ترجمات عبرية

هآرتس: اليمن وتأثيرات محتملة على «المعادلة» الأميركية السعودية

هآرتس 2023-11-02، بقلم: تسفي برئيل: اليمن وتأثيرات محتملة على «المعادلة» الأميركية السعودية

ألقى زعيم الحوثيون في اليمن، عبد المالك الحوثي، خطاباً انفعالياً في 10 تشرين الأول، بعد ثلاثة أيام على بدء الحرب في غزة، وهو يرتدي كالعادة بدلة رمادية وقميصاً أبيض دون ربطة عنق، كما اعتاد الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد أثناء ظهوره أمام الجمهور. وبدلاً من ربطة العنق يوجد الخنجر اليمني الفاخر. قال الحوثي في خطابه: “نحن نتابع ما يحدث في غزة، ونقوم بشكل متواصل بالتنسيق مع إخوتنا في محور المقاومة (“حزب الله” والمليشيات الشيعية في العراق و”حماس” و”الجهاد الإسلامي”). إن شاء الله نحن سنكون مستعدين للمشاركة في هذا التنسيق حسب المستويات المختلفة التي سيتم تخطيطها له. نحن ندين، ونتهم، كل ما تفعله الدول التي وقّعت على التطبيع مع إسرائيل. وهذه أفعال يوجد فيها ما من شأنه المسّ بالشعب الفلسطيني، وبهدف تدمير الموقف العربي الموحد”.

لا يشكل إطلاق الصواريخ البالستية والمسيّرات نحو إيلات – إسهام الحوثيين في محور المقاومة وتعبير عن التضامن مع “حماس” – في هذه الأثناء أي تهديد إستراتيجي مباشر على إسرائيل. ولكن ربما تكون له تداعيات على جبهات أُخرى، ولا يقل عن ذلك الخطوات السياسية في المنطقة. إلى جانب مظاهر التماهي العنيفة التي قامت بها إيران لإثبات وجود “وحدة الساحات”، التي تشمل اشتباكات مدروسة ومتصاعدة من قبل “حزب الله”، وهجمات المليشيات الشيعية على أهداف أميركية في العراق وسورية وإطلاق متقطع لصواريخ ومسيّرات من اليمن، فإن هجمات الحوثيين استهدفت أيضاً نقل رسالة للسعودية ومن خلالها لواشنطن.

الحرب في اليمن التي بادرت إليها السعودية في 2015، توقف إطلاق النار فيها. منذ سنة ونصف السنة بضغط من الولايات المتحدة بدأت حوارات حثيثة بين السعودية والحكومة الحوثية استهدفت إنهاء الحرب. في أيلول الماضي زار الرياض للمرة الأولى وفد رفيع للحوثيين. وقد صاغ الطرفان مسودة اتفاق تشمل مساعدة سعودية كثيفة للحوثيين، وفتح ميناء الحديدة الموجود تحت الحصار منذ ثماني سنوات. الحرب في غزة وتهديد الحوثيين لإسرائيل، تضع السعودية والولايات المتحدة أمام معضلة صعبة. مواجهة عنيفة، كالتي حدثت في هذا الأسبوع بين القوات السعودية والحوثيين في إقليم الحدود جيزان، التي قتل فيها أربعة جنود سعوديين، واعتراض السعودية لصاروخ من الصواريخ الخمسة التي أطلقت نحو إسرائيل عندما اجتاز الفضاء الجوي في المملكة، أوضحت للسعودية أنه ليس فقط من الممكن أن تنهار محادثات السلام، بل إن الرياض سيكون عليها اتخاذ موقف حاسم بالنسبة للحرب في غزة.

الحوثي أوضح أن الأهداف المشروعة بالنسبة له لا توجد فقط في إسرائيل. أيضاً الدول العربية التي توجد لها علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، والدول التي تخطط للتطبيع معها مثل السعودية، وبالطبع الولايات المتحدة، أهداف موضوعة على مرمى الحوثيين. انجرار السعودية الجديد إلى حرب ضد الحوثيين يمكن أن يعرض للخطر العلاقات الطازجة لها مع إيران. في المقابل، عندما سيبرر الحوثيون هذه الهجمات بأنها جزء من وحدة الساحات لمحور المقاومة، فإنه يجب على الرياض أن تخرج من منطقة راحتها، التي تكتفي فيها في هذه الأثناء بإدانة نشاطات إسرائيل والمطالبة بالسماح بإدخال المساعدات الإنسانية، والوقوف بشكل واضح إلى جانب الولايات المتحدة، وبشكل ضمني إلى جانب إسرائيل.

هذه المعضلات كانت في صلب محادثات وزير الدفاع وشقيق ولي العهد السعودي، خالد بن سلمان، أول من أمس، في واشنطن، مع جاك سوليفان، مستشار الأمن القومي الأميركي. هذا فقط ليس قلقاً سعودياً محلياً. فوضع فيه الحرب في غزة تهدد بفتح ساحات قتال أُخرى، فإن الافتراض المقبول هو أن المناوشات في لبنان يمكن أن تصبح واحدة منها. ولكن الرئيس الأميركي أوضح في السابق أنه إذا قام “حزب الله” بإطلاق الصواريخ على إسرائيل، فإن الولايات المتحدة لن تكون جزءاً من المعركة. المدافع الثقيلة ستبقيها للوضع الذي ستقرر فيه إيران المشاركة في القتال بشكل فعال، رغم تحذيرات واشنطن لها.

يمكن أن تأتي المفاجأة بالذات من جبهة غير متوقعة، عود الثقاب الذي يشعله الحوثيون يمكن أن يجبر واشنطن، ليس فقط على اعتراض الصواريخ الموجهة لإسرائيل، بل استخدام قوة زائدة في الساحة اليمنية، التي نجحت فيها بالابتعاد عن التدخل المباشر منذ توقفت عن هجماتها على قواعد القاعدة. الأكثر أهمية أن واشنطن يمكن أن تقرر التوقيع على اتفاق دفاع مشترك مع السعودية لإظهار التزامها بالدفاع عن المنطقة ضد وكلاء إيران، دون ربط ذلك بتطبيع العلاقات بين الرياض والقدس.

مثلما يوجد لتنظيمات أُخرى، ليست دولاً، مثل “حزب الله” والمليشيات الشيعية في العراق، أيضاً يوجد للحوثيين أهداف إستراتيجية لا ترتبط على الإطلاق بالنزاع الإسرائيلي – العربي أو القضية الفلسطينية. اللاعبون الثلاثة هؤلاء يخدمون في الحقيقة مصالح إيران الإقليمية، وهم ممولون منها ويقيمون فيما بينهم تعاوناً عسكرياً على مستويات مختلفة. ولكنهم في المقابل يديرون سياسة مستقلة تستهدف ضمان مكانتهم وسيطرتهم في الدول التي يعملون فيها.

الحوثيون أيضاً، الذين هم في الأصل قبيلة كبيرة مركزها في إقليم صعدة في شمال اليمن، التي معظم أبنائها محسوبون على التيار الزيدي الشيعي، بدؤوا النضال في داخل اليمن ضد النظام، وبموازاة ذلك ضد السعودية على خلفية الاحتكاك على الحدود بين الدولتين. ولكن الحوثيين، خلافاً للمليشيات في العراق أو “حزب الله”، ليسوا “نتاجاً” إيرانياً. فقط في 2012 عندما كانت اليمن توجد في تقلبات “الربيع العربي” بدأت طهران تهتم بهم كجسم يمكن الاعتماد عليه في تأثيرها باليمن. إرسال السلاح بدأ بعد ذلك بسنة. وعندما بدؤوا في احتلال أجزاء من الدولة نصحتهم إيران بعدم احتلال صنعاء. ولكن الحوثيين كانت لهم أجندة خاصة بهم. فاحتلال العاصمة في اليمن كان أكثر من عملية من أجل السيطرة على الحكم. وقد استكمل ذلك بتصفية حسابات تاريخية بدأت في الستينيات، عندما بمساعدة مصر تم إسقاط حكم الملك اليمني، ابن التيار الزيدي، واليمن أصبحت جمهورية.

حتى لو لم تثمر الهجمات من اليمن أي خطوات إقليمية بعيدة المدى، فإنها تدل مرة أُخرى على قوة التنظيمات الوكيلة أو التنظيمات التي ليست دولة على إحداث خطوات جيوسياسية في دوائر أوسع بكثير من دائرة النزاعات المحلية التي تغذيها في الأوقات العادية. وضعت الحرب في غزة الولايات المتحدة في قلب النزاع المحلي، ليس فقط من أجل الدفاع عن إسرائيل، بل من أجل وقف منظومة تشمل دولاً كثيرة. اليمن يمكن أن تكون البؤرة القادمة لتطور منظومة كهذه.

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى