ترجمات عبرية

هآرتس: استمرار عمل الصهيونية داخل إسرائيل خطر وجودي

هآرتس 2023-08-11، بقلم: ديمتري شومسكي: استمرار عمل الصهيونية داخل إسرائيل خطر وجودي

لا يوجد في الخطاب الوطني في إسرائيل مفهوم أكثر غموضاً، وفي الوقت ذاته أكثر تأثيراً، من مفهوم “الصهيونية”. لذلك، إذا أراد حزب اليسار الجديد – الذي سيتم تشكيله في القريب كما نأمل من خلال اتحاد حزب العمل و”ميرتس” – التحدث إلى الجمهور الواسع في إسرائيل باللغة القريبة من تصوراته الوطنية فسيكون عليه أن يحدد بوضوح موقفه من هذا المفهوم المتملص، ولكن القوي.

في الأساس الصهيونية، سواء كظاهرة تاريخية أو كظاهرة واقعية، تم التعبير عنها في مجالين أساسيين: أولاً، كانت (قبل العام 1948) تطلعاً لتجسيد تقرير المصير الوطني للشعب اليهودي في “أرض إسرائيل”، وكانت (بعد العام 1948) جهدا لضمان استمرارية تقرير مصير اليهود في دولة إسرائيل من خلال تفضيل احتياجات المواطنين اليهود على احتياجات المواطنين غير اليهود. ثانيا، شجعت الصهيونية ودفعت قدما بهجرة اليهود من ارجاء الكرة الارضية الى “ارض إسرائيل” (قبل 1948)، والى دولة إسرائيل (بعد 1948). إذاً، بمصطلحات جغرافية نقية يوجد للصهيونية كظاهرة سياسية – اجتماعية ملموسة في هذه الايام مجالان مختلفان للعمل، وإن كانا غير منفصلين، المجال الذي يركز على دولة إسرائيل من جهة، والمجال الذي يعنى بالجاليات اليهودية في الخارج من جهة اخرى.

أمام هذين المجالين لنشاط الصهيونية سيكون على حزب اليسار الجديد الحسم بشكل قاطع. يجب ترك الصهيونية في المستوى القطري الإسرائيلي – سياسة إسرائيل، لكن يجب الاستمرار في دعمها على مستوى خارج إسرائيل. اضافة الى ذلك يجب على حزب اليسار الجديد أن يتسلح بطول النفس والبدء في خطاب دعائي وفكري شامل ومتواصل مع الجمهور الإسرائيلي لإقناع أكبر عدد من الإسرائيليين بأنه في حين أن الصهيونية بتوجهها خارج إسرائيل هي ظاهرة ايجابية ومفيدة، فان استمرار نشاطات الصهيونية داخل حدود إسرائيل وفي المجال القطري الإسرائيلي هو ظاهرة سلبية وضارة.

عندما نأتي للتوضيح لليهود الإسرائيليين العاديين لماذا من الأفضل أن لا نتعامل مع دولة إسرائيل في الداخل حسب أسلوب الصهيونية، فمن المهم أن لا نكتفي بأقوال عامة على صيغة “الصهيونية بكونها حركة وطنية أنهت دورها عند قيام الدولة”. وحتى لو كان في هذه الأقوال منطق كبير إلا أنه لا شك أن هذه الشعارات ما بعد القومية يمكن أن تثير في أجزاء واسعة من الجمهور اليهودي الإسرائيلي مشاعر عدم الرضى وحتى الخوف من تقويض تقرير المصير الوطني، حيث إن “الصهيونية” تعتبر في نظر اليهود الإسرائيليين كلمة سر لحق تقرير المصير لليهود في دولتهم ذات السيادة. مع مشاعر وتخوفات من هذا النوع يجب التعامل بالحساسية المطلوبة، وبالضبط فيما يتعلق بها، يجدر توضيح كيف ولماذا بالتحديد سيؤدي التبني المتواصل للفكر الصهيوني في سياسة إسرائيل الداخلية الى تقويض الاستقرار المدني والوطني والحكومي لدولة إسرائيل.

عملية تجسيد تقرير مصير اليهود في “ارض إسرائيل” منذ الإنجاز السياسي الأول المهم للصهيونية (وعد بلفور)، وحتى إقامة دولة إسرائيل، كانت غير ديمقراطية في أساسها. بالتالي، من اجل تحقيق الحق في تقرير المصير في البلاد – التي تعتبر بالنسبة لكثير من اليهود وغير اليهود الوطن التاريخي للشعب اليهودي رغم أنه كانت تعيش فيها اقلية يهودية صغيرة فقط – فان الصهيونية كحركة وطنية توطينية كان يجب عليها السعي الى خلق اغلبية يهودية في البلاد مع تأخير تجسيد الحق الديمقراطي في تقرير المصير لأغلبية السكان العرب الفلسطينيين وإبعادهم عن معظم أراضيهم.

إضافة الى ذلك، من اجل إقامة بنية تحتية أساسية، اقتصادية وطنية، مع تطبيع اجتماعي – اقتصادي مأمول للشعب اليهودي فقد اراد الصهاينة أن يخلقوا بقدر الإمكان فصلا اقتصاديا وتشغيليا بين اليهود والعرب في البلاد. وهي الرؤية التي عرفت بمفهوم “العمل العبري”، الذي كان فيه في نهاية المطاف أساس واضح للأبرتهايد.

بدون الدخول في نقاشات حول مسألة أخلاقية العمليات الديمقراطية والاقتصادية والكولونيالية هذه، التي تم دفعها قدما بحماسة على يد الصهيونية قبل إقامة الدولة، يوجد أمر واحد لا نقاش حوله وهو أن هذه العمليات كانت حيوية من اجل خلق مجموعة الظروف الوجودية لاقامة دولة إسرائيل. في المقابل، الاستمرار الحازم في الدفع قدما بهذه العمليات الصهيونية في واقع دولة سيادية يهودية ليس فقط هو أمر غير حيوي للدولة، بل هو أمر مدمر ويشكل خطرا على وجودها.

استمرار التمسك بالسياسة الصهيونية داخل حدود إسرائيل، ولا نريد التحدث عن المناطق التي احتلت في 1967، هو مثل مواصلة العلاج لشخص تعافى في الوقت الحالي من مرض، الذي بسببه تم علاجه بالدواء ذاته. في هذه الحالة الدواء ليس فقط غير ضروري، بل يمكن أن يدمر صحته. حسنا: إذا كان “العمل العبري” حيويا للحركة الصهيونية من اجل بناء الأساس الاقتصادي لكيان الدولة اليهودية فان التبني الرسمي لهذا المبدأ في واقع دولة حديثة سيكون سخيفا وغير معقول. بالتالي، سيكون مساويا لتطبيق قوانين عنصرية في المجال الاقتصادي – عملية من نافل القول إطالة التحدث عن تأثيرها المدمر (التي من غير المستبعد اذا نجح الانقلاب النظامي ستُمكن من سن قانون سيلزم بتطبيق “العمل العبري”). في حين أن تطلع الصهيونية لخلق أغلبية يهودية في البلاد والسيطرة الصهيونية على أراضي الفلسطينيين ساهم بلا شك في إقامة الدولة اليهودية فان استمرار الخطاب الصهيوني حول الأغلبية اليهودية والسياسة الكولونيالية الصهيونية بين النهر والبحر سيؤدي الى تخريب النسيج المدني المشترك في الدولة، وتعميق الاستقطاب العرقي – القومي بين اليهود والعرب والاصطدام المحتم والخطير جدا على الدولة الحديثة، بين مبادئ التفوق العرقي – الديني لشعب الأغلبية وبين مبادئ الديمقراطية.

في المقابل، طالما أن الأمر يتعلق بيهود الشتات فان حلم الصهيونية يواصل كونه ساري المفعول بخصوصها. هناك، فقط هناك، في أرجاء العالم اليهودي خارج البلاد، يوجد المكان الضروري والمفيد والشرعي للصهيونية في هذه الايام، وهدفها سيبقى على حاله – تطوير علاقة يهود العالم بدولة إسرائيل وتشجيع الهجرة اليها، سواء اليهود الذين يعانون من اللاسامية ومن الضائقة المادية أو اليهود الذين يشعرون باغتراب الهوية تجاه محيطهم ويرغبون في الانضمام الى التجمع القومي اليهودي بالنسخة الإسرائيلية.

من المهم التأكيد على أن نجاح نشاطات الصهيونية في المكان الذي هي فيه ضرورية جدا، خارج البلاد، يتعلق بمستوى النجاح في التخلي عن الصهيونية في المكان الذي تلحق فيه الأضرار الوطنية الشديدة في دولة إسرائيل. ولأن التأثير الفعلي للصهيونية والسياسة الصهيونية في إسرائيل تتلخص بتشجيع التفوق اليهودي، وزرع العداوة والخصام بين مواطني إسرائيل اليهود وبين المواطنين العرب وقضم لا يتوقف لأسس الديمقراطية في الدولة، فان سحب المكون الصهيوني من السياسة الداخلية سيحول إسرائيل الى دولة يهودية ومساواتية – الدولة الإسرائيلية المدنية التي هي النموذج الوحيد المحتمل للدولة اليهودية والديمقراطية. دولة سيكون حقا من الجيد العيش فيها، وستشكل بذلك بؤرة جذب للمزيد من يهود العالم. واذا تمكن حزب اليسار الجديد من أن يشرح للجمهور الإسرائيلي بصورة مقنعة بأنه بالتحديد دولة من هذا النوع ستضمن ثبات تقرير المصير لليهود، وأن الطريق إلى هذه الدولة تمر عبر الاعتراف بأن المكان المناسب للصهيونية هو خارج جبل صهيون، فسيجب على هذا الحزب أن يجذب إليه المزيد من أصوات الإسرائيليين. وأيضاً سيؤدي الى الانبعاث المأمول لليسار في إسرائيل.

مركز الناطور للدراسات والابحاثFacebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى