ترجمات عبرية

هآرتس: نازحون إلى جنوب القطاع في الممر الإنساني

هآرتس 2023-11-22، بقلم: هاجر شيزاف: نازحون إلى جنوب القطاع في الممر الإنساني

على شارع صلاح الدين الذي يوجد على مدخل مدينة غزة تجمع، أول من أمس، مئات من اللاجئين الذين هربوا من شمال القطاع. الأجواء كانت كئيبة، رمال وغبار تتطاير في الهواء وتغطي عيونهم، حيث وقفوا في طابور طويل من البشر بشكل خاص، وحملوا الرايات البيضاء، وآخرون لوحوا ببطاقات الهوية الخضراء. «بسرعة، بسرعة، في طابور منظم»، انطلق فجأة صوت في مكبر الصوت باللغة العربية: «يجب على الجميع النظر نحو اليسار. أحضروا بطاقات الهوية واحداً تلو الآخر. تعال إلى هنا. أقول لك تعال إلى هنا!».

قبل فترة قصيرة من ذلك بعضهم وقفوا في مجموعة مكتظة، على بعد بضعة مئات الأمتار شمال مدينة غزة. قربهم كانت تقف دبابة وكان فوقهم مبنى مثقّب بسبب الرصاص بعد قصف جزء منه. في الطابق السفلي كان ما زال يمكن رؤية نوافذ جميلة على شكل أقواس تؤكد على مشهد جهنم. بين حين وآخر سمع في الخلفية صوت إطلاق نار بسلاح خفيف، الذي شرح قائد اللواء لاحقاً أن هذا الرصاص هو للتخويف، يطلقه الجنود في الهواء عندما لا يمتثل السكان للتعليمات.

الطريق التي ساروا فيها كانت قبل بضعة أسابيع الشارع الرئيس في القطاع، إلى أن دمره الجيش الإسرائيلي أثناء البحث عن العبوات الناسفة. على بعد مسافة مئة متر من النازحين كانت توجد كومة من الرمال التي يبدو أن الجيش هو الذي أوجدها هناك. تحتها كان يوجد جنود يقومون بحماية المراسلين استدعاهم الجيش إلى المكان قبل يوم. الكثير من الجنود استلقوا فوق كومة الرمال مع تصويب البنادق نحو الجمهور، من مسافة لا تمكّن من رؤية وجوه العابرين بوضوح.

المجموعة المحتشدة انتظمت في طابور عندما مرت في ما يشبه الحاوية التي توجد حولها أسلاك شائكة. ما يحدث داخلها لا يمكن رؤيته من قبل المراسلين. من هذه الحاوية خرج رجال ونساء وأطفال بعضهم يحملون الأكياس وبعضهم يحملون حقائب. على خلفية اللون الرمادي للحرب والدمار برزت بشكل خاص الحقائق باللون الوردي وطفلة صغيرة ترتدي ملابس باللون الوردي الفاتح من قمة الرأس وحتى أخمص القدم. الأمطار بدأت تغرق الجميع، الجنود والنازحين على حد سواء، وحولت الرمال إلى وحلٍ. من هناك تقدم النازحون قليلاً حيث تستمر في الخلفية الدعوات باللغة العربية من قبل الجنود أو من رجال «الشاباك» في مكبرات الصوت.

«أنت، الذي تحمل الكيس الأزرق، ضعه بجانب الحقائب وتعال. الآخرون استمروا في السير»، دعا الصوت. أبناء عائلة هذا الشخص حصلوا على تعليمات بالتقدم وعدم انتظاره. الذين نادوا وكانوا يقفون في مكان مرتفع على بعد بضعة أمتار عن النازحين، استمروا في استدعاء بين حين وآخر أحد السكان كي يخرج من الطابور ويقترب منهم. «أنت، أيها العجوز، الذي معه أطفال. اترك أولادك وتعال»، هكذا نادى عليه. من تم استدعاؤهم من الطابور من أجل التحقيق معهم، طلب منهم ترك الحقائب والأكياس عند ما يشبه كومة على الوحل. بعد ذلك التقدم نحو المكان المرتفع.

في كل لحظة كان هناك نحو عشرين شخصاً من الذين يتم التحقيق معهم قرب هذا الموقع، وهم يجلسون. وبين حين وآخر كانت القوات تطلب من أحدهم الوقوف. كم من الوقت مكثوا أو سيمكثون هناك ومتى سيعودون إلى الطابور الذي يتقدم نحو الجنوب؟ لا أحد يمكنه معرفة ذلك. أحياناً كان هؤلاء من الشباب وأحياناً من النساء أو الفتيان. ولكن يبدو أن هؤلاء   تم استدعاءهم من الطابور بعناية بعد فحص أولي. يبدو أن الحاويات التي مروا بها من قبل، هي التي وصفها مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية «أوتشا» بـ»نقاط التفتيش غير المأهولة»، حيث قدروا بأنه تم تركيب نظام مراقبة من أجل التعرف على الوجوه.

النازحون، حسب الأمم المتحدة، شهدوا أنهم تلقوا تعليمات لأظهار بطاقات الهوية وأن النظام قام بمسح الوجوه ضوئياً، وكان من الواضح أن المكان الذي طلب من المحقق معهم بالتقدم نحوه كان مزوداً بتكنولوجيا متقدمة مثل الكاميرات.

زيارة برعاية الجيش

الطريقة الوحيدة للمراسلين غير الفلسطينيين من سكان القطاع من أجل مشاهدة عن قرب ما يسمى في الجيش الإسرائيلي «الممر الإنساني»، وهو مسار الهرب والإخلاء لسكان شمال القطاع نحو الجنوب، هي بوساطة دخول بادرت لتقديمه وحدة المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي. بشكل مشابه دخل مراسلون أجانب وإسرائيليون في الأسابيع الأخيرة أيضاً إلى مناطق القتال في القطاع. دخول المراسلين مع قوات الجيش يمكنهم من تحديد المناطق التي يمكنهم الوصول إليها، وبشكل كبير، حتى لو لم تكن الحرب في أي وقت معقمة، تعطي للجيش سيطرة على المشاهد التي ستعرض للمراسلين.

قرار الانضمام لمثل هذه الرحلة لا يخلو من جوانب أخلاقية، حيث إن التغطية غير كاملة، وهو محدود جداً، موجه ومراقب من قبل الجيش الذي لا يسمح للمراسلين بالتحدث مع السكان ويقيد أيضاً مواضيع المقابلات مع الجنود. في الأصل يصعب أن نرى في المقابلات مع السكان الفلسطينيين في مثل هذا الوضع مقابلات يتم إجراؤها بحرية. وسائل الإعلام تعهدت خطياً بنقل جميع الصور التي يصورها المراسل أثناء الزيارة، وأيضاً النص المرفق للرقابة العسكرية. اندماج قوات الجيش والمراسلين ظهر بشكل واضح عندما كان من يتكلم بمكبر الصوت يعطي التعليمات للسكان، وفي وقت آخر ينادي باللغة العربية على مراسل «أخبار 13» تسفي يحزقيلي: «أخونا يحزقيلي».

يعكس قرار الجيش الإسرائيلي إحضار مراسلين عدة إلى المكان بصورة ملموسة الفجوة بين رواية إسرائيل ورواية الفلسطينيين – في حين أنه بالنسبة للإسرائيليين الحديث يدور عن عملية إنسانية واضحة، هدفها حماية السكان المدنيين كي تستطيع القوات محاربة رجال «حماس» في مناطق مأهولة ومكتظة. بالنسبة للفلسطينيين الحديث يدور عن نكبة ثانية. على أي حال، يبدو أنه لا يمكن النقاش حول ذلك لأنه وضع مهين جداً.

إلى اللقاء، يا غزة

استمرت الجولة من هناك إلى شارع صلاح الدين، الذي هو شارع الهرب. حسب الجيش الإسرائيلي فإنه، أول من أمس، عبر نحو 25 ألف شخص في المكان الذي يسمى باللغة العسكرية «مصرف»، حيث يمر السكان هناك بعملية فحص قبل مواصلة الطريق نحو الجنوب. حسب معطيات الجيش الإسرائيلي، فإنه منذ بداية الحرب هرب نحو 360 ألف شخص من سكان شمال القطاع من هناك عبر ممر إنساني فرعي يوجد على الشاطئ. الجيش الإسرائيلي يسمح بالعبور بين الساعة التاسعة صباحاً والرابعة بعد الظهر في اتجاه واحد فقط، من الشمال نحو الجنوب.

طريق عودة المراسلين الاسرائيليين من صلاح الدين إلى داخل حدود إسرائيل لم تستغرق وقتاً طويلاً، خلال بضع دقائق صوت الحرب كان يسمع بدرجة أقل. بعد اجتياز الجدار الفاصل بين القطاع وإسرائيل استمر السفر بجانب الجدار قرب «كيبوتس بئيري»، ومن هناك كان يمكن رؤية البيوت التي احترقت في 7 تشرين الأول بسهولة.

 

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى