ترجمات عبرية

معاريف: رأب الشرخ الإسرائيلي لم يعد ممكناً

معاريف 2023-07-29، بقلم: ألون بن دافيد: رأب الشرخ الإسرائيلي لم يعد ممكناً

بعد 75 سنة وشهرين بالضبط من توقيع الحكومة المؤقتة أمر تشكيل الجيش الإسرائيلي أُجيز، هذا الأسبوع، التشريع الذي سيسجل بداية لتفكيك الجيش. في الأسابيع القريبة القادمة سنواصل قياس الضرر اللاحق بأهلية الجيش، كل يوم بيومه. الشرخ الكبير الذي فتح في الجيش الإسرائيلي لم يعد ممكنا رأبه، فالجيش الإسرائيلي لن يعود ليكون الجيش الذي كان عليه.

تآكلت فكرة “جيش الشعب” منذ زمن بعيد، وأصبحت أُسطورة. فمعدل الحريديين المعفيين من الخدمة يتزايد كل سنة ويقترب منذ الآن من 20 في المئة من عموم أبناء الـ 18 اليهود. لكن الأسطورة كانت قوية بما يكفي لتشجيع 70 في المئة من الفتيان الإسرائيليين على التجند، وهذا معطى ليس تافها. بخلاف الديماغوجيا السائدة، فإن معدلات التجنيد الأعلى سجلت في المدن العلمانية في مركز البلاد، ومنها أيضا يأتي معظم المقاتلين في الوحدات القتالية. معدلات التجنيد العالية للشبيبة والتي أُبقي عليها رغم عدم المساواة البارزة وعلى الرغم من الثواب البائس للخادمين هي الأساس لتميز الجيش الإسرائيلي وقدرته على الحفاظ على تفوق نوعي هائل على المحيط.

روى لي ذات مرة قائد وحدة 8200 عن لقاء كان له مع رئيس وكالة جمع المعلومات الإلكترونية البريطانية، التي تعتبر الأفضل في العالم. “أحسدك على قدراتكم”، قال له القائد الإسرائيلي. “أأنت تمزح؟”، أجاب البريطاني، “أنا أحسدك! أعطني سنة واحدة ما لديك – القدرة على أن تنقي من بين عموم أبناء الـ 18 وتجند الأفضل. يوجد لك تفوق هائل لا يوجد لأي جهاز استخبارات آخر في العالم الغربي”.

التفوق الهائل يبدأ الآن في التآكل. مواليد العام 2005، الذين بدؤوا بالتجند، الأربعاء الماضي، يتجندون منذ الآن لجيش آخر، ولدولة أخرى، وهم يصلون إلى غرفة التجنيد مع علامات استفهام وترددات لم ترافق أي جيل من المتجندين. بالمناسبة، منذ بداية الشهر انتهى مفعول قانون التجنيد السابق، والإعفاء الجارف الذي منحه للحريديين. ابتداء من تموز تحول آلاف الشبان الحريديين إلى فارين رسميا من الخدمة. غير أن الحكومة وجهت تعليماتها لوزير الدفاع وللجيش بعدم اتخاذ إجراءات تجنيد ضد تلاميذ المدرسة الدينية الرقيقين حتى نهاية آذار 2024، لأجل منح الكنيست الوقت لأن تثبت تهربهم في قانون جديد وخالد.

رغم هذا التشويه كانت الخدمة في الجيش الإسرائيلي حتى الآن عليها إجماع واسع، وحظي الخادمون بالاعتراف والتقدير من كل أجزاء المجتمع، حتى لدى قطاع المتهربين. والآن، في إطار التفكيك العام، تحطم حكومة الخراب هذا الإجماع أيضا. أعضاء الائتلاف، الذين بدوا وكأنهم في منافسة دائمة على البهيمية وفظاظة الروح، يتهجمون بشكل فظ على الخادمين ويوجد لهذا ثمن منذ الآن.

روى رئيس الأركان لرئيس الوزراء، هذا الأسبوع (حين تفضل نتنياهو بلقائه)، بأن طيارين وضباطاً في سلاح الجو يلقون ملاحظات مهينة في الحيز العام. يسمونهم “يساريين مدللين” حين يتسوقون في السوبرماركت. وفي محطة الوقود يصرخون عليهم بأنهم “بيض مميزون”. بعضهم يفضل نزع البزة عند الخروج من القاعدة. في الخطوة التالية سيختارون نزع البزة إلى الأبد.

يعرف هرتسي هليفي انه يفقد الجيش الذي كان له، ويشعر أيضا انه لا يوجد له إسناد من رئيس الوزراء. انكشف انعدام الوسيلة لديه في الفيلم البشع الذي نشر، هذا الأسبوع، وفي دعوته اليائسة لتقريب رجال الاحتياط، بمن فيهم أولئك الذين اختاروا ألا يمتثلوا للخدمة. صورة الوضع التي عرضها على رئيس الوزراء في الغرفة المغلقة كانت قاتمة اكثر بكثير. عدد الطيارين الذين اعلنوا أنهم سيتوقفون عن الامتثال يقترب في نهاية هذا الأسبوع من 300. وهم يشكلون الهيكل المجرب والكبير لسلاح الجو، وهم شريحة كبيرة جدا من عموم القوة المقاتلة. منذ الآن يوجد ضرر شديد لقدرة سلاح الجو، ولهذا سيتفاقم مع مرور الوقت، حين يفقد هؤلاء الطيارون أهليتهم.

في القيادة العملياتية نجد أن الوضع أخطر من ذلك. هناك نحو مئة من أصحاب الوظائف بمن فيهم الأعلى، اعلنوا وقف الامتثال. في الليالي الأخيرة لم يعد ممكنا ملء كل المواقع في حجرات التحكم في السلاح. لسلاح الجو لا يوجد بديل عن هؤلاء الأشخاص المجربين وخبراتهم، وسيتعين عليه أن يهاود ويأتي بأناس اقل تأهيلا للمهام وللوظائف المختلفة.

منظومتان أخريان في الجيش تعرضتا لضرر جسيم: منظومة الطب وشعبة الاستخبارات. نحو خُمس رجال الطب أعلنوا وقف الامتثال، وهم أيضا لا بديل فوريا لهم. صحيح أن الأطباء لن يهاجموا في ايران، لكنه لا يمكن لأي كتيبة أن تخرج إلى الحرب أو حتى إلى التدريب، بدون طبيب. في شعبة الاستخبارات مئات من أصحاب الوظائف والاختصاصات يتوقفون عن الخدمة، وهناك أيضا سيستغرق الأمر وقتا حتى تنشئة بدائل.

لن تتوقف هذا الموجة فقط عند خادمي الاحتياط. فقد بدأت منذ الآن تعطي مؤشراتها بين خادمي الدائم، ممن يتحدثون عن فك العقد. من هناك يتواصل هذا أيضا إلى النظامي، حين يبدأ أهالي المتجندين بالتردد فيما إذا كان مناسبا إيداع الأعز لديهم في يدي دولة هذا هو سلوكها. سيكون مشوقا أن نرى إذا كان هذا المزاج سينعكس منذ الآن في معطيات تجنيد آب الذي بدأ الآن.

لا شيء من هذه الأمور كان جديدا لرئيس الوزراء. فقد اطّلع على ذلك قبل أيام. وإذا كان لاحد ما شك فإنه بعد هذا الأسبوع سيظهر نهائيا أن الأمن لم يعد في رأس اهتمامات بنيامين نتنياهو. فاليأس والهزيمة المنعكسان من وجه وزير الدفاع، يوآف غالانت، في أثناء التصويت ليسا فقط مؤشرا على هزيمته الشخصية، بل هزيمة أمننا جميعا.

تضرب السنة لهيب الانقلاب النظامي منذ الآن ليس فقط في الجيش الإسرائيلي، بل تقترب أيضا من قدس أقداس إسرائيل – لجنة الطاقة الذرية. في أوساط علماء كبار اللجنة يدور في الأسابيع الأخيرة خطاب يقظ عن استمرار طريقهم وعن السؤال إذا كانوا يريدون مواصلة خدمة الدولة التي تصبح مَلكية. هؤلاء العلماء هم مجموعة ضيقة جدا تحمل على أكتافها تطوير قدرات إسرائيل النووية. هم أصحاب علم خاص، يغازلون في كل العالم، ولا يوجد لهم بديل حقا.

في المرات السابقة التي خربت فيها إسرائيل قام أفضل أبناء هذا الشعب، وحزموا أمتعتهم، وخرجوا إلى المنفى. من خلفهم بقيت في البلاد حاضرة يهودية صغيرة، ظلامية، فقيرة وضعيفة كانت فريسة سهلة لشعوب أجنبية. أما التهديد بالخراب الثالث فمحظور علينا أن نقبل مرة أخرى هذا القدر التاريخي.

كلنا أبناء لعائلات تضطر مرة كل بضعة أجيال لأن تنهض من مكان وجودها وتنتقل إلى مكان آخر. أقيمت دولة إسرائيل كي تكسر دائرة التنقل هذه، ومنذ بدأنا نتجمع هنا من جديد أثبت التاريخ القصير للصهيونية باننا معا يمكننا أن نتصدى لكل تحد ونقف ضد كل الاحتمالات. آباؤنا لم ييأسوا حتى أمام تحديات اشد صعوبة، وحتى لو كان التحدي هذه المرة من الداخل فسنتغلب عليه لأن لدينا القدرة على ذلك.

مركز الناطور للدراسات والابحاثFacebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى