شؤون إسرائيلية

معهد بحث الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني “عكيفوت”.. النبش في أرشيف المؤسسة الأمنية الإسرائيلية

عبد القادر بدوي *- 2/8/2021

 تُعدّ المعاهد والمراكز البحثية أحد أهم روافد عملية صنع السياسات في إسرائيل؛ فقد منحت الأخيرة عمليات البحث العلمي ومجمّعات التفكير التي تتبنّاها المراكز والمعاهد البحثية (Think Tank) أهمية خاصة، وأولت لها دوراً مركزياً في عمليات صنع السياسات والأجندات المختلفة على مدار العقود الماضية، وهذا ما يُفسّر وجود العديد من المعاهد البحثية المتخصّصة، سواءً الحكومية، أو تلك التابعة للجامعات الإسرائيلية، أو تلك المستقلّة (من حيث التبعية)، والتي تتعدّد مصادر تمويلها وأنشطتها. في المقابل؛ هناك بعض المراكز والمعاهد البحثية التي ترى أن رسالتها تتمثّل في الكشف عن تاريخ دولة إسرائيل وعملياتها السرية والعلنية من خلال الكشف عن الأرشيف العسكري والأمني والاستناد إليه في عمليات البحث والتحقيق، بما يشمله هذا الأرشيف من عمليات سريّة لم يتم الإعلان عنها، أو مداولات حكومية؛ وثائق ومستندات…الخ.

في هذا السياق يأتي “معهد بحث الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني: عكيفوت” ليُقدّم نفسه رائدا في هذا المجال؛ إذ تكمن مهمّته- كما يُروّج لنفسه- في تمكين الجمهور من الاطّلاع على الأرشيف الإسرائيلي عمومًا، والأرشيف العسكري وأرشيف المؤسسة الأمنية الإسرائيلية على وجه الخصوص، استنادًا إلى فرضيته القائلة بأن النتيجة التراكمية لاستمرار حجب وثائق الأرشيف عن الجمهور الإسرائيلي، لا سيّما أرشيفات الجيش والمؤسسة الأمنية، من شأنها تشويه الخطاب السياسي الإسرائيلي العام، والمساس بالرواية المتعلّقة بالصراع عموماً؛ إذ أن البديل يكمن في التماهي مع، والتبنّي المُطلق لـِ الخطاب الرسمي الإسرائيلي، وهذا لا يُمكن الاستناد إليه في عملية البحث الدقيق والموثوق المبني وفق الأسس البحثية العلمية.

سنحاول من خلال هذه المقالة التعريف بـ “المعهد الإسرائيلي لبحث الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني” وتسليط الضوء على أهم أهدافه وبرامجه ومشاريعه التي يسعى من خلالها للوصول إلى الأرشيفات العسكرية- الأمنية الإسرائيلية.

يعدّ معهد “عكيفوت” لبحث الصراع الإسرائيلي الفلسطيني- كما يُعرّف نفسه من خلال موقعه الإلكتروني- مركزاً للتوثيق والبحث والنهوض بحقوق الإنسان في إطار الصراع، من خلال الكشف عن، وفهرسة، الأرشيف الإسرائيلي والمحفوظات المختلفة حول قضايا متعدّدة ومتنوعة في إطار الصراع مع الفلسطينيين. ويسعى المعهد إلى متابعة حقوق ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان من خلال الحصول على المعلومات التي تُثبت تعرّضهم للأذى من خلال الوصول إلى الأرشيفات المختلفة، من خلال إطلاع الجمهور على هذه الأرشيفات والمحفوظات التي لم يتم الكشف عنها، خصوصاً أرشيفات الجيش والمؤسسة العسكرية- الأمنية الإسرائيلية، بالإضافة إلى الأرشيفات غير الحكومية من أجل توظيفها في أبحاث ودراسات المعهد.

تأسس المعهد في العام 2014، بهدف فحص المواد الأرشيفية المؤثّرة في الرواية الإسرائيلية بشكلٍ عام، وفي مُجريات الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني على وجه التحديد، ويترأسه ليئور يفنه، كما يُشرف على إدارته مجموعة من الأكاديميين والمهنيين/ات المتخصّصين/ات في مجال حقوق الإنسان: موكي دجان؛ شيرا فولكوف، ميخال سفراد؛ روني بلي؛ عيدان رينغ وزين شتاهل. جدير بالذكر أن غالبيتهم يشغلون مناصب رسمية في مؤسسات حقوقية إسرائيلية متنوعة تعمل في نفس المجال. ويُنفّذ المعهد مجموعة من البرامج والمشاريع البحثية التي تستقي معلوماتها من المواد الأرشيفية بشكل كامل (أرشيف الجيش والمؤسسة العسكرية بشكل رئيس) استناداً إلى المبادئ الدولية التي تمنح الحقّ بالوصول إلى المواد الأرشيفية على حدّ تعبير رئيسه.[1]

يعترف المعهد، وعبر لسان الناطقين باسمه، بأن الأجهزة الحكومية المختلفة، وفي مقدّمها وزارة الدفاع عبر تضع العديد من العراقيل، التي يصفها على أنها غير قانونية أمام إمكانية وصول المعهد، وغيره من المعاهد التي تتبنّى نفس النهج الاستقصائي وحتى الأشخاص، للأرشيف العسكري والعمليات السريّة التي قام بها الجيش والأجهزة الأمنية على مدار العقود الماضية والتي كان الفلسطينيون موضوعاً لها، وقد عقد المعهد لأجل ذلك ندوة في العام 2019، أطلق فيها تقريراً موسّعاً عمّا أسماه “عملية الإسكات” التي يُمارسها “القسم المسؤول عن الأمن في وزارة الدفاع”، وبموجبه؛ فإنه وعلى مدار 17 عاماً- من تاريخ إصدار التقرير- عمدَ القسم المذكور إلى إخفاء وحجب وثائق محدّدة وملفات كاملة في الأرشيفات المختلفة من دون وجود مُبرّر قانوني، ويذكر التقرير خلاصة الجهد المبذول على مدار عامين من البحث، أجراه باحثوا المعهد، للكشف عن الوسائل والآليات غير القانونية هذه، التي اتّبعها القسم المذكور ضمن تعليمات صادرة عن أعلى المستويات.[2] ويقول المركز أيضاً إن الاهتمامات المركزية الثلاثة للفرق العاملة على إخفاء وحجب الوثائق الأرشيفية تتركّز في ثلاثة مجالات؛ الوثائق المتعلّقة بالملف النووي؛ الوثائق المتعلّقة بتهجير القرى العربية في العام 1948 والأحداث التي وقعت إبّان “حرب الاستقلال” والوثائق المتعلّقة بعلاقات إسرائيل مع الدول الأجنبية. ويستند المعهد في ادّعائه هذا على ما صرّح به أمين الأرشيف الإسرائيلي السابق قبل عدّة سنوات؛ يعقوب لوزوفيك، بأن القانون لا يمنح “القسم المسؤول عن الأمن في وزارة الدفاع” أي صلاحية للعمل في الأرشيف، وعلى الرغم من ذلك، فإن هذا القسم يستمرّ في العمل وإخفاء الملفات والوثائق الأرشيفية على الرغم من غياب أي مسوّغ قانوني أو قضائي يسمح بذلك، وفي الحالات القليلة التي تمكّن فيها باحثو المعهد من الوصول للوثائق التي تم حجبها عن الباحثين والمحقّقين وفحصها تبيّن أنها لن تُشكّل أيّ مساس بالأمن الإسرائيلي وهذا ما تم تأكيده أيضاً من قِبَل جهاز “الرقابة العسكرية”، بحسب المعهد.[3]

وفي سياق سعيه للوصول إلى المواد الأرشيفية المختلفة؛ يرى المعهد أن هناك رقابة صارمة تفرضها وزارة الدفاع على الجمهور للحيلولة دون وصولهم إلى أرشيف الجيش والأجهزة الأمنية الذي يُعدّ أكبر الأرشيفات في الدولة وما تم الكشف عنه من هذا الأرشيف حوالي 1% فقط من محتوياته، أما فيما يتعلّق بأرشيف “جهاز الأمن العام- الشاباك” والذي يتضمّن العديد من الوثائق الهامة والقيّمة؛ فهو مُغلق تماماً أمام الجمهور والباحثين، بحيث لا يُمكن الوصول إلى أي من الوثائق الارشيفية أو البحث فيها على الإطلاق، والتي تُعتبر أحد أهم أسس البحث المستقل والموثوق، وهذا ما يتسبّب بتشويه الخطاب العام حول الأحداث التاريخية ذات الأهمية في تاريخ الصراع.[4]

أصدر المعهد منذ تأسيسه مجموعة من الكتب والأبحاث والمقالات والتقارير التي كشف من خلالها عن مواد ووثائق الأرشيف العسكري الإسرائيلي أهمها؛ “الحكومة العسكرية 1948-1966: مجموعة وثائق حول نهب ممتلكات العرب خلال حرب الاستقلال”؛ “ما هو مخفي في العليّة: نتنياهو ليس وحيداً؛ وثائق رسمية تختفي دائماً مع انتهاء فترة عمل كبار المسؤولين”؛[5] “الأدوات المناسبة: وزارة الخارجية والعفو الإسرائيلية 1969-1977″؛ “ما الذي يكمن وراء مفهوم المدن المختلطة؟”، بالإضافة إلى العديد من الوثائق والأوامر العسكرية السريّة، وأخيراً نشر المعهد بودكاست مكوّناً من سلسلة حلقات- لم تكتمل حتى تاريخ كتابة هذه الورقة- بعنوان “الوسائل والنوايا” يكشف من خلالها النقاب عن العديد من القصص التي تم إخفاؤها على مدار عقود من الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني، والمتعلّقة بالفترة اللاحقة لاحتلال عام 1967 (احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة وشبه جزيرة سيناء والجولان).   [6]

هوامش

  1. للمزيد، أنظر/ي: https://www.akevot.org.il/article/international-principles/.
  2. للمزيد حول هذا الموضوع، أنظر/ي التقرير كاملاً (باللغة العبرية) على الرابط: https://bit.ly/37cC3Pe.جدير بالذكر أن الصحافية هاجر شيزاف قد أرفقت التقرير ضمن مقال استقصائي شامل كانت قد أعدّته ونُشر في مُلحق صحيفة “هآرتس” في نفس الفترة التي صدر فيها التقرير. 
  3. للمزيد حول هذا الموضوع، أنظر/ي: https://www.akevot.org.il/access-to-archives/#section/2.
  4. للمزيد، أنظر/ي: https://www.akevot.org.il/access-to-archives/#section/1.
  5. نُشر هذا المقال أيضاً في صحيفة هآرتس بتاريخ 25 يونيو 2021. 
  6. يتناول البودكاست في الجزء الأول القصة الخفية لمبادرة إسرائيلية لتهجير مئات الأسرى الفلسطينيين إلى الأردن. أما الجزء الثاني فيتحدّث عن وثائق متعلّقة بسجني ناحالوأبو زمينة تحت عنوان “المنفيون في سيناء” وكان عوفر أديرت قد نشر حول هذا الموضوع مؤخّراً في صحيفة هآرتس بعد صدور هذه الوثائق، للمزيد أنظر/ي: عوفر أديرت، “في قلب الصحراء: بعيداً عن عيون الجماهير، إسرائيل أقامت سراً معسكرات اعتقال للأبرياء”، هآرتس، 21.07.2021، https://bit.ly/2VpcTdv.(آخر مشاهدة 01.08.2021). 

مركز الناطور للدراسات والابحاث مركز مدار للدراسات 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى