ترجمات عبرية

هآرتس: مصالح ايران تستوجب تخفيض التوتر

هآرتس – مقال – 16/4/2024، تسفي برئيل: مصالح ايران تستوجب تخفيض التوتر

رئيس الحكومة العراقية، محمد شياع السوداني، التقى أمس مع الرئيس الامريكي جو بايدن. ولكن اذا كان يعتقد أن اساس اللقاء سيتناول ترتيب الانسحاب الامريكي من العراق فان هجوم ايران على اسرائيل وفر لهما مادة جديدة للنقاش. حسب تقارير في وسائل الاعلام العربية فان العراق، الذي ابلغته ايران مسبقا عن نية الهجوم، أوضح لها بأنه يعارض اختراق مجاله الجوي وسيعتبره خرق لسيادته. وكما هو متوقع فان ايران، التي تعتبر العراق (مثلما في سوريا) جزء من ساحة اللعب الخاصة لها في الشرق الاوسط، لم تتأثر حقا. 

لا يوجد أي شك بأن قضية العراق شغلت متخذي القرارات في ايران، الذين انتظروا اسبوعين تقريبا قبل بدء الهجوم. ايضا الردود المتوقعة من بعض الدول العربية، لا سيما دول الخليج التي علاقاتها حظيت بالتحسن مع ايران، كانت جزء من منظومة اعتبارات ايران، بدرجة لا تقل عن الخوف من الرد الاسرائيلي والامريكي المحتمل. 

قائد قوة القدس اسماعيل قاءاني مثلا جاء الى بغداد في شهر شباط كي يعطي الاوامر للمليشيات الشيعية الموالية لايران من اجل تجميد هجماتها على الاهداف الامريكية بعد أن ضربت في نهاية كانون الثاني قاعدة امريكية في الاردن. الولايات المتحدة ردت على ذلك بقصف قواعد لمليشيا حزب الله العراق، وفي نفس الوقت ارسلت رسالة شديدة لايران، وصلت الى درجة التهديد بالمس بأهداف في داخل ايران. في طهران ادركوا أن قواعد المواجهة مع الولايات المتحدة يمكن أن تتغير، والرد كان وفقا ذلك. بعد مهاجمة لاشهر كثيرة قواعد امريكية في الشرق الاوسط بالصواريخ والمسيرات اكثر من 180 مرة، فانه منذ 4 شباط الماضي لم تتم هناك مهاجمة أي هدف امريكي. 

ايران والمليشيات في العراق اوضحت ضبط النفس بأنها لا تريد المس بالمفاوضات التي تجري بين بغداد وواشنطن بصورة يمكن أن تؤخر انسحاب الـ 2000 جندي امريكي من العراق. وسواء كانت قضية الانسحاب الامريكي هي السبب الاساسي لوقف اطلاق النار، أو أن السبب هو التهديد الامريكي هو الذي اقنع ايران، فان هجوم ايران حطم الادعاء الرسمي والعلني الذي يقول إن ايران لا تملي على مبعوثيها كيفية العمل، وأن كل ذراع من اذرعها في الخارج، في اليمن والعراق ولبنان، يعمل بشكل مستقل حسب الظروف والفرص التي تسنح له في كل دولة من هذه الدول. 

حتى الآن من غير الواضح كيف سيؤثر هجوم ايران على قرارات الولايات المتحدة والعراق حول قضية الانسحاب الامريكي، حيث أن الامر يتعلق ايضا بقرار سياسي عراقي داخلي. ولكن عندما تطمح الولايات المتحدة الى اقامة تحالف عسكري كنوع من حلف الناتو في الشرق الاوسط، فربما أن العراق سيخرج عن موقفه المحايد وسينضم الى هذا التحالف اذا تم تشكيله. 

اذا نجح الرئيس الامريكي في اقناع السوداني بالانضمام الى دول الخليج الاخرى الموالية لامريكا فان هذا يمكن أن يكون ضربة استراتيجية شديدة للنظام في ايران. من هنا تأتي حاجة ايران الى العودة في الوقت القريب الى استراتيجية “التشغيل عن بعد” لوكلائها، التي وفرت لها حتى الهجوم الاخير الحصانة من المس المباشر، ومن هنا تأتي رغبتها في أن تزيل عنها صورة التهديد الاقليمي.

من اجل ذلك فان ايران تعمل على اقناع بالاساس الدول الجارة العربية بأن الامر يتعلق ليس فقط بحدث لمرة واحدة، والذي استمراره يرتبط الآن باسرائيل، بل بالاساس بعملية شرعية تستند الى حقها في الدفاع عن نفسها بعد أن قامت اسرائيل بضرب القنصلية الايرانية في دمشق، التي تعتبر ارض سيادية ايرانية.

اضافة الى ذلك وزير الخارجية الايراني قال إن دولته ابلغت مسبقا، وأوضح بأنها ستعمل بشكل محسوب بحيث لا تجر المنطقة الى حرب شاملة. ايضا جهات في النظام وفي الجيش وفي حرس الثورة أكدت في هذا الاسبوع في الاحاطات بأن ايران استخدمت فقط جزء صغير من منظومة الصواريخ والمسيرات لديها، وأنه تم توجيهها بشكل دقيق الى اهداف عسكرية. واضافت الجهات بأنه اذا عملت اسرائيل ضد ايران مرة اخرى فمن المحتمل أن تتعرض لرد أقوى بكثير.

ايران ابلغت السعودية واتحاد الامارات وعدد من الدول الجارة الاخرى بنيتها وعن حجم العملية المتوقعة. وحسب “وول ستريت جورنال” فان هذه الدول وافقت على ارسال معلومات حيوية عن استعداد ايران حتى قبل أن تبلغ هي نفسها. وبذلك فقد ساعدت على اعداد تنسيق للعمليات العسكرية التي افشلت جزء كبير من الهجوم. ولكن من الجدير الانتباه الى أنه، حسب الصحيفة، كانت حاجة الى ضغط امريكي على هؤلاء الحلفاء قبل موافقتهم على اعطاء المعلومات والانضمام للجهود الحربية، التي شملت ضمن امور اخرى فتح مجالاتها الجوية امام الطائرات الامريكية وربما الاسرائيلية ايضا.

معضلة السعودية واتحاد الامارات غير سهلة. توجد للدولتين علاقات وثيقة مع ايران، وقد تبنت في السنوات الاخيرة استراتيجية جديدة تفضل من خلالها وجود علاقات اقتصادية ودبلوماسية مع ايران بدلا من المواجهة. اضافة الى ذلك هذه الدول، رغم علاقاتها الجديدة الرسمية وغير الرسمية مع اسرائيل، لا تريد أن تعتبر كمن ساعدت اسرائيل في الوقت الذي تدير فيه الاخيرة معركة وحشية جدا ضد الفلسطينيين. ولكن مشكوك فيه اذا كانت مصالح اسرائيل هي التي وجهت قرارات هذه الدول، أو أنه فقط علاقاتها الجيدة مع واشنطن هي التي رجحت الكفة.

يوجد لهاتين الدولتين تاريخ قريب من المواجهة القاسية مع ايران، وهي تقلق من أن “استراتيجية الاحتضان” مع طهران يمكن أن لا تكون كافية لمنع هجوم مشابه عليهما. في نفس الوقت ايران التي تعمل على الدفع قدما بعلاقاتها مع جيرانها وأنها وضعت تحسين علاقات الجيرة مع الدول العربية على رأس سلم اولوياتها السياسي، إلا أنها كما يبدو لم تقدر بشكل كامل تأثير الهجوم على علاقاتها الخارجية. ربما هي توقعت أن التضامن العربي المتمثل في وحدة الصف الى جانب الفلسطينيين سيقف الى جانبها كدولة وحيدة تجرأت على استخدام السلاح ضد اسرائيل.

يبدو أن ايران انشأت سور بين دعمها لـ “محور المقاومة”، الذي هدف الى توفير مظلة لحماس، وبين الحساب “الخاص” لها مع اسرائيل، ايضا الدول العربية رسمت حدود تضامنها. هذا لا يعني أن هذه الدول ستنضم على الفور الى التحالف العسكري الامريكي (والاسرائيلي) المناهض لايران، وايضا من غير المتوقع أن تقطع علاقاتها مع ايران أو أن الاخيرة ستبادر الى هذا القطع رغم المساعدة الكبيرة التي قدمتها هذه الدول من اجل نجاح احباط الهجوم. الدليل على ذلك توفره الجهود الدبلوماسية لوزير الخارجية الايراني في محادثاته في هذا الاسبوع مع نظرائه في دول الخليج، بما في ذلك وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، التي تهدف الى التهدئة والتوضيح بأن الامر يتعلق بعملية لا ترتبط بـ “محور المقاومة”، بل الدفاع عن سيادة ايران. وزير الخارجية الايراني عبد اللهيان بالتأكيد ذكر لابن فرحان بأن هجوم الجمهور الايراني على السفارة السعودية في طهران في 2016 هو الذي أدى الى قطع العلاقات بين الدولتين والذي استمر لسبع سنوات؛ ومثلما أن السعودية لم تتمكن من المرور مر الكرام على ذلك الهجوم فان ايران هي ايضا كانت مضطرة للرد على هجوم اسرائيل على قنصليتها في دمشق.

هذه الجهود تدل على أن هدف ايران سيواصل كونه الحفاظ على وتطوير العلاقات مع دول المنطقة كرؤية استراتيجية. والسؤال هو هل من اجل تطبيق ذلك، الذي سيقتضي تهدئة الدول الجارة من اجل منع اقامة تحالف عسكري مناهض لايران، ستقرر اخضاع سلوك مبعوثيها لمصالح ايران، وأن توقف هجمات الحوثيين وأن تدفع قدما بحل سياسي في لبنان.

مركز الناطور للدراسات والأبحاث  Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى