ترجمات عبرية

معاريف: إسرائيل وأمريكا: اختلاف في السياق الصيني والإيراني واختلاف على الفلسطينيين

معاريف 31-1-2023، بقلم زلمان شوفال: إسرائيل وأمريكا: اختلاف في السياق الصيني والإيراني واختلاف على الفلسطينيين

 تنشر مع بداية كل سنة، توقعات وتقييمات وضع استراتيجية. ليس لأن المجريات والأحداث المتوقعة والمفاجئة تترتب وفقاً للرزنامة السنوية، لكن هذا هو المتبع. في عالم مرتب إلى هذا الحد أو ذاك، مثلما كان على مدى السنين بعد الحرب العالمية الثانية، ورغم الانقسام بين الغرب والشرق، كانت مهمة توقع التحليل واستخلاص الاستنتاجات بسيطة نسبياً. لكن في عالم ممزق وغير متوقع اليوم، باتت المهام أكثر تحدياً. تكاد لا تكون هناك دولة حديثة ليس فيها مؤسسات مؤطرة مختلفة، بعضها رسمية، بعضها أكاديمية، أخرى خاصة تعنى بالموضوع.

في بريطانيا وفرنسا مؤسسات تضرب جذورها منذ ما قبل الإمبراطوريات، وقامت في روسيا مؤسسات كهذه بعد العهد السوفياتي. لكن جنة عدن معاهد بحوث التوقع الاستراتيجي هي الولايات المتحدة، التي تتركز معظمها في واشنطن العاصمة. بعضها تعلن بأنها مستقلة تماماً وإن كانت تثور أحياناً مسائل حول مصادر التمويل التي تتلقاها “لأجل بحث معين”، وبعضها مرتبط بالجامعات، وأحياناً تعرف وفقاً لاختصاصها في مواضيع أو مناطق ما، مثل الشرق الأوسط أو الأقصى، وأوروبا، وآسيا وما شابه. توجد مؤسسات لا تخفي ميولها السياسية، يمين أو يسار، وثمة من يدعي بالموضوعية والاستقلالية التامة. باستثناء كل هذه التقديرات وأهمها “استراتيجية الأمن القومي” التي تنشرها الإدارة كل سنة، تتركز على الصين في السنة الحالية، وأحد خطوط التوجيه فيها هو الانشغال بالتهديد الصيني على أمريكا أهم من الانشغال بتهديدات روسيا وكوريا الشمالية وإيران. ولهذه آثار على الساحة الأخرى، بما في ذلك التي تعني وتقلق إسرائيل وجيرانها، أي إيران. يتبين أن هناك تواصلاً واضحاً في المواقف الاستراتيجية الأساس بين إدارة أوباما، مروراً بإدارة ترامب، حتى إدارة بايدن: الشرق الأقصى أولاً، فيما تعرف أمريكا في نظر ذاتها كـ “قوة عظمى هندو هادئة”، بمعنى أن التشديد ليس على أوروبا والشرق الأوسط، بل على الشرق الأقصى. يؤكد هذا القول أهمية اتفاقات إبراهيم ليس لإسرائيل وجيرانها فقط، بل للمصلحة الأمريكية، أي إزالة جزء من العبء الأمني الذي كان على عاتق أمريكا حتى ذلك الحين.

هكذا قال مؤخراً مارك آسبر، الذي تولى لفترة ما منصب وزير الدفاع لدى الرئيس ترامب، إن على أمريكا السعي إلى شرق أوسط أكثر تداخلاً وتبلوراً لـ “التقليل من اعتماد الحلفاء والشركاء على الولايات المتحدة”. بكلمات أخرى: تخفيض مستوى الوجود الأمريكي. وأضاف بأنه لا يجب شطب خيار العمل العسكري عن الطاولة، وبهذا فإنه يتوافق مع موقف هنري كيسنجر وإسرائيل. صحيح أن المخططين الأمريكيين لم يتوقعوا حرب روسيا – أوكرانيا، وآثارها على مجال الطاقة والاقتصاد بعامة، لكن الميل الأساس، أي “الصين في رأس اهتمامنا”، بقي على حاله. وعلى هذا الميل أن يؤثر أيضاً على التخطيط الاستراتيجي لإسرائيل، وبخاصة في السياق الإيراني.

وبالفعل، تعنى محافل ومؤسسات في إسرائيل بالتخطيط الاستراتيجي والتوقعات وتقويمات الوضع لمواضيع ومجالات مختلفة، إضافة إلى عقيدة الأمن التي صممها بن غوريون. مثلما في الولايات المتحدة، يرتبط بعضها بجامعات وأخرى مستقلة. عندنا مسائل في مجال التموين والميزانية، والناتج النهائي عندنا يتأثر أحياناً بتفضيلات وميول سياسية، علنية أو خفية، مثلما في المسألة الفلسطينية ومستقبل “المناطق” [الضفة الغربية]. كلها تتمتع من ناحية مهنية وبحثية بالعلم والتجربة الفائقة لمن خدموا في الأطر الأمنية والاستخبارية للدولة. ومع ذلك، فإن انعدام التنسيق من جهة، وغياب التشخيص المقارن بين أذرع الاستخبارات المختلفة من جهة، وكذا بين جمع المعلومات لبحوثها، ساهم بقصور استخباري في حرب يوم الغفران، ولكنه دفع إلى الأمام قرارات لتغيير الوضع. يمكن لحكومة إسرائيل اليوم أن تستعد بشكل أفضل في بلورة وحسم رئيس الوزراء والكابنيت على أساس استعراض شعبة الاستخبارات السنوي والتقديرات الشاملة لمجلس الأمن القومي، إضافة إلى تقديرات دائرة البحوث في وزارة الخارجية ووزارة الاستخبارات ومحافل أخرى.

بالنسبة للتقديرات والتوقعات، واضح أنه لا توجد صيغة دائمة. بالعكس؛ فإن نهجاً متشابهاً للجهات المختلفة أو استنتاجات تقررت مسبقاً هي وصفة للفشل. ورغم ذلك، ورغم فوارق النهج بين الجهات المختلفة، نتبين عدة قواسم مشتركة في التقديرات التي نشرت في إسرائيل بداية هذه السنة: إيران وميولها النووية وغيرها تشكل تهديداً وجودياً على إسرائيل؛ وثمة ضرورة لمواصلة العلاقات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة وتعميق التعاون في الموضوع الإيراني، وضرورة مواصلة العلاقات الاقتصادية والبراغماتية مع الصين وروسيا، مع مراعاة للمصالح الأمريكية؛ واستمرار وتعزيز الميول التي سبق أن دفعت قدماً في اتفاقات إبراهيم وتجاه العالم العربي بعامة، ومرغوب فيه ميل تجاه السعودية. المكان الذي تنقسم فيه المناهج والتقديرات والتوصيات هو في المجال الفلسطيني – سواء حسب اعتبارات أمنية وعقلانية مختلفة أم حسب الأيديولوجيات السياسية.

مركز الناطور للدراسات والابحاثFacebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى