ترجمات عبرية

هآرتس: ماذا قال الفلسطينيون حقا عن خطة التقسيم؟

هآرتس 16-5-2023، بقلم الكسندر يعقوبسون: ماذا قال الفلسطينيون حقا عن خطة التقسيم؟

كتب شلومو زند في “هآرتس” في 4/5 بأن الفلسطينيين والدول العربية اعتقدوا بأنهم “هم الذين تسببوا بالمأساة عندما رفضوا التقسيم وشنوا هجوماً واسعاً على الاستيطان اليهودي”، ولكنه غير رأيه واقتنع بأن موقف الفلسطينيين كان مبرراً لأن شروط التقسيم ظلمت الفلسطينيين. كل هذا بسبب “معنى الخطة الديمغرافي: ليس هذا لأن اليهود الذين كانوا يشكلون نحو ثلث سكان البلاد فقط قد حصلوا على أكثر من نصف مساحتها (في الواقع معظمها صحراء، كما أشار)، بل إن 497 ألف عربي كان يجب أن تشملهم أراضي الدولة اليهودية. “لذا، من غير الغريب أن يرفض الفلسطينيون والدول العربية التقسيم الذي اعتبر غير عادل وبدأوا في عمليات عدائية ضد الدولة اليهودية المستقبلية”، قال.

معارضة القيادة العربية – الفلسطينية لخطة التقسيم من العام 1947 تم تبريرها بتوسع من قبل ممثلي القيادة ومندوبي اللجنة العربية العليا في النقاشات التي جرت في الأمم المتحدة قبيل التصويت على المصادقة على الخطة. ولفهم عمق موقف الفلسطينيين في هذا المفترق المصيري، تجدر قراءة أقوالهم وليس الذرائع التي يقدمها المتعاطفون الإسرائيليون للفلسطينيين بأثر رجعي.

خلافاً لما يفهم من أقوال زند، فإن الفلسطينيين لم يدّعوا أنهم يرفضون التقسيم بسبب شروطه، بل رفضوا كل إمكانية للتقسيم وفي أي حدود. يضاف إلى ذلك أنهم رفضوا بشدة وهددوا بالحرب ضد حل الدولة الفيدرالية ثنائية القومية العربية – اليهودية.

لو وافق الفلسطينيون على خطة الفيدرالية لكان هناك شك كبير بالعثور على الأغلبية المطلوبة للتقسيم في الجمعية العمومية للأمم المتحدة. إن ممثلي الأغلبية في اللجنة الذين أوصوا بالتقسيم تأثروا مما تبين لهم أثناء النقاشات فيها. فالتقسيم كان حل التسوية الوحيد. الحل الوحيد الذي وافق الفلسطينيون والدول العربية على قبوله، والذي شنوا من أجله الحرب؛ أي دولة عربية على أراضي البلاد كلها، التي سيكون فيها 650 ألف يهودي رعايا تابعين لسلطة بقيادة المفتي الزعيم الفلسطيني في حينه، هو حل لم يحظ بأغلبية من أعضاء الأمم المتحدة.

ممثل اللجنة العربية العليا عرض موقف الفلسطينيين على اللجنة التي شكلتها الجمعية العمومية في 29 أيلول 1947: أولاً، دولة عربية ستقام في كل فلسطين على أساس ديمقراطي. ثانياً، الدولة العربية في فلسطين ستحترم حقوق الإنسان والحريات الأساسية والمساواة لكل الناس أمام القانون. خلافاً لـ “دولة يهودية”، ولو على جزء من البلاد، التي حسب المتحدثين العرب في حينه (أيضاً حسب رأي زند)، تناقض في تعريفها إمكانية المساواة المدنية، “دولة عربية” في كل البلاد كان يمكن أن تتساوق مع مثل هذه المساواة – كما يبدو بفضل القيادة المتنورة التي كانت ستقف على رأسها.

بخصوص تقرير لجنة الأمم المتحدة، فقد رفض الممثل الفلسطيني التطرق للتقرير لأنه “حسب رأي اللجنة العربية العليا، لا يمكن أن يكون أساساً للنقاش. الخطتان الموجودتان فيه (التقسيم والفيدرالية، وموقف الأغلبية وموقف الأقلية) تناقضان ميثاق الأمم المتحدة… العرب في فلسطين يصممون على معارضة أي خطة تؤدي إلى التقسيم أو اقتطاع أراضيهم أو تعطي للأقلية مكانة أو حقوق خاصة وزائدة”.

هذا، وليس أي شيء آخر، كان الهدف الذي من أجله ناضل الطرف الفلسطيني في تلك الحرب، مثلما أوضح المندوب الفلسطيني في مجلس الأمن في جلسته في 16 نيسان 1948: “ممثل الوكالة اليهودية (موشيه شريت) قال لنا أمس بأنهم (اليهود) ليسوا الطرف المعتدي، وأن العرب هم الذين شنوا الحرب، وأنه في اللحظة التي يتوقف فيها العرب عن إطلاق النار سيفعل اليهود ذلك. عملياً، نحن لا ننفي هذه الحقيقة. وقد قلنا للعالم في الجلسة الأولى للجمعية العمومية بأننا لا نوافق على أن تقطيع بلادنا إلى أجزاء. قلنا لكل العالم بأن هذا اعتداء على بلادنا… وإننا ننوي محاربته”.

الادعاء الأساسي للطرف الفلسطيني كان أن العرب هم أغلبية سكان البلاد، وأنهم السكان الأصليون؛ لذلك، فالتفسير الصحيح لمبدأ تقرير المصير يلزم بالحصول على الاستقلال وتحديد مصير البلاد بشكل ديمقراطي؛ وأن اليهود ليسوا شعباً، بل طائفة دينية ليس لها حق في تطوير طموحات قومية؛ وأن هجرة اليهود الجماعية إلى البلاد برعاية الانتداب البريطاني وخلافاً لمعظم سكانها كانت غير شرعية، التي لا تعطي لليهود حقوقاً خاصة.

يجب القول بأن حق سكان البلاد في تقرير مستقبلها هو ادعاء قوي في الخطاب المعياري الدولي. في المقابل، وقفت طموحات الشعب اليهودي بوطن قومي خاص به، وضائقته بعد الكارثة، لا سيما ضائقة الناجين من الكارثة في معسكرات المهجرين في أوروبا، الذين لم يرغب أحد بقبولهم، باستثناء الصهاينة في البلاد. ومن أجل الرد على هذه الضائقة، زادوا المساحة المخصصة للدولة اليهودية، الأمر الذي اقتضى أن تشمل في داخلها أقلية عربية كبيرة.

الادعاء بأن اليهود ليسوا شعباً، والذي كان لبنة أساسية في ادعاء المتحدثين العرب، تم إسماعه بقوة، رغم أنهم كانوا بين حين وآخر يتم جرهم إلى التناقض عندما يعبرون عن موقفهم العاطفي تجاه اليهود. هكذا، بعد هجوم موشيه شريت على المفتي في “اللجنة الأولى” للأمم المتحدة في 12 أيار 1948، رد المندوب الفلسطيني بالقول إن من يهاجم اليوم زعيماً دينياً مسلماً هو “ممثل نفس الشعب الذي قام بصلب مؤسس الديانة المسيحية”. ولو وضع نصب عينيه التحقيق الذي أجراه شلومو زند عن اختراع الشعب اليهودي في تلك اللحظة، لما فشل في الحديث عن هذا الموضوع الحساس.

الخيار في نهاية الأمر بات اليوم بين تقسيم البلاد بين الشعبين، وبين دولة عربية في كل البلاد. اليمين، الذي فعل كل ما في استطاعته لتحويل تقسيم البلاد إلى أمر غير محتمل، يقوم بعمل المتحدثين باسم اللجنة العربية العليا في نقاشات التقسيم. “دولة ثنائية القومية”، التي اقترحها زند، ستكون دولة مع أغلبية عربية في قلب العالم العربي والإسلامي. هذه الأغلبية ستكون بالضرورة نتيجة تطبيق حق العودة، الذي لا توجد أي طريقة لمنعه في دولة “ثنائية القومية”. الاعتقاد بأن هذه الدولة قد تكون دولة ثنائية القومية لفترة طويلة، وليس دولة عربية وإسلامية، هو انتصار للأيديولوجيا على العقل السليم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى