ترجمات عبرية

معاريف: احتلال رفح ومقولة «النصر المُطلق»

معاريف 29-3-2024، بقلم: الون بن دافيد: احتلال رفح ومقولة «النصر المُطلق»

أحداث الأسبوع الماضي في الشمال كانت تذكيرا لنا جميعنا بأن التحدي الأمني الأكبر من “حماس” لا يزال يقف على عتبتنا. نحو نصف سنة مرت منذ بداية الحرب، والإنجازات المبهرة التي كانت في بدايتها آخذة في التآكل. القيادة السياسية وتلك العسكرية تواصلان العمل وكأنه يوجد لنا كل الزمن الذي في العالم. لكن هذا ليس موجودا. ينبغي البدء بتوجيه النظر إلى الشمال.

في مثل هذا الأسبوع، ركز رئيس الوزراء جل اهتمامه على البحث عن الصيغة الملتوية التي تضمن استمرار تملص عشرات آلاف الحريديم من الخدمة. وفي قليل من الوقت الذي تبقى له تورط وورطنا جميعنا في أزمة زائدة مع الحليفة الأخيرة التي تبقت لنا.

خلاص الشمال لن يأتي من نتنياهو. من ناحيته، يمكن لسكان الشمال أن يبقوا في سكن مؤقت إلى أن يأتي زمنهم للسكن المحمي. المهم أن تتواصل الحرب في غزة إلى الأبد. لقد فهم قبل الجميع أن العالم لم يعد يمكنه أن يسمح له باحتلال رفح وهكذا فقد جعلها الكأس المقدس الذي بدونه لن يكون هناك نصر مطلق.

إن الأزمة المصطنعة التي خلقها هذا الأسبوع مع الولايات المتحدة، على قرار الأمم المتحدة الذي تلقينا ضربات أسوأ منه بكثير كشفت النقاب عن أن نتنياهو هو آخر المعنيين باحتلال رفح. فهو لا يريد إلا الملاحقة لـ”النصر المطلق” والتي لن تنتهي أبدا. عن حق، أملت إسرائيل في صيغة أدق لقرار مجلس الأمن، صيغة تشترط وقف النار بتحرير المخطوفين. لكن التوقع أن تستخدم الولايات المتحدة “الفيتو” على قرار يدعو إلى الأمرين معا، لم يكن واقعيا.

إن زعيما معنيا حقا بهزيمة “حماس”، كان يمكنه أن يستخدم قرار مجلس الأمن: أن يتبناه بكلتي يديه ويعلن عن وقف نار للأسبوعين اللذين تبقيا حتى نهاية رمضان كمهلة زمنية لإعادة عموم المخطوفين. وفي الوقت نفسه أن يعلن أيضا أنه إذا لم ينفذ قرار الأمم المتحدة ولم يعد كل المخطوفين حتى نهاية رمضان فإن إسرائيل ترى نفسها حرة في مواصلة العملية العسكرية كما تراه مناسبا.

لكن نتنياهو لم يعد في كامل أحاسيسه. فشهيته اليائسة للتمسك بالكرسي تشوش حدة الرؤية. فهو يلغي خروج الوفد إلى واشنطن، وبعدها يتراجع، لكنه ينفي أنه يتراجع وبعدها يبعث به. يدير حربا لكن ليست تلك التي بدأت في غزة.

توجيه القوات إلى الشمال

منذ بداية الحرب كان نتنياهو هو الرجل الذي يديرها. الجيش الإسرائيلي يعرض عليه الخطط وهو يقرها، مثلما كان على طول الـ 17 سنة لولايته كرئيس الوزراء. المشكلة هي أن الآن تبدو هيئة أركان الجيش الإسرائيلي أيضا كمن فقدت الاتصال البصري مع الصورة العمومية للحرب متعددة الجبهات التي نعيش فيها.

منذ نحو أربعة اشهر والجيش يتموضع في أنفاق خان يونس، في ملاحقة قيادة “حماس”. مدينة غزة وشمال القطاع، التحدي الأكبر بأضعاف، احتلا بنصف من هذا الوقت. كل يوم ينشر الناطق العسكري شريطا مسجلا عن اشتباك بطولي مع مخرب، لكن الحقيقة هي أن الجيش الإسرائيلي يكاد لا يتقدم في جنوب القطاع. هو ينتظر التعليمات لاحتلال معسكرات الوسط ورفح. لكن هذه لن تأتي. ستة اشهر من نشوب الحرب، وعلى الجيش أن يعرض خطة واقعية عن الشكل الذي تنتهي فيه.

لقد اعتقدت ولا أزال اعتقد بأن هزيمة كتائب “حماس” الست المتبقية في رفح والمعسكرات حيوية لتحقيق هدف إبادة القوة العسكرية لـ”حماس”. لكن التأخر الزائد لنا في خان يونس غير الظروف. مثلما يبدو هذا في هذه اللحظة، لن تكون لإسرائيل شرعية لاحتلال رفح.

في هذه الظروف غير المثالية، فإن مهمة الجيش هي إعداد خطة تحقق إنجازا لا يزال ممكنا تحقيقه: احتلال معسكرات الوسط وتحقيق سيطرة عملياتية في 90% من أراضي القطاع. سكان غزة سينحشرون في رفح ومنطقة المواصي، والجيش الإسرائيلي يشق ثلاثة ممرات تبتر القطاع: الممر القائم في وادي غزة، ممر “كيسوفيم” الذي في شمال خان يونس وممر “موراغ” في جنوبه.

رفح تبقى الجيب الأخير لـ”حماس”، وفوق رأس رجال “حماس” سيكون المليون ونصف المليون من معوزي السكن الجوعى. الأسرة الدولية تدعى لأن توفر لهم الغذاء كما تشاء، أن تعرض بدائل لحكم “حماس” في رفح، لكن اللاجئين لن يعودوا إلى بيوتهم حتى إعادة المخطوفين. في هذا الزمن يمكن للجيش الإسرائيلي أن يعمل بحرية نسبية في كل باقي أجزاء القطاع، في أعمال ناجحة مثل الحملة في مستشفى الشفاء. وينبغي لهذا أن يقوم على أساس قوات اجتياح وليس قوات تبقى في أراضي القطاع وتسمح لنا بتوجيه قوات ضرورية إلى الحدود الشمالية.

إذا لم نصل في أثناء ذلك إلى صفقة مخطوفين في غزة، فالمعنى هو أننا نسير إلى حرب في الشمال. وهي ستتطلب افضل قوات الجيش وكذا هيئة أركان صلاحياتها تحترم من قادة الميدان وليست مصابة بإخفاق 7 أكتوبر. تبادل الضربات التي نخوضها مع “حزب الله” منذ نحو نصف سنة حققت الكثير من الإنجازات التكتيكية لكن الإنجاز الاستراتيجي هو لـ”حزب الله”: إبعاد سكان الشمال من بيوتهم. الجيش يضرب منشآت ونشاطات، قتل حتى الآن 350 منهم، لكن من ناحية “حزب الله” هذا ثمن محتمل إزاء الإنجاز. هذا ما ينبغي تغييره.

في الأسبوع الماضي، سُئلت في إحدى بلدات الشمال إذا كان بوسعهم أن يبدؤوا السنة الدراسية في أيلول 2025 (ّ!). على هذا السؤال يجب على الجيش أن يقدم جوابا واحدا: نعم. في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي، عندما بدأت إسرائيل تغرق في الحزام الأمني في جنوب لبنان، أمر قائد المنطقة الشمالية في حينه يوسي بيلد أن يخط في كل الاستحكامات العنوان التالي: المهمة – حماية بلدات الشمال. حان الوقت لأن يخط هذا العنوان من جديد.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى