أقلام وأراء

محمد أبو الفضل: هل مصر غير مؤهلة لتحول ديمقراطي حقيقي

محمد أبو الفضل 3-9-2023: هل مصر غير مؤهلة لتحول ديمقراطي حقيقي

يتردد هذا السؤال في الكثير من الأروقة المصرية همسا وعلنا، لأن التوجهات التي تبنتها الحكومة عندما دشنت الحوار الوطني مع أحزاب وشخصيات معارضة لم تتحرك إلى الأمام، وبدت المخرجات التي قُدمت مؤخرا إلى الرئيس عبدالفتاح السيسي غير واضحة للكثيرين، وكأن هناك من يريدون تسويفا أو إضاعة للوقت.
ولا تقتنع الحكومة بأن البلاد مهيأة لإصلاحات سياسية واسعة يمكن أن تؤدي إلى انتخابات نزيهة على كافة المستويات، رئاسية وبرلمانية ومحليات، وتضمن تمثيلا حقيقيا للأصوات، وتبدي مرونة حينا وتشددا في غالبية الأحيان، بما لا يعزز التقديرات الظاهرة بأهمية إدخال تعديلات على قواعد اللعبة السياسية الجارية.
وإذا كانت تصورات الحكومة وتصرفاتها توحي بأنها متفهمة لجدوى الإصلاحات وعلى يقين بحاجة البلاد إليها، إلا أنها عمليا لا تعكس هذه المسألة في ممارساتها، حيث لديها إدراك ثابت أن الشعب غير مهيأ لتحول ديمقراطي جاد، وتعتقد أن هناك جهات متربصة يمكن أن تستثمر الحراك السياسي لخدمة أهدافها.
وقد يكون لرؤية الحكومة جزء من الصواب، إلا أن التمادي في توظيف هذا المحدد يمكن أن يجعل الديمقراطية بعيدة المنال والوصول إليها يستغرق عقودا طويلة، مع أن مصر عرفت أول برلمان لها في المنطقة قبل أكثر من قرن ونصف القرن، وتوالت عليها برلمانات وحكومات منتخبة في النصف الأول من القرن العشرين.
وتستند المعارضة على هذا البعد في دفعها دوما نحو الإصلاح السياسي والحث على إتاحة الحركة أمام الأحزاب ووقف كل أنواع التضييق على أنشطتها والإفراج عن كافة المعتقلين السياسيين، وهو ما جرت مناقشته في جلسات الحوار الوطني وبدت الحكومة متفهمة لغالبية مطالب المعارضة لكنها لم تأخذ بها تماما، فلا تزال قناعتها راسخة بأن الانفتاح السياسي الواسع يمثل خطرا على دولة حوالي نصف شعبها تحت حد الفقر والأمية، أي يمكن استغلاله وتوجيهه نحو دعم تيار معين.

ويعد جدول الأولويات حاكما للكثير من سياسات الحكومة، فكما ترى أن حقوق الإنسان عملية أبعد من الحقوق السياسية وأنها تمتد إلى توفير المأكل والملبس والمسكن، ترى أيضا أن الحريات السياسية والإعلامية محدودة ولا قيمة لها في ظل أوضاع اقتصادية واجتماعية بائسة، وأن السياسة ترف، ومطالب الأحزاب في مجال الحريات عموما تصعب الاستجابة لها من دون فترة لتأهيل الناس نحو متطلبات هذه المرحلة.
تفسر هذه المعادلة تردد النظام المصري في الإصلاحات السياسية، والتي تطفو وتخبو، وترتفع وتنخفض، من حين إلى آخر، وفقا للأجواء العامة في الداخل والخارج، لكنها لم تدخل عليها تغييرات كبيرة تشي بأن الدولة عازمة على نقلة في الفضاء العام. وما يظهر على السطح من انتقادات لأداء الحكومة وبعض الوزراء فيها من قبل وسائل إعلام حكومية أشبه بمسكنات، كما أن الحديث عن تجاوب الدولة مع مخرجات الحوار الوطني لا يزال محل مراوحة، صعودا أو هبوطا، ولم تتضح قسماته النهائية.
تأتي المشكلة من عجز المعارضة وضعفها وعدم قدرتها على الضغط لإحداث تغيير في المشهد السياسي، فهي تفتقر للآليات التي تمكنها من الوصول إلى أهدافها، ما يجعل الحكومة تتعامل معها باعتبارها رقما هامشيا، وأيّ تعديل أو إصلاح يعتزم النظام المصري القيام به يأتي غالبا من حساباته التي لا ترقى حتى الآن إلى الثقة في أن الديمقراطية خيار مناسب للدولة، في هذه المرحلة على الأقل.
أضف إلى ذلك أن قياسات الرأي العام التي تجريها الحكومة والأجهزة المختلفة من وقت إلى آخر تأتي مطمئنة لها، فالديمقراطية لن تؤدي إلى توفير احتياجات المواطنين الأساسية، ما يدفع الحكومة إلى عدم إبداء مرونة كافية في المطالب السياسية، لأنها تعلم أن هؤلاء يريدون توفير متطلباتهم المعيشية والحياة وسط محيط من الأمن والاستقرار، ما يفضي إلى انفصام واضح بين أحزاب المعارضة والشارع المصري.
ودخلت الشريحة المعنية بالسياسة المحسوبة على النخب المصرية مرحلة غامضة من التباين، بين مؤيدين للوضع الراهن ويعملون على الترويج له باعتبارها أزهى مراحل الأمن والاستقرار، وربما الديمقراطية وحقوق الإنسان عندما يتحدثون عنهما دون حصرهما في الشق السياسي، وبين رافضين وناقمين يرون أن الإصلاحات السياسية لا غنى عنها، ولا يوجد تناقض بينها وبين التقدم الاقتصادي، بل على العكس، توفر نسمات الديمقراطية والعدالة وسيادة القانون حافزا للكثير من المستثمرين للاستقرار في مصر.
هناك الصامتون الذين يتعايشون مع الأوضاع الراهنة بحلوها ومرّها ولا يرون غضاضة في التكيف معها وإن كانوا يتمنون تحولا سياسيا إيجابيا، بينما المشاغبون يرفعون أصواتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، ويوظفون كل خطأ كبيرا كان أم صغيرا أو شائعة للنيل من الحكومة وتأكيد أنها عاجزة عن دفع العجلات السياسة والاقتصادية إلى الأمام، ويحصرون هدفهم في توجيه الضربات فقط ما يقلل من خطابهم السياسي.

الحاصل أنه لا توجد دولة أو شعب غير مؤهل للديمقراطية، لكن يوجد واقع معقد أسهمت الحكومة والقوى السياسية في تشويهه، أوحى بأن ممارسة الحريات الكبيرة يمكن أن تصبح خطرا، نتيجة خبرات استوحاها البعض من تجارب مشوهة سابقة، ليس بالضرورة أن تكون حقيقية، فإذا كان الإعلام المصري لعب دورا محوريا في إسقاط نظامي حسني مبارك ومحمد مرسي، فهذا لا يمنح مبررا لتقييده.

تملك مصر حصيلة سياسية ممتدة، ولديها تراكم معرفي وسياسي يمكن الاستفادة منهما، لأن عدم الاعتداد بالتاريخ وتجاهل نتائجه سوف يفضي إلى انسداد قد يؤدي إلى حراك قسري تصعب السيطرة عليه، لأن التحكم في مفاصل القرار بحجة أن الشعب غير مهيأ للديمقراطية أو منحه جرعات منها تدريجيا، كلها محددات يمكن أن تخرج عن مسارها السياسي المرسوم وتقود إلى أزمات أشد صعوبة في الشارع.
فبقدر ما يبدو النظام المصري متفهما لحاجة الدولة للإصلاحات بعد نجاحه في توفير الأمن والاستقرار، بقدر ما يخشى عواقبها بذريعة أن الأجواء قد تسمح بتسلل عناصر معارضة معها أجندات خفية للشارع وتحريضه في اتجاه ضد مصالح الدولة.ربما ينطوي هذا الاستنتاج على جانب من الصواب، غير أن الانغلاق والتضييق والحصار في المجال العام لن تمنع المعارضة في الخارج من أن توصل أصواتها إلى الداخل، وهي الزاوية التي يمكن أن يرد عليها النظام المصري بمنح فرصة للأصوات الوطنية في الداخل للتعبير عن مواقفها، ويمكن أن يجذب جزءا كبيرا منها إلى أهدافه، لأن الخلاف ينصب على الرغبة في تصويب بعض السياسات وعدم احتكار فئة قريبة من السلطة للإعلام والهيمنة على مفاصله، خاصة أن الأيام أثبتت أن هذه الفئة لم تستطع إيصال صوت الدولة المصرية إلى الخارج، والدفاع عنها بموضوعية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى