ترجمات عبرية

هآرتس: حقائق وأرقام عن القتل في «منطقة الإبادة»!

هآرتس 1-4-2024، بقلم ينيف كوفوفيتش: حقائق وأرقام عن القتل في «منطقة الإبادة»!

هذا بدا مثل بيان عادي آخر للمتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي. بعد إطلاق صاروخ من قطاع غزة على عسقلان قيل، “لقد تم تشخيص المخرب الذي نفذ الإطلاق، وطائرة من سلاح الجو قامت بمهاجمته وتصفيته”. للوهلة الأولى هذا مثل سطر في إحصاء رجال “حماس” القتلى.

لكن قبل أسبوع ونصف الأسبوع، ظهر توثيق جديد للحادث تم بثه في قناة “الجزيرة”. هناك تمت مشاهدة ليس شخصا واحدا، بل اربعة أشخاص. لقد ساروا معا بملابس مدنية في طريق ترابية واسعة في خان يونس. حولهم لم يكن أي أحد، فقط بقايا بيوت عاش فيها ذات يوم بشر. هذا الهدوء الشديد خرقه مرة واحدة انفجار ضخم، اثنان قتلا على الفور واثنان أصيبا وحاولا مواصلة السير، ربما اعتقدا أنهما نجيا، لكن خلال ثوان تم إلقاء قنبلة على واحد منهما، الآخر سقط على الأرض. انفجار آخر سمع وبعد ذلك تمت مشاهدة نار ودخان.

في هذه الأثناء، جاء عن المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي بأن الفيلم تم تحويله للفحص في أجهزة التحقيق في هيئة الأركان. “هذا حادث سيئ جدا”، قال للصحيفة ضابط رفيع. “هم لم يكونوا مسلحين، وهم لم يعرضوا القوات للخطر في المكان الذي ساروا فيه”. إضافة إلى ذلك، قال ضابط في الاستخبارات مطلع على الأمر بأنه لم يكن من المؤكد تماما من هو وبحق كان المسؤول عن إطلاق الصاروخ. حسب قوله هم ببساطة كانوا الأقرب من موقع الإطلاق، ربما هم مخربون أو مجرد مدنيين بحثوا عن الطعام.

هذه القصة هي مثال واحد الذي تم الكشف عنه عن طريقة قتل الفلسطينيين بنار الجيش الإسرائيلي في القطاع، والأسلوب الذي فيه يتم إحصاء هؤلاء القتلى. عدد القتلى الفلسطينيين في الحرب تم تقديره بـ 32 ألف، حسب بيانات الجيش حوالى 9 آلاف من بينهم كانوا مخربين. لكن عددا من القادة في الخدمة النظامية وفي الاحتياط الذي تحدثوا مع “هآرتس” يطرحون شكوكا كثيرة بشأن مصداقية هذا العدد والقول، إن هؤلاء كانوا من المخربين حقا.

من أقوالهم، يتبين أن التعريف في هذا الموضوع خاضع لتفسيرات كثيرة. من غير المستبعد أن الفلسطينيين أيضا، الذين لم يلمسوا في أي يوم السلاح، تم رفعهم عند موتهم إلى مستوى “مخرب”، على الأقل حسب الجيش الإسرائيلي. “المخرب”، قال ضابط احتياط خدم في القطاع. “هو أي شخص قتله الجيش الإسرائيلي في الفضاء الذي تحارب فيه القوات”.

بيانات الجيش ليست سرية، بل العكس، على الأغلب تحولت إلى مصدر للتفاخر، وربما الأقرب إلى صورة النصر التي حققتها إسرائيل منذ بداية الحرب. لكن هذه الصورة، قال ضابط رفيع في قيادة المنطقة الجنوبية ومطلع على الموضوع جيدا، ليست بالضبط صورة أصيلة. “من المدهش سماع التقارير بعد كل نشاط وهي تتحدث عن عدد المخربين الذين قتلتهم قواتنا”، قال. “بعد نصف سنة من القتال يجب ألان تكون عبقريا من اجل أن تفهم بأنه لا يوجد الآن في خان يونس أو جباليا عشرات أو مئات المسلحين الذين يركضون في الشوارع وهم يحملون السلاح ويحاربون الجيش الإسرائيلي”. إذا كيف تبدو صورة المعارك في القطاع؟ حسب ضابط الاحتياط الذي كان هناك “على الأغلب هناك مخربون، اثنان أو ثلاثة، يختفون في مبنى، ومن يكتشفهم هم الجنود الذين لديهم وسائل خاصة وحوامات”.

مهمة هذا الضابط كانت إرسال عدد المخربين الذين قتلوا في المنطقة التي حاربت فيها قواته للمستوى الأعلى في القيادة. “هذا ليس التحقيق الذي يطلبون فيه منك إحضار كل الجثث”، يشرح. “يسألون كم، أنا اذكر العدد الذي أعرفه مما نشاهده ونعرفه على الأرض ونستمر في السير قدما”. هو أراد التأكيد على أن “هذا لا يعني أننا نخترع جثثا، لكن لا أحد يعرف بالضبط من هو المخرب ومن أصيب لأنه دخل لسبب ما إلى مجال قتال القوة”. هناك عدد من ضباط الاحتياط والجنود الذين كانوا في القطاع في الأشهر الأخيرة أشاروا إلى السهولة التي يدخل فيها قتيل فلسطيني إلى فئة معينة بعد موته. يبدو أن السؤال ليس ما الذي فعله، بل أين قُتل.

في قلب منطقة التدمير

فضاء القتال هو مفهوم أساسي. الحديث يدور عن منطقة تتمركز فيها قوة، على الأغلب في بيت مهجور، والمناطق التي توجد حوله تصبح منطقة عسكرية مغلقة، لكن دون علامة بارزة للعيان. مفهوم آخر بالنسبة لهذه المناطق هو “مناطق التدمير”. “في كل فضاء للقتال يحدد القادة مناطق التدمير”، شرح ضابط الاحتياط وأضاف، “المعنى هو خطوط حمراء واضحة محظور على أي أحد، الذي ليس جزءا من قوات الجيش الإسرائيلي، الدخول إليها كي لا نسمح بالمس بقواتنا في المكان”.

حدود مناطق التدمير هذه لا يتم تحديدها مسبقا بل حسب ظروف المنطقة، والبعد عن المبنى الذي توجد فيه القوات وأيضا الارتفاع. كل قوة يوجد لها منظومة نقاط مراقبة في القطاع وخارجه تشخص هذه التهديدات. لكن في نهاية المطاف حدود المجال والإجراءات الدقيقة بخصوص العملية تخضع لتفسير قادة الخلية القتالية. “في اللحظة التي يدخل فيها أشخاص، بالأساس رجال بالغون، إلى منطقة التدمير”، قال ضابط الاحتياط، “التعليمات هي تنفيذ إطلاق نار، أيضا القتل، حتى لو كان المشتبه فيه غير مسلح”.

بدرجة كبيرة فإن مأساة قتل المخطوفين الثلاثة على يد الجيش الإسرائيلي هي قصة من هذا النوع. حيث إنه عند هربهم من آسريهم دخل الثلاثة إلى منطقة التدمير في حي الشجاعية في غزة. “الكتيبة 17 تدافع عن المحور الذي يشكل محور إخلاء ومحورا لوجستيا للفرقة”، قال في تحقيق للجيش الإسرائيلي قائد اللواء المسؤول عن القوة، العقيد إسرائيل فردلر. “مجال الرؤية ومناطق التدمير هي في المسافة الأقرب لقواتنا”. نهاية هذه القصة معروفة وأيضا حقيقة أنه كان هناك انحراف كبير عن الإجراءات، التي تم إعادة توضيحها فيما بعد.

الآن في المنطقة التي توجد فيها احتمالية معقولة لوجود مخطوفين، فإن النشاطات تكون وفقا لذلك، والغرف في هذه المنطقة أيضا كما يبدو أن يتم تفجيرها من الجو. ولكن ما يحدث في مناطق أخرى كما يبدو هو منظم أقل، ومن غير الواضح كم عدد المدنيين الفلسطينيين الذين أطلقت النار عليهم وقتلوا عندما دخلوا إلى هذه المناطق وهم غير مسلحين.

“الشعور الذي تولد لدينا هناك هو أنه لم تكن هناك أوامر لفتح النار”، قال للصحيفة جندي في الاحتياط، الذي حتى فترة متأخرة قاتل في شمال القطاع. “أنا لا أتذكر أنهم نزلوا معنا إلى دقة عالية تتم فيها رؤية كل حادثة”. هذه الأمور تتساوق مع الانطباع الذي توصل إليه مصدر أمني رفيع، الذي قال، “يبدو أن هناك الكثير من القوات القتالية التي تقرر أن تكتب لنفسها تعليمات حول فتح النار”.

المصدر الأمني الرفيع قال للصحيفة، إنه في بداية الحرب هذا الموضوع وصل إلى رئيس الأركان، هرتسي هليفي؛ عندما أدركوا في هيئة الأركان أن أوامر فتح النار في القطاع تخضع لتفسيرات القادة. “رئيس الأركان خرج بالصورة الأكثر وضوحا وهي أنه يعارض قتل كل من يدخل إلى مناطق القتال، أيضا تطرق إلى ذلك في خطاباته”، قال المصدر الأمني. “لكن للأسف هناك قادة، حتى قادة كبار، يفعلون كل ما يخطر ببالهم في داخل القطاع”.

لكن، أيضا الآن التعليمات هي إطلاق النار على كل من يقترب من القوات التي توجد داخل مجال القتال. وعندما يكون الاقتراب هو ذاتي جدا فإنه من غير المفاجئ أن هذا الرقم يخضع لتفسيرات واسعة على الأرض. ضابط في الاحتياط، يشغل منصبا مهما في القيادة المتقدمة في أحد ألوية الاحتياط التي قادت القتال في شمال القطاع، قال، إنه يبدو أن السن والتجربة يلعبان هنا دورا. “الجنود النظاميون يدهم اسرع على الزناد من جنود الاحتياط”. هو نفسه تعرض لحالة كان يمكن بسهولة أن تنتهي بقتل أبرياء.

“نحن لاحظنا مشبوها كان ينوي الدخول إلى منطقة قتالنا، كانت لنا في حينه مسيرة في الجو وكانت مصادقة على قتله. فجأة في اللحظة الأخيرة شاهدنا نحن ومن يشغل المسيرة بأن هذا الشخص دخل إلى شارع فيه يوجد ميدان وعشرات الأشخاص”، هذا كان على بعد بضعة أمتار عن منطقة القتال، هناك تم اكتشاف سوق فيه بسطات وأطفال يركبون على دراجات. “نحن حتى لم نعرف أنه يوجد مدنيون هناك”، قال. في لحظة تقرر وقف الهجوم وكما يبدو منع حدوث كارثة.

“لا شك أنه توجد قوات كانت ستطلق النار من المسيرة”، قال الضابط. “يوجد كل الوقت توتر بين الحفاظ على القوات التي هي في المقام الأول على رأس سلم الأولويات وبين وضع فيه نحاول تجنب القتل الزائد للمدنيين”.

في داخل هذه الفوضى يتم إعطاء وزن ضئيل لتقدير القادة في الميدان، سواء كان الحديث عن قائد لواء أو قائد كتيبة أو قائد فصيل، هكذا قال الكثير من الجنود الذين تحدثوا مع “هآرتس”. حسب أقوالهم هناك قادة اطلقوا النار على شخص مشبوه في داخل مبنى، حتى لو كان يتواجد حوله مدنيون. وهناك من تصرفوا بطريقة مختلفة. في هذه المحادثات مع مصادر أمنية مختلفة، ضباط وجنود، تكرر طرح معضلة المواطن (أو معضلة المخرب). كيف نشخص؟ هل يدور الحديث عن خطر وكيف نعرف؟ هل هذا هو الوقت المناسب لننتظر لحظة ولا نسارع إلى إطلاق النار؟.

التوجه إلى القادة يمكن أن يقدم إجابات مختلفة، هذا يتعلق بالإنسان ويتعلق بالوضع. “من ناحية القادة، إذا لاحظنا أي أحد في الفضاء الذي نعمل فيه وهو لم يكن من قواتنا فإن الأمر يقتضي إطلاق النار من اجل القتل”، قال جندي في الاحتياط عن تجربته. “لقد قالوا لنا بشكل صريح بأنه حتى في الحالة التي فيها يهرب المشبوه إلى داخل مبنى يتواجد فيه أشخاص، عندها يجب إطلاق النار على المبنى وقتل المخرب حتى بثمن المس بأشخاص آخرين”.

اختبار الوقت

على الورق، المواطنون في القطاع يعرفون الأماكن التي توجد تحت حالة منطقة نيران وأنه يجب عليهم المكوث في محميات إنسانية وحولها، وهي المناطق التي فيها قوات الجيش الإسرائيلي لا تحدث مناطق قتال. لكن اختبار الزمن مهم هنا أيضا. بعد مرور نصف سنة على الحرب، قال ضابط في المقر المتقدم: “لو بقينا هناك شهرا أو شهرين لكان يمكن الالتزام بالقرار الذي يقضي بأن من يقترب سيلحق به الأذى. لكن نحن نوجد هناك منذ ستة اشهر، والناس هناك يجب أن يبدؤوا في الخروج، هم يحاولون البقاء على قيد الحياة وهذا يقودنا إلى أحداث صعبة جدا”.

هذه الأحداث القاسية تقلق بشكل كبير حتى الإدارة الأميركية، التي في الأسابيع الأخيرة طلبت من إسرائيل أن تمارس سياسة نيران تجاه السكان في غزة بصورة اكثر مسؤولية. ولكن ضابط في الاستخبارات يوجد في قلب الحدث في الحرب قال: إن “ما يحدث في شمال القطاع يجب ألا يقلق الأميركيين، بل دولة إسرائيل”. وحسب قوله “في شمال القطاع يوجد الآن نحو 300 ألف مواطن معظمهم يتجمعون منذ بداية الحرب في مناطق يعتبرها الجيش ملاجئ إنسانية. “هؤلاء الأشخاص هم الأكثر ضعفا في غزة، الذين لم تكن لهم الأموال من اجل الذهاب إلى الجنوب واستئجار شقة أو غرفة أو حتى إمكانية للحصول على خيمة”، قال.

الوضع في هذه المحميات، أضاف، صعب جدا. من يتواجدون هناك يتشاجرون بين بعضهم البعض على الطعام ومكان النوم. وحسب قوله هذا تحول إلى صراع الحياة والموت، الذي فيه العنف يزداد والنظام يختفي. إضافة إلى ذلك “في أجزاء كثيرة في شمال القطاع هناك مواطنون لا يوجدون في الملاجئ الإنسانية”، قال ضابط رفيع في الجيش شارك في القتال. “بعضهم ببساطة دخلوا إلى البيوت للحفاظ على ممتلكاتهم من السرقة وخوفا من أن يسيطر أحد على البيت أثناء هربهم”.

بالتالي، الذين يوجدون في بيوتهم خارج المحميات التي يتجنب الجيش الإسرائيلي العمل فيها يتعرضون لخطر واضح. “هم يمكنهم المكوث في مبان مجاورة للمنطقة التي يوجد فيها الجنود”، قال الضابط الرفيع. “إذا قام احد ما بتشخيصهم فهم على الأغلب يصابون”. أحيانا هم حتى لا يعرفون أنهم يشكلون خطرا. مثلا، هناك تعليمات في الجيش الإسرائيلي لتجنب الصعود على اسطح المباني، ومن يصعد يمكن إطلاق النار عليه. أيضا الضابط الرفيع قدر بأن هناك حالات حاول فيها المواطنون الوصول إلى أماكن اعتقدوا أن الجيش كان فيها وغادرها وأنه ربما ترك وراءه طعاما. “عندما كانوا في الطريق إلى هذه الأماكن”، قال الضابط. “تم إطلاق النار عليهم خوفا من محاولة الوصول إلى القوات المس بها”.

ضابط تحدث مع “هآرتس” تحدث عن مصدر آخر لزيادة الاحتكاك مع المدنيين. حقيقة أنه في الأسابيع الأخيرة بقي الجيش الإسرائيلي ثابتا في أجزاء كبيرة في القطاع بدون تقدم للقتال في مناطق جديدة. “بدلا من البدء في إعادة الترميم ونشر هؤلاء الأشخاص من داخل المدارس (الملاذات)، عندها ثانية يدخلون الجنود إلى هذه الأماكن التي فقط تحولت إلى مكتظة اكثر، مع سكان يوجد لهم القليل جدا مما يخسرونه”، قال ضابط في الاحتياط خرج مؤخرا من القتال في الشجاعية.

يعتقد هذا الضابط نفسه أنه في الجيش الإسرائيلي، وبالإجمال في جهاز الأمن، هناك تصور واضح بأنه في نهاية الحرب يتعين على إسرائيل مواجهة هذه الأحداث وتداعياتها أمام المجتمع الدولي. في غضون ذلك يعمل في الميدان طاقم تحقيق من هيئة قيادة الأركان، الذي يرسل استنتاجاته للنيابة العسكرية. لكن عندما لا يعرف الشخص كم عدد المخربين الذين قتلوا وكم هو عدد المدنيين الذين اعتبروا مخربين فيبدو أن عمل هذا الطاقم غير سهل.

 

مركز الناطور للدراسات والابحاثFacebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى