ترجمات عبرية

هآرتس: كل جولة قتال في غزة تزيد من دائرة “الأضرار الجانبية” وتبدو أقل منطقية

هآرتس 11-5-2023، بقلم عميرة هاس: كل جولة قتال في غزة تزيد من دائرة “الأضرار الجانبية” وتبدو أقل منطقية

في عقل امرأة ابنة 78 عاماً التي تنام مريضة في بيتها في خانيونس، تقلصت الـ 75 عاماً الأخيرة في لحظة واحدة، في نيسان أو أيار 1948. حينئذ هربت من بيتها مع عائلتها في يافا من ذعر القصف الذي قامت به “ايتسل” و”الهاغناة”. هم ظنوا أنهم سينتقلون يومين أو ثلاثة، وبالحد الأعلى أسبوعاً أو أسبوعين ثم يعودون. أول أمس، فاجأت أبناء عائلتها عندما استيقظت بعد يومين من فقدان الوعي. من أقوالها غير الواضحة، فهم أبناؤها وبناتها بأنها تعتقد أنها عادت ثانية لتصبح نفس الطفلة ابنة الـ 12 عاماً التي انقلبت حياتها خلال ساعات.

“هذا غير مرتبط بعمليات القصف الأخيرة. لا أظنها تدرك أننا في حرب جديدة”، قالت لي حفيدتها. “هذا معروف: المسنون لدينا، حتى عندما يفقدون ذاكرتهم، فإنهم يتذكرون أنفسهم في وقت النكبة. وفكرت في نفسي: عندما أصبح عجوزاً ربما أكون مصابة بالزهايمر، حينئذ سوف أنسى كل شيء وأتذكر فقط تلك الحرب الفظيعة في 2008 عندما كنت ابنة 12 عاماً”.

كل المواد هنا لتقديم ملاحظة وقائعية – غير تصادمية أو جدلية أو سردية – عن النكبة المتواصلة. هذه حقيقة. النكبة، كارثة الطرد والتهجير من الوطن، لم تتوقف للحظة منذ أن حولنا الفلسطينيين إلى شعب من اللاجئين. وهم يرفضون التكيف والاستسلام. هذه نقطة البداية الضرورية لفهم العقدة السياسية – العسكرية – الاجتماعية – الإنسانية التي تمثل الوضع الإسرائيلي – الفلسطيني.

ولكن أعمام محدثتي مشغولون في مشكلة أخطر: ثمة موعد لأمهم المريضة من أجل غسيل الكلى، ولكنهم يخافون الخروج ونقلها إلى المستشفى. ماذا لو حصل الجيش الإسرائيلي على صورة السيارة من أحد الطائرات المسيرة الكثيرة التي تحلق فوق غزة، وقرر المجندات والجنود الذين يحللون الصور أن من يخرج في هذه الساعة هو مطلق للصواريخ، ثم يتفق أحد قادتهم معهم ويأمر بإطلاق صاروخ نحو هذه السيارة.

“في الانتفاضة الأولى رشقنا حجارة، الآن لدينا صواريخ”. قال لي يوماً بفخر، أحد نشطاء حماس ليس في الذراع العسكري. كان لدينا مدفع “الدافيدغا” ولدينا اليوم أنواع من القنابل والطائرات التي لا تسمح الرقابة بذكرها. كل طرف يتفاخر بالتطور وزيادة نجاعة السلاح الذي يمتلكه، ولكن الفصائل الفلسطينية تعيش في إنكار متواصل: الفجوة ما بين ترسانتهم والترسانة الإسرائيلية تزداد اتساعاً.

“كنت أستعد للنوم. فجأة شعرت بالموجات الارتدادية. مثل هزة أرضية. بعد ذلك جاء الصوت”، قالت حفيدة المرأة العجوز من خانيونس، التي أعرفها منذ طفولتها، عن القصف الذي فجر الثلاثاء. “اعتقدت أنه مثلما هو الحال دائماً، اليهود يقصفون مناطق مفتوحة، وقواعد فارغة للجهاد أو حماس”. لقد استخدمت المفهوم الدارج لدى الفلسطينيين، والذي يؤلمني، ولم تشعر بحاجة لترجمة كلمة “اليهود” لـ “الجيش” من أجلي.

“منظمات المقاومة لدينا أطلقت نحو إسرائيل، وعرفوا بأنه لن يقتل إسرائيلي واحد”، واصلت: “الجيش قصف وعرف بأنه “لن يقتل فلسطينيون. وهكذا فإن كل واحد يرد الثاني، وبعد ذلك نعود للحياة الروتينية. بعد ربع ساعة من القصف، بدأت أسمع تقارير عن نساء وأطفال قتلوا. صديقتي وعائلتها يسكنون في نفس مبنى عائلة رجل “الجهاد الإسلامي” طارق عز الدين. كانوا في الشقة عندما قصف البيت. ولكنهم لحسن الحظ لم يصابوا. شقتهم دمرت تماماً. صديقتي خرجت من الشقة ورأت جثثاً على الدرج”.

أقوالها تقدم تذكاراً عن قدرة صمود لا تصدق لدى الفلسطينيين. “نحن أبطال رغم أنوفهم”، قال ليس أصدقائي في غزة في 2008 وفي 2012 و2014 و2021 – وكذلك في الاقتحامات والهجمات العسكرية التي لم تحظ بوصف “حرب”. مع كل حرب “البطولة رغماً عنك”، تصبح أصعب.

أمس، ظهراً تحدثت مع صديقتي الشابة، في حين كانت أجهزة إطلاق “الجهاد الإسلامي” صامتة، وتحذيرات “تسيفع ادوم” لم تقطع بعد بث الراديو الإسرائيلي. الجميع ينتظر رد “الجهاد”، قالت. “منظر الأطفال الذين قتلتهم إسرائيل صدم الجميع”. للحظة، وكأنها كانت خبيرة بشؤون “الجهاد” أو بالاستراتيجية العسكرية، سألتها عن رأيها في عدم رد التنظيم. “ليبقى الإسرائيليين في حالة خوف، وهذا يعتبر سلاحاً”. أوضحت. “المشكلة أننا نحن خائفون أيضاً. الانتظار أحياناً أصعب من لحظة القصف نفسها. أعتقد أن على “الجهاد” ان يرد، ولكني لا أتشوق لحرب جديدة”.

هذه شهادة من مصدر أول عن التناقضات الداخلية التي تدور في قلب كل واحد وواحدة. لم أنتبه فيما إذا قالت إن على حماس أن ترد. كحزب سلطة، لحماس اعتبارات تختلف عن اعتبارات التنظيم العسكري الصغير. حماس لا يحب المقارنة، ولكنها مرت بمراحل شبيهة بتلك التي مر بها خصومهم في “فتح” في الانتفاضة الثانية. هم يستوعبون التناقض والتوتر ما بين حركة تحرير وحكومة لديها موظفون ومسؤولية عن دفع رواتب وعن أداء المدارس.

صديقة أخرى لصديقتي أصيبت بالسرطان وشفيت منه بعد العديد من العلاجات وحب الحياة – حدد لها دور في المستشفى بالقدس، يوم أمس. حدد الدور بعد جهود، والسلطة أعطت تعهداً ليس مفهوماً ضمناً بتغطية تكاليفهم. ولكن المعابر أغلقت. كم من المرضى الآخرين الذين كان يجب أن يسافروا للعلاج الذي سينقذ حياتهم ولم يسافروا”، تساءلت صديقتي.

المستشارة القانونية للحكومة غالي بهرب ميارا، التي صادقت على قتل كبار قادة “الجهاد الإسلامي” وقتل أبناء عائلاتهم، فكرت بالتأكيد بتعبيرات “ضرر جانبي” و”توازن”. الضرر الجانبي والمتوازن (كما يبدو) هم المدنيون الذين أزهقت حياتهم، والكثير من دوائر الألم والمعاناة الأخرى: الجرحى، والصدمات التي تظل طوال الحياة، والعلاجات الدوائية للتوتر والهلع والسكري، التي تطورت بسبب القلق والخوف والاكتئاب واللامبالاة وضياع أيام وشهور الدراسة، والعلاجات الطبية التي تم تأجيلها أو إلغاؤها، كل هذا دون ذكر الدمار المادي الهائل.

الكتابة عمل إنساني يجمع مؤهلات المنطق والدراسة والتجربة والإبداعية، وتستعين بها من أجل نقل رسالة واضحة وتوضيحية، ولكن يصعب أن نجند الإبداعية لنصف الدمار. وما العمل عندما تجد الكاتبة صعوبة في وصف المنطق الذي يقف وراء كل جولة قصف، وإطلاق نار وقتل. سواء كان هذا منطقاً مدفوعاً باعتبارات سياسية وتنظيمية لحظية، أو عسكرية طويلة المدى، أو قومية – وطنية. عندما يكون المنطق غير منطقي تماماً، فإن الكلمات تتوق للوقوف صامتة.

 

مركز الناطور للدراسات والأبحاث  Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى