ترجمات عبرية

معاريف: السلام مع إسرائيل مصلحة سعودية

معاريف 2023-08-23، بقلم: زلمان شوفال: السلام مع إسرائيل مصلحة سعودية

اشتهر لاعب البيسبول الأميركي، يوغي بييرا، بجمله العبثية، وأكثرها شهرة كانت: “من أجل بلوغ الهدف، استمر حتى التقاطع”. في الأمور السياسية، قد تبدو هذه الرسالة غير واضحة، حتى لو كان هدف إقامة علاقات دبلوماسية بين إسرائيل والسعودية معروفاً، فإن تقاطُع الطرق بين القدس وواشنطن والرياض لا يزال غامضاً بعض الشيء.

قبل 3 أشهر، علمنا باستئناف العلاقات بين إيران والسعودية، وعندما تسابق المحللون في تقديراتهم المتشائمة بشأن فرص تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل، كتبتُ: “الوضع الجديد لا يغلق الباب على فرص علاقات بين الرياض والقدس،” وأشرْتُ إلى أن الدليل على ذلك هو أنه عندما جرت في بكين الاتصالات بين إيران والسعودية، فإن الرياض حرصت، عن قصد، على تسريب خبر انفتاحها على تطبيع العلاقات مع إسرائيل أيضاً لـ”وول ستريت جورنال” الأميركية. وشرحتُ يومها أن ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، مهتم بتوسيع حلقة العلاقات الدولية للمملكة العربية السعودية، بما فيها إسرائيل أيضاً.

تريد الزعامة السعودية تصوير نفسها اليوم كطرف دولي مستقل، ومبادرتها التوسط بين روسيا وأوكرانيا مثلاً نموذج من ذلك. تعتبر السعودية إسرائيل شريكة في بلورة شرق أوسط مستقر، وهي تعي المساهمة الكبيرة لإسرائيل في مجال العلم والتكنولوجيا، بالإضافة إلى قوتها العسكرية وكفاءتها الأمنية عموماً. لكن قبل كل شيء، إذا تحققت العلاقات مع السعودية، فإنها ستشكل أيضاً دليلاً واضحاً على صدقية الإستراتيجية الجيوسياسية لبنيامين نتنياهو لضمان أمن إسرائيل ومستقبلها، إستراتيجية لا تتجاهل الموضوع الفلسطيني، لكنها تدرك، بعكس زعماء إسرائيل الآخرين وأقسام كبيرة من المجتمع الدولي، أن المشكلة الفلسطينية لم تعد مفتاح السلام في الشرق الأوسط، بل أصبحت موضوعاً هامشياً نسبياً بالنسبة إلى أغلبية الزعماء العرب، وبالتالي فإن فرص تسوية عقلانية تكمن في تفاهمات مع العالم العربي تحديداً.

تؤدي أميركا دوراً مركزياً وربما حاسماً في فرص توصّل السعودية وإسرائيل إلى اتفاق، وهي تعمل، ليس فقط انطلاقاً من موقعها كطرف رفيع المستوى ومؤثر في الساحة الدولية، وكحليفة إستراتيجية لإسرائيل، بل أيضاً انطلاقاً من مصالحها الخاصة. وكما وصف ذلك الكاتب من البيت الأبيض بيتر بايكر في “نيويورك تايمز”: موفدو الرئيس بايدن يشجعون الجهود لإعادة صوغ السياسة الأميركية في الشرق الأوسط من خلال إقامة علاقات دبلوماسية بين السعودية وإسرائيل، حتى بثمن تقديم تنازلات ملموسة من جانب الولايات المتحدة”.

لكن ليس فقط تنازلات، هناك مصالح مهمة. لقد أخطأت واشنطن عندما قررت خلال ولاية باراك أوباما أن الشرق الأوسط فقد أهميته الإستراتيجية بالنسبة إليها، وحالياً هي تحاول إصلاح هذا الخطأ. لقد انتهج أوباما خلال حُكمه سياسة قسّمت الشرق الأوسط إلى منطقتيْ نفوذ، منطقة خاضعة للنفوذ الشيعي بزعامة إيران، والمنطقة الثانية هي العالم العربي السّني بزعامة السعودية، لكن قصر نظره (أو عدم اهتمامه) السياسي جعله لا يسأل شعوب المنطقة عن رأيها، ولا يعترف بأن طموحات الهيمنة الإيرانية ليست محدودة بالعالم الشيعي، بل تمتد إلى الشرق الأوسط كله، وحتى خارجه، وحاول الدفع قدماً بتأييده لإيران من خلال الاتفاق النووي.

قرار الرئيس السابق دونالد ترامب إلغاء الاتفاق النووي وفرض عقوبات إضافية على إيران أحبطا هذا المسار، وإدارة بايدن هي اليوم في المراحل الأخيرة لاستئناف الاتفاق النووي الأصلي مع بعض التغييرات، الجزئية والمؤقتة بصورة أساسية. المنتوج النهائي لن يُطلق عليه اسم “اتفاق” لمنع طرحه على الكونغرس، بل رزمة اتفاقات. اتفاق إطلاق سراح مواطنين أميركيين يحملون جنسية مزدوجة من السجن في مقابل الإفراج عن عشرات مليارات الدولارات لمصلحة طهران، على ما يبدو، كان مقدمة لتفاهمات شاملة لاحقة وخطوة سياسية داخلية قبيل الانتخابات الرئاسية في سنة 2024، هدفها الموازنة بين الاتفاقات غير الشعبية مع إيران وبين اتفاق يحظى بالشعبية بين إسرائيل والسعودية.

بالإضافة إلى ذلك، تستطيع الإدارة الأميركية أن تضع وراءها فترة الأزمة مع السعودية جرّاء مقتل الصحافي جمال خاشقجي، وفتح صفحة جديدة في العلاقات مع المملكة، خصوصاً في موضوع النفط، وفي مسألة العلاقات الأمنية بينهما. من هنا، فإن تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية يشكل هدفاً وأداة بالنسبة إلى واشنطن.

للسعودية أيضاً مصلحة مزدوجة: ليس فقط إصلاح العلاقات الإستراتيجية والأمنية مع الولايات المتحدة (إذ على الرغم من عودة الحرارة إلى العلاقات مع إيران، ليس لدى السعودية أي وهم بشأن التهديد الأساسي الذي تشكله)، بل هناك أهداف أُخرى، مثل المساعدة في تطوير طاقة نووية لأهداف سلمية، وهذه مسألة إشكالية، ليس فقط لأميركا، بل لإسرائيل خصوصاً. وعلى ما يبدو، لن يشكل الموضوع الفلسطيني عقبة لا يمكن تجاوُزها بالنسبة إلى السعودية، على الرغم من كونها كانت في الماضي عرّابة “خطة السلام العربية”، ويبدو أحياناً أن واشنطن، أكثر من الرياض، تريد ربط تقدُّم الخطوات الإسرائيلية – السعودية بالقضية الفلسطينية. في الأساس الهدف واضح، ويرغب فيه كلٌّ من إسرائيل والسعودية وأميركا – على الرغم من أنه لا يزال هناك الكثير من المطبات على الطريق.

 

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى