ترجمات عبرية

هآرتس: نتنياهو يقوّض المشروع الصهيوني ويفاقم كراهية إسرائيل

هآرتس 2023-07-12، بقلم: ألون بنكاسنتنياهو يقوّض المشروع الصهيوني ويفاقم كراهية إسرائيل

بنيامين نتنياهو هو ما بعد صهيوني. فبسلوكه وقيمه وسياسته هو رئيس الحكومة الأول ما بعد الصهيوني في تاريخ إسرائيل. هو ليس هكذا بالمعنى الأيديولوجي أو الفكري، بل بالمعنى العملي، والتداعيات التاريخية لسياسته التي تهدف بوضوح إلى تفكيك مشروع الصهيونية، وتقويض الفكرة السياسية التي تنظمه، أي وثيقة الاستقلال، وقطع فظ للقطب الغضّ والتماسك الهش الذي حافظ على إسرائيل منذ العام 1948.

عملياً، منذ انتخابات 2015 منع نتنياهو الحرب على جمهورية إسرائيل وعلى المجتمع الإسرائيلي. هذه ظاهرة غير مسبوقة في تاريخ الديمقراطيات الغربية. فرئيس حكومة ينقل الغضب والإهانة ومشاعر الانتقام والإحباط السياسي من المستوى الشخصي إلى المستوى القومي. وقد أعلن حرباً متعددة الجبهات على الديمقراطية في إسرائيل الهشة، لكن القوية، وعلى الإجراءات والمؤسسات التي توجد في جهاز الدولة، وعلى «النخبة» التي لا تعترف بعظمته التاريخية.

أعلن الحرب على جهاز القضاء وإنفاذ القانون، وعلى التوازنات والكوابح و»حراس العتبة»، وعلى وسائل الإعلام وأجهزة الحكومة والبيروقراطية، وعلى المجتمع المدني ومنظماته. في العام 2023، وصل إلى ذروة حملة التحريض والتسميم وتوسيع التصدعات الفظيعة وخلق تصدعات جديدة مفتعلة.

ما بدا لديه أنه تمييز سياسي مفيد لأغراض انتخابية بين «يهود» و»إسرائيليين» تحوّل إلى إستراتيجية قومية: تقسيم فعلي بين جمهورية إسرائيل ومملكة يهودا. الانقلاب النظامي يسمّيه بصورة ساخرة وبتوارع مصطنع «إصلاحاً قضائياً». وهذا يشبه اعتبار السطو المسلح على بنك إعادة «تنظيم مالي».

«ما بعد صهيوني» تظهر كصفة غير معقولة لرئيس حكومة إسرائيل. ولكن سلوك نتنياهو وخطاباته، وبالأساس أفعاله السياسية، تدل على محاولة لنقل إسرائيل إلى مرحلة متطورة ومختلفة، مخالفة تماماً للصهيونية. هذا ما أراد فعله ليس كوكيل تغيير تاريخي مثل شارل ديغول، الانتقال من الجمهورية الرابعة إلى الخامسة في فرنسا في 1958، بل كوكيل للفوضى عندما أحاط نفسه بشكل متعمد بائتلاف مسيحاني وديني وتجمعات لأشخاص جاهلين وبدائيين وغير مؤهلين. في كل ما يتعلق بهنغاريا، فإن نتنياهو يشبه فيكتور أوربان أكثر مما يشبه ثيودور هرتسل. وفي كل ما يتعلق بجودة قيمه وضميره الأخلاقي وعالمه السياسي، هو يشبه ونستون سميث، بطل قصة جورج أورويل «1984»، أكثر مما يشبه البطل المشهور، ونستون تشرتشل.

نتنياهو الشخص قام بتطوير كراهية دولة إسرائيل. أيضاً هذا للوهلة الأولى يبدو غريباً، ويصعب استيعابه عندما يدور الحديث عن رئيس الحكومة. ولكن هذا تفسير مدعوم بأدلة. توجد لهذه الظاهرة أيضاً هناك «أويكو فوبيا»، أي كراهية الإنسان لبيته أو محيطه أو دولته، خلافاً لـ»كسنو فوبيا»، أي كراهية الأجانب. إذا وافقنا على هذا الافتراض، فيطرح سؤال: ما الذي يجعل هذا الشخص، لا سيما في منصب رئيس حكومة، يقوم بتطوير الكراهية ضد دولته بالقوة التي ظهرت في الأشهر الستة الأخيرة؟ ما هو مصدر هذه الكراهية؟

أولاً، توجد فجوة بين التصور الذاتي لنتنياهو وبين ما يراه كغياب عدم اعتراف بالجميل من جانب نخب متغطرسة ومتعالية. تعلم نتنياهو من والده، المؤرخ بن تسيون نتنياهو، عن نظرية الدوائر للتاريخ اليهودي: الفراعنة، الهيلينيون، الرومان، الصليبيون، محاكم التفتيش، الاضطهادات اللاسامية، الفاشية، وبعد ذلك النازية والكارثة – في كل بضع مئات من السنين تجري محاولة لتدمير حضارة اليهود، وفي كل جيل وآخر أظهر  الشعب اليهودي الصمود ووجد قائداً تاريخياً، أو ظروفاً تحبط المحاولة. أعد التاريخ بنيامين نتنياهو كي يقف أمام «الإسلام الفاشي»، والنخبة في إسرائيل تطارده بدلاً من تمجيده.

ثانياً، الشعور بالمطاردة الذي يزداد مع مرور السنين. هناك من يعتقدون أن الزعامة تقتضي الدمج بين النرجسية وجنون العظمة: النخبة القضائية والأمنية والسياسية والإعلامية جميعها تطارده، وأيضاً الزعامة الدولية ضده طوال السنين؛ لأنه يضع أمام العالم مشهداً غير مفرح.

ثالثاً، تطور الصورة الذاتية للويس الرابع عشر «أنا الدولة»، إضافة إلى الميول الاستبدادية من نوع أردوغان في تركيا، نتنياهو طور صورة ذاتية لزعيم لن تعيش الدولة من دونه.

دمج كل ذلك مع ضائقته القانونية أدى به إلى عدمية سياسية، ومن هنا جاءت ما بعد الصهيونية. هذا سيكون إرثه. ليس وقف المشروع النووي الإيراني، فهناك فشل. وليس الفصل بين الإسرائيليين والفلسطينيين، فهناك فشل. وليس تحسين في العلاقات مع الولايات المتحدة، هناك ربما تسبب بضرر هيكلي حقيقي. وليس «حوكمة»، أحد المصطلحات المحببة عليه، فهناك إخفاقه واضح.

إرثه التاريخي سيكون محاولة تفكيك المشروع الصهيوني، لكنها ستفشل. هذا فعله عبر تحويل إسرائيل من دولة عظمى علمية وتكنولوجية وابداعية إلى «ككستروقراطية»، أي حكم غير المؤهلين وغير المناسبين، الذين ينشئون «كلبوتقراطية»، أي سلطة لصوص مع ميول قوية للدين.

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى