ترجمات عبرية

هآرتس: بلينكن في الشرق الأوسط: خطط كبرى وحقيبة فارغة

هآرتس 2024-01-09، بقلم: تسفي برئيل: بلينكن في الشرق الأوسط: خطط كبرى وحقيبة فارغة

الدكتور عبد العزيز بن صقر، مدير مركز الخليج للأبحاث، كتب في مقال نشره، أمس، في صحيفة «الشرق الأوسط» السعودية بأنه «يجب على الولايات المتحدة معالجة المرض وليس الأعراض»، عندما تطرق للحرب في القطاع. «المرض يكمن في عدم حل القضية الفلسطينية، حل يستند إلى قاعدة السلام الشامل كما تم عرضها في المبادرة العربية». وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، الذي يتوقع أن يصل، اليوم، إلى إسرائيل بعد زيارة تركيا والأردن وقطر واتحاد الإمارات، وسيواصل منها إلى السعودية ومصر، لا يحتاج إلى هذه النصيحة الجيدة، حيث إنه خرج إلى جولته هذه كمبعوث للرئيس الأميركي جو بايدن في محاولة للدفع قدما بحل الدولتين، كما صاغ ذلك الرئيس في مقال نشره في «واشنطن بوست» في تشرين الثاني الماضي.

لكن قبل تحقيق هذا الحلم الرائع الذي سيجلب السلام العالمي، يجب على بلينكن أن يمر بمسار مليء بالعوائق، الذي في هذه الأثناء هو غير قابل للاجتياز. في كل مكان هبط فيه حتى الآن سمع بلينكن نفس الرسالة تقريبا وهو أنه يجب على الولايات المتحدة الضغط على إسرائيل من اجل وقف إطلاق النار، ليس وقفا مؤقتا، وقفا إنسانيا أو وقفا يستهدف إجراء صفقة تبادل للمخطوفين والأسرى، بل وقف كامل لإطلاق النار الذي في أعقابه تبدأ المفاوضات السياسية. ولكن يبدو أنه على هذا المسار، الذي يوجد حوله اتفاق بين زعماء الدول العربية وتركيا، توجد علامات استفهام لا توجد عليها إجابة لهؤلاء الزعماء. مفاوضات مع من وعلى ماذا؟.

بلينكن أوضح للرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بأن حماس «إلى الخارج». هذه المنظمة لن يكون لها أي دور، سواء في المفاوضات السياسية أو في حل «اليوم التالي». لكنه عرض على أردوغان أن يكون مشاركا في دعم جسم فلسطيني آخر يوافق على تحمل المسؤولية عن إدارة قطاع غزة. وحسب دبلوماسي تركي تحدث مع «هآرتس» فإن بلينكن طلب من أردوغان إبعاد أعضاء «حماس» الذين ما زالوا في تركيا وأن يقيم علاقات وطيدة اكثر مع السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس، وحتى أنه فحص إذا كانت تركيا ستكون مستعدة لتكون جزءا من تحالف الدول التي ستعمل على إعادة الإعمار في غزة بعد الحرب.

حسب المصدر التركي تساءل أردوغان إذا كان في جيب بلينكن موافقة لإسرائيل على جسم فلسطيني معين، الذي سيدير القطاع. وإذا كان الجواب لا فماذا تنوي واشنطن أن تفعل كي تفرض على إسرائيل الموافقة على إدارة فلسطينية لغزة. هذا كان سؤالا يشبه السؤال الذي سمعه بلينكن من نظيره في الأردن، أيمن الصفدي، وبعد ذلك الملك عبد الله الثاني، وهو الزعيم العربي الأكثر قلقا في هذه الأثناء والذي كرس الكثير من وقته للتحدث عن الوضع في الضفة الغربية والخشية من أن إسرائيل تطمح إلى ترحيل الفلسطينيين إلى الأردن.

حتى قبل عقد اللقاء بين بلينكن وزعماء قطر والإمارات والسعودية ومصر، يمكن التقدير بدون مخاطرة بأن هذا سيكون السؤال الذي سيقف في مركز المحادثات في اللقاءات. لأنه حتى لو أن زعماء هذه الدول كانوا يريدون جدا، لكن هم لا يريدون، المشاركة في إدارة غزة أو الاستثمار في إعادة الإعمار، قبل أن يتم التوصل إلى موافقة إسرائيل على الطريقة التي ستدار بها غزة، وطالما أن الولايات المتحدة لا تستطيع أو لا تريد استخدام الضغط على إسرائيل، فإنه لا يوجد ما يمكن التحدث حوله.

في ظل غياب التعاون مع الحكومة الإسرائيلية حول الحكم المستقبلي في غزة، وحقيقة أن هذه الحكومة ترفض بشكل صريح النقاش في الأمر، فإن واشنطن يمكنها على الأكثر إدارة سياسة إطفاء الحرائق. وقد أرسلت بواسطة الأصدقاء في المنطقة تحذيرات، وحتى تهديدات، لإيران كي لا تسمح للمواجهة بين إسرائيل و»حزب الله» بالتدهور إلى حرب شاملة، وهي تستخدم قوة محسوبة، بالأساس قوة رد، أمام الحوثيين في البحر الأحمر، قامت بلي ذراع إسرائيل كي تسمح الأخيرة بإدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع بحجم اكبر، الذي ما زال بعيدا عن توفير احتياجات 2 مليون شخص من المهجرين في القطاع، وهي تطلب من إسرائيل العمل «بجدية» ضد المستوطنين الذين يتعرضون للفلسطينيين في الضفة الغربية.

النتيجة هي أن الدولة العظمى الأقوى في العالم تعمل كشرطي محلي يعالج كل قطاع على حدة، لبنان، غزة والبحر الأحمر، بدلا من مواجهة المهمة الاستراتيجية التي يمكنها ويجب عليها القيام بها. لذلك، توجد الآن تداعيات خطيرة. أولا، التسبب في أن يكون في إسرائيل شعور من غياب الإلحاحية للتخطيط للمرحلة التي ستعقب الحرب، وحتى ولو ظاهريا، وهي تبعد الحاجة إلى تحديد ما الذي سيعتبر إنجازا لأهداف الحرب، ليس فقط كشعار مثل «تصفية حماس» و»إزالة التهديد الأمني الذي يواجه سكان الغلاف» أو إعادة المخطوفين، الهدف الذي يبدو الآن بعيدا جدا، من ناحية الدول العربية التي تريد التجند لتطبيق الحل فإن الولايات المتحدة تعطي إسرائيل تصريح بإدارة وضع ثابت من الحرب التي تراكم تهديدا آخذا في الازدياد، والذي يجبي منها أثمانا اقتصادية كبيرة، إضافة إلى الخوف من انفجار مدني من شأنه أن يضعضع استقرار الأنظمة فيها.

ثانيا، مكانة الولايات المتحدة في المنطقة. في المقال حذر ابن صقر من أنه «يجب على واشنطن الاعتراف بأنها ليست هي اللاعب الوحيد في المنطقة وأن مصالحها لا تقتصر على أمن إسرائيل. يجب عليها الحفاظ على علاقاتها مع السعودية ودول الخليج في إطار المصالح المشتركة والشراكة المجدية. ويجب عليها معرفة أن دول المنطقة تعرف جيدا مصالحها وهي تستطيع الدفاع عنها. هي يمكنها العمل بالتعاون مع كل القوى في العالم».

ابن صقر، الذي يعكس موقف القيادة في السعودية، أوضح بشكل صريح بأنه في المنافسة الإقليمية تشارك دول أخرى مثل الصين وروسيا وإيران، التي كل واحدة منها تسعى إلى ترسيخ وتعميق مكانتها الاستراتيجية في المنطقة. السعودية أوضحت ذلك في السابق، أنه لا يوجد بعد الآن للولايات المتحدة الحصرية على شبكة العلاقات بين الدولتين. الصين التي توسطت بين الرياض وطهران وحققت استئناف العلاقات الدبلوماسية بينها هي لاعب له وزن ثقيل. وعلاقات دولة الإمارات والسعودية وتركيا مع روسيا ليست في الحقيقة بمستوى الشراكة الاستراتيجية، لكنها تعلمت استخدام هذه الورقة في المساومة التي تديرها مع الولايات المتحدة.

عندما لا تنجح واشنطن في صياغة أي حل تكتيكي للحرب في قطاع غزة فهي ترجح في نفس الوقت كفة الإنجازات لصالح ايران، التي أصبحت دولة محور حيوية بسبب السيطرة على خطوات «حزب الله» والمليشيات الشيعية في العراق وعلى الحوثيين في اليمن. حسب رؤية دول المنطقة وبفضل قدرة ايران على تشكيل تحالف من تنظيمات – وكلاء يعملون بشكل منسق، فإنها تملي أيضا سياسة الدول التي تعمل فيها هذه التنظيمات. في المقابل، الولايات المتحدة لم تنجح حتى الآن في تشكيل تحالف لضمان حرية الملاحة في البحر الأحمر، ولا يوجد لها أي موقف قريب من موقف ايران في كل ما يتعلق بمعالجة الجبهة اللبنانية، ووجودها في العراق يتعلق بالنية الحسنة للحكومة التي ترتبط بكل الطرق مع القيادة في ايران.

في هذه المنافسة على المكانة الإقليمية، وبالتالي الدولية، فإن واشنطن بحاجة إلى صورة نصر حتى اكثر من إسرائيل. ومن حيث طبيعتها فإن ضرورة إنتاج مثل هذه الصورة جعلها تعتمد على تحركات إسرائيل العسكرية والسياسية. أمام بلينكن الآن مهمة رئيسة واحدة وهي كبح احتمالية أن يجبر هذا الاعتماد واشنطن على الانخراط بشكل مباشر في الساحة الإقليمية، لكن من غير المؤكد أن تكون حقيبته محملة بالبضاعة اللازمة لتحقيق هذا الهدف.

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى