ترجمات عبرية

هآرتس: تعتبر عملية اقتحام جنين مقدمة لتجديد الاستيطان في شمال الضفة الغربية

هآرتس 5-7-2023، بقلم عميرة هاس: تعتبر عملية اقتحام جنين مقدمة لتجديد الاستيطان في شمال الضفة الغربية

الجيش الذي أخذ عتاده من فيلم للخيال العلمي يهاجم قبيلة للهنود الحمر. بقدر ما، هذه هي علاقات القوة، وهذا هو أحد الجوانب التي تحول الفلسطينيين الموجودين في مخيم جنين للاجئين إلى أبطال. المواطنون كالعادة، أبطال رغم أنوفهم. إن من اختاروا التسلح ومحاولة المس بالغزاة ببطولتهم وشجاعتهم (وعدم اكتراثهم بالموت لأنهم دون أفق لحياتهم منذ الولادة)، لم يوقفوا في الـ 23 سنة الأخيرة الخطة الإسرائيلية الكبرى، وهي ضمان أن يتم ضم معظم الضفة الغربية فعلياً لإسرائيل، وتطهيرها من الفلسطينيين، من خلال زجهم في محميات محددة.

الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة دفعت قدماً بهذه الخطة الرئيسية – كل يوم يمر يكشف مدى الحديث الدائر حول استراتيجية محسوبة صاغها كثير من المفكرين وهي متعددة أذرع التنفيذ. المؤيدون للنضال المسلح يقولون وبحق بأن تكتيك الدبلوماسية والمفاوضات الذي تمسك به رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، لم يوقف شهية توسع إسرائيل، التي استخفت باتفاق أوسلو حول التفاهمات الدولية بأن المستوطنات مناقضة للعملية السلمية وأنه يجب وقف البناء فيها. ولكن حتى ما يسمى “الكفاح المسلح” الذي لم يوقف في العقود الثلاثة الأخيرة، شجع إسرائيل لاحتلال الأراضي الفلسطينية وإحباط الطموحات الوطنية الفلسطينية. بالعكس، في أكثر من مرة، تم استخدامه لهذا الجشع، مثل إقامة جدار الفصل ومنطقة التماس الواسعة التي يحظر أي وجود للفلسطينيين حولها.

إخلاء المستوطنات في قطاع غزة، الذي تعرضه حماس كإنجاز وكدليل على نجاح النضال المسلح، خدم هدفاً سامياً لإسرائيل، وهو الاستمرار في تقسيم السكان الفلسطينيين وإدخالهم إلى فئات استشراقية ومنفصلة في جيوب معزول بعضها عن البعض في الوقت نفسه، الذي يتعمق فيه الاستيطان في الضفة الغربية، بما في ذلك في شرقي القدس. إخلاء المستوطنات الأربع في شمال الضفة في 2005 لم يغير الكثير؛ فإسرائيل استمرت في تصنيف المنطقة التي بنيت فيها كمناطق “ج” ومنعت الفلسطينيين من استخدامها وتطويرها حسب احتياجاتهم، حتى عندما تم إخلاؤها من المستوطنين. هذه المواقع التي تم إخلاؤها بقيت هناك في حالة انتظار، إلى أن تعيد الظروف السياسية الصحيحة عقارب الساعة إلى الوراء.

على هذه الخلفية، يجب تفهم الهجوم على قبيلة اللاجئين في جنين، وليس فقط على خلفية محاكمة نتنياهو واعتماده على أحزاب المستوطنين والمظاهرات ضد الانقلاب النظامي. حكومة نتنياهو – سموتريتش – بن غفير – لفين، ألغت قانون الانفصال في شمال “السامرة”. تزدهر المدرسة الدينية في بؤرة “حومش” الاستيطانية في أراضي برقة وسيلة الظهر، وتتوسع هذه البؤرة بحماية من الجيش؛ فبحمايته ومساعدته، فرضت الرعب على أصحاب الأراضي حتى قبل فترة طويلة من إلغاء هذا القانون.

بقيت أيضاً ثلاثة مواقع باتجاه إلغاء القانون، ما كان يسمى مستوطنات “صانور” و”كديم” و”غانيم”، وجميعها في محيط محافظة جنين. التجربة المتراكمة تسمح بالتقدير بأن القيادة العليا؛ أي حركات الاستيطان على أنواعها وممثليها الكثيرين في الحكومة، تخطط لتوطين هذه المواقع من جديد. وحتى قبل ذلك، يجب أن تظهر هنا وهناك مزارع الأفراد التي تظهر وكأنها عفوية مع قطعان الأغنام والأبقار السمينة، والمليشيات الخاصة وتمويل الجمهور الذي يسمح لمزيد من العائلات بتطبيق وصية سرقة أراضي الفلسطينيين. مع هذه الطبخة المعروفة، فإن قطع واقتلاع الأشجار وإشعال الحرائق وسرقة المحاصيل وإغلاق الطرق وإطلاق النار في كل مكان وتنفيذ المذابح المباشرة، لا تكتفي بتخويف أحد الرعاة أو فلاحين، بل هي موجهة لقرية بأكملها.

الألف جندي والطائرات المروحية والطائرات المسيرة والقذائف وغرف العمليات والجرافات ومئات السيارات المدرعة وأحدث منتجات “الهايتيك” الأخرى التي يصعب تخيلها، كل ذلك استهدف إخضاعهم واستسلامهم، وقتل واعتقال وإصابة وردع وتخويف الذين سيحاولون التشويش على تطبيق الجزء المتمثل بإلغاء قانون الانفصال.

هذه الفجوة الكبيرة في علاقات القوة تنعكس أيضاً في توفر المعلومات؛ فالمتحدثون بلسان الجيش والشرطة و”الشاباك” يعطون معلوماتهم الدقيقة في الوقت الحقيقي: إذا أرادوا، زادوا التفاصيل أو قلصوها، غير أن الأساس هو يعتبرهم الجمهور الإسرائيلي الجهة التي تعرف كل شيء والتي تبدو موضوعية. وعندما ينشرون صوراً لبراميل مليئة بالوقود ويكررون للمرة المليون “بنى إرهابية” و” مختبرات المتفجرات” في منطقة مدنية مأهولة، فعلى كل إسرائيلي تجاهل أن قواعد الجيش و”الشاباك” ومكاتب وزارة الدفاع وهيئة الأركان العامة تعمل في أوساط السكان المدنيين بشكل واضح. عليهم أيضاً نسيان أن وحدة واحدة للجنود أو حرس الحدود مسلحة أكثر من كل مخيم اللاجئين. هم لا يتذكرون، ولذلك لا يمكنهم نسيان أن إسرائيل هي القوة المحتلة التي فرضت نفسها على الفلسطينيين.

المعلومات الأخرى التي تأتي من الميدان جزئية وضئيلة، لأن الجيش الإسرائيلي دمر شبكة الكهرباء في المخيم وفرغت بطاريات الهواتف المحمولة، ولأن الأشخاص ينشغلون بإنقاذ أنفسهم والآخرين، ولأن المواطنين لا يرون أكثر من مقطع الشارع الذي دمرته جرافة الجيش الإسرائيلي، ولأن السلطة الفلسطينية لم تنشئ أجهزة تقدم المعلومات التي في أيديها (باستثناء وزارة الصحة والصليب الأحمر والقليل من مكاتب المحافظات).

علينا جمع المعلومات من أشخاص جربوا التدمير والرعب، وهذا غير ممكن إلا بعد أن تغادر القوات الإسرائيلية الضخمة التي أُرسلت لتدمير مخيم جنين للاجئين مرة أخرى.

أصبحنا نعرف بأن آلاف سكان المخيم اضطروا لمغادرة بيوتهم في مساء الإثنين (هناك من خرجوا بعد أن أمرهم الجيش بالمغادرة وآخرون “اختاروا” الخروج لأنه لم يعد بالإمكان العيش بدون مياه). الآن، عندما أصبحوا خارج المخيم، يهيمون بين المدارس أو الأصدقاء في القرى المجاورة، باتوا لا يعرفون الوضع الذي سيجدون فيه بيوتهم عندما يعودون إليها: مدمرة، الأبواب والجدران تم تفجيرها، القليل من الأغراض الثمينة سرقت، صورة الجد وهو يرتدي الكوفية تم تمزيقها، التلفزيون الذي استثمروا فيه سنة أصبح مثقوباً بسبب الرصاص، أكياس الأرز والسكر مثقبة ومحتواها مسكوب على الأرض.

عندما نتمكن من الالتقاء مع سكان المخيم سيتبين على الأقل جزء من التفاصيل: هل كان أبناء 16 و17 وبحق مسلحين عندما قتلهم الجنود، أم أنهم رشقوا الحجارة على سيارة عسكرية مدرعة. وسنعرف عدد المعتقلين ومكان اعتقالهم. وسنحصل على مصطلح أكثر دقة حول حجم الدمار الذي خلفه الجيش. عندها، كل ذلك سيعتبر “أخبار الأمس” التي لا تعني الجمهور الإسرائيلي في شيء.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى