ترجمات عبرية

هآرتس: تفنيد أسطورة تقليص النزاع في ظل غياب عملية سياسية

هآرتس 2022-11-04، بقلم: شاؤول اريئيلي، تفنيد أسطورة تقليص النزاع في ظل غياب عملية سياسية

التصعيد في الضفة الغربية وجولة الانتخابات التي أصبحت وراءنا والحكومة المتوقعة برئاسة بنيامين نتنياهو تبعث الحياة في عدد من المفاهيم المغسولة التي يستخدمها الخطاب السياسي بخصوص النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين. من بينها يبرز مفهوم “تقليص النزاع” بالصيغ المختلفة – من “إدارة النزاع”، مرورا بـ “السلام الاقتصادي”، وانتهاء بـ “رفع مستوى النزاع”. منح ممثلو معظم الأحزاب هذه المفاهيم وزنا كبيرا بوعودهم للناخبين في الدعاية الانتخابية، وكأن الامر يتعلق بدواء عجيب تم صنعه بمهنية لمعالجة النزاع الدموي. نتنياهو، الذي سيقع مرة أخرى في الفخ السياسي، بين الادعاء الصهيوني الديني بالترويج لضم الضفة الغربية والتزامه باتفاقات إبراهيم لتجنب ذلك، إضافة الى الضغط المتوقع من الإدارة الأميركية الحالية ومجلس النواب هناك، سيسعى الى الخروج من الفخ بإحياء اسطورة “السلام الاقتصادي” و”وتقليص النزاع” حتى لو حدث العكس على الأرض، الأمر الذي سيؤدي الى توسيع النزاع.

في المعسكرين السياسيين هناك مؤيدون لسياسة “تقليص النزاع”: الكثير من مؤيدي حل الدولتين يعتقدون أنه غير قابل للتطبيق في هذه الاثناء، لذلك يجب العمل على تقليص النزاع ومنع تصعيده حتى يتغير الواقع. أو أن من يرفضون حل الدولتين يعتقدون أن تقليص النزاع هو بالتحديد الطريقة الصحيحة للعمل. هذا هو موقف نتنياهو، الذي كتب في العام 1995 في كتابه “تحت الشمس”: “دولة م.ت.ف التي ستزرع على بعد 15 كم عن شواطئ تل ابيب ستشكل خطرا قاتلا وفوريا على الدولة اليهودية”. لذلك “فان خطة الحكم الذاتي تحت سيطرة إسرائيل هي البديل الوحيد”.

وكما قال بني غانتس، هذا الأسبوع، في مقابلة مع موقع “سيروغيم”: “يعتقد اليسار في إسرائيل أن الحل هو دولتان لشعبين. أنا ضد ذلك. بدلاً من التدهور الى دولة ثنائية القومية، نحن سنقلص النزاع”، 30/10. وهذه فقط امثلة. ليس مفاجئاً أن أي سياسي لا يشعر بأنه ملزم بأن يفسر في البداية على ماذا يتركز النزاع، قبل أن يطرح موقفه بشأن طرق تقليصه. ولا يطلب الجمهور توضيح ذلك. لو كان هناك تطرق لهذا الموضوع لكان يمكن رؤية أنه لا توجد علاقة بين الخطوات العملية التي يقترحونها وبين هدف “تقليص النزاع”، ومعظم هذه الخطوات تضر على المدى البعيد.

الفرضية الشائعة باعتبارها تعويذة في افواه السياسيين هي أن الجار الشبعان هو جار اقل عداء، وهناك من يؤمنون بأنه أيضا سيتنازل عن طموحاته الوطنية أو على الأقل سيقلصها. حسب رؤيتهم فان التركيز على تطبيق “تقليص النزاع” يجب أن يكون على خطوات اقتصادية تعود بالفائدة على الفلسطينيين. هذا خلافا لكل العبر التاريخية التي أثبتت العكس، عندما عمل الاستيطان العبري ودولة إسرائيل حسب هذه الفرضية الخاطئة. متى بالضبط كان النزاع بيننا وبين العرب في هذه البلاد حول الرفاه الاقتصادي؟

النزاع هو على هذه البلاد والحق في إقامة دولة فيها. هذا نزاع جغرافي – وطني في أساسه، حتى لو كانت ترافقه جوانب دينية. كل محاولة لتقليص النزاع يجب ان تنشغل بالمسألة الجغرافية. تقليص النزاع يعني تقليص مساحة النزاع بين الطرفين. المراحل التدريجية لعملية السلام مع مصر واخلاء شبه جزيرة سيناء – اتفاقات الفصل (1974) والاتفاق المؤقت (1975) واتفاق الاطار (1978) والاتفاق الدائم (1979) واخلاء سيناء (1982) – يجب أن تقف في أساس المنطق والتطبيق الصحيح لفرضية “تقليص النزاع”. بهذه الطريقة بنيت أيضا اتفاقات أوسلو: في المرحلة الأولى اتفاق مؤقت، في اطاره ستنقل إسرائيل كل المناطق المحتلة الى صلاحيات السلطة الفلسطينية، باستثناء المواضيع التي ستناقش في المفاوضات على الاتفاق الدائم: القدس، المواقع العسكرية والمستوطنات؛ وفي المرحلة الثانية الاتفاق الدائم. نقل مناطق أ وب الى صلاحيات االولاية الفلسطينية قلص النزاع، لأن إسرائيل لا تتواجد (بشكل عام) في هذه المناطق، ولا تدير بشكل مباشر حياة الفلسطينيين فيها.

بصورة مشابهة طبقت أيضا خطة الانفصال عن قطاع غزة. تسيطر إسرائيل في الحقيقة على غلاف غزة، لكنها لا تدير الحياة اليومية فيها، وهي تدير الحرب ضد “حماس” و”الجهاد الإسلامي” بنماذج عسكرية تقليدية وليس كشرطة احتلال. يفسر هذا حقيقة أنه في السنوات الخمس التي سبقت الانفصال كان لإسرائيل 147 قتيلا، في حين أنه منذ الانفصال وحتى الآن، خلال 17 سنة، كان لها 122 قتيلا من التصعيد المرتبط بالقطاع.

هكذا أيضا الخطوات التي اتخذها الجانب العربي لتقليص النزاع. مثلا الغاء ضم الضفة من قبل الملك حسين في 1988، الذي مهد الطريق لاتفاق السلام بين الأردن وإسرائيل في 1994، الذي في اطاره اعادت إسرائيل للاردن المناطق التي سيطرت عليها في العربة. اعتراف م.ت.ف بقرارات الأمم المتحجة 242 و338 في العام 1988، والاعتراف المتبادل الرسمي من قبلها بدولة إسرائيل في العام 1993، قلصت مساحة النزاع حيث قبل ذلك كانت فلسطين “ارض إسرائيل” الانتدابية كلها، وتركت للمفاوضات في الاتفاق الدائم فقط المناطق التي احتلت في العام 1967.

من اجل تقليص النزاع الآن، بالمعنى الحقيقي والصحيح لهذا المفهوم، يجب نقل مناطق ج الى السلطة الفلسطينية كما فعل نتنياهو في اطار “النبضات” في العام 1998 (كجزء من مذكرة واي)، وعاد وعرض أن يعمل في العام 2014 حسب شهادة المبعوث الأميركي في حينه مارتن اينديك (سروغيم، 31/10). وقف هذا المنطق أيضا في أساس الخطة الرئيسية للانفصال لاريئيل شارون وخطة التجميع التي وضعها ايهود أولمرت في الضفة، التي عرضت نقل مناطق ج واخلاء المستوطنات المعزولة على ظهر الجبل من اجل إعطاء الفلسطينيين تواصلا جغرافيا في مناطق أ وب التي ستمكن من تطبيق خطة تطوير في مجالات مختلفة وقدرة على الحكم.

ماذا يشمل “تقليص النزاع” حسب نتنياهو وغيره الذين يؤيدون هذه المقاربة؟ زيادة عدد تصاريح العمل من القطاع، ومنح تصريح للبحث عن عمل في إسرائيل لفلسطينيين من الضفة، وزيادة مساحة الصيد امام شواطئ غزة وما شابه. هذه الخطوات كان يمكن أن تساعد لو كانت ترافقها الخطوات الجغرافية التي ذكرت أعلاه. على المدى القصير ستساهم هذه في رفاه عشرات آلاف العائلات الفلسطينية، لكن ليس لذلك أي صلة بتقليص النزاع. بالعكس، وجود مئات آلاف العمال الفلسطينيين في إسرائيل في ظل غياب عملية سياسية مهمة سيزيد بالتحديد الامكانية الكامنة للتصعيد والعنف من قبل الطرفين بعدد لا يحصى من نقاط الاحتكاك اليومية (كما حدث في الانتفاضة الأولى). على المدى البعيد ستكون التداعيات اكثر خطورة. تطبيق السياسة التي بدايتها كانت في فترة وزير الدفاع موشيه ديان، التي في اطارها يقوم الفلسطينيون بدعم اقتصادهم بوساطة إسرائيل- يعملون فيها ويحصلون على جزء من الخدمات الصحية (بدفع مقابل) ويشترون الكهرباء ويستوردون ويصدرون ويجبون الضرائب وما شابه – هذه السياسة تحافظ على اعتمادهم على إسرائيل وتمنع تطوير مؤسسات الدولة القادمة.

لا يجب توقع أن يطرح نتنياهو من جديد فكرة التقليص الجغرافي. وكشرط لوجود حكومته في ظل غياب القدرة على ضم “المناطق”، فان نتنياهو سيسمح لايتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش بتعزيز وتسريع خطوات معاكسة لفرضية “تقليص النزاع” التي تجري يوميا في الضفة: توسيع المستوطنات، وتجاهل البؤر الاستيطانية غير القانونية، وشرعنة بؤر استيطانية غير قانونية، وإعطاء تصاريح لمزارع زراعية لليهود، وعنف المستوطنين ضد الفلسطينيين والإسرائيليين وجنود الجيش الإسرائيلي، والسيطرة على أراض، وشق شبكة طرق سريعة للمستوطنات المعزولة وما شابه. هذه الخطوات تزيد “مساحة وجه الاحتكاك” وتؤدي الى عنف متبادل وتلزم الجيش بتخصيص ليس اقل من 55 في المئة من قواته المقاتلة في الضفة في الوقت العادي واكثر اثناء التصعيد.

يبدو أن الحكومة التي ستتشكل ستصل الى رقم قياسي جديد في تبني المفاهيم المغسولة وعلى رأسها “تقليص النزاع” و”السلام الاقتصادي”. يجب على الجمهور أن يعرفها وأن يفهم معناها. “تقليص النزاع” هو قضية جغرافية، والسعي اليه هو المنطق الذي وجه كل اتفاقات إسرائيل حتى الآن. استخدام هذه المفاهيم من قبل حكومة نتنياهو المتوقعة ليس سوى ستارة من الدخان، تستهدف إخفاء استمرار الاحتكاك والضم الزاحف الى حين خلق دولة واحدة ليس فيها مساواة. ربما أن انتخابات 2022 سيتم تذكرها كـ “نكبة” للديمقراطية الإسرائيلية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى