#ترجمات أجنبيةشؤون مكافحة الاٍرهاب

موقع ستراتفور – السجن : ساحة تدريب للإرهابيين

موقع ستراتفور  –  سكوت ستيوارت –   5/6/2018

إلى جانب المقاتلين الأجانب العائدين والناشطين الذين تم تجنيدهم حديثاً، سوف يشكل الجهاديون المفرج عنهم من السجون مصدراً آخر للتهديدات المحتملة التي سيصعب على أجهزة الأمن تحديدها وتقييمها ومراقبتها. كما أنهم يشكلون أيضاً سبباً آخر يجعل التهديد الجهادي في الغرب يتواصل على مستوى منخفض نسبياً -وإنما قاتل.

إضاءات

* يمكن أن تعمل السجون كجامعات لتعليم الجريمة للجهاديين العاديين الذين يفتقرون إلى معرفة التقنيات والأساليب؛ حيث يكتسب المجرمون الذين تحولوا إلى التطرف مهارات مفيدة لتنفيذ الهجمات.

* سوف يضيف المتطرفون المفرَج عنهم إلى عبء القضايا التي تتعامل معها القوات الحكومية المثقلة بالأعباء سلفاً والتي تعمل في مكافحة التهديد الجهادي.

*   *   *

عندما سار بنيامين هيرمان، البلجيكي البالغ من العمر 36 عاماً، خارجاً من السجن في لييج بتصريح لمدة يومين في 28 أيار (مايو)، فإنه كان رجلاً في مهمة. وفي ذلك المساء، قتل تاجرَ مخدرات كان قد التقى به خلف القضبان بضربه بمطرقة. وفي الصباح التالي، هاجم شرطيتين من الخلف وطعنهما مرات عدة بواسطة مشرط وهو يصرخ: “الله أكبر!”، ثم اختطف مسدس الخدمة من إحداهما وأطلق النار عليهما وقتلهما. ثم واصل طريقه في الشارع وقتل رجلاً في سيارة متوقفة قبل أن يحتجز امرأة كرهينة في مدرسة. وكانت المرأة مسلمة وناشدته أن لا يؤذي أطفالها. ثم انتهت مهمته القاتلة، وحياته أيضاً، بعد وقت قصير عندما حاول الهرب من المدرسة. وقد تبادل إطلاق النار مع الشرطة، وجرح خمسة منهم، ثم قُتل بالرصاص.

تشكل نوبة الهيجان القاتل لهيرمان تذكيراً بالتهديد الذي يشكله السجناء المتطرفون الذين يتم إطلاق سراحهم وإعادتهم إلى المجتمع. وفي حين أنه كان بلجيكياً أوروبياً من حيث الميلاد، فقد تحول المجرم العادي إلى اعتناق الإسلام في السجن، ويقال إنه دخل في فلك الجهاديين هناك. وكانت السجون منذ وقت طويل أراضي خصبة للتجنيد، وكان هيرمان مجرد آخر مجرم يجد -أو يعيد اكتشاف- الإسلام هناك قبل أن ينجذب إلى دوامة المتطرفين. وسوف يدوم هذا التهديد لأن مئات الجهاديين سيتم إطلاق سراحهم من السجون في الغرب خلال السنوات القليلة المقبلة.

الطريق من الجريمة إلى الجهاد

لقصة تحول الناس من مجرمين ثانويين إلى إرهابيين جهاديين تاريخ طويل وعليها العديد من الأمثلة البارزة. البعض منهم -مثل منفذ محاولة تفجير الحذاء الفاشلة، ريتشارد ريد، ومهاجم القنبلة القذرة، خوسيه باديلا- كانوا متحولين إلى اعتناق الإسلام والجهادية. وآخرون، مثل أبو مصعب الزرقاوي -مؤسسة المجموعة الإرهابية التي أصبحت فيما بعد “الدولة الإسلامية”- كانوا مسلمين غير ملتزمين، والذين عادوا إلى دينهم في السجن. وفي كثير من الحالات، يتم تجنيد هؤلاء السجناء على أيدي جهاديين موجودين في السجن بسبب إدانتهم للمشاركة في مخططات إرهابية أو بسبب التبشير بنسخهم المتطرفة من الإسلام. وعلى سبيل المثال، أمضى أبو مصعب الزرقاوي أربع سنوات في السجن في الأردن مع المنظر الجهادي البارز أبو محمد المقدسي.

في فرنسا، كان مهاجم صحيفة شارلي إبدو، شريف كواشي وصديقه أميدي كوليبالي، الذي قتل رجل شرطة وهاجم محلاً للكوشير، مجرمَين صغيرين خضعا لتأثير جمال بغال في السجن. ومن المقرر إطلاق سراح بغال من السجن في 5 آب (أغسطس) بعد أن كان قد أدين على دوره في مؤامرة تم إحباطها لتفجير السفارة الأميركية في باريس في العام 2001، وحُكم عليه بالسجن لعشر سنوات. كما تم تجريده أيضاً من جنسيته الفرنسية، وربما تقوم الحكومة بترحيله إلى الجزائر عند إطلاق سراحه.

وفي العراق، أمضى زعيم تنظيم “داعش”، أبو بكر البغدادي، وقتاً مسجوناً في معسكر بوكا. وروت العديد من الكتب الممتازة عن تنظيم “الدولة الإسلامية”، بما فيها كتاب “داعش: دولة الإرهاب” للكاتبين جيسيكا ستيرن وجيه. أم. بيرغر، كيف كان ذلك الوقت أساسياً جداً في تعميق تطرفه. كما تلاحظ هذه الكتب أيضاً، وخاصة كتاب تشارلز ليستر “الجهاد السوري”، الدور الحاسم الذي لعبه الرئيس السوري بشار الأسد عندما قرر إطلاق سراح المئات من الجهاديين من السجن في العام 2011، مما ساعد على إحداث طفرة النمو الهائل الذي شهدته المجموعة الإرهابية.
لكن التطرف في السجون ليس مشكلة أوروبية أو شرق أوسطية فحسب. ففي إندونيسيا، كان المتطرفون جزءاً من أعمال الشغب التي شهدتها السجون هناك مؤخراً، وهو ما يُظهر امتداد المشكلة إلى منطقة آسيا والمحيط الهادئ، بما في ذلك أسترالياً. كما شهدت الولايات المتحدة العديد من القضايا أيضاً. وعلى سبيل المثال، تم في تموز (يوليو) 2005 إلقاء القبض على اثنين من المُدانين السابقين، ليفار هاني واشنطن وجورجي فيرون باترسون، وهما يسطوان على بنوك في كاليفورنيا من أجل محاولة تمويل مؤامرة جهادية لمهاجمة أهداف عدة. ويبدو أنه ليس هناك بلد فيه سجون ومجرمون ويمكن أن يكون
محصناً من هذه الإمكانية للتطرف.

تحصيل التعليم الإرهابي في السجن

ليست المهارات التي يطورها المجرم في السجن في تخطيط وتنفيذ الاعتداءات -الاحتراف الإجرامي- مختلفة كثيراً عن تلك التي يحتاجها الإرهابي. وعادة ما تكون هذه الخبرة أكثر فائدة بكثير للهجمات الإرهابية في بيئة معادية من مهارات حرب العصابات الأساسية التي يتعلمها معظم الجهاديين في معسكرات التدريب. وكنت قد أشرت في السابق إلى أن التشابهات الكبيرة بين دورات الهجمات الإرهابية والإجرامية.

روج الجهاديون لنموذج العمل بلا قيادة في دعواتهم إلى المقاومة، لكن لهذا الأسلوب عيب واحد ملحوظ: أنه يغش المتطرفين العاديين بعدم إعطائهم ما يكفي من المعرفة عندما يتعلق الأمر باحتراف مهنة الإرهاب. وعادة ما يؤدي هذا النقص إلى جعل المهاجمين يُعانون من أجل تنفيذ ضربات ناجحة. أو أنه يمكن أن يدفعهم إلى طلب المساعدة للتعامل مع القنابل أو الأسلحة الأخرى، وينتهي بهم المطاف إلى الوقوع في شباك عمليات الخداع والاصطياد التي تنفذها القوات الحكومية.

ولكن، حتى الجهاديون العاديون غير المهرة يمكنهم أن يحصلوا على تعليم مذهل بينما يقبعون خلف القضبان.

عادة ما يتبادل نزلاء السجون النصائح والتقنيات، وليس من غير المفيد بالنسبة إليهم أن يحصلوا على التعليمات من نزلاء آخرين في الفنون المادية أو في استخدام السكاكين أو الأسلحة البسيطة الأخرى. كما أنهم يتعلمون أيضاً كيفية نزع سلاح رجال إنفاذ القانون -وهو السبب في أنه يتم تدريب رجال الشرطة على كيفيات الاحتفاظ بأسلحتهم في الاشتباك. وفي الحقيقة، ربما يكون هذا النوع من التعليم في السجن هو الذي ساعد هيرمان في تحضير نفسه لشن هجومه على الشرطيتين في لييج.

يمكن أن تستمر الدروس التي يتم تعلمها والصلات التي تتأسس في السجن بعد خروج السجين من هناك. ويمكن لهذه الاتصالات السرية أن تساعد في الهجمات. ففي فرنسا، استخدم كوليبالي معارفه من المجرمين للحصول على الأسلحة التي استخدمها الأخوان كواشي في هجوم شارلي إبدو، والتي استخدمها هو في هجومه الخاص. كما حصل مطلق النار في تولوز، محمد مراح، وهو مجرم صغير آخر، على أسلحته بطريقة مشابهة. بل إنه اشتراها بنقود حصل عليها من خلال ارتكاب جرائم مختلفة. وبالنسبة للبغدادي، فقد مكنه السجن في العراق من إقامة اتصالات وخلق صلات مع متطرفين آخرين، والذين لعبوا فيما بعد أدواراً حاسمة في خطته الناجحة لإعادة إحياء تنظيم “الدولة الإسلامية” المدمَّر.

التهديد المقيم

كانت السجون تدعى جامعات الإجرام، والمهارات التي يكتسبها النزلاء المتطرفون أو الجهاديون العاديون أثناء احتجازهم تجعلهم يشكلون تهديداً خطيراً عند إطلاق سراحهم. وفي 28 أيار (مايو) قال مدعي عام قضايا الإرهاب في فرنسا، فرنسوا مولينز، لإحدى محطات التلفزة أن هناك نحو 40 إرهابياً مداناً من المقرر إطلاق سراحهم من سجون البلد في العامين 2018 و2019 -وهو رقم يخص بلداً واحداً فقط. وقد تم الحكم على معظم الإرهابيين الذين نفذوا هجمات ناجحة بأحكام لفترات طويلة من السجن. ومع ذلك، تم اعتقال كثيرين آخرين بتهم ذات عقوبات أقل، والتي استدعت أحكاماً أقصر، بما فيها تزوير الوثائق، وحيازة الأسلحة وتقديم الدعم المادي للإرهاب. وبالتالي، سوف تأتي قدرة الحكومات على احتجاز هؤلاء الأفراد والسيطرة عليهم إلى نهاية. وسوف تكون النتيجة هي القفز إلى مواجهة عدد من التهديدات المحتملة التي ينبغي مراقبتها، بينما تواجه الحكومات حول العالم مسبقاً صعوبات في أن تراقب لأربع وعشرين ساعة وسبعة أيام في الأسبوع كل التهديدات التي هي على دراية بها. وسوف يضيف هذا ببساطة إلى مشاكلها بينما تناضل لتحديد وتقييم ومراقبة الفاعلين العادييين على مستوى الجذور والمقاتلين الأجانب العائدين.

بطبيعة الحال، لا يُقتصر التهديد على الجهاديين. فثمة آخرون ينجذبون إلى منظومات المعتقدات المتطرفة، مثل التفوقية البيضاء والانفصالية السوداء، أو حتى الانضمام إلى العصابات الإجرامية العنيفة بينما يكونون في السجون. ويخرج الكثير من النزلاء من السجون وقد أصبحوا أكثر خطورة بكثير مما كانوا عندما دخلوه. ومع إحراز برامج إعادة التأهيل ونزع التطرف القليل من النجاح، فإن الجهاديين المفرج عنهم سوف يشكلون تهديداً خطيراً في المستقبل المنظور.

*نشر هذا الموضوع تحت عنوان :

Prison: A Training Ground for Terrorists

ترجمة  علاء الدين أبو زينة – 9/6/2018

1

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى