#أقلام وأراء

نواف الزرو: خلاصة المشهد السياسي الصهيوني: عن الخريطةُ الإدراكيّةُ واحتمالاتُ الحربِ الأهليّةِ واحتراقُ “إسرائيل”

نواف الزرو 25-7-2023: خلاصة المشهد السياسي الصهيوني: عن الخريطةُ الإدراكيّةُ واحتمالاتُ الحربِ الأهليّةِ واحتراقُ “إسرائيل”

في اعقاب مصادقة الكنيست الاسرائيلي بالقراءتين الثانية والثالثة الاثنين 2023/7/24 على تعديل “حجة المعقولية”، يتجدد المشهد السياسي الصراعي الصهيوني وتتصاعدُ المظاهراتُ والاحتجاجاتُ الحزبيّةُ والشعبيّةُ في “إسرائيل” ضدَّ نتنياهو وحكومته الفاشيّة وضد مشروع الاصلاحات الفضائية برمته، وتشتدُّ الحملةُ التحريضيّةُ ضدّه مطالبةً بإسقاطه، فها هو إيهود باراك- رئيس الوزراء الأسبق كان حذّرُ مبكرا منذ مطلع العام في – يديعوت أحرونوت 12/1/2023 قائلًا: “إنذار حقيقي.. متى يخرج المليون إسرائيليّ إلى الشوارع لمواجهة حكومة الظلام…؟”. ويضيف: “ابدأ من النهاية، الكفاح بدأ… هذا إنذارٌ حقيقيٌّ، أمرٌ خطرٌ مؤكّدٌ وقريبٌ لانهيار الديمقراطيّة الإسرائيليّة”، واعتبر أنّ “الخلاف القائم مع حكومة بنيامين نتنياهو يصلُ إلى مرحلةِ خوضِ القتال، وهذا إنذارٌ حقيقيّ؛ لأنّ الخطرَ محدقٌ ووشيكٌ فعلًا بالدولة، وانهيار نظامها السياسيّ، وستبقى الأشياءُ السيئةُ تستمرُّ في الحدوث عندما يلتزمُ الإسرائيليّون بالصمت، ممّا يستدعي منهم فتح أعينهم، ويسألون أنفسهم: أين يقفون في هذا النضال، ويتلقّون الإجابة الحقيقيّة، حتّى لو كانت مؤلمةً، وبقلبٍ مثقل”.

بينما جاءَ في مختلِف المصادر العبريّة سلسلة من التصريحات والتهديدات التي يستوحى منها أنّ “إسرائيل” ذاهبةٌ إلى حربٍ أهليّة، ومنها: ما قاله عضو الكنيست عوفر كاسيف: “لابيد، غانتس: علينا أن نتّحد ضدّ حكومة نتنياهو الفاشية التي تشكّلُ خطرًا ملموسًا، سوف نتظاهرُ في كلّ مكانٍ مع أعلام الشعب الفلسطينيّ المحتلّ، رافعين اللافتات ضدّ حكومة الاحتلال الدكتاتوريّة الفاشيّة”، ورئيس الحكومة الإسرائيليّة السابق يائير لابيد يهاجمُ حكومة نتنياهو: “هكذا تنهارُ الديمقراطيّةُ في يومٍ واحد، يقول بن غفير: إنّهم سيستخدمون شاحنات رشّ المياه على متظاهرينا، وعضو الكنيست فوغل يقول: إنّه يجب إلقاء القبض علينا أنا وغانتس ووضعنا في السجن بتهمة الخيانة، لن ندعهم يدوسوننا”، ونتنياهو يرد على لابيد: “صحيح لا يتم اعتقال قادة المعارضة، ولكن أيضًا لا يتم نعت وزراء الحكومة بالنازيين، ولا يتم تحريض الجمهور لتنفيذ أعمال شغبٍ وعنف؟”، ولابيد يردُّ مرّةً أخرى على نتنياهو: “يا نتنياهو، في بلدٍ ديمقراطيٍّ لا يتمُّ دهسُ الجمهور، ولا الدوسُ على نظام القضاء، لقد أصبحت رئيس حكومة ضعيفًا، يرتجفُّ خوفًا من شركائه المتطرّفين، إنّهم لا يحسبون لك حسابًا، ويقودون دولة إسرائيل إلى الانهيار”. بينما يقولُ عضو الكنيست من حزب لابيد يوراي لاهف: “اليمين ينوي اعتقال قادة المعارضة، نتنياهو قام ببيع كلّ شيءٍ حتى يهرب من المحاكمة، إنّه رئيس حكومةٍ ضعيفٍ ومبتزّ، وقمعي، وتتحكّم به عصابة من مؤيّدي الإرهاب العنصريين الخطرين”، أما الوزيرة السابقة من حزب لابيد ميراف كوهين فتوجه دعوة للخروج في تظاهرات ضد حكومة الاستبداد التي تهدد باعتقال المعارضة وتتهمنا بالخيانة”. ودعت الوزيرةُ السابقة ميراف ميخائيلي الجماهير للحشد مع عائلاتكم وأطفالكم، في ساحة هابيما في تل أبيب، للتظاهر ضدّ عصابة نتنياهو التي ترهبُ الجمهور وتحرقُ المنطقة”.

أما بن غفير فيرد على لابيد: “لا يا يائير.. تنهار الديمقراطيّةُ عندما يتمرّدُ رؤساء الحكومات السابقون على الحكومة الحالية، ويريدون القيام بثورةٍ في إسرائيل، للتظاهر والصراخ والتلويح بالشعارات النازية وأعلام المنظمات الإرهابية والتحريض على القتل، لا ولا لذلك”. ووزير الجيش السابق موشيه يعالون يهاجم بن غفير: “الكهاني الذي أدين بدعم الإرهاب، والمعروف حاليًا بوزير الأمن القومي، يستمر في ترديد الأكاذيب، البلاد في زوبعة بسبب حكومةٍ إجراميّةٍ، فاشيّةٍ، فاسدةٍ تولّت زمام الأمور، سنخرج في احتجاجاتٍ لنوقف هذا الجنون”، ودعا أعضاء كنيست من اليسار إلى عصيانٍ مدني، بينما دعا أعضاء كنيست من اليمين إلى اعتقال قادة المعارضة بتهمة “الخيانة للوطن”. ودعا عضو الكنيست السابق “يائير غولان” في تغريدةٍ إلى “عصيانٍ مدنيٍّ واسع النطاق”.

وبعد هذه التصريحات قال عضو الكنيست من حزب بن غفير “تسفيكا فوغل”: “يجب اعتقال يائير لابيد، وبيني غانتس، ويائير غولان، وموشيه يعالون الآن بتهمة خيانة الوطن، إنّهم أخطر الناس ويتحدّثون عن الحرب ضدّنا، إنّهم يعاملوننا عدوًّا، وهذا مبرّرٌ لاعتقالهم”، وعزّزه نائب الوزير في مكتب رئيس الوزراء ألموع كوهين من حزب بن غفير: “إذا لم يتوقّف لابيد وغانتس عن التحريض ضدّ الحكومة، والرغبة في إراقة الدماء، فسيتمُّ اعتقالهم ويكبّلوا بالأصفاد”.

وأخيرًا طالب الرئيسُ الإسرائيليُّ هرتسوغ السياسيّين “إظهار ضبط النفس والمسؤوليّة، هذا وقتٌ حسّاسٌ ومتفجّرٌ في الجمهور الإسرائيلي. يجب علينا تهدئة الروح المعنوية وخفض النيران… ليس لدينا بلدٌ آخر”.

وقبلَ ذلك بنحو عامين اشتعلت “إسرائيل” كذلك وتصاعدت الخلافات والصراعات السياسيّة، فانبرى رئيس حزب تيلم عضو الكنيست ووزير الحرب سابقًا موشيه يعلون، يهاجمُ نتنياهو ويقولُ وَفْقَ ما ذكرت القناة 7 العبريّة: “إنّ إسرائيلَ تحكمُها عصابةٌ إجراميّةٌ اليوم، ورئيسُ هذهِ العصابة هو نتنياهو- الخميس 02 /7/ 2020”. والكاتب المعروف ألوف بن يقول في هآرتس 30/7/2020: “إن نتنياهو يعيثُ في إسرائيلَ فسادًا وتدميرًا”، ليلحق به الكاتب يوسي فيرتر- ليؤكد في هآرتس 30/7/2020: “نتنياهو ينتقل إلى «المرحلة الحاسمة» من خطته: إحراق إسرائيل”، وليستخلص المعلق عاموس جلبوع في معاريف 30/7/2020: متحدّثًا عن “تفشّي الكراهية في مملكة إسرائيل الثالثة”، ثمَّ لتصبح “إسرائيل في خطر”، كما يؤكّدُ ميراف بطيطو في يديعوت30/7/2020.

فإلى أي مدى يا ترى صوابيّة مثل هذه الأوصاف والتوقّعات السابقة والحاليّة…؟! .

فهل سيسقط نتنياهو وحكومته ويذهب إلى مزبلة التاريخ…؟!

وهل من الممكن أن تحترق “إسرائيل” وتنهار داخليًّا…؟!

وهل تذهبُ الأمورُ تجاهَ “حربٍ أهليّة” كما يحذّر ويتوقّع الكثيرون…؟!

وقد يذهبُ البعض في قراءة هذا المشهد الإسرائيليّ الساخن ويقرأ المظاهرات المتصاعدة ضدّ نتنياهو، على أنّها ربّما تكونُ بدايةً لحربٍ أهليّةٍ تقودُ لتفكّك المجتمع والمشروع الصهيونيّ، وهذا حلمٌ يداعبُ الكثيرين، فالكثيرون راهنوا سابقًا وما يزال البعض يراهنون على تفكّك وانهيار المجتمع الصهيوني من الداخل، أو تفكك الجيش الصهيوني، أو أنّه قد يؤدّي في النهاية إلى قرارٍ إسرائيليّ بالانسحاب من الأراضي المحتلّة، لغاية توجيه المليارات المتوفّرة لإنقاذ تلك الدولة من الأزمات والضائقات الاقتصاديّة المتفاقمة، غيرَ أنّ الخريطة الإدراكيّة الصهيونيّة، وخريطة الرأي العام الإسرائيليّ تشيرُ إلى غير ذلك، فالخريطةُ الإدراكيّةُ الصهيونيّة، تربطُ ربطًا جدليًّا ما بين ثلاثة هواجس وجوديّة تهيمن على المجتمع الصهيوني هي: “الهاجس الديموغرافي وهاجس نهاية وجود إسرائيل دولةً يهوديّة، وهاجس حقّ العودة وتقرير المصير لملايين اللاجئين الفلسطينيين”، ويلاحظُ أنّ كلّ البرامج السياسيّة الأمنيّة والاستيطانيّة الإسرائيليّة من وحي هذه الهواجس الوجوديّة.

لذلك، عملت القياداتُ والأحزابُ الصهيونيّةُ على تثقيف وتكوين وبلورة اصطفافاتٍ شعبيّةٍ وراء برامجها الاستعمارية، وسياساتها الحربيّة والاستيطانيّة، وتشيرُ استطلاعات الرأي العام الإسرائيليّ التي تنشرُ شهريًّا تباعًا، إلى شبه إجماعٍ على بقاء وتخليد الاحتلال للقدس والضفة الغربية، وإلى شبه إجماعٍ على عدم السماح بعودة اللاجئين، وعدم السماح بإقامة دولةٍ فلسطينيّةٍ مستقلّة… وغير ذلك… ولنا هنا في الاحتجاجات التي جرت عام 2011 عبرة… ففي الإجماع الصهيوني حول الاحتلال والاستيطان، تأتي شهادةُ عضو الكنيست المتنافسة على رئاسة حزب “العمل” آنذاك شيلي يحيموفيتش في مقابلةٍ مع صحيفة هآرتس 18/08/2011، حيث قالت: إنّها بالتأكيد لا ترى في مشروع الاستيطان خطيئةً أو جريمة، وإنّما عمليّةٌ هي محطُّ إجماع، وأن حزب العمل هو الذي “نهض بمشروع الاستيطان في الأراضي الفلسطينية، وهذه حقيقةٌ تاريخيّة”، مضيفة “إنّها ترحّب بمشاركة المستوطنين في عمليات الاحتجاج”، معتبرةً مشاركتهم “إحدى نقاط القوة الأهم في عملية الاحتجاج من باب أنه لا ترفع هناك الشعارات السياسية التقليديّة، وإنما يوجد لغة جديدة، لغة توحد وتكتل الجميع”.

وردًّا على سؤالٍ بشأن استثمار المليارات في داخل الخط الأخضر بدل الاستيطان، قالت: إنّها تعرفُ هذه المعادلة التي تقول إنّه: “بدون الاستيطان ستكون إسرائيل دولة رفاه… وتقليص نصف ميزانيّة الأمن يوفّر ميزانيّاتٍ للتعليم… ولكن هذه الرؤية ليست لها أيُّ صلةٍ بالواقع”، ورفضت بشدّةٍ توجيه ميزانيّاتٍ أقلّ للاستيطان والأمن لصالح الرفاه، وقالت: إنّ ذلك غيرُ صحيح، حيث إنّ المدرسة التي تقام في المستوطنة لتستوعبَ عددًا معيّنًا من الأولاد ستقامُ داخلَ الخطّ الأخضر بنفس التكلفة وتستوعبُ العدد نفسه.

وتحت عنوان الاحتلال… الكلمةُ المحظورةُ في حديث الخيام، كان ألون عيدان كتب في هآرتس 14/8/2011، كاشفًا حقيقة الاحتجاجات التي ترفضُ ذكر الاحتلال فيقول: “لماذا يمنع الاحتجاج استعمال كلمة احتلال؟

لأنّه إذا قيلت هذه الكلمة، فسيقلُّ عددُ الناس المحتجين على نحوٍ حادّ، ولأنّه سينشأ عدمُ إجماعٍ عميقٍ وانشقاقٌ مدمّرٌ على أثره، سيجعل الانشقاق الاحتجاج سياسيًّا بالمعنى الحزبي وتتلاشى قوّته الشعبيّة”، مضيفًا “لهذا يجب أن نسأل ما هو عمل الاحتلال الآخر زيادة على كونه ضرورةً أمنيّةً أو تحقيقًا عقائديًّا، يبدو أنّه يمكن بحسب لا استنتاج نعم: فإذا كان لا يجوز أن نقول احتلال كي لا نقسم الجمهور ونضرّ بالاحتجاج بذلك، فينتج أن عمل الاحتلال أن يُقسم الجمهور وأن يضر بذلك بإمكانية الاحتجاج”.

وفي هذا الإجماع الصهيوني على الاحتلال والاستيطان، استخلص عالم الاجتماع الإسرائيليّ البروفيسور يهودا شنهاف من قراءته لمسار الاحتجاجات الإسرائيليّة “إنّها حراكٌ داخل الإجماع الصهيوني: عن عرب48 05/08/2011، وإنّها “احتجاجاتٌ وطنيّةٌ إسرائيليّةٌ وصهيونيّة، ومع كلِّ يومٍ يمرّ هناك أعلامٌ إسرائيليّةٌ أكثر وأكثر على الخيام، فالاحتجاجات المعادية للصهيونية لا تنجح في إسرائيل”.

ويبدو أن هذه هي الحقيقة الكبرى في المشهد الاحتجاجي الإسرائيلي اليوم أيضًا، فالاحتجاجاتُ الجذريّةُ لا تنجح، فلو أُجريَ استطلاعٌ للرأي العام الإسرائيليّ حولَ الانسحاب من القدس والضفّة الغربيّة، أو حول إقامة الدولة الفلسطينيّة المستقلّة، أو حولَ حقّ اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى وطنهم وممتلكاتهم المهوّدة، فماذا ستكون النتائج يا ترى…؟!

بالتأكيد سيكونُ هناك الاصطفافُ والتجييش الصهيونيّ الكبير من أقصى اليسار الصهيوني إلى أقصى اليمين الصهيوني، وراء لاءات نتنياهو الاستعماريّة -الاستيطانية-الارهابية-الاجرامية-والعنصريّة – الأبرتهايديّة.!

 

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى