أقلام وأراء

منير أديب: تقييم طالبان أبعاد التجربة وسر الإخفاقات

منير أديب 21-08-2022

تقييم طالبان أبعاد التجربة وسر الإخفاقاتعام كامل مرّ على وجود حركة “طالبان” في الحكم بعد أن سيطرت عليه للمرة الثانية في 15 آب (أغسطس) من العام 2021. أفغانستان لم يتغير حالها كثيراً عما كانت عليه عندما سيطرت “الحركة” للمرة الأولى على البلاد في العام 1996 واستمر حتى العام 2001، والذي زامن الغزو الأميركي للبلاد.

تنبأ كثير من المحللين والمراقبين والمتخصصين في شؤون الحركات الإسلامية بسقوط “طالبان” للمرة الثانية؛ في الحقيقة هناك نسختان من الحركة، إحداهما تفاوضت في الدوحة والأخرى تحكم أفغانستان الآن، وهذه قد تكون خلاصة تجربة “طالبان” في الحكم، أو ما كانت تراهن عليه في تجربتها الثانية في الحكم.
عام أسود وأعلام بيضاء للحركة على مدار عام منذ تسلمها السلطة في البلاد، واقع الأفغان لم يتغير ولم تلتزم الحركة بتعهداتها أمام الشعب الأفغاني أو حتى وفق اتفاق الدوحة عام 2020، فتشكلت الحكومة الأفغانية من أعضاء الحركة والمتحالفين معها، واختفى منها أي تنوع سياسي أو اجتماعي إلا ما ندر.
لم تحصل المرأة الأفغانية على حقها، بل لم تحصل على الحد الأدنى من حقوقها، إنما كنّا نشاهد مواجهة الحركة على مدار العام المنصرم لأي حراك نسوي بشكل مسلح أو من خلال تفريق بعض التظاهرات السلمية أو إلقاء القبض على بعض النساء اللواتي يطالبن بحقوقهن، وكثيرات من النساء عدنَ إلى منازلهن مرة ثانية إجباراً بعد أرغامهن على ترك العمل، ولم يختلف الأمر كثيراً عما فعلته الحركة في نهاية التسعينات من القرن الماضي عندما كانت على رأس السلطة.
ما زال البرقع الزي الرسمي للمرأة الأفغانية. تم طمس صورة النساء من الإعلانات في شوارع كابول، وباتت تستجدي المرأة الأفغانية حقها في التعليم، فضلاً عن العمل، وتم مساومة بعض النساء حتى يتركن أعمالهنّ كي يتمكن الرجال من العمل في وظائفهن نفسها.
المجتمع الدولي لم يقف مكتوف الأيدي أمام عدم التزام “طالبان” بتعهداتها والعودة إلى ما كانت عليه قبل عشرين عاماً، وهو ما دفعه إلى عدم الاعتراف بالحركة أو دعم أفغانستان اقتصادياً، حتى باتت الحركة عبئاً على الأفغان والدولة.
أخفقت الحركة في إدارة الدولة، على الأقل على مدار العام وحتى الآن، كما أخفقت سابقاً، وكما توقعنا؛ فالحركة لم تتغير حتى يتبدل حكم الإخفاق؛ إذا كان ثمة تغيير في الحركة فهو على مستوى الشعارات فقط. تخيلت الحركة أنها قادرة على استمالة المجتمع الدولي لناحيتها من دون أي التزام بتعهداتها، فأمام عدم التزامها لم يلتزم المجتمع الدولي تجاهها، وباتت الحركة محصورة في زاوية الفشل.
أعلنت حركة “طالبان” أنها لن تدعم تنظيم “القاعدة” ولن توفر له ملاذاً آمناً، ولعل الولايات المتحدة الأميركية صدقت ذلك، أو لم يكن أمامها إلا أن تصدق، رغم أن “طالبان” وفرت ملاذاً للتنظيم لأكثر من عقدين كاملين، ورفضت تسليم أسامة بن لادن، بعد هجومه على برجي التجارة العالميين، وفضلت أن يتم غزوها على أن تسلم بن لادن إلى واشنطن. وقال وزير خارجيتها في ذلك الوقت، محمد حسن أخوند إن “أسامة بن لادن ضيف أفغانستان، ولن تسلم أفغانستان ضيفها!”.
لم يقتصر الأمر على احتضان تنظيم “قاعدة الجهاد” قبل أحداث 11 أيلول (سبتمبر) عام 2001، ولكنه استمر خلال فترة الاحتلال الأميركي لأفغانستان قرابة عشرين عاماً، وما زالت “طالبان” تحتضن التنظيم بعد عودتها للسلطة، وإذا كان ثمة اختلاف فهو لصالح التنظيم الذي دعمته الحركة بشكل علني!
قامت “طالبان” بنقل زعيم تنظيم “القاعدة”، أيمن الظواهري، من جبال تورا بورا إلى قلب العاصمة كابول بعد أن وصلت إلى السلطة، حيث سكن الأخير في حي السفارات، وعلى بعد مئتي متر فقط من مقر رئاسة الوزراء الأفغانية، وهذا يدل على أن الحركة لم تتخل يوماً  عن “القاعدة”، وأنها أخلّت بكل تعهداتها السابقة بعدم احتضان التنظيم.
الحركة وقعت في موقف حرج بخصوص استهداف زعيم “القاعدة” من قبل الولايات المتحدة الأميركية، فما بين نفي وجود أيمن الظواهري في مكان الاستهداف وما بين الصمت بعد استهدافه مباشرة، تتحمل “طالبان” تبعات الموقف الدولي الراصد لاستمرارها في دعمها للإرهاب العابر للحدود والقارات.
تبعات عدم تغيير “طالبان” سياستها تتحمله الحركة وحدها من دون غيرها، فأفغانستان ما زالت تعيش على المساعدات الخارجية، كما أن نسبة الفقر وصلت إلى أعلى مستوياتها منذ وصول الحركة للسلطة، وما زالت هذه النسبة في تضخم متزايد، وهنا لم تغير الحركة واقع الحال الأفغاني إلا إلى الأسوأ، بما يعني فشل الحركة في تجربة الحكم السابقة واللاحقة، وربما يضاف هذا الفشل إلى مثيله من فشل تجارب الإسلاميين في إدارة الحكم.
وهذا يوضح أن فرقاً شاسعاً بين القيّم التي تدعي هذه الحركات والتنظيمات امتثالها، وبين نجاحها في إدارة الحكم أو حتى في الامتثال لهذه القيم؛ فلا يمكن للقيم أن تُدير دولة! لو أفترضنا أن هذه التنظيمات تلتزم بما تدعيه من قيم ولا تستخدمها فقط في شعاراتها.
الإسلاميون لديهم مشكلة في نظرية الحكم وفي تطبيق أبعادها؛ لا يوجد لديهم مشروع للحكم! وعندما كانت السلطة بين أيديهم فشلوا في إدارتها كما لو أنه لا علم لهم بالسياسة لا من قريب ولا من بعيد. ربما نجح بعض الإسلاميين في وضع خطوط عريضة لمنظومة القيم السياسية، ولكن هذه المنظومة افتقدت العلاج للمشكلات الكبرى في السياسة والاقتصاد والاجتماع، كما فشلت في الإجابة عن أسئلة مهمة تواجه الدول في الوقت الحالي.
حتى الخطوط العريضة التي وضعها بعض الإسلاميين للحكم، لم يكونوا قادرين على التعامل معها، واكتفوا بطرحها من دون أي آلية لتطبيقها، وعندما أتيحت لهم الفرصة فشلوا في تطبيقها فشلاً ذريعاً، وثبت أن هؤلاء الإسلاميين لا يجيدون سوى النعيق ببعض الشعارات، ولعل التجربة أثبتت استخدامهم لهذه الشعارات ومحاولة تطويعها لأهدافهم الخاصة ومشروعهم الأيديولوجي من دون المشروع القومي لبناء الدولة.
استيلاب السلطة من فعل الإسلاميين، كما أن استيلاب الدين من فعلهم أيضاً، وهنا يمكن القول، إن خطر تنظيمات الإسلام السياسي يتمحور حول رؤية هذه التنظيمات للدين والوطن، وهو ما يحتاج إلى إعادة تصحيح يقترب من مفهوم الدولة الوطنية في ما يتعلق بالوطن، ويقترب من الرؤية الوسطية للدين، في ما يخص رؤيتهم الدينية، وهو ما تفتقده هذه التنظيمات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى