شؤون مكافحة الاٍرهاب

محمد فوزي: دلالات استهداف تنظيم “ولاية خراسان” للسفارة الروسية في كابول

محمد فوزي * 8-9-2022م

أعلن فرع تنظيم الدولة الإسلامية في أفغانستان “ولاية خراسان”، في 5 سبتمبر 2022، مسئوليته عن الهجوم الانتحاري الذي استهدف السفارة الروسية في العاصمة الأفغانية كابول، وهو الهجوم الذي أدى إلى مقتل 6 أشخاص بينهم موظفان في البعثة الدبلوماسية الروسية، فضلاً عن إصابة ما لا يقل عن 10 أشخاص آخرين [1]، وقد ارتبطت أهمية هذا الهجوم بطبيعة المُستهدف، فضلاً عن كونه أول هجوم يستهدف بعثة دبلوماسية أجنبية منذ استيلاء طالبان على السلطة في أفغانستان، خصوصاً وأنه جاء في ثنايا مرور عام على حكم الحركة المتشددة لأفغانستان، الأمر الذي يطرح العديد من الدلالات المهمة.

عملية نوعية

كان لافتاً أن تنظيم “داعش” حرص من خلال منصاته على “تليجرام” على الترويج إلى أنه التنظيم الذي قام بالهجوم الذي استهدف السفارة الروسية، واحتفت لجان التنظيم بشكل كبير بهذا الهجوم، حيث اعتبرته ضربة نوعية لكلا الطرفين: روسيا وحركة “طالبان”، وبدوره قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إن بلاده تأمل في العثور على منفذي “الهجوم الإرهابي” في أقرب وقت، مؤكداً أن السفارة الروسية في كابول عززت الأمن واستقدمت قوات إضافية من السلطات الأفغانية.

وفي محاولة لرفع الحرج الذي سببته العملية، أعلنت وزارة الخارجية الأفغانية أن الأجهزة الأمنية بدأت تحقيقاً شاملاً حول الحادث وستتخذ خطوات أكثر جدية لأمن السفارة، وأضافت وزارة الخارجية أنها تدين الحادث بشدة، وتعرب عن تعازيها للحكومة الروسية، وربما تدفع العملية حركة “طالبان” إلى تبني بعض الإجراءات التصعيدية للرد على “ولاية خراسان”، والحيلولة دون اتساع نطاق تأثيرها على مسار التقارب الروسي – الطالباني.

سياق ودلالات عديدة

جاءت العملية الأخيرة لتنظيم “ولاية خراسان” في ظل سياق يغلب عليه التأزم والاضطراب بالنسبة لحركة “طالبان” بعد مرور عام على حكمها في أفغانستان، سواءً على المستوى السياسي بكافة أبعاده خصوصاً على مستوى تحديات الاعتراف الدولي بحكم الحركة، أو على المستوى الأمني، لا سيما في ضوء تصاعد النشاط العملياتي لـ”ولاية خراسان”، وتنامي المؤشرات على عودة نشاط المقاومة الأفغانية ودخولها في معارك سرية مع “طالبان”، وهو ما أكدته بعض التقارير الأمريكية، وقد حملت العملية العديد من الدلالات المهمة، وذلك على النحو التالي:

1- اختارت “ولاية خراسان” السفارة الروسية كمُستهدف جديد، في ضوء اعتبارين رئيسيين: الأول، يتمثل في رغبة التنظيم في إحراج حركة “طالبان”، أمام روسيا والتي تعتبر من أهم الدول التي تبنت خطوات ومقاربة جادة للتقارب مع حركة “طالبان”، وهي المقاربة التي عبر عنها زامير كابولوف الممثل الخاص للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أفغانستان، والذي أشار إلى أن “مسألة الاعتراف بحكومة حركة طالبان باتت قريبة” وأن “روسيا تُجري مباحثات مع طالبان بهذا الخصوص” [2]. ويبدو أن روسيا تعاملت مع “طالبان” بنهج براجماتي باعتبارها سلطة أمر واقع، وسعت إلى تعزيز حضورها في أفغانستان وملء الفراغ الاستراتيجي الذي خلفه انسحاب الولايات المتحدة، من خلال مسار التقارب مع الحركة.

أما الاعتبار الثاني، الذي يمكن فهم طبيعة المُستهدف في ضوئه، فيرتبط بشكل رئيسي بنظرة تنظيم “داعش” لروسيا، إذ يرى التنظيم أن روسيا إحدى الدول التي ساهمت في سقوط خلافته المزعومة في سوريا والعراق، وتُساهم حتى اليوم في توفير الغطاء الجوي للعمليات التي يشنها الجيش السوري في مناطق البادية ضد فلوله وعناصره، وبالتالي يمكن قراءة العملية على أنها تأتي في إطار “العمليات الانتقامية” للتنظيم ضد روسيا.

2- جاء استهداف “ولاية خراسان” للسفارة الروسية بعد أيام قليلة من تصريحات للمتحدث باسم حركة “طالبان” ذبيح الله مجاهد، قال فيها إن أفغانستان لن تشكل مصدر تهديد لدول الجوار، وأنها تسعى لإقامة علاقات صداقة “مع الأعداء والأصدقاء” [3]، وقد أشار تنظيم “داعش” في بيانه إلى هذه التصريحات، ما يعكس رغبته في تفنيد سردية الاستقرار وعدم تهديد دول الجوار، التي تتبناها حركة “طالبان” في إطار تسويقها لنفسها، والسعي لبناء علاقات تعاونية مع دول الجوار، وكسب الاعتراف الدولي.

3- يأتي الهجوم على السفارة الروسية، في ظل سياق عام يغلب عليه تصاعد المنحى العملياتي لتنظيم “ولاية خراسان”، خصوصاً مع مرور عام على حكم الحركة، فبالتزامن مع احتفال “طالبان” بهذه المناسبة، نفذ تنظيم “ولاية خراسان” عملية في منطقة كوتال خيرخانة شمال كابول، عبر تفجير سيارة تنقل مواد متفجرة، ما أدى إلى مقتل 3 أشخاص وإصابة 7 آخرين[4]. وفي الثاني من سبتمبر الجاري شهدت مدينة هيرات غرب البلاد، عملية ضخمة لـ”ولاية خراسان”، تم فيها استهداف مسجد في المدينة، ما أدى إلى مقتل 47 شخصاً من بينهم الشيخ مجيب الرحمن أنصاري، أحد أكبر علماء الدين المؤيدين لـ”طالبان” والمناهضين لـ”داعش”، وإصابة 80 آخرين [5]. وقد عززت هذه المؤشرات سواءً المتعلقة باتساع دائرة المُستهدف، أو كثافة وتنامي النشاط العملياتي من الفرضية التي تذهب إلى أن “ولاية خراسان” يعد الفرع الأكثر قوة بين أفرع تنظيم “داعش”.

4- حاولت حركة “طالبان” في الفترات الأخيرة تبني العديد من التحركات التي تستهدف تحجيم نفوذ وتحركات “ولاية خراسان”، خصوصاً فيما يتعلق بتنفيذ عمليات أمنية ضد بعض الخلايا الداعشية في مناطق متفرقة من أفغانستان، وبالتالي فإن تصاعد المنحى العملياتي لـ”ولاية خراسان”، وسعيها لإحراج “طالبان” على المستوى الدولي، يأتي في إطار الرد على هذه التحركات الطالبانية.

تداعيات محتملة

يمثل استهداف “ولاية خراسان” للسفارة الروسية في كابول، نقطة تحول في مسار الصراع بين “طالبان” و”داعش”، خصوصاً وأن السفارات كانت دائماً خارج إطار الصراعات التي تدور في أفغانستان، سواءً بين الحكومات السابقة وبين حركة “طالبان”، أو بين الحركة والجماعات الإرهابية في أفغانستان وعلى رأسها “داعش”، وهو ما يعني أن العملية سوف تحمل العديد من التداعيات المحتملة المهمة، ومن أبرزها:

1- على الرغم من تكليف حكومة “طالبان” لعناصرها بتأمين السفارات ومقار البعثات الأجنبية في كابول، وحديثها المستمر عن توفير الحماية اللازمة لذلك، إلا أن العملية الأخيرة عبرت عن فشل “طالبان” في إدارة هذا الملف، فضلاً عن فشلها بشكل عام في فرض واقع أمني مستقر في أفغانستان، الأمر الذي يمثل تحدياً رئيسياً أمام مسألة الاعتراف الدولي بالحركة، خصوصاً وأن هذا الاستهداف يُفقد الحركة ثقة السفارات الأجنبية والبعثات الدبلوماسية، لا سيما في ضوء ما تعكسه العملية من اختراق أمني كبير لصفوف الحركة، ما يعني أن بعض الدول قد تتجه إلى إعادة إغلاق سفاراتها في أفغانستان، أو على الأقل تخفيض عدد الموظفين ومستوى التمثيل.

2- سوف يحاول تنظيم “ولاية خراسان” توظيف الهجمات الأخيرة، خصوصاً على السفارة الروسية، من أجل تحقيق العديد من المكاسب، فعلى المستوى الحركي والعملياتي سوف تمثل عاملاً محفزاً لتبني العديد من الهجمات الأخرى في المرحلة المقبلة، وهي الهجمات التي سوف تزيد فيها مساحة ونوعية المُستهدف، وهو ما بدأ التنظيم في تحقيقه بالفعل حيث اتسعت نوعية المُستهدف لتشمل رجال الدين الموالين لحركة “طالبان”، وكذا السفارات الأجنبية خصوصاً تلك التي تشهد علاقاتها بـ”طالبان” تحسناً ملحوظاً.

وعلى المستوى الدعائي والإعلامي، سوف يروج التنظيم لهذه العمليات على نطاق واسع، لنفي سردية الاستقرار التي تروج لها حركة “طالبان”، وللتأكيد على فشل الحركة في إدارة شئون البلاد، وطرح نفسه كبديل لها، فضلاً عن ما قد يحمله هذا الزخم من تداعيات على مستوى استقطاب عناصر وقواعد جديدة.

وفي الختام، يمكن القول إن استهداف “ولاية خراسان” للسفارة الروسية، هو مؤشر كاشف على زيادة حدة هجمات التنظيم، سواءً على المستوى الكمي في الأشهر الأخيرة، أو على المستوى النوعي في ضوء اتساع نطاق “المُستهدف”، ما يعكس أن “ولاية خراسان” سيمثل في المرحلة المقبلة التحدي الأهم بالنسبة لحركة “طالبان”، بل ودول الجوار الأفغاني، في ضوء استراتيجية التمدد الجغرافي التي تميز “داعش” عن باقي تنظيمات العنف والإرهاب.


[1] تنظيم الدولة الإسلامية يعلن مسئوليته عن هجوم قرب السفارة الروسية في كابول، بي بي سي، 5 سبتمبر 2022، متاح على: https://www.bbc.com/arabic/world-62796791

[2] رشا عمار، روسيا تلوّح بالاعتراف بحكومة طالبان.. لماذا الآن؟، حفريات، 20 يونيو 2022، متاح على: https://bit.ly/3D8acAG

[3] المتحدث الرسمي باسم طالبان: لن نسمح لأي أحد أو لأي جماعة متطرفة أن تستقر في أراضينا، أخبار الآن، 24 أغسطس 2022، متاح على: https://bit.ly/3RIm4NX

[4] 3 قتلى بانفجار سيارة مفخخة في كابل، الجزيرة نت، 31 أغسطس 2022، متاح على: https://bit.ly/3RD4RVW

[5] قتلى بينهم قيادي في طالبان بانفجار مسجد، العربية نت، 2 سبتمبر 2022، متاح على: https://bit.ly/3cPNy5B

* باحث في شئون الأمن الإقليمي في مركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى