#شؤون إسرائيلية

نواف الزرو: وثيقة: فلسفة الارهاب والعنصرية الصهيونية: نصوص توراتية وسياسية

نواف الزرو 11-9-2023: وثيقة: فلسفة الارهاب والعنصرية الصهيونية: نصوص توراتية وسياسية

-هرتزل: يجب علينا تأليف حملة صيد كبيرة، ومن ثم تجميع الحيوانات كلها معاً، ونلقي وسطها القنابل المميت.

-جابوتنسكي :”التوراة والسيف انزلا علينا من السماء، والاستعمار الصهيوني سيتحقق رغم إرادة السكان الأصليين، وسياسة الجدار الحديدي هي سياستنا الشاملة تجاه العرب”.

-بيغن يؤكد أهمية العنف في صياغة التاريخ والوجود: أن قوة التقدم في تاريخ العالم ليست للسلام بل للسيف، فأنا أحارب إذا أنا موجود”.
ad

النـزوع للعنف والإرهاب العنصري، نزوع متأصل في الأيديولوجيا السياسية الصهيونية، والتوراتية اليهودية، فهي من جهة أيديولوجيا عنصرية قامت على أساس الانعزال والتميز والتفوق على” الأغيار – الغوييم ” عامة، ومن جهة ثانية اتبعت نهجاً انتقائياً في استرجاع الموروث الديني والاتكاء عليه، باعتماد الجانب المحرض على العنف والقتل والتدمير في التعامل مع”الأغيار”وهنا مع العرب الفلسطينيين.

وإذا كان الفكر الصهيوني في كثير من عناصره قد استند إلى الموروث الديني اليهودي، فإنه قد استند إلى الموروث الديني ذاته في صياغة المواقف والعلاقات الصهيونية نحو”الأغيار”، ذلك أن الصهيونية العلمانية، قد عملت على استغلال وقولبة النصوص الدينية التوراتية بما يحقق أهدافها في حشد وتعبئة واستقطاب اليهود صهيونياً، خاصة إذا علمنا مدى أهمية وتأثير وسيطرة الدين اليهودي على حياة يهود”الغيتو”.

كثيرة هي نصوص ” العهد القديم ” التي تتحدث عن الحرب والقتل والتدمير والإبادة كأساس لأخلاقيات التعامل مع الشعوب الأخرى ، وهي نصوص يفهم من سياقها أنها تؤرخ للحروب التي نشبت على أرض فلسطين بين الغزاة اليهود العبرانيين الذين قادهم يوشع بن نون، وسكان فلسطين الأصليين، كما أنها تحمل مضمون الوصايا والتوجيهات لما يجب أن يكون عليه سلوك الغزاة، وهي نصوص تحض على الحقد والكراهية العمياء، ونذكر من هذه النصوص ما جاء في سفر التثنية”أن الرب يطرد من أمامك شعوباً أكثر وأعظم منك” وأن”الرب الهك يطرد هؤلاء الشعوب من أمامك ويدفع ملوكهم إلى يدك فتمحي أسماؤهم من تحت السماء”، لكن الأبرز من بين هذه النصوص ما جاء في سفر التثنية أيضاً على شكل وصية توحي الكثير من حوافز الإرهاب المقرون بكراهية استعلاء عنصريين ضد الشعوب على اختلافهم ، فقد جاء في النص:

“وحين تقرب مدينة لكي تحاربها استدعها للصلح، فإن إجابتك إلى الصلح وفتحت لك، فكل الشعوب الموجودة فيها تكون للتسخير، وتستعبد لك، وأن تسالمك، بل أن عملت معك حرباً فحاصرها، وإذا دفعها الرب الهك إلى يدك، فاضرب جميع ذكورها بحد السيف ، وأما النساء والأطفال والبهائم وكل ما في المدينة كل ما غنيمتها فتغنمها لنفسك”.

وكما أن اليهود هم”شعب إسرائيل” وفلسطين هي”أرض إسرائيل”، فإن الله كما في الموروث الديني اليهودي هو”رب إسرائيل” وهو ” رب الجنود” و”رب الحرب” الذي يمهد لشعبه”شعب إسرائيل” السبل للغزو والاحتلال وطرد الشعوب، ويدعوهم لقتل”كل رجل وامرأة وطفل وشيخ، حتى البقر والغنم بحد السيف” كما هو وارد في سفر يشوع إشادة لما كان قد صنعه الغزاة اليهود بمدنية أريحا .

الإرهاب في فكر الصهيونيين الرواد

سنجد أن ما ورد في نصوص العهد القديم قد تم استغلاله من قبل رواد الفكر الصهيوني من خلال إسقاطاتهم لمضامينها على وقائع وأحداث معاصرة تتعلق بنشاط صهيوني، وهكذا، فإذا كان أحد الأسس التي قام عليها الفكر الصهيوني، ثلاثية”الشعب والأرض والحق التاريخي”استناداً إلى الثلاثية الدينية”شعب إسرائيل المختار، وأرض إسرائيل والوعد الإلهي” ، فانه استنادا إلى المقابلة ذاتها مع الموروث الديني نجد الدعاة والمفكرين الصهيونيين الذين ينكرون على الشعب العربي الفلسطيني حقه في أرضه ووطنه، بل كثيرون ينكرون وجوده أو يتمنون عدم وجوده بالفعل ، تطبيقا لمقولة ” شعب بلا أرض لأرض بلا شعب ” ، وبما أن هذا الشعب موجود بالفعل، واصطدم به الصهيونيون مع بداية نشاطهم الاستيطاني نجد الداعية الصهيوني زانغويل يدعو”لطرد العرب بحد السيف ..”، اما كيف يكون ذلك، فإن داعية صهيونياً آخر، هو موشي سيملانسكي، تكفل بشرح ذلك قائلاً”أمر بسيط للغاية .. سنزعجهم بغارات متكررة حتى يرحلوا ..”.

أما تيودور هرتزل فإنه يذهب مدى أبعد في التشبيه والمقابلة وفي توضيح النهج الإرهابي الذي سيسلكه الصهيونيون في التعامل مع عرب فلسطين”نسل العماليق”، والشعوب السبعة الذين حاربهم العبرانيون بقيادة يوشع بن نون”، وذلك حين قال في ما يبدو أنه خطة قابلة للتنفيذ”أن تأسيس دولة الآن لا يتم بالأسلوب ذاته الذي كان يستعمل قبل ألف سنة، إذ من الغباء العودة بالحضارة إلى الوراء .. ” .

ويضيف”فلنفترض على سبيل المثال، بأننا أجبرنا على أن نخلي بلداً ما من الوحوش، فيجب أن لا نقوم بهذا العمل وفقاً لأسلوب الأوروبيين في القرن الخامس، كأن نأخذ الرمح ونذهب كل على حدة للبحث عن الدببة بل يجب علينا تأليف حملة صيد كبيرة، ومن ثم تجميع الحيوانات كلها معاً، ونلقي وسطها القنابل المميتة “.

هذه العبارة تكاد توجز الفلسفة الصهيونية حول الاستعلاء وادعاء التفوق والتميز على شعوب لا ترقى في مستواها عن وحوش الغاب من جهة ومن جهة ثانية، حول نية عمل على” تنظيف ” فلسطين من شعبها ” المتوحش ” بحملة إبادة جماعية.

ويمكن القول أن هذا النهج ، نهج العنف والإرهاب والتحريض عليه، قد استقطب جل الدعاة والحركيين الصهيونيين، مهمشاً تماماً أولئك الداعين إلى”التعايش”مع سكان فلسطين، فالصهيوني زئيف جابونسكي ، كان قد خاطب الطلاب اليهود في فيينا بالقول بأن” التوراة والسيف أنزلا علينا من السماء معاً “، مؤكداً في موضع آخر ” أن الاستعمار الصهيوني سيتحقق رغم إرادة السكان الأصليين ، وأن سياسة الجدار الحديدي الذي سيقاوم ضغط هؤلاء السكان ، هي سياستنا الشاملة تجاه العرب”، أما الصهيوني بردشيفسكي ، فقد عبر عن استغرابه من مقولة ” التوراة والسيف ” مؤكداً أن ” السيف وحده هو التجسيد المادي والجوهري للحياة “، وعبر عن يقينه بأن ” الأيام العظيمة في تاريخ اليهود هي أيام محتلي كنعان”، مقارناً تلك الأيام”بهذه الأيام ، حيث تنمو غرائز الاحتلال والوجود، ولو كان ذلك عن طريق إبادة الغير” .

في حين وصف حاييم وايزمان ، رئيس المنظمة الصهيونية العالمية ، وأول رئيس لإسرائيل، في مذكراته “التجربة والخطأ” النشاط الصهيوني في فلسطين عام 1914 بأنه يشهد تحللاً للأخلاقية الصهيونية التقليدية ، في حين أخذت تصعد إلى السطح “الروح العسكرية وارتماء في أحضانها، وأكثر من ذلك واللجوء إلى العنف والإرهاب، واستعداد للتعاون مع الشر ، كقوة لها فوائدها في تحقيق الوطن القومي لليهود”.

وتكتسي نزعة العنف والإرهاب مضموناً دينيا لدى جابوتنسكي إذ قال بأن ” التوراة والسيف انزلا علينا من السماء”، مضيفاً”، أن الاستعمار الصهيوني سيتحقق رغم إرادة السكان الأصليين، وأن سياسة الجدار الحديدي ، الذي سيقاوم ضغط هؤلاء السكان هي سياستنا الشاملة تجاه العرب”، في المقابل نرى الحاخام إبراهام كوك يلبس الدين ثوباً سياسياً ونزعة لسيف الدماء حيث ” تتطلب السياسة العمل الدموي والقدرة على فعل الشر”.

وترتقي نزعة العنف والإرهاب إلى مستوى فلسفي مع تلميذ جابوتنسكي الأبرز والأمين الوفي لمدرسته ، مناحيم بيغن، حين يؤكد أهمية العنف في صياغة التاريخ ، إذ أن ” قوة التقدم في تاريخ العالم ليست للسلام بل للسيف”، بل وصياغة الوجود الإنساني” أنا أحارب إذا أنا موجود”، ليصل إلى القول محرضاً على القتل “.. كن أخي وإلا سأقتلك”، وفي كتابه ” الثورة ” يقول ” من الدم والنار والدموع والرماد سيخرج نموذج جديد من الرجال ، نموذج غير معروف البتة للعالم في الألف والثماني مئة سنة الماضية، اليهودي المحارب، أولا وقبل كل شئ ، يجب أن نقوم بالهجوم ، نهاجم القتلة”، لكن من هم هؤلاء القتلة الذين يعنيهم مناحيم بيغن ؟ من الواضح أنه يقصد العرب الفلسطينيين المدافعين عن وطنهم ووجودهم الإنساني .

ودافيد بن غوريون، الزعيم الصهيوني الأكثر شهرة ، وأول رئيس لوزراء الكيان الصهيوني، عبر عن أيمانه بأن القوة والعنف وسيلة بعث حضاري،”لشعب إسرائيل” الامتداد الحديث لدولة” اليهود” القديمة ، ” بالدم والنار سقطت يهودا وبالدم والنار ستقوم ثانية”، وشبه المستوطنين اليهود في فلسطين”بالغزاة الأسبان الذين قضوا بقوة السلام والنار على ملايين السكان الأصليين لأمريكا الوسطى والجنوبية “، و ” بالمستوطنين الأمريكيين الذين شنوا حرباً ضد الطبيعة المتوحشة، وضد الهنود الحمر المتوحشين”، وما دمنا في صدد الحديث عن بن غوريون، نشير إلى أنه كان يرى في موسى النبي، ويشوع باركوخابا والمكابيين، أبطاله وقدوته ومثله الأعلى ، فموسى النبي ” أعظم أبنائنا ، وهو أول قائد عسكري في تاريخ امتنا”، ويشوع الذي أشرنا له، هو ” بطل التوراة والقائد العسكري المرشد “، وكثيرة هي الأمثلة التي جرى فيها إسقاط التراث اليهودي في ما يتعلق بالنزوع للقتل والتدمير وروح الانتقام والكراهية ضد الاغيار عامة وعلى العرب الفلسطينيين خاصة .

فإذا كان ” الشعب اليهودي ” أو ” الشعب الإسرائيلي ” باللغة السياسية المعاصرة امتدادا تاريخياً”لشعب إسرائيل” كما استعمل في التراث الديني اليهودي، وفلسطين هي”أرض إسرائيل – أرض الميعاد”، يصبح الشعب العربي الفلسطيني هو”الامتداد التاريخي للشعوب التي قاتلها وأبادها يشوع من العماليق والميديين، وبقايا الشعوب السبعة التي كانت تسكن أرض كنعان”، وتصبح عملية إبادة الشعب العربي الفلسطيني وانتزاعه من أرضه وسياقه الحضاري عملية مبررة”لأن الفلسطينيين هم بلاء مذكور في التوراة”والتصدي لهذا البلاء ومعالجته لا يكون إلا ” بتطبيق القانون اليهودي ، والاقتداء بفاتحي أرض إسرائيل”، مما يعني إباحة قتل المدنيين لأنه “لا يمكن الوثوق بالعربي، بأي حال من الأحوال”، حيث طبقاً للشريعة اليهودية ” لا يمكن الوثوق بغير اليهودي ” وبالتالي”، فإن الطريقة الوحيدة للتعامل مع العربي هي قتلة …”.

* خطاب الإرهاب في ظل الدولة الصهيونية

على خلفية تلك الامتدادات الغائرة في جذور الدين اليهودي ، تطور الفكر السياسي الصهيوني مع الزمن والأحداث واصبح له أولاً أباء وأنبياء ومنظرون ، ثم أصبحت له ثانياً اذرع وأجهزة ومنظمات إرهابية ، تنفذه على الأرض ، ثم تبنته الدولة اليهودية ثالثاً ، فتحول هذا رابعاً إلى الفكر الأساسي العريض الذي تعمل به الدولة الإسرائيلية ويقتدي به المجتمع الإسرائيلي كله .

ونظراً لكل هذه الخلفيات التراثية الإرهابية وانطلاقا منها لم يكن عبثاً أو صدفة ما أعلنه الجنرال باراك قائلا : ” لو كنت أعلم أن قتل ألفي فلسطيني يحل المشكلة الحالية – الانتفاضة – مع الفلسطينيين لما ترددت في ذلك “، ولم يكن بيان جماعة أطباء من أجل حقوق الإنسان الأمريكية الذي أكد فيه : ” أن الجيش الإسرائيلي يطلق النار على الفلسطينيين بهدف القتل ” مبالغاً فيه، وكذلك تصريح ياسر عبد ربه وزير الثقافة الفلسطيني الاسبق عندما أعلن : ” أن إسرائيل تقتل الفلسطينيين من أجل القتل”، أو تأكيد الدكتور صائب عريقات على : ” أن إسرائيل تعمل على تدمير المجتمع الفلسطيني”.

وقد لخص د. ايل غروس بحضور رابطة حقوق المواطن الإسرائيلية سياسة دولة الاحتلال الإجرامية : ” أن حياة الفلسطيني رخيصة جداً في نظر إسرائيل”، وعززت هذه الحقيقة الباحثة النرويجية آن كريستين ” في بحث أعدته حول ” حرب إسرائيل ” ضد الفلسطينيين ” حينما ذهبت بتأكيدها إلى : ” أن 70% من أفراد الجيش الإسرائيلي هم مجرمو حرب وفقاً للمعايير الدولية” .

وقد أجملت صحيفة الغارديان اللندنية المشهد كله مشيرة إلى : ” أن إسرائيل – الدولة العبرية – أقيمت في عام 1948 بثمن مرتفع جداً من انتهاكات حقوق الإنسان والقتلى العرب ..”(36).

وعلى أرضية المعطيات الأساسية المشار إليها ، فإن الحقيقة الراسخة الدامغة الموثقة المدعمة بكم هائل من المعطيات والوقائع الأخرى هي ” أن منطقتنا العربية لم تعرف الإرهاب إلا قبيل وخلال وبعد إنشاء دولة إسرائيل ، فهم أساتذة الإرهاب”، و ” أن اليهود كانوا أول من مارس الإرهاب في المنطقة”، و” أن الإرهاب أرتبط بالحركة الصهيونية وأن قافلة الإرهاب انطلقت من مستنبتات الفكر العنصري اليهودي”، و” أن الفكر العنصري الإرهابي يدرس في الأدبيات والمناهج التعليمية ويطبق على مستوى السياسة الرسمية الإسرائيلية ” .

وضمن الأرضية الفكرية ذاتها أكد البروفيسور الإسرائيلي شاحك أيضاً ” أن الديانة اليهودية عمقت العنصرية لدى اليهود ، وأن القوانين التلمودية تميز بين اليهود وغير اليهود واليمين الديني في إسرائيل يجع هذه الروح العدوانية في نفوس الجيش الإسرائيلي”.

وتعزيزاً لهذه الحقيقة الصارخة فقد أفتى حاخامات بني صهيون في كل مناسبة وغير مناسبة مشرعين العنصرية وممارسة الإرهاب والقتل ضد العرب ، ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر ، ما صرح به الحاخام الرئيسي للكيان الصهيوني شلومو غورن الذي قال : ” لا يوجد شعب فلسطيني ، ولا أولئك الذين يطلق عليهم فلسطينيون ليس لهم أية حقوق وطنية في البلاد “، ومنها ايضاً ما أفتى به الحاخام موشيه بن طوف حاخام رئيس الحكومة نتنياهو في حينه ، حيث قال : ” إن الفلسطينيين من جنس العماليق القساة”، وطالب بن طوف بـ ” التهجير الشامل السريع للفلسطينيين”، ومنها كذلك وصف الحاخام دافيد دوركمان حاخام ” كريات أربع ” العرب بـ ” أنهم يشبهون النازيين”.

ولعل أخطر الفتاوى الدينية اليهودية الداعية لاقتراف الإرهاب الدموي ضد الجنس العربي ، بما جاء حديثاً على لسان حاخام حركة شاس عوباديا يوسف الذي وصف العرب بـ ” الأشرار والفلسطينيين بالأفاعي ، وأن الله ندم على خلقه أبناء إسماعيل هؤلاء ( العرب ) ” (46) ، ثم أعلن في وقت لاحق مفتياً : ” يجب أن لا تأخذنا رحمة بالعرب ، يجب قصفهم بالصواريخ من أجل إبادتهم ومحوهم عن وجه الأرض ” (47) .

وعلى ذات المنهجية التشريعية الدينية اليهودية للإرهاب العنصري كان أحد كبار حاخامات اليهود قد أعلن :” أن دم العرب لا يشبه دم اليهود ” (48) ، وعزز الحاخام اسحق غينزبورغ حاخام المدرسة الدينية اليهودية ” يوسف حي ” فتاوى مسبقة من الحاخامات حينما وصف العربي قائلاً :” أن العربي حيواني بطبعه ، وقد وصفته التوراة بأنه إنسان متوحش .. وهناك فرق بين الدم اليهودي والدم العربي .. وأن هذا التمييز موجود في التوراة ” (49) ، وأشاد الحاخام نفسه بالمجرم غولدشتاين وقال : ” أنه بما ارتكبه قام بتقديس الله وإنقاذ الأرواح والانتقام وإحراق الشر ” ، ” ودعا إلى طرد الفلسطينيين ” (50) .

وكانت أبرز الفتاوي الداعية إلى قتل العرب تلك التي جاءت على لسان الحاخام دافيد كفيتس حاخام مستوطنة يتصهار الغربية من نابلس الذي قال : ” إن قتل العرب لا يشكل مشكلة أخلاقية ” (51) .

فإذا كان ما سبق الإشارة إليه غيض من فيض الأدبيات الدينية التشريعية اليهودية وهناك غيرها الكثير الكثير ، فإن الأدبيات السياسية الصهيونية التي تبيح الإرهاب وتهدر دم العرب ليس لها حصر أيضاً ، ولذلك نكتفي فما يلي باقتطافات واردة على ألسنة أبرز أقطاب الحركة الصهيونية والدولة الإسرائيلية .

فقد جاء مبكراً على لسان حاييم وايزمن في مذكراته ” التجربة والخطأ ” في وصف الأوضاع فلسطين عام 1914 :” يستطيع المرء أن يلمس تحللاً للأخلاقية الصهيونية ، وأن يلمس مسحة من الروح العسكرية ، بل أكثر من ذلك اللجوء إلى العنف والإرهاب واستعداداً للتعاون مع الشر كقوة لها فوائدها في تحقيق الوطن القومي لليهود ” (52) .

وقد عزز بن غوريون ما قاله وايزمن ، حيث كتب في مقدمة كتاب تاريخ الهاغاناة عام 1954 يقول :” في بلادنا هناك فقط مكان لليهود وسوف نقول للعرب أخرجوا ، فإذا لم يخرجوا وإذا قاوموا فسوف نخرجهم بالقوة ” (53) .

وفي عام 1956 كتب مناحييم بيغن في كتابه ” التمرد ” يطلب من الإسرائيليين :” ينبغي عليكم أيها الإسرائيليون أن لا تلينوا أبداً ، وعندما تقتلون أعداءكم ينبغي أن لا تأخذكم بهم رحمة حتى ندمر ما يسمى بالثقافة العربية التي ستبنى على أنقاضها حضارتنا ” (54) .

وفي عام 1973 قال موشيه ديان : ” لا أرى كيف يمكن أن نقيم دولة يهودية دون أن ندرس على المحاصيل : سيادة محل سيادة ويهود يقمون في مكان أقام فيه العرب ” (55) .

ونعود قبل كل ذلك إلى عام 1947 عشية حرب فلسطين والجرائم الصهيونية لنقرأ ما كانت صحيفة عل همشار الناطقة بلسان حزب ” المبام ” ( العمالي الصهيوني ) حيث كتبت تهيء التنظيمات الصهيونية وتحرضها على اقتراف المجازر الجماعية ضد العرب ، فقد جاء في المقالة :” علينا أن ننسى أية مشاعر إنسانية ويجب علينا إطلاق النار وليس بهدف القتل ، وليس بهدف الترويج ، يجب أن نذبح ونبيد دونماً رحمة أو أحاسيس إنسانية ، نعم بدون أحاسيس إنسانية حينذاك نكون نحن رجال الهاجاناة جنوداً ، ويجب أن لا نتفلسف مقابل رأس كل عبري مائة من الرؤوس العربية ، حتى لو كانت رؤوس عرب لم يشتركوا في أعمال الشغب ، بهذه الطريقة فقط يمكن لنا أن نبرهن للمشاغبين كم هو عزيز الدم العبري ” (56) .

وقبل ذلك كان جابوتنسكي مؤسس معسكر اليمين الإسرائيلي قد لخص مشروعه السياسي ضد العرب في مقالته : ” جدار الفولاذ ” التي كتبها عام 1923 ، بالعبارات المكثفة التالية : ” لا يمكن أن يكون هناك مجال لمصالحه إرادية بينما وبين العرب ، لا الآن ولا في المستقبل .. إن لدى كل فرد من العرب فهماً شاملاً وكاملاً لتاريخ الاستعمار .. فكل شعب يقاتل المستعمرين إلى آخر بريق أمل ، وسيقاتل الفلسطينيون كذلك إلى أن لا يعود أمامهم أي لمحة أمل .. والنتيجة المنطقية لذلك هي أنه لا يمكن تصور أي اتفاق طوعي بينما .. أن على كل عملية استعمار أن تستمر ، ولا يمكنها أن تستمر وتنمو إلا بحماية سور من القوة ، أي جدار فولاذي لا يستطيع هؤلاء السكان اختراقه .. هذه هي سياستنا العربية وليس التعبير بأي صيغة أخرى إلا نوعاً من التخابيث والنفاق .. ” (57) .

وثبت بن غوريون هذه العقلية السياسية الصهيونية ذاتها في رسالته إلى المجلس التنفيذي للوكالة اليهودية بتاريخ 9/6/1936 ، حيث أوضح :” .. أن الاتفاقية السياسية الشاملة مع العرب غير مقبولة الآن .. لأنه فقد بعد اليأس الكامل مع العرب ، يأس يأتي ليس فقط كنتيجة لفشل الاضطرابات ، ومحاولات التمرد بل أيضاً كنتيجة لتنامي وجودنا في البلاد ، يمكن للعرب أن يذعنوا في أرض إسرائيل اليهودية ” (58) .

ونقول فإذا كانت هذه اللغة الصهيونية قائمة منذ مطلع القرن الماضي ، فهل يستطيع أحد اليوم ونحن مطلع القرن الحادي والعشرين – أي بعد قرن من الزمن – أن يجد فوارق حقيقية جوهرية مقنعة بين اللغة الصهيونية اليوم ، وبين تلك اللغة .. ؟

*قافلة الارهاب الصهيوني انطلقت منذ مطلع القرن العشرين

واستنادا الى كل تلك الادبيات وغيرها الكثير ووفق الكم الهائل المتراكم والمتوافر، المتزايد يوماً عن يوم، من المعطيات والحقائق الموثقة الدامغة الراسخة المتعلقة بمسيرة وقافلة الإرهاب الصهيوني الإسرائيلي التي انطلقت منذ مطلع القرن العشرين بملامحها واعراضها الواضحة الملموسة، فإنه يمكن القول بدءاً أن التاريخ البشري لم يشهد إرهاباً سياسياً/فكرياً/عقائدياً/عنصرياً/دموياً/منهجياً/مرعباً/مروعاً، مع سبق النوايا والتخطيط والبرمجة والإصرار على التنفيذ بأبشع الصور والاشكال، كالإرهاب الذي مارسته الحركة الصهيونية بمنظماتها وأجهزتها الإرهابية السرية ما قبل قيام الكيان الإسرائيلي، وكالإرهاب الرسمي وغير الرسمي والعلني والسري الذي مارسته وما تزال الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على مدى العقودالستة الماضية التي اعقبت قيام الكيان الإسرائيلي.

كذلك وان شهد التاريخ البشري ظواهر إرهابية ترجمت بمذابح جماعية أدت أحياناً إلى اختفاء أو انتهاء شعوب أو دول، فلم يسجل التاريخ حالات مثل هذه الحالات لها منطلقات سياسية/فكرية/عقائدية برامجية موثقة في أدبيات من نفذها ومارسها مثلما هو الحال عليه مع الحركة الصهيونية و«دولة إسرائيل».

كما لم يشهد التاريخ من جهة أخرى أن تعرض شعب لمثل هذا الإرهاب الممنهج والمنفذ على كل المستويات وبشتى وسائل وأدوات الإرهاب وبأبشع الأشكال والصور على مدى زمني متصل تجاوز النصف قرن من الزمن، مثل ما شهده الشعب العربي الفلسطيني على أرض فلسطين.

واستتباعا -إذا كان الرأي العام العالمي والغربي منه على وجه التحديد قد نسى أو تناسى الحقيقة الراسخة الموثقة: أن دولة إسرائيل قامت على أسنة الحروب والإرهاب الدموي وسياسة التهديم والترحيل والإلغاء الشامل للشعب الفلسطيني وإن كانت ماكينة الإعلام الغربية/المتصهينة عملت في السنوات الأخيرة على «خلق ارهاب يرتدي ثوباً إسلامياً بعد أن كانت معادية لإرهاب يرتدي ثوباً قومياً» (59).

وإن كان «الإعلام الغربي لعب ويلعب دوراً مذهلاً في قلب الحقائق والأمور وتحويل المجرم إلى ضحية والضحية إلى مجرم» (60).

وإن كانت دولة إسرائيل وظفت وتوظف عدداً هائلاً من العاملين في قطاعات الإعلام والسياسة والمؤسسات الأكاديمية في العالم لتسويق فكرتها حول الإرهاب» (61).

فإن الحقيقة الراسخة الدامغة الموثقة المدعمة بالمعطيات والحقائق هي أن منطقتنا العربية لم تعرف الإرهاب إلا بعد إنشاء «دولة إسرائيل» فهم أساتذة الإرهاب» (62) وإن الإرهاب ارتبط بالحركة الصهيونية وما قامت به في فلسطين وإن «قافلة الإرهاب انطلقت من مستنبتات الفكر الديني العنصري اليهودي» (63) وإن سجل الإرهاب الصهيوني حافل وزاخر ومليء بوقائع الممارسات الإرهابية، وإن الفكر العنصري الإرهابي الإسرائيلي يدرس في الأدبيات والمناهج التعليمية ويطبق على مستوى السياسة الرسمية الإسرائيلية (64).

* نبي الصهيونية في “الدولة اليهودية”

على أرضية تلك الحقيقة الراسخة أعلاه نبحث فنجد أن للفكر السياسي للإرهاب الصهيوني –كما اشير اعلاه- امتدادات بعيدة بعيدة تصل إلى المجتمعات اليهودية الغيتوية القديمة التي انتجت عقلية المؤامرة والحقد العنصري والفكر الإرهابي، وانتجت بعد ذلك تلك الأفكار والمفاهيم المتعقلة بشعب الله المختار الذي يتفوق على الأغيار – أي العرب.

وإذا لم يكن المجال يتيح لنا هنا الغور بعيداً في الفكر الديني التلمودي اليهودي العنصري فإننا من الجدير أن نؤكد على الفكر السياسي الإرهابي الصهيوني المعاصر الذي تطور وترسخ منذ المؤتمر الذي انعقد في بال قبل قرن كامل وعشر سنوات من الزمن حيث زخرت بروتوكولات حكماء صهيون بكم هائل من المفاهيم، والمصطلحات العنصرية الإرهابية بالمضمون، وحيث زخر كتاب نبي الصهيونية هرتزل “الدولة اليهودية” بكم هائل كذلك من المفاهيم والمصطلحات العنصرية الإرهابية (65).

هكذا تطور الفكر السياسي الصهيوني الإرهابي مع مرور الزمن والأحداث وأصبح له أولاً أنبياء ومنظرون ثم أصبحت له ثانياً أذرع وأجهزة ومنظمات إرهابية تنفذه على الأرض، ثم تبنته الدولة اليهودية ثالثاً فتحول هذا الفكر رابعاً إلى الفكر السياسي العريض الذي تعمل به الدولة الإسرائيلية ويتقيد به المجتمع الإسرائيلي “(66).

في 11/8/1919 قال بلفور وزير الخارجية البريطاني لأعضاء الحكومة: «إننا في فلسطين لا نفكر أبداً في أي شكل من أشكال التشاور مع السكان المحليين ومعرفة رغباتهم».

وهذا الكلام ينطوي على إرهاب حقيقي، عملت الحركة الصهيونية بعد ذلك بمضمونه تماماً.

جاء قبل ذلك على لسان حكماء صهيون ما مفاده: «ان الإرهاب أداة سياسية نلجأ إليها حين نرى أن عدونا يريد الخلاص منا» (67).

وجاء كذلك في أحد بروتوكولات حكماء صهيون: «على المناضلين الصهاينة بث الرعب والخوف في البلاد المسيحية والعمل على القضاء على الديانة المسيحية والديانات الأخرى التي تحتوي تعاليمها على نصوص معادية لليهودية».

وفي عام 1940 كتب الزعيم الصهيوني أوستشكين من أجل تأسيس حياة مستقبلية لليهود في فلسطين أو على الأصح تأسيس دولة يهودية في فلسطين من المهم بالدرجة الأولى أن تكون جميع أراضي فلسطين يهودية أبداً، وحسب الأساليب المتبعة في العالم هناك ثلاث طرق: أولاً بالقوة بواسطة الاحتلال العسكري، ثانياً: بالقسر أي بمصادرة الأراضي عن طريق الحكومة، ثالثاً: بشراء الأراضي من أصحابها (68).

وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى طالب جابوتنسكي الأب الروحي لليمين الإسرائيلي، بإقامة نظام في فلسطين، يسهل الهجرة اليهودية الواسعة حتى يصبح اليهود أغلبية فيها الأمر الذي يعني إقامة القوة واستخدامها ضد أهل الأرض وقد طبقت آراء وأفكار جابوتنسكي بحذافيرها.

وجاء في مذكرات وايزمن «التجربة والخطأ» في وصف الأوضاع في فلسطين في عام 1914: «يستطيع المرء أن يلمس هنا وهناك تحللاً للأخلاقية الصهيونية التقليدية ويلمس بدلاً منها مسحة من الروح العسكرية بل، أكثر من ذلك اللجوء إلى العنف والإرهاب والاستعداد للتعاون مع الشر كقوة لها فوائدها في تحقيق الوطن القومي لليهود» (69).

ثم جاء دافيد بن غوريون ليلقي المزيد من الضوء على خطوط عمل وسياسة الحركة الصهيونية في العنف والقوة لوسيلة لتحقيق أهدافها، إذ كتب عام 1954 في مقدمة كتاب: “تاريخ الهاغانا” الذي أصدرته المنظمة الصهيونية العالمية: من الواضح أن انجلترا تعود للإنجليز ومصر للمصريين وفلسطين لليهود، وفي بلادنا هناك فقط مكان لليهود، وسوف نقول للعرب أخرجوا، فإذا لم يخرجوا وإذا قاوموا فسوف نخرجهم بالقوة”(70).

ما سبق ذكره غيض من فيض هائل من الأمثلة والمقتبسات الدالة على إرهابية وعنصرية الفكر السياسي الصهيوني، وعلى حقيقة المنطلقات الفكرية الدينية والإجتماعية العنصرية للإرهاب الصهيوني.

وإن كنا استشهدنا ببعض تصريحات ومواقف عدد من أبرز أقطاب العمل الصهيوني، فإننا لا يمكنا أن نغفل بطبيعة الحال دور إسحق شامير في الإرهاب الصهيوني، ولا يمكنا أن نغفل كذلك في هذه المرحلة دور حكومات اليمين الإسرائيلي المتشددة في نشر الإرهاب والرعب في المنطقة.

غير أن ما نود التوقف عنده في هذه العجالة هو أن تلك المفاهيم والمنطلقات السياسية/ الفكرية/الاجتماعية/للإرهاب الصهيوني والموثقة في عدد لا حصر له في الكتب والدراسات والبروتوكولات الإسرائيلية وغيرها، والمترجمة في كم لا حصر له من أعمال وممارسات العنف والإرهاب والعنصرية المتغطرسة قد شكلت وبلورت سيكولوجيا كاملة شاملة لدى معظم فئات وشرائح المجتمع الإسرائيلي بعد قيام الدولة الإسرائيلية وبصورة خاصة واضحة المعالم في السنوات الأخيرة حيث أخذت هذه السيكولوجيا ذات النزعة العنيفة الإرهابية العنصرية تطغى على تفكير وممارسات شتى الجهات، المنظمات والحركات الإسرائيلية بشكل عام.

ولعلنا نشير هنا بوجه خاص إلى أن سيكولوجيا الإرهاب الدموي هذه باتت هي التي تهيمن هيمنة مطلقة على أجهزة الجيش والموساد والشاباك وكذلك على دولة المستوطنين اليهود في أنحاء الأراضي المحتلة (71).

يقول البروفيسور إسرائيل شاحاك حول سيكولوجية الجيش الإسرائيلي: “إن قادة العسكر في إسرائيل مستعدون أن يضعوا أيديهم على مصادر الثروات للشعوب الأخرى عن طريق حروب الغزو، إنهم يدركون ذلك مثلما أدركته الأولغاركية العسكرية الإسرائيلية السابقة ونفذت حروباً مماثلة” (72). وامتدادا لسيكلوجيا الإرهاب والعنصرية لدى بني إسرائيل أو انطلاقاً منها نتابع كل مظاهر الغطرسة والعنصرية نحو الإحساس بالتفوق على الأغيار، ونتابع الاستعداد الإرهابي لدى حكومة إسرائيل الراهنة للتلويح باقتحام واقتراف المجازر والترحيل ضد الفلسطينيين.

*المناهج التعليمية وفتاوى الحاخامات

وفي هذا الإطار.. إطار الفكر والإيدولوجيا والسيكلوجيا الإرهابية الصهيونية نتوقف أمام الدور المركزي جداً لكبار رجال الدين اليهود – الحاخامات – في تعليم ونشر وزرع الفكر الإرهابي سواء كان ذلك عن طريق المدارس الدينية المتعصبة داخل فلسطين المحتلة 48، أو عن طريق المستوطنات اليهودية المنتشرة في أنحاء الأراضي المحتلة، ففي كل عرس كان للحاخامات القرص الأكبر، وفي مجمل السياسة الإرهابية الإسرائيلية كان وما يزال للحاخامات اليهود دور مركزي فيها.

وإن عدنا للمناهج التعليمية الرسمية الإسرائيلية، أو راجعنا المحاور المختلفة للسياسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين والعرب، نجد أن فتاوي الحاخامات تحتل مركزاً كبيراً وتشكل أرضية لكل شيء.

ويلاحظ أن فتاوي الحاخامات تحرض كلها إما على اقتراف الإرهاب الدموي والمجازر ضد الفلسطينيين كما في جملة من المجازر واخطرها مجزرة الحرم الإبراهيمي الشريف (73)، أو إلى ردع الحكومة الإسرائيلية عن تقديم أي تنازل للعرب في أرض كما جاء مثلاً في الوثيقة التي وقعها 250 حاخاماً كبيراً في نهاية العام 1997 والتي حظرت على الحكومة الإسرائيلية تسليم أي جزء من أرض إسرائيل للأغيار (74)، أو في مواصلة انتهاج سياسة التمييز العنصري الرسمي ضد المواطنين العرب في فلسطين، وإن كان الفكر السياسي الإرهابي الصهيوني قد انطلق منذ مطلع القرن الحالي بصورة منهجية فإن الفكر الديني اليهودي والفتاوي والتشريعات اليهودية كان لها دائماً نصيب بارز ومؤثر في ذلك.

«أيديولوجيا التمييز ضد غير اليهود، مسألة لا تنكرها إسرائيل وتعترف بها صراحة، وتعززها كضمانة لشخصية إسرائيل كدولة يهودية ومن هنا يتحرك أنصار التمييز الإسرائيلي على أساس أن هذا التوجه هو تراث اليهودية التاريخي» (75).

وفي سياق الصراع المحتدم في الاراضي المحتلة، وفر الحاخام عوفاديا يوسف(وهو اهم مرجعية دينية لديهم)لهم الغطاء الايديولوجي للتنظيمات الارهابية التي قامت وتقوم بالاعتداء على الاماكن المقدسة، قائلا: “إن المسلمين حمقى وأغبياء ودينهم مقرف مثلهم”(76).

ونقلت صحيفة معاريف على سبيل المثال فتوى للحاخام “شلومو ريتسكين”، مدير المعهد العسكرى الدينى، فى مستوطنة (كرنيه شمرون)، شمال الضفة الغربية لطلابه من الجنود ب”جواز نهب محاصيل الزيتون من الفلسطينيين وجواز تسميم آبار مياههم”(77).

وكذلك الحاخام العسكري الرئيس، العميد افيحاي رونتسكي، الذي قال في حديث مع طلاب مدرسة دينية تابعة للتسوية مع المتدينين في كرنيه شومرون ايضا”ان الجنود الاسرائيليين الذين “يظهرون الرأفة” بالعدو في اوقات القتال ستحل علبهم “اللعنة”(78)

وكانت صحيفة معاريف كشفت النقاب عن أن الحاخام يتسحاق شابيرا وضع كتابا يشرح فيه ويفصل متى يمكن قتل الأغيار من غير اليهود، متبعا ذلك “بفتاوى شرعية، من التوراة”، وقالت”إن الكتاب المذكور يدعى “توراة الملك”، وقد صدر مؤخرا، ويمتد الكتاب على 230 صفحة مليئة بالفتاوى و”الطرق الشرعية” التي تجيز قتل الأغيار من غير اليهود”(79).

ثم يأتي مجمع الحاخامات “السنهدرين” ليتوج كل ذلك باصدار فتوى تبيح قتل كافة الأسرى الفلسطينيين إذا لم يعد الأسير غلعاد شاليط سالمًا، ونقلت يديعوت احرونوت بعض الفقرات من مضمون الفتوى الصادرة عن “السنهدرين” -أعلى مجلس قضائي يهودي والحَكَم في شؤون اليهود الدينية والسياسية والقضائية- نصه: “إن الله يحرم أن يكون هناك “هولوكوست” آخر لليهود، فيجب إغلاق ملف شاليط حتى وإن كان الثمن حياته، ويجب اتخاذ إجراءات أخرى لتحريره باستهداف حياة “القتلة” الموجودين في سجوننا”(80).

ومن الواضح تماماً أن مستنبتات ومفرخات أيدولوجيا التمييز العنصري وبالتالي الإرهاب الدموي والمجازر والعقوبات الجماعية بالضرورة، موجودة وحاضرة بقوة في المدارس الدينية التلمودية اليهودية وفي المستوطنات اليهودية المنتشرة في أنحاء الأراضي المحتلة.

* «مكان تحت الشمس»

لا يمكننا في سياق هذه الدراسة المكثفة جداً حول المقدمات السياسية/الفكرية/ السيكولوجية البرامجية للإرهاب الصهيوني إلا أن نتوقف أمام ظاهرة نتنياهو وأمام كتابه الشهير «مكان تحت الشمس» حيث يمثل نتنياهو في اعتقادنا أخطر أقطاب الدولة الإسرائيلية الإرهابية ويمثل فكرة المترجم في كتابة، خلاصة الخلاصة للفكر السياسي والديني الإرهابي الصهيوني.

يقول الدكتور فايز رشيد في كتابه تزوير التاريخ في الرد على نتنياهو «مكان تحت الشمس»: «عند نتنياهو يجوز لكل يهود العالم أن يحلمو بوطنهم القومي في فلسطين ولا يجوز للفلسطينيين أن يعودوا إلى وطنهم الذي هجروا منه قسراً» (81) ويضيف: يركز الإسرائيليون على محو كل الآثار المرتبطة بالتاريخ العربي للشعب الفلسطيني ومحاولة إيجاد البديل اليهودي قسراً (82)، ويردف قائلاً: «الحرب النفسية – المذابح الجماعية – وتهديم نحو 500 قرية فلسطينية أهم الأساليب التي استخدمتها الحركة الصهيونية في تهجير الفلسطينيين (83)، ويكثف د. رشيد خلاصة كتاب نتنياهو قائلاً: «يمارس نتنياهو في كتابه عملية تزييف التاريخ، بل ذبحه وقلب حقائقه ببساطة وتضليل كبيرين» (84).

و«فلسطين الكنعانية العربية يجري اغتيال تاريخها الممتد بعيداً في أعماق الزمن ويلغيها نتنياهو يعتبرها أرض إسرائيل الموعودة» (85).

ومفيد كذلك الإشارة والتأكيد على أن نتنياهو لا يؤمن بوسيلة سوى القوة والعنف والإرهاب الدموي بأبشع أشكاله، من أجل تحقيق افكاره ومعتقداته وأهدافه في أرض إسرائيل الكاملة، أو في «الدولة اليهودية» أو في إسرائيل قوية مهيمنة على المنطقة» (86).

*أدوات ووسائل الإرهاب الصهيوني

إن كانت كل المقدمات والمنطلقات السياسية الفكرية/العقائدية/التلمودية/ المنهجية/الصهيونية/الإسرائيلية تؤكد حقيقة التوجهات الإرهابية العنيفة الدموية ذات الطابع العنصري الحاقد فقد كان لا بد للحركة الصهيونية أن توظف كل طاقاتها وامكاناتها المالية الإعلامية/التنظيمية على الصعيد الدولي أولاً، وأن تستخدم كل امكاناتها وقدراتها المالية والتنظيمية اليهودية على أرض فلسطين ذاتها، فكانت التنظيمات الإرهابية الصهيونية قبل قيام دولة إسرائيل، ثم الأجهزة والسياسات الرسمية والمنظمات السرية ما بعد قيامها، ونظراً لغزارة المعلومات الموثقة حول المنظمات الإرهابية الصهونية، فإننا سنكتفي هنا بالإشارة إليها بالعناوين الرئيسية فقط.

*ما قبل قيام دولة “إسرائيل”:

ونعود إلى مرحلة ما قبل قيام دولة الاحتلال الإسرائيلي لنجد أن جملة من التنظيمات الصهيونية عملت تحت الأرض وفوق الأرض واستخدمت كافة الوسائل المتاحة في اقتراف أبشع اشكال الإرهاب من أجل تحقيق اهدافها وهي:

الهاغاناة (87): وهي الاسم المختصر للمنظمة العسكرية اليهودية السرية، وقد تأسست في طبريا بتاريخ 12/6/1920 وانضم عدد كبير من الصهاينة إلى صفوفها ومن أبرز قادتها التاريخيين دافيد بن غوريون، ليفي أشكول، موشيه ديان، إسحق رابين وشمعون بيريز وغيرهم.

ونفذت هذه المنظمة سلسلة من الأعمال الإرهابية خلال أحداث 1920 و1929 او 1948 وحظيت المنظمة بدعم قوي من قوات الانتداب البريطاني.

«اتسل» (88) تأسست منظمة «اتسل» وهي اختصار لـ «أرغون تصفا ليسرائيل» أي منظمة الجيش الإسرائىلي عام 1937 بعد أن انفصلت عن منظمة الهاغاناة، ومن أبرز قادتها التاريخيين زئيف جابوتنسكي، مناحيم بيغن ودافيد وازيال، ونفذت المنظمة مجموعة أعمال إرهابية مروعة كان لها تأثير بالغ على مجريات الحرب في فلسطين أخطرها مذبحة دير ياسين وكذلك تفجير فندق الملك داود في القدس بتاريخ 22/7/1946، وفي عام 1948 حلت المنظمة وانضم أفرادها إلى الجيش الإسرائيلي.

«ليحي» (89) أسس هذه المنظمة الإرهابية إبراهام شتيرون وذلك بانشقاقه عن منظمة «اتسل» عام 1940، وتزعم الحركة بعد شتيرن إسحق شامير، ومن أبرز أعمال هذه المنظمة اغتيال اللورد موين يوم 6/11/1944، تفجير مقر السرايا العربية في يافا، واغتيال الكونت برنادوت في 17/9/1948، وعام 1948حلت المنظمة وانضم أفرادها إلى تنظيمات وأحزاب أخرى.

*ما بعد قيام دولة “إسرائيل” :

وبعد قيام دولة الاحتلال الإسرائيلي واصلت الحكومات الإسرائيلية ذات الأفكار والبرامج والنهج والممارسات الإرهابية، ولكن بشكل أوسع وأرسخ وأخطر وأكثر قدرة على التطبيق، حيث امتلكت هذه الدولة امكانات هائلة مالية، عسكرية وإعلامية فشنت الحروب الإرهابية التدميرية ومارست أبشع اشكال الممارسات العنصرية الغاشمة ضد أهل فلسطين فاقترفت وما تزال سلسة بلا نهاية من الجرائم الحربية، المستخدمة في ذلك أجهزة وأدوات محترفة للإرهاب: وهي بالعناوين:

– الجيش الإسرائيلي.

– جهاز الموساد السري الإرهابي.

– جهاز الشاباك – ا لمخابرات العامة – الإسرائيلية.

– التنظيمات الإرهابية اليهودية.

– دولة المستوطنين اليهود في الأراضي المحتلة (90).

ونقول : إذا كانت كافة تلك الأدبيات والمفاهيم والمرتكزات الأيديولوجية / السياسية / الصهيونية – الإسرائيلية المتعلقة بممارسات الاحتلال والتدمير والترحيل والإحلال والمذابح الجماعية تشكل جريمة كبرى تستدعي المساءلة والمحاكمة والتجريم … فماذا سنقول عن التطبيقات العملية الإجرامية لها على الأرض العربية الفلسطينية ، على مدى أكثر من قرن من الزمن…؟!

 

 

مركز الناطور للدراسات والابحاثFacebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى