ترجمات عبرية

معاريف: العلاقات مع الرياض مرهونة بقرار مصيري من بايدن يأتي مرة كل قرن

معاريف 4-8-2023، جاكي خوجي: العلاقات مع الرياض مرهونة بقرار مصيري من بايدن يأتي مرة كل قرن

إمكانية إقامة علاقات بين إسرائيل والمملكة السعودية لا تنزل عن جدول الأعمال. فقد قال رئيس الوزراء نتنياهو هذا الأسبوع إن إسرائيل قد تلتحق بالقطار إلى شبه الجزيرة العربية والسعودية. ووعد قائلاً: “نعمل على هذا”. وبدت أقواله للحظة كوعد انتخابي آخر، رغم غياب أي تصويت في الأفق. لكن عندها تذكرت التصريحات من واشنطن والتي جاءت قبل يوم أو يومين من ذلك، فقد أعلن الرئيس بنفسه وبجلاله، جو بايدن، احتمال تقدم في الاتصالات.

لفت الباحث لشؤون دول الخليج د. شاؤول يناي، الانتباه، عندما التقيته هذا الأسبوع في “صوت الجيش”، إلى مفهوم جديد أدخلته واشنطن إلى الخطاب المتعلق بعلاقاتنا مع السعودية. فبدلاً من “التطبيع”، بدأ الموظفون الأمريكيين يفضلون اصطلاح “اندماج”.

سلام تعاقدي بمبناه المصري- الأردني، مع احتفال مبهر، هو وثيقة تتضمن ملاحق والتزامات قانونية. وبدلاً منه، تعمل واشنطن على اندماج إسرائيل بالتدريج في خريطة العلاقات الإقليمية. سيسخن السعوديون العلاقات معها في عدة مجالات ببطء وبدون عناوين متفجرة؛ لن تفتح سفارات، ولعلنا نضطر إلى الاكتفاء بممثليات متواضعة. ملك السعودية لن يأتي لزيارة علنية إلى إسرائيل، ورئيس الدولة لن يدعى إلى الرياض، أما نحن، المواطنون البسطاء، فسيسمح لنا بالهبوط هناك بجواز سفر إسرائيلي. ستتاح لنا التجارة المتبادلة علناً.

من ناحية رسمية، ستكون علاقات جزئية، لكن من النوع الذي يخدم الحياة نفسها. ربما نفهم سبب رفض السعوديين منح إسرائيل كل الرزمة في هذا العصر. مبادرة سلام كاملة اقترحتها الجامعة العربية مجمدة على الطاولة، كانوا هم أنفسهم من تصدرها. مبادرة السلام العربية تقضي بأن تحصل إسرائيل على السلام الكامل مع كل الدول العربية شرط أن تعيد للفلسطينيين والسوريين واللبنانيين كامل الأراضي التي أخذتها في 1967. الانسحاب الإسرائيلي من هذه الأراضي سيسمح للفلسطينيين بإقامة دولتهم المستقلة، وهكذا يأمل الجميع بالسلام.

الاندماج، ذاك الانخراط الإسرائيلي المنضبط، سيسمح للسعوديين بالسير مع والشعور بلا. بل إنه سيرتب لهم حلاً مريحاً للمسألة الفلسطينية. صنعنا سلاماً مع اليهود؟ نحن بعنا فلسطين؟ لا سمح الله. لن يكون سلام معهم ما بقيت فلسطين محتلة.

الإمارات قبلهم أيضاً، في اتفاقات إبراهيم، اتخذت تباكياً دبلوماسياً. في تلك الأيام، أعلن نتنياهو عن نيته ضم أجزاء من غور الأردن. اشترطت أبوظبي إقامة العلاقات الرسمية بشطب الفكرة عن الطاولة، وهكذا كان بوسعها أن تلوح بإنجاز ما أمام العرب. كانت هذه جائزة ترضية للفلسطينيين، ولا تزال، أتاحت لحكام أبوظبي الادعاء بأنهم لم ينسوا الفلسطينيين.

إذاً، لماذا يتأخر السلام أو الاندماج أو التطبيع في المجيء؟ ينطوي الجواب في داخله على خلاصة موازين القوى في الشرق الأوسط في هذه الأيام. تسخين العلاقات مع إسرائيل هو مجرد بند في اتفاق تأسيسي تسعى السعودية لإبرامه في علاقاتها مع الولايات المتحدة. يعرض القصر على البيت الأبيض أن يكون مواليه على مدى عشرات السنين إلى الأمام. في المقابل، يضع السعوديون طلبين كبيرين على الطاولة: الأول تأييد أمريكي دولي لحق السعودية في تطوير برنامج نووي لإنتاج الكهرباء. مثل هذا التأييد يفترض أن يمنح الرياض مباركة لجنة الطاقة الذرية في الأمم المتحدة. السعودية تفتح مفاعلاتها من اللحظة الأولى لرقابة اللجنة، والعلم الذي تكتسبه هو الآخر يكون تحت الرقابة وبشفافية. إضافة إلى ذلك، تتوقع السعودية من الأمريكيين أن يمنحوها علمهم أو يعطون مباركتهم لدولة غربية أخرى تفعل ذلك. ألمانيا مثلاً، أو بريطانيا أو فرنسا.

في البند الثاني تطلب المملكة حلف دفاع عسكرياً مع الأمريكيين، يسمح بمنحها أفضل السلاح والتكنولوجيا العسكرية الأمريكية، كتلك التي تعطى لإسرائيل مثلاً أو لحلفاء أمريكا في الغرب. كما أنه يضمن تدخلاً أمريكياً في حالة تعرض السعودية لاعتداء من عدو.

معروف أن برنامجاً نووياً قد ينمو ويطور، وإذا ما حصل السعوديون على علم أمريكي لإنتاج الطاقة، فسيستخدمونه كأساس لإنتاج سلاح ذري. صحيح أن برنامجاً كهذا يتطلب عشرات السنين من التطوير وآلية إخفاء متطورة، لكن من يضمن للأمريكيين ألا يفعل السعوديون هذا؟ صحيح أن الرياض هي الصديقة الأفضل لواشنطن، لكن لهذا السبب تحديداً تدرك الولايات المتحدة جيداً عن أي “حيلة” يدور الحديث. فقد طورت المملكة السعودية على مدى السنين ثقافة الجهاد ودعمت أجنحة إجرامية، وخلقت وطورت استخدام منظمات مرعية مسلحة يجيد الإيرانيون استخدامها في عصرنا هذا. قبل بضع سنوات فقط، كانت منظمات مسلحة لا تزال تعمل في سوريا بتمويل سعودي.

الخيار الصيني

إن تعهداً بنقل العلم النووي وإقامة مفاعلات سيربط الطرفين إلى الأمام لعشرات السنين. إذا ما استجاب البيت الأبيض، فلن يصمم الأمر مستقبل السياسة الخارجية للسعودية، وليس مع واشنطن فقط، بل سيولد سباق تسلح في كل الشرق الأوسط. فسيعقب السعودية كل من تركيا ومصر والأردن ودول أخرى، وكلها ستتطلع إلى النووي.

بخلاف الكثير من الإسرائيليين ممن يريدون فقط غمس الحمص في الرياض (وإن كان يمكن للمرء أن يجد مثيلاً أفضل له هنا) يرى الأمريكيون في ذلك قراراً مصيرياً. فالقوة العظمى الأكثر ليبرالية في العالم، تلك التي غرست في البشرية أسس الديمقراطية الحديثة، مطالبة بمنح إحدى الملكيات الأكثر تصلباً في المعمورة، والتي تبعد عنها الديمقراطية كثيراً، مفتاحاً لوسيلة الإبادة الجماعية. كما أن عليها أن تقرر إذا كانت ستطور خطوط الإنتاج الأكثر سرية لصناعة السلاح لديها، وأن تبيع شريكاً مثل السعودية، الطائرة الهجومية الأكثر تطوراً في العالم، اف35. هذه هي السعودية نفسها التي لا شفافية فيها وذات ماض ظلامي، وتلوح هذه الأيام في وجه الولايات المتحدة بإمكانية التسكع مع عدوتها، الصين.

السعودية لن تتنازل، وستتطلع إلى الانضمام إلى النادي النووي كائناً من كان شريكها. هي منذ الآن في تخلف بالنسبة لجيرانها، وليس عن إيران فقط. فالنووي الإسرائيلي أيضاً هو عندهم عامل مشجع، ومؤخراً انضمت الإمارات إلى النادي، وتقيم مفاعلات لإنتاج الكهرباء برقابة الأمم المتحدة وبمباركة الأمريكيين. إن العضوية في النادي النووي ليست نزوة تمنح صاحبها مكانة مميزة. هذه بوليصة تأمين على الحياة. صدام حسين، ومعمر القذافي وبشار الأسد، كلهم حاولوا تطوير سلاح نووي، فأوقفوا ودفعوا ثمناً باهظاً. تعرف السعودية أنها ما لم تكن جزءاً من هذا الترف، سيظل وجودها معرضاً للخطر.

تقرع أجراس التاريخ في الخلفية. في 14 أيلول 1945، على متن المدمرة الأمريكية “كوينزي”، التي رست في مدخل قناة السويس، التقى الرئيس الأمريكي فرانكلن روزفلت، لأول مرة مع ملك السعودية ومؤسسها، ابن سعود. كانت أمريكا بحاجة إلى النفط، وسعت المملكة الفتية لمكانة شرف في العالم المتشكل الجديد. كلتاهما حصلتا على ما أرادتا، وولد ذاك اللقاء الشهير حلفاً طويل السنين بينهما. والآن يعيد التاريخ نفسه بتحول في الأدوار. السعودية هي التي تطلب مقدراً حيوياً.

إن ربط إدارة بايدن الدخول في المغامرة النووية مع أسرة سعود سيبقي الرياض وحيدة في حاجتها إلى حماية بقائها. ولما كانت هذه بالنسبة للقصر الملكي مسألة وجودية، فسيختار كل من يعطيه النووي المنشود. بالنسبة للعالم الحر، قد تكون هذه ضربة مزدوجة؛ فالسعودية لن تبتعد عن واشنطن فقط، بل ستهبط في حضن بكين وموسكو أو لا سمح الله أسوأ منهما. القصر السعودي لا يريدهما ولا يريد آخرين. واشنطن كانت وستبقى في مركز خيالها النووي، وبقدر كبير من الحق. لكن للأمريكيين موانع، وهم محقون أيضاً.

هذه هي المعضلة الموضوعة على طاولة رؤساء الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة. إذا قال بايدن نعم، فسيسخن السعوديون علاقاتهم مع إسرائيل. في هذه الحالة على إسرائيل أن تعرف بأن السلام مع السعودية لن يأتي وحيداً، بل سيأتي معه سباق تسلح إقليمي. معنى الأمر أن في ساحتنا الخلفية – بضع عشرات الكيلومترات عن إيلات – ستسكن دولة نووية في المستقبل. في واقع الأمر، لعله مجدياً أن نبدأ في التعود على الفكرة في كل حال.

 

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى