ترجمات عبرية

هآرتس: شبح النكبة ما زال يشكل الخارطة السياسية الإسرائيلية!

هآرتس 2023-09-02، بقلم: نير حسون: شبح النكبة ما زال يشكل الخارطة السياسية الإسرائيلية!

في فترة الربيع، الشارع الذي يقود إلى مستوطنة “عوفر” الواقعة جنوب الكرمل، هو احد الشوارع الجميلة في البلاد. تنتشر أشجار الزيتون والتين والصنوبر والكينيا، والأزهار البرية، وتحيط شجيرات بكل مستويات اللون الأخضر بالطريق من كلا الجانبين. ولكن ليس بالإمكان ألا نلاحظ على طوله أيضا أشجار صبر كثيرة، وبقايا جدران قديمة، وقبراً لاحد الشيوخ. هذه بقايا القرية العربية، عين غزال، هكذا يقوم بحث جديد، يمكنها أن تشرح لماذا حظي “الليكود” في الانتخابات الأخيرة بـ 19 في المئة من أصوات المصوتين في موشاف عوفر، و12 في المئة اكثر مما في موشاف مجاور، هو عيد ايالا، الذي بني على الأراضي الزراعية للقرية وليس على أنقاضها.

مثال آخر يمكن رؤيته في موشاف بيت مئير الواقع في جبال القدس، والذي كان فيه حزب قوة “يهودية” هو الحزب الأكبر – 33 في المئة من الأصوات. موشاف تعوز، الواقع في المناطق المنخفضة في “يهودا” أقامته في العام ذاته (1950) حركة الاستيطان ذاتها (العامل الشرقي) ولكن حزب بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير حصل فيه على 17% فقط من الأصوات. من الممكن تقديم عدة تفسيرات لهذا الاختلاف في نسبة التصويت لأحزاب اليمين بين مستوطنتين متشابهتين. يقترح البحث الجديد تفسيرا غير عادي لهذه الظاهرة – حضور ذاكرة النكبة في فضاء موشافي عوفر وبيت مئير تشرح ميل سكانهما للتصويت لأحزاب يمينية.

فحص البحث 840 مستوطنة في إسرائيل على طول 22 جولة انتخابية، وكانت النتائج التي اظهرها حادة وواضحة دون أي شك إحصائي: كلما كان الناخب الإسرائيلي يسكن اقرب من انقاض قرية فلسطينية وكلما كانت هذه الأنقاض ظاهرة اكثر للعيان تزداد احتمالية أن يصوت لليمين. يطرح الباحثون كل أنواع التفسيرات لهذه الظاهرة من مجالات الاقتصاد وعلم النفس. ولكن استنتاجهم الرئيسي هو أن روح شبح النكبة تواصل تشكيل الخارطة السياسية الإسرائيلية حتى بعد 75 عاما من وقوعها. باحثون من مجال الإحصاء والعلوم السياسية ممن اطلعوا على البحث ولم تكن لهم علاقة به قالوا لـ”هآرتس”، إن الأمر يتعلق باستنتاجات قوية لا يمكن التشكيك فيها.

فكرة البحث طرحها افيعاد هيرين ديمن، وهو باحث في قسم العلوم السياسية في الجامعة العبرية. هيرين ديمن صاحب تفوق أكاديمي، أنهى اللقب الأول وهو ابن 17 وقريبا وهو في سن الـ 21 سوف ينهي أُطروحة الدكتوراه في جامعة أكسفورد. هو نفسه من مواليد موشاف عوفر. “أمي بريطانية وهي كانت ساذجة، وعندما سألت ما هذه الأنقاض قالوا لها، انه لا يتم الحديث عن هذا”، قال، ويضيف، “عندما حاولت الحديث مع أصدقائي عن هذا كان هنالك رد قوي ضد ذلك. ردي الطبيعي كان أن يتم التحدث عن هذا بأكبر قدر ممكن”. اصل الاسم هيرن ديمن جاء من جده مناحيم. في أيامه في “البلماخ” أضاف لاسم عائلته هيرن اسم ديمن، والذي كان لقبه العسكري. كانت وظيفة الجد في تلك الأيام رسم القرى الفلسطينية تمهيداً لمهاجمتها.

اطلع هيرن ديمن على أبحاث من أماكن أخرى في العالم أشارت إلى وجود علاقة بين عنف تاريخي وبين نماذج التصويت. هكذا على سبيل المثال في الولايات المتحدة، والتي كانت فيها العبودية اكثر انتشارا، فإنه كلما كانت العبودية اكثر وحشية ازدادت احتمالات التصويت لليمين، حتى بالمقارنة مع مناطق أخرى في الولاية ذاتها. أيضا في بلدات في بولندا والمجاورة اكثر لمعسكرات الإبادة يوجد فيها لاسامية اكثر. وفي ألمانيا كلما كانت البلدة اكثر قربا من مخيم تجميع لليهود يوجد فيها دعم اكبر لأحزاب اليمين المتطرف. هيرن ديمن والمشرف عليه في اللقب الثاني، البروفيسور داني نيودوفنك من قسم العلوم السياسية في الجامعة العبرية، قرر فحص هل النكبة أبقت أثرها أيضا في الخارطة السياسية الإسرائيلية.

استعرض الباحثون قائمة كل البلدات في البلاد، ورفعوا منها المدن والمجالس المحلية والبلدات العربية. بقي لديهم قائمة بـ 840 موشاف وكيبوتس ومستوطنات مجتمعية وغيرها. قارنوا هذه القائمة بقائمة القرى الفلسطينية المدمرة. تقريبا نصف المستوطنات أقيمت على انقاض قرية فلسطينية أو على أراضيها. أظهرت النتائج وبصورة ثابتة أن التصويت لليمين سيكون أقوى بـ 2 في المئة عندما تكون المستوطنة موجودة قبل 1948 ومملوكة من قبل فلسطينيين.
ا

لاستنتاج الأوضح موجود في الموشافات: هناك التصويت لليمين اكثر بـ 5 في المئة مما هو في مستوطنة مشابهة أقيمت في مكان لم يكن فيه قرية فلسطينية. في الكيبوتسات لم يتم العثور على فوارق بين الكيبوتسات التي أقيمت فوق قرى مدمرة وبين كيبوتسات أقيمت على أراضي بكر. هذه الاستنتاجات، يؤكد الخبراء، تسري أيضا عندما تتم إزالة كل المتغيرات الأخرى مثل موعد إقامة المستوطنة، وطبيعة السكان والوضع الاجتماعي – الاقتصادي وغيرها.

يشرح هيرن ديمن أن المتغير الطبقي في الواقع هو أقوى ولكنه يقدر بأنه ما زال للنكبة تأثير أيضا في هذه الأماكن، ونظرا لأنه في إسرائيل تصوت الطبقات العالية اكثر لليسار فإن المناطق الفلسطينية السابقة التي تحولت إلى أحياء فخمة ستكون يسارية اكثر مقابل باقي المدينة. ولكن حسب تقديره هي ستكون يمينية اكثر من مناطق تشبهها في مكانتها الاقتصادية الاجتماعية ولكن بدون تاريخ من النكبة. كما طرح البحث أيضا فيما يتعلق بالمستوطنات التي فحصت؛ ليس القصد هو انه إذا أقيمت مستوطنة فوق قرية دمرت في النكبة سيكون سكانها يمينيين بالضرورة، بل انه بالمقارنة مع مستوطنات مشابهة، ذات طابع اجتماعي اقتصادي مشابه، فإنها ستكون اكثر يمينية.

في الأدبيات البحثية يوجد تفسيران لهذه الظاهرة. التفسير النفسي والتفسير الاقتصادي. “الناس يريدون الاعتقاد بأنهم أخلاقيون وجيدون”، يشرح هيرن ديمن الآلية النفسية، “وعندما يرون بينات على المظالم التي ارتكبت في الماضي، عن شيء تاريخي ليسوا فخورين به، حينئذ يحدث تناقض معرفي، والطريق الأسهل لحله هو القيام بشيطنة من سبق في المكان، في حالتنا هذه الفلسطينيون”. ويقول، انه “من هنا ينبع الإقناع الذاتي بأن هؤلاء كانوا أشرارا وهكذا أيضا تقصر الطريق لاتخاذ مواقف متصلبة تجاه السكان الفلسطينيين”. “نرى أيضا أن هذا التأثير يتعزز في فترات اتفاقات السلام، لأنه حينئذ يصبح الخوف من الاعتراف بالظلم أقوى”.

التفسير الاقتصادي هو أن الاعتراف بالظلم من شأنه أن يجعل المواطن يفقد ممتلكاته، ولهذا فهو يميل للتصويت لأحزاب يمينية من اجل منع ذلك. ولكن في إسرائيل، يدعي هيرن ديمن، هنالك احتمال ضعيف جدا في أن سكان المستوطنات اليهودية التي أقيمت على أراض فلسطينية سيضطرون إلى التنازل عن أملاكهم.

وبخصوص الكيبوتسات فإن هيرن ديمن يطرح تفسيرين بديلين لغياب هذه الظاهرة. الأول هو الميل الطبيعي لمصوتي الكيبوتسات لليسار بعيدا عن تأثير النكبة. الثاني أن البنية الاقتصادية للكيبوتسات مختلفة. نظرا لأن المصوتين لا يمتلكون مباشرة الأرض، فهنالك نوع من الآلية الاجتماعية التي تحميهم من “تأثير النكبة” سواء على الصعيد الاقتصادي أو على الصعيد النفسي.

كما وجد الباحثون انه كلما كانت بقايا البلدة الفلسطينية اكثر بروزا في المشهد زاد تأثير التصويت لليمين. “هنالك مستوطنات لا يوجد فيها آثار تدمير – يقول هيرن ديمن. “إذا رأيت هذا كل يوم حينئذ ليس بالإمكان إبعاده. في “عوفر” الأنقاض موجودة في مدخل المستوطنة، وفي كل مرة تدخل فيها فإنك تراها، كنا نأكل هناك وجبة الغداء في النزهات وهكذا ليس بالإمكان تجاهلها.

(عندما تسكن في مستوطنة استثمرت فيها كل حياتك وهي تعتبر بيتك، ولكنك تفهم انه ربما كان هذا البيت هو بيت لشخص آخر في الماضي، فإن هذا يؤثر على سلوكك السياسي)، يقول البروفيسور ميودوفنك. “يوجد هنا إدراك، حتى وان لم يكن واعيا، أن حياتك الجيدة مرتبطة بقمع حياة شخص آخر. يحدث هذا رغم انه ليس لك ذنب في هذا، معظم الناس الذين سكنوا في مستوطنات جاؤوا إليها بعد أن انتهت الحرب. هم أيضا لم يقرروا إلى أين هم ذاهبون، لقد احضروهم بشاحنات وقالوا لهم هذا هو بيتهم، ولكنهم اصبحوا جزءا من القصة”.

ركتور الون يكتير، من مدرسة العلوم السياسية، يقول، إن “هذا البحث يندمج مع موجة أبحاث مشابهة من أماكن أخرى في العالم”. حسب أقواله “تظهر انه للكثير من التصرفات والمواقف السياسية الحالية لنا يوجد جذور تاريخية نحن حتى ليس دائما واعون لها”.

يشير يكتير، والذي لم يكن مشاركا في هذا البحث، إلى أن تأثير بقايا النكبة “ضئيل جدا”، وانه يجب فحصه بصورة نسبية ومقارنته مع عوامل أخرى تؤثر على أنماط التصويت مثل الوضع الاقتصادي ومستوى التدين والأصل الطائفي. “5 في المئة في الموشافات هذا يعني عشرات الأشخاص. هذا الأمر موجود في الخلفية ولكنه ينضم إلى عوامل أخرى وربما أن هذا التأثير يعمل فقط على مجموعة صغيرة من الناس وليس على الأغلبية” كما انه يطرح تفسيرا بأن مصدر الفوارق التي اكتشفت في البحث موجود في جيل المؤسسين. “ربما كان الجيل الأول مدركا اكثر لهذه الأمور وحينئذ ترسخ لديه هوية معينة”، ويقترح “يوجد هنا أجنحة فراشة لا احد يدركها، هذه بلدات صغيرة في الهامش، أماكن هويتها السياسية هي الأكثر تصلبا”.

تقول راحيل بيت اريه، مديرة “زخروت”، إن الاستنتاج من البحث لا يمكن أن يكون انه يجب أن نكون حذرين من الانشغال بالنكبة. “السؤال هو ليس هل نحن نشهد النكبة أم لا، لأنها موجودة حولنا في كل مكان، وفي النهاية يجب أن نواجه التاريخ”، وتضيف، “إذا لم يكن هناك أي تعليم حينئذ يمكن فهم لماذا من يرى الدمار يتوجه لليمين؛ لأن هناك إجابات بسيطة. المشكلة هي بالتنكر والإخفاء ننقل المواجهة إلى الجيل القادم”.

في نهاية المطاف “هذا الأمر محبط” يعترف هيرن ديمن، ويضيف، “ولكنني اعتقد انه يوجد سبيل لتجاوز ذلك. إلى أن يتوقفوا عن الحديث فإن هذا سيظل موجودا دائما”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى