنبه الطرفان إلى تبعات الأمر في المستقبل، حيث إن التوسع السكاني والعمراني الفلسطيني في هذه المنطقة التي يجب أن تخصص كمحميات طبيعية وفق المعايير الإسرائيلية سيشكل أزمة لا بد من الوصول إليها. وما يهم في الأمر، أن المفاوض الفلسطيني في سياق اتفاق واي ريفر أعلن أنه سيتصرف في هذه المنطقة (التي تصل إلى نحو 3% من مساحة الضفة الغربية) “وفقًا للمعايير العلمية المعمول بها دوليا، ولن يتم تطبيق أي تغييرات على وضع هذه الأراضي، وأنه لن يمس بحقوق السكان الذين يعيشون حاليًا في هذه الأراضي، بمن في ذلك البدو. وفي حين أن هذه المعايير لا تسمح بإنشاءات جديدة في هذه المناطق، إلا إنها تسمح بالاستمرار في صيانة الطرق والمباني القائمة عليها” [نهاية الاقتباس من نص اتفاق واي ريفر].

ولفهم السياق “القانوني” الذي نفذ منه سموتريتش في أثناء إعداده لجلسة لجنة الكنيست التي تنظر في “اعتداءات” الفلسطينيين في المنطقة “ب”، فإن منظمات إسرائيلية يمينية، وسلطات الطبيعة الإسرائيلية، كانت قد راقبت ومنذ العام 2006 نشاطات فلسطينية “مخالفة” لاتفاق واي ريفر في “برية بيت لحم”. فقد تم رصد طرق ترابية جديدة قام الفلسطينيون بشقها بين الجبال، للقيام بعمليات تعدين وتشييد محاجر، والتي حسب المراقب الإسرائيلي أدت إلى الإضرار “بالمناظر الطبيعية والحيوانات”. كما أن البلديات الفلسطينية تقوم برمي النفايات بشكل عشوائي بالقرب من المحمية الطبيعية قبل أن يتم حرقها هناك من دون رقابة أو تنظيم. وفي العام 2016، منحت السلطة الفلسطينية لرأس مال فلسطيني إذناً بإقامة مصنع إسمنت على مساحة تصل إلى نحو 3500 دونم من أراضي المحمية، الأمر الذي دفع إلى احتجاجات من قبل عرب الرشايدة. وتدعي إسرائيل أن عرب الرشايدة كانوا قد اعترضوا على الأمر وتوجهوا إلى الأردن، ثم إلى إسرائيل واجتمعوا مع أفراد من منظمة “ريغافيم”، وهي منظمة صهيونية يمينية تراقب “اعتداءات الفلسطينيين” على الأرض. على الفور قامت إسرائيل بمنع السلطة من التصرف بحرية في هذه المنطقة التي تقع ضمن تصنيف المنطقة “ب”. اليوم، وفي العام 2023، تحضر منظمة “ريغافيم” اجتماع لجنة الخارجية والأمن الذي دعا إليه سموتريتش وبيدها العديد من “الدلائل” على سوء تصرف السلطة بما منحته لها إسرائيل وفق اتفاقيات أوسلو! وقد تدخلت الإدارة المدنية في العام 2017، لمنع نشاطات استثمارية فلسطينية في المنطقة، تشمل تدشين محاجر، ومنعت أيضا إلقاء النفايات في قلب المحمية لما سببه الأمر في السابق من أضرار بيئية وتلوث. وحسب تقرير منظمة “ريغافيم”، فقد قام الفلسطينيون ببناء نحو 2000 بناء سكني موزعة في أنحاء المحمية التي تدعي إسرائيل أن السلطة نفسها تعهدت، بموجب سلطتها الإدارية على المنطقة، بأن تحافظ عليها من دون تغيير.

لقد حسمت المؤسسة الرسمية في إسرائيل، سواء الحكومة أو الأجهزة الأمنية، موقفها من المنطقة “ج”، وباتت تعتبرها مناطق إسرائيلية يجب محاربة “الاستيطان الفلسطيني” عليها. ولكن يمكن القول إن الجديد الذي يحاول التيار الاستيطاني إدخاله هو التنصل من اتفاقيات أوسلو، والعودة إلى التدخل في شؤون البناء والتخطيط داخل أراضي السلطة الفلسطينية. وقد بدا تأثير التيار الاستيطاني في تقرير رسمي قدمته وزارة شؤون الاستخبارات في العام 2021، والذي نص على “أن تصرفات الفلسطينيين تتجاهل عمدًا تعريفات المناطق “أ” و”ب” و”ج”. وبناء على ذلك، نوصي بأن يتم التخطيط لجميع الإجراءات الإسرائيلية التي ستشمل أيضًا مراقبة (والرد على) النشاط الفلسطيني في المنطقتين (أ) و (ب)، مع التركيز على تلك المتاخمة للمنطقة (ج) التي لديها احتمالية بأن يكون لها تأثير أمني مستقبلي على المنطقة ج”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى