#شؤون مكافحة الاٍرهاب

هشام النجار: عمليات داعش في سوريا: استعراض دعائي أم إستراتيجية للعودة

التنظيم يسعى بهجماته الجديدة لتثبيت أقدامه غرب الفرات

هشام النجار 24-8-2023م: عمليات داعش في سوريا: استعراض دعائي أم إستراتيجية للعودة

هشام النجار
هشام النجار

اختلفت التفسيرات بشأن النشاط الأخير المكثف لتنظيم داعش في سوريا بين من يراه مؤشرًا لإستراتيجية جديدة موضوعة بعناية بهدف مجاراة التطورات المحلية والإقليمية وإثبات الحضور في المشهد المستقبلي للمنطقة، ومن يراه مجرد محاولة لتثبيت الخليفة الجديد في موقعه.

نفذ مقاتلو داعش في سوريا عملية نوعية عبر نصب كمين لحافلة جنود تابعة للجيش السوري النظامي في بادية الميادين بريف دير الزور ما أودى بحياة 23 جنديًا وأوقع العشرات من الجرحى، بالتزامن مع هجوم آخر بمحافظة الرقة تسبب في قتل نحو 10 جنود سوريين، وفقًا لبيانات نشرتها وكالة “أعماق” التابعة للتنظيم.

ولا تغيب أهمية تنفيذ عمليات نوعية كبرى فور الإعلان عن تنصيب قائد جديد للتنظيم، حيث يحتاج قادة داعش الجدد ما بعد خليفته الأول (أبوبكر البغدادي) إلى الكثير من التدابير والممارسات لتثبيت شرعيتهم وتأكيدها.

ويحتاج الخليفة أبوحفص الهاشمي أن يثبت أنه بتوليه المسؤولية قادر على الإمساك بزمام التنظيم وتوجيه عناصره لتنفيذ عمليات لتعويض العديد من الآراء التي تدحض شرعيته وفقًا لقناعات البعض من منتسبي التنظيم.

وواكبت الهجمات الأخيرة إعلان داعش عبر المتحدث الجديد باسمه عن تنصيب أمير له في مطلع أغسطس وهو أبوحفص الهاشمي القرشي (مجهول الهوية حتى الآن)، خلفًا لأبي الحسن الحسيني القرشي الذي سقط في اشتباكات مع عناصر من هيئة تحرير الشام شمال غرب سوريا.

ولا تخلو الدعاية الملوثة بدماء العشرات من الجنود السوريين والمواكبة للإعلان عن تنصيب خليفة جديد لداعش من خداع، فعناصر التنظيم الموجودون على الأرض ويمارسون فعليًا العمل المسلح لا يشكلون خطرًا كبيرًا.

قوة ميدانية متآكلة

يستغل مقاتلو داعش وضعًا جغرافيًا وميدانيًا مواتيًا وضعفًا ملحوظًا في تأمين الطرق الرئيسية والكمائن لتنفيذ عمليات سهلة وغير مُكلِفة ضد أهداف مكشوفة ومتاحة.

ولا تعبّر هذه العمليات رغم نوعيتها وعدد ضحاياها الكبير والصدى الدعائي الذي تصنعه عن قوة حقيقية وسيطرة ميدانية للتنظيم على الأرض، إذ يشن عدد قليل من الأفراد متوسطي التدريب والعتاد لا يتجاوز عددهم العشرة هجمات على أرتال عسكرية متحركة وكمائن تمركز للجيش السوري والفصائل الإيرانية، خاصة من الجهة الجنوبية من محافظة الحسكة حتى ريف الباغوز من جهة ريف دير الزور الشرقي.

ويتعامل هؤلاء المقاتلون الموالون لداعش في سوريا وتتراوح أعدادهم بين 1500 و2000 عنصر مع وضع أمني هش، حيث توجد أطراف متنازعة المصالح والرؤى تزعم محاربة التنظيم، عكس الحالة العراقية التي تتميز بوجود طرف واحد يمتلك رؤية متماسكة يكافح التنظيم وهو الجيش العراقي والأجهزة الأمنية المعاونة.

ونتيجة هذا الاختلاف بين السيولة والهشاشة وتنازع المصالح والأهداف بين جهات عدة في الحالة السورية والتوحد والتماسك في الحالة العراقية، أحرزت حكومة بغداد انتصارات كبيرة على داعش ما أدى إلى جعل الساحة السورية ملاذًا لقادة التنظيم ومسرحًا رئيسيًا لعملياته.

ويأمل مقاتلو داعش من خلال هجماتهم الاستعراضية السهلة بطول وعرض البادية السورية المحاذية للحدود العراقية والممتدة بين محافظات عدة وصولًا إلى الحدود مع العراق، وبالبادية الشامية (بادية الحضر) الأكثر انتشارًا بغرب الفرات التي تتوسط مدينة تدمر، أن تؤدي زيادة وتيرة العمليات إلى التغطية على الضعف الملحوظ على التنظيم وإكساب الخليفة الجديد بعض الشرعية.

وتتسع مع كل بيعة لخليفة جديد لداعش عمليات التنظيم ويجري تنفيذها لإثبات الوجود وتمرير عملية التنصيب من دون نزاعات وصراعات داخلية، خاصة مع فقدان غالبية الخلفاء الجدد للشروط الرئيسية لتولي المنصب، وفي مقدمتها أن يكونوا معلومي الهوية وتتم مبايعتهم بشكل علني ومن المنتسبين فعليًا لقريش.

ويعاني الخليفة الجديد المزعوم لداعش أبوحفص الهاشمي مما عانى منه من سبقه، فهو يفتقر إلى النسب لقريش كما أنه مجهول الهوية ولم تتم بيعته بشكل علني، ما يثير النزاعات الداخلية والسخرية والشماتة من التنظيمات الأخرى المنافسة، مثل القاعدة وهيئة تحرير الشام.

وتخفي مظاهر القوة وزيادة وتيرة عمليات داعش ونوعيتها مؤخرًا ضعفًا كامنًا ومستمرًا للتنظيم الذي مُني بهزيمته الأولى في العراق عام 2014 ثم في سوريا عام 2017 وخسر كامل مناطق سيطرته وفقد غالبية قادته مع عدم القدرة على حماية خلفائه الذين يُقتلون الواحد تلو الآخر خلال فترات زمنية قصيرة لا تتجاوز العام.

واعترف داعش خلال إصداره الرئيسي الأخير (صناع الملاحم 7) وقبل الإعلان عن تولية زعيمه الجديد بضعفه وأكد تراجع هجماته إلى أقل مستوى لها منذ عشر سنوات، مبرزًا عمليات قديمة تعود إلى ما قبل عام ونصف العام ضد قوات الجيش السوري وقوات سوريا الديمقراطية، علاوة على تنفيذ عمليات إعدام في حق مدنيين تحت مبرر تعاونهم مع أعدائه.

ويزداد التنظيم الذي لم تعد له سيطرة على مناطق نشاط خلاياه التقليدية في شمال شرق سوريا وغرب العراق ضعفًا يومًا بعد يوم ويلجأ إلى مناطق خصومه وأعدائه، خاصة هيئة تحرير الشام، للاختباء ولتوفير بعض الأمان المؤقت لقادته الجدد.

وفيما يحرص على تنفيذ عمليات استعراضية سهلة لتمرير شرعية قادته الجدد، يوضح استهداف قادته السابقين خلال وقت قصير قبل أن يتمكنوا من الظهور أو إصدار كلمة لرفع معنويات أتباعهم ما يعانيه من ضعف حقيقي بمعزل عن مظاهر القوة المخادعة والوهمية.

وعلى الرغم من أن هجمات داعش على نقاط وخطوط الصراع المتاخمة للبادية السورية لا تملك المجال الحيوي لانتشارها وتوسعها إلا أن بعض المراقبين حذروا من أن تفضي الضربات التي تعتمد على التسلل تحت جنح الظلام إلى رسم معالم جديدة لسياسات داعش ولخرائط نفوذه وإلى تحقيق مكاسب حقيقية على الأرض تدريجيًا.

وإذا صادفت هذه الأنشطة العنيفة المعتادة مع كل تصعيد لخليفة جديد ترتيبًا للبيت الداخلي لداعش عبر قائد جديد يمتلك العزيمة والقدرة على استغلال نقاط الضعف وتراخي قوات التحالف الدولي والهشاشة الأمنية، فإن هذه الهجمات الاستعراضية قد تتحول إلى نقطة انطلاق جديدة نحو تعظيم خطر داعش ليس في سوريا فقط وإنما داخل العمق العراقي.

وهناك ما يدعم سيناريوهات تطوير داعش لأدائه العملياتي ونقل تهديداته ونشاطه المتزايد إلى داخل العراق استباقًا للعملية العسكرية التي يحضّر لها الجيش السوري النظامي ضد تمركزات التنظيم على خلفية رغبة دمشق في استعادة الأراضي شرقًا، ومن خلال استغلال الثغرات الأمنية، وتوسيع دائرة الاستقطاب والأعمال الانتقامية وتجنيد المقاتلين.

وفي حين تشهد عمليات استهداف قادة داعش ثباتًا في الأداء واحترافية من قبل قوات التحالف الدولي، إلا أن هيكل التنظيم وأنشطة أفراده لا يلقيان نفس الاهتمام وسط توترات وتناقض مصالح وأهداف بين خصوم داعش على الأرض، حيث يحشد الجيش السوري قواته للعبور شرق الفرات، بينما تحرص واشنطن على ألا ينجح في ذلك.

سجون لعقد تحالفات

لم يعد حلفاء واشنطن وشركاؤها في مهمة مكافحة داعش على الأرض بنفس الحماسة والإخلاص السابقين، ولا يُستبعَد تورط عناصر وقادة من “قسد” في عمليات فساد لتهريب بعض مقاتلي داعش من مراكز الاحتجاز مقابل الحصول على الأموال.

وإذا كانت “قسد” تعلن بين الحين والآخر عن استهداف قادة كبار بتنظيم الدولة وآخرهم في السابع عشر من أغسطس خلال عملية أمنية في مدينة الرقة بشمال البلاد، فإن السجون التي تشرف عليها ويُحتجز بها عشرات الآلاف من المنتمين لداعش باتت مراكزًا للتربيطات والعمولات لتسريب العناصر النشطة والقيادات والعناصر المدربة، وهي خاصة بمخيم الهول ومخيم روج، مقابل المال الذي لا يزال التنظيم يملك منه الكثير.

ويحرص التنظيم في هذه المرحلة على ألا يفقد حضوره وزخمه في سوريا التي يعدها عبر حيازة الثروة وبعض السلطة والهيمنة الجغرافية تمهيدًا للانتقال مجددًا إلى معقله الأول والرئيسي في العراق.

ومن المرجح أن يحقق داعش في سوريا توسعًا في النفوذ وتغييرًا في نوعية الأهداف إذا استمرت فاعلية التحالف الدولي في التراجع واستغرقت جهود عودة سوريا إلى علاقاتها السياسية الطبيعية مع الدول العربية والعالم وقتًا طويلًا.

ويضاعف الصراع مع تنظيم القاعدة وفروعه في سوريا من رغبة داعش في التوسع والتمدد وامتلاك العديد من أوراق النفوذ في سياق التنافس الشرس بين التنظيمين الغريمين والذي لا يقتصر على سوريا والعراق، بل يمتد إلى كل مناطق العالم، خاصة في أفغانستان وبعض دول أفريقيا.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى