ترجمات عبرية

هآرتس: ليبيا ممزقة بين عشرات الميليشيات، بعيدة كل البعد عن التطبيع مع إسرائيل

هآرتس 29/8/2023، بقلم تسفي برئيل: ليبيا ممزقة بين عشرات الميليشيات، بعيدة كل البعد عن التطبيع مع إسرائيل

عندما سارع وزير الخارجية الإسرائيلي ليتحدث عن لقائه مع نظيرته الليبية نجلاء المنقوش، لم يتخيل أن تكون النتيجة إقالة المنقوش واضطرارها للهرب إلى تركيا. في هذه الأثناء، ورغم بيان كوهين الاحتفالي، يبدو أن ليبيا ما زالت بعيدة عن التطبيع مع إسرائيل.

البيان الليبي الرسمي الذي أوضح بأن التطبيع مع إسرائيل خارج الأجندة، والمظاهرات التي رافقت النشر، يمكن أن تدل على أن شخصاً ما نسب لنفسه الفضل على هذا الهواء الدافئ. إن سيل التقارير التي تأتي من مصادر مجهولة في وسائل إعلام غربية وعربية، يتمحور بالأساس حول سؤال هل تصرفت المنقوش، وهي المرأة الأولى في ليبيا التي تتولى منصب وزير الخارجية، بشكل تلقائي أم خولها رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة لإجراء هذا اللقاء.

ليست المرة الأولى التي تجد فيها المنقوش نفسها على الشواية الدبلوماسية الليبية؛ ففي العام 2021 علق المجلس الرئاسي المنقوش من منصبها بسبب ما اعتبره تنفيذ سياسة خارجية مستقلة بدون تنسيق مع المجلس. الآن، تقول عدة مصادر بأن للوزيرة دلائل على أن الرئيس هو من أرسلها، في حين أن آخرين ينسبون اللقاء إلى رغبة ليبيا في استغلال إسرائيل كرافعة من أجل تعزيز علاقاتها مع الولايات المتحدة، أو ربطوها بسعي الرئيس الأمريكي بايدن لتوسيع دائرة الدول العربية المشاركة في اتفاقات إبراهيم.

من الأفضل التعامل مع هذه التقارير بالقدر المناسب من التشكك. العداوات السياسية في ليبيا تسببت بعدد غير قليل من التقارير الخاطئة والكاذبة، لا سيما أن ليبيا ليست بحاجة إلى إسرائيل كي تشكل لها جسراً إلى واشنطن. العلاقات بين الحكومة الوطنية، المعروفة في المجتمع الدولي ولكنها فعلياً تسيطر على نصف الدولة، وبين الإدارة الأمريكية، ليست بحاجة إلى وساطة إسرائيل. تعمل واشنطن منذ سنوات على العثور على حل ينقذ ليبيا من متاهتها السياسية والعسكرية، بدون نجاح.

في آذار، قدم بايدن للكونغرس خطة عمل هدفها منع النزاعات، والتوصل إلى الاستقرار في عدة دول، من بينها ليبيا. خطة طموحة قد تمتد لعقد، وتشمل خطة لإجراء انتخابات للرئاسة والبرلمان، وبناء وحدة وطنية، ونمواً اقتصادياً. الهدف الاستراتيجي للخطة هو محاولة إبعاد تأثير روسيا والصين عن ليبيا بشكل خاص، وعن الدول الإفريقية بشكل عام، والحفاظ على المصالح الأمريكية والأوروبية في الدولة.

تعدّ خطة جيدة، مصوغة بلغة دبلوماسية ضبابية لا تقترح خطوات ملموسة. وسبب ذلك، أن واشنطن تعرف خط هوس ليبيا عن قرب. منذ إسقاط وقتل معمر القذافي في العام 2011 وليبيا غارقة في حرب أهلية دموية، وتديرها حكومتان تستندان إلى عشرات المليشيات. وخلال عقد تقريباً، تعمل كصخرة تحطمت عليها معظم المبادرات الدولية التي سعت لتحويلها من دولة عصابات إلى دولة قومية.

يكفي فحص الأعمال العنيفة التي حدثت هناك في هذا الشهر كي يتولد انطباع عن شرنقة العداوة التي تدير الدولة. 55 شخصاً تقريباً قتلوا في صراعات القوة بين اللواء 444، إحدى المليشيات القوية في العاصمة طرابلس ويخضع لوزارة الدفاع ولكنها تعمل بشكل مستقل، وبين مليشيا الردع الخاص، وهي جسم إسلامي شبه عسكري تابع لوزارة الداخلية. هاتان اثنتان من بين الـ 12 مليشيا العاملة في العاصمة، التي لديها قوة لتحديد هل سيستمر وقف إطلاق النار الذي ما زال صامداً نظرياً منذ سنتين تقريباً. إضافة إليها، تعمل مليشيات في جنوب الدولة تطرح طلبات اقتصادية وتسعى لتمثيل مناسب في الحكومة وتطمح للحصول على نصيب من الميزانية.

لكن الصدع التكتوني الذي يقسم الدولة هو الذي وجد بين شرق الدولة وغربها. يعمل الجنرال الانفصالي خليفة حفتر أمام الإدارة المعترف بها في طرابلس والتي تشمل مجلس الرئاسة والحكومة، وهو الذي يتولى قيادة الجسم الذي يسمى “الجيش الوطني”، الذي حاول السيطرة عدة مرات على الحكم ليصبح رئيس الدولة. حفتر الذي يتخذ بنغازي مركزاً لنشاطاته، يعتبر عاملاً رئيسياً، وقد أوجد حوله ائتلافاً من دول عربية داعمة، منها مصر والإمارات، ومعهما زعيم المتمردين في السودان محمد دقلو. من بين حلفائه أيضاً روسيا التي أرسلت قوة فاغنر لمساعدته في محاولة القيام بانقلاب عسكري.

في 2021 نشر أن ابن حفتر وصل في رحلة جوية سرية إلى إسرائيل لفحص إمكانية الحصول على مساعدة سياسية وعسكرية. أقام حفتر علاقات وثيقة أيضاً مع إيطاليا، التي أرسلت له أموالاً كثيرة لوقف سيل اللاجئين من بنغازي إلى أوروبا، وفي الوقت نفسه وقعت على اتفاق مشابه مع الحكومة الليبية. حفتر في الحقيقة شريك في اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في ليبيا، ولكنه لم يتنازل عن طموحه بانتخابه رئيساً للدولة.

الانتخابات، بالمناسبة، قد تجرى حتى نهاية هذه السنة، لكن من الأفضل عدم حبس الأنفاس من أجلها. العداء الشديد بين رئيس الحكومة الدبيبة ومن كان حتى الفترة الأخيرة رئيس مجلس الرئاسة الإسلامي خالد المشري، وغياب قانون انتخابات متفق عليه، تشكك في الوساطة المرصوفة بالنوايا الحسنة للأمم المتحدة، التي تسعى إلى استكمال العملية السياسية.

الاحتمالية الواقعية، إذا وجدت، لحل المسألة الليبية، تكمن في التطورات السياسية في الشرق الأوسط، ومنها استئناف العلاقات الدبلوماسية بين تركيا ومصر. هاتان الدولتان المتعاديتان عملتا على جانبي المتراس، حيث إن مصر كما قلنا هي حليفة حفتر، في حين أن تركيا تقدم مساعدات عسكرية للحكومة المعترف بها.

المواجهات السياسية بين الدولتين وصلت إلى الذروة بعد أن وقعت تركيا وليبيا في 2019 على اتفاق ترسيم الحدود البحرية. هذا الاتفاق منح تركيا مساحة بحرية كبيرة هي في قلب المسار البحري بين مصر وأوروبا، وهدد قدرة مصر على تصدير الغاز إلى أوروبا. استئناف العلاقات بين القاهرة وأنقرة قد يثمر عن حل لاتفاق الحدود البحرية، ويقود إلى التعاون بينهما ويشجع على العثور على حل للقضية الليبية.

لا تعد إسرائيل شريكة في كل ذلك، ومساعدتها غير مطلوبة. إلى جانب ذلك، عندما يتحدث وزير الخارجية كوهين عن احتمالية التطبيع مع ليبيا، فعن أي ليبيا هو يتحدث، ليبيا حفتر أم ليبيا الحكومة المعترف بها، أم عن التي تسيطر عليها المليشيات؟ للأسف، من دفع الثمن في هذه الأثناء هي وزيرة الخارجية المنقوش، وهي قانونية محترفة، ويشمل مسار تأهيلها المهني الدراسة في الولايات المتحدة، وحتى إنها حصلت على وسام تقدير من وزارة الخارجية الأمريكية.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى