ترجمات عبرية

هآرتس: توضح الرحلة الليلية إلى قبر يوسف كيف يحقق المستوطنون رؤيتهم

هآرتس 13-4-2023، اعداد هاجر شيزاف وضياء حاج يحيى: توضح الرحلة الليلية إلى قبر يوسف كيف يحقق المستوطنون رؤيتهم

وصلت في التاسعة والربع ليلاً حافلة مصفحة إلى ميدان في مدخل حي بيت إسرائيل الحريدي في القدس. خلال فترة قصيرة انتظم صفان مكتظان أمام باب الدخول. الأطول كان في المقدمة وفيه رجال. القصير نسبياً في الخلف ويضم النساء. كان الرجال يرتدون قبعات منسوجة أو سوداء، أما النساء فيضعن غطاء عالياً على الرأس مع قمصان للمعهد. كان الجميع يتوقون للانطلاق، لقد خططوا طويلاً لهذه الرحلة. في الساعة المتفق عليها، غادرت الحافلة الميدان تشق الطريق نحو الهدف: الحي الشرقي المحاصر في نابلس.

العملية التي كانت مطلوبة لتأمين هذه الرحلة (أو الدخول، وفق تعبيرهم)، لم يكن بالإمكان مشاهدتها من نوافذ الحافلة، ولا من نوافذ الـ 11 حافلة أخرى التي شقت الطريق في الليلة نفسها وإلى الهدف نفسه. لم يشاهد المسافرون مئات الجنود الذين انتشروا في المدينة الفلسطينية والذين حظروا التجول في الشوارع على السكان الذين يعيشون فيها. ربما شموا احتجاجهم، بالأساس من رائحة الإطارات المشتعلة.

سبعة من الفلسطينيين قتلوا في السنة الماضية أثناء حالات الدخول. ولكن يبدو أن الأمر لم يقلق راحة المسافرين في الحافلة. فمن ناحيتهم، طريق الملك المعقمة مثل القيادة في مدينة أشباح، هي ببساطة أمر روتيني. هذا يحدث تقريباً مرة كل شهر، لكن عملية التنظيم تبدأ قبل فترة طويلة من الانطلاق، وليس فقط من قبل الجيش الذي يخصص نحو 300 – 400 جندي لتأمين الوصول إلى الموقع. ولتأمين مكان في الحافلة، يجب التسجيل مسبقاً بواسطة الهاتف، وهذا إجراء يجب إعطاء رقم الهوية للتأكد بأن الأمر لا يتعلق بـ “عنصر ما معاد”، كما شرح أحد المنظمين في “إدارة قبر يوسف”. ولمعرفة وقت الدخول، يجب الاتصال مع الخط الذي تشغله الجمعية. بعد الانتظار وسماع صوت موسيقى حريدية، يتضح الموعد وتفاصيل التجمع. نقاط الخروج المعروفة هي في الأحياء الحريدية في القدس، و”بني براك” ومستوطنة “يتسهار”. وتتم إضافة نقاط أخرى بين حين وآخر حسب الحاجة.

الطلب كثير، وعدد حالات الدخول آخذ في الازدياد مع مرور السنين. يدور الحديث الآن عن 14 – 17 مرة في السنة. انضمت “هآرتس” إلى إحدى حالات الدخول الأخيرة التي كانت صغيرة نسبياً، 600 شخص. حالات الدخول الكبيرة تضم الآلاف. لهذا السبب نفدت الأماكن في الحافلة قبل يومين من انطلاق الرحلة.

رفكا هي مسافرة دائمة. زارت قبر يوسف للمرة الأولى في 1989، قبل اتفاق أوسلو، حيث كانت نابلس تحت سيطرة إسرائيل آنذاك. “دخلنا السيارة”، تتذكر باشتياق. “قررنا ذلك في اللحظة نفسها، وسافرنا مثلما نسافر إلى أي مكان”. ومثل آخرين في الحافلة، ترى رفكا في قبر يوسف محطة لرحلة بين الصديقين. من بين المواقع الأخرى التي زارتها خلال سنين قبر راحيل أيضاً (بين القدس وبيت لحم)، والحرم الإبراهيمي (الخليل)، وقبر الحاخام نحمان من بارسلاف في أومان، وحتى قبل الحاخام يعقوب أبو حصيرة في مصر.

لكن قبر يوسف يبدو أنه النقطة الأعز في خارطة زياراتها. “يوسف الصديق شخصية أرى أنني مرتبطة بها جداً، وصلاتي هنا تستجاب حقاً”، قالت. “هذا مكان تشتاق إليه دائماً”. ثلاث حجج رئيسية لأهمية قبر يوسف طرحت في المحادثات طوال تلك الليلة مع المسافرين في الحافلة. الأولى، أنه وفقاً للاعتقاد، فإن يوسف سمي “الصديق” لأنه لم يخطئ قط. لذا توجد حوله قداسة خاصة. الثانية، أنه كتب في المدراس أن هذا أحد الأماكن الثلاثة التي لا يمكن لشعوب العالم أن تخدع إسرائيل وتقول لها بأن هذا المكان سرق من قبلكم، لأن شراءه موثق (المكانان الآخران هما الحرم القدسي والحرم الإبراهيمي). الثالثة هي حقيقة أن الأمر يتعلق بمكان يقع في قلب مدينة فلسطينية.

حرب شوارع

يبدو أن قبر يوسف تحول في الفترة الأخيرة إلى بؤرة أحداث مركزية؛ فالعمليات العسكرية المطلوبة لحالات الدخول المتكررة للمصلين، ومواجهات الفلسطينيين مع الجيش، ومحاولات تخريب المكان بين حين وآخر، كلها تصب الزيت على نار التصعيد المشتعلة في الضفة. يتكرر هذا السيناريو مرة كل ثلاثة – أربعة أسابيع. تنسق إدارة قبر يوسف والمجلس الإقليمي “شومرون” مع الجيش الإسرائيلي من أجل دخول المكان، والجيش بدوره يغلق الأحياء المحيطة بالمكان تمامًا، قبل الدخول وبعده. في هذا الوقت، تكون الشوارع ساحة قتال بين الجنود والشباب الفلسطينيين.

لا أحد يبلغ السكان عن حالات الدخول، ولا يعرفون عنها إلا بعد متابعة مواقع المستوطنين عبر الشبكة. يحدث هذا غالباً بين الساعة 11 ليلاً والرابعة فجراً. “قبل الدخول، يمتلئ الحي بالقوات الخاصة التي تقوم بحماية المكان”، قال إبراهيم أبو رزق، وهو أحد سكان الحي. “القناصة يصعدون إلى أسطح البيوت، صعدوا على سطح بيتي أكثر من مرة”. حسب قوله “الجنود يطرقون الباب، وبعد ذلك يدخلون دون أي سؤال، ولا شيء يمكنك فعله، فأنت عاجز أمامهم”.

لم يكن الأمر بهذا النحو دائماً؛ فقبل عقد كانت حالات الدخول الرسمية إلى قبر يوسف بوتيرة أقل، نحو النصف. وكانت تضم عدداً أقل. ولكن حالات الدخول الآن من نوع آخر. هناك حالات دخول لم تنسق مع الجيش. المستوطنون وأتباع الحاخام برلاند تعودوا إلى الدخول على مسؤوليتهم إلى نابلس للوصول إلى القبر. وثمة مصدر عسكري يصف هذا السلوك يقول: “كانوا يتدفقون عبر لواء السامرة عندما كانوا يريدون الدخول. لا إمكانية للانشغال بذلك. في إحدى حالات الدخول التي كانت مثل القرصنة في العام 2011 انتهى الأمر بموت بن يوسف لفنات، مستوطن عمره 25 سنة من “ألون موريه”، الذي قتل برصاص الشرطة الفلسطينية”.

ازداد الضغط على الجيش في هذه المرحلة من أجل ترتيب الدخول وزيادته، لكن الجيش لم يرغب في أن يكونوا العامل المنسق. هنا دخل “صندوق تراث قبر يوسف” إلى الصورة، وهو جمعية أقيمت في 2012 وتعرف الآن باسم “إدارة قبر يوسف”. إقامة الجمعية، قال أحد الأشخاص الذي كان في جهاز الأمن في تلك الفترة، كانت فعلياً مبادرة من الجيش الذي أراد إزالة عبء تنظيم المجموعات التي تدخل عن كاهله. وكان على استعداد لإعطاء المصادقة مقابل زيادة حصة الدخول. رئيس الجمعية هو أحد سكان مستوطنة “يتسهار”، يعقوب شنير، الذي قدمت ضده قبل سنة من إقامة الجمعية لائحة اتهام بسبب دخول غير منسق إلى القبر.

الآن، أصبح هذا تاريخاً بعيداً، والجمعية باتت تسيطر بشكل كامل على ما يحدث في المكان. ولكن إضافة إلى إدارة الأمور اللوجستية المتعلقة بمنشأة القبر والوصول إليه (مع المجلس الإقليمي شومرون)، فقد أصبحت الآن هي المسؤولة عن الدخول إلى مواقع مقدسة أخرى في قلب بلدات فلسطينية، منها قبر يهوشع بن نون في مركز قرية كفل حارس. في 2019 وسعت الجمعية الممولة عن طريق التبرعات، مجال تأثيرها وبدأت بتوزيع الهبات من أجل دراسة التوراة.

أهلاً وسهلاً بالقادمين إلى عرين الأسود

توقفت الحافلة المصفحة على مدخل قاعدة “لواء شومرون”، في الطريق بين مستوطنة “هار براخا” و”إيتمار”، وبين القريتين الفلسطينيتين حوارة وبيت فوريك. وقف خلفها صف من خمس حافلات أخرى مصفحة ومليئة بالمصلين اليهود. جميعهم ينتظرون اللحظة التي ينقل فيها الجيش رسالة “يمكن الدخول إلى نابلس”.

تزداد إشارات اقتراب هذه اللحظة عندما تحيط سيارات شرطة عسكرية بالحافلات. في هذه الأثناء، الكثير من شباب المنطقة، “شبيبة التلال” كما يسمونهم هنا، يبدأون بالتجمع بجانب السيارات لأداء صلاة المساء، التي ينضم إليها عدد من ركاب الحافلات. بعض هؤلاء الشباب حاولوا استغلال اللحظة للصعود والسفر في الحافلات. ولكن أحد المسافرين، وهو رجل مسن، لم يعجبه ذلك. “إذا صعد آخرون فعليهم النزول. هذه سرقة، هذا غير حلال”، قال في محاولة لإقناعهم بعدم احتلال أماكن الذين سجلوا مسبقاً. وقد حقق نجاحاً جزئياً، أحد الشباب اختبأ على الدرج في الباص بعيداً عن عيون الشخص المسن. بدأ الدخول القريب يظهر في الشبكات الاجتماعية الفلسطينية التي بدأت تمتلئ بالتقارير عن مواجهات عنيفة وحتى إطلاق النار تجاه “اقتحام المستوطنين”، كما يسمى ذلك بالعربية. لم يسمع أحد ممن هم في الحافلة شيئاً عن ذلك. الجندية التي كانت في المكان لم تتأثر من إطلاق النار. وهي تخدم هنا منذ سنة وأربعة أشهر. “ليس هذا أمراً استثنائياً”، قالت، ووعدت بأن إطلاق النار ليس على الحافلات. الحديث يدور فقط عن إخلال بالنظام. وشرحت بأن الجنود في نابلس يوفرون غلافاً للحافلات. “هذا وضعنا في هذه الأثناء، ونريد أن نسمح بالدخول إلى قبر يوسف لأنه أمر مهم. نؤمن تماماً بذلك. فهي تنازلات علينا تقديمها”.

بعد ساعة انتظار، تمت الموافقة النهائية. الخروج من القاعدة والدخول إلى نابلس. أثناء دخول المدينة، التي ظهرت مظلمة ومهجورة كما هي الحال أثناء إغلاق كورونا، كان يمكن الشعور بالانفعال داخل الحافلة. “أهلاً وسهلاً بالقادمين إلى عرين الأسود”، حرفياً، قالت رفكا. وبدأ آخرون يصفقون ويغنون “بفضل يوسف الصديق افرايم ومنشه”. والبعض أضافوا ترنيمة أخرى بصوت خافت “لتحرق قريتهم”.

لا تظهر من الشارع أي إشارة على مواجهات، وعن إطلاق النار والمصابين الذي نشرت عنهم وسائل الإعلام الفلسطينية. تقدمت الحافلات على طول منطقة صناعية مليئة بالسيارات القديمة. وظهر جنود في الشوارع. رائحة الإطارات المشتعلة ملأت الأجواء، لكن الشارع كان مفتوحاً بالكامل. بعد ذلك، تغير المشهد بمبان مكتظة لمكان حضري. بنك تعلوه لافتة مضاءة، وسوبرماركت عليه لافتة برعاية كوكاكولا. فجأة، امتلأ الحافلة ت بالضوء الأخضر. شاب من مستوطنة سارع إلى الشرح بأن الأمر يتعلق بضوء ليزر، الذي يبهر الفلسطينيون بواسطته الحافلات وقوات الأمن. وحسب قوله، قام هو نفسه ذات مرة بإحضار الليزر للرد عليهم. “القائد هنا حاول أخذه، لكني استخدمته في القبر”، قال.

يقع قبر يوسف في الحي الشرقي من نابلس قرب مخيم بلاطة للاجئين. على طول الشارع الذي فيه مدرسة وقربه أيضاً عدد كبير من المحلات التجارية، التي تكون مغلقة في هذه الليالي، قبل ساعتين تقريباً من مجيء المستوطنين اليهود. في الساعة الثامنة، نبدأ بإدخال البضائع ونستعد للإغلاق. يبدأ الشباب بإشعال الإطارات ووضع العوائق مثل الحجارة وقطع الحديد”، قال أحد سكان الحي، وهو ابن الباحثة في “بتسيلم” سلمى الدبعي، وهمره 24 سنة. في بعض الحالات كان الجنود يقتحمون قبل الإغلاق. وأطلق الجنود قنابل الغاز قرب المحال، لذا اضطررنا إلى المغادرة على الفور.

ما يحدث في الحي أثناء هذه الزيارات يشبه ما يحدث في ساحة حرب. عندما يكون هناك دخول، نغلق النوافذ والأبواب”، قال إبراهيم أبو رزق. “تضرر بيتي أكثر من مرة بسبب الرصاص الحي أو المطاطي. وفي السنة الأخيرة، عند تشكيل “عرين الأسود” في نابلس، كان هناك المزيد من التصعيد. فقد أعلن أعضاؤه المسؤولية عن إطلاق النار على اليهود أثناء الدخول إلى القبر أكثر من مرة. “نعاني منذ سنوات، فمع كل دخول لليهود يبدأ الفلسطينيون التصعيد من خلال إغلاق الشوارع التي تؤدي إلى القبر وإشعال الإطارات وإلقاء الحجارة الكبيرة، قال أنور أبو عيشة، وهو من سكان الحي. “بعد كل دخول، يتحول الحي إلى ساحة حرب كبيرة. في اليوم التالي لا يأتي الكثير من الزبائن أو الأشخاص إلى المنطقة، وهذا يقلل البيع ويمس بمصدر رزقنا”.

لكن لا يعارض الجميع استعراض القوة المحلية. “هذه هي مقاومتنا للجيش المحتل وللمستوطنين”، قال شاب لم يرغب في ذكر اسمه. “إذا أخذوا القبر فسيأخذون الحي أيضاً. هم يحموننا ويحمون شرفنا”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى