أقلام وأراء

محمد أبو الفضل: معادلة بناءة للتعامل مع فقراء مصر

محمد أبو الفضل 20-3-2023م: معادلة بناءة للتعامل مع فقراء مصر

أخشى أن يشعر النظام المصري بالندم على ما يقدمه من مساعدات لشريحة كبيرة من الفقراء، فقد يؤدي توسعه في برامج الحماية الاجتماعية وحث تحالف للجمعيات الأهلية يعمل تحت مظلته على تقديم مساعدات إضافية مع حلول شهر رمضان إلى زيادة منسوب الاتكالية في المجتمع وتكريس نهج درج عليه المصريون منذ عقود.

اعتادت شريحة كبيرة من المواطنين مع الارتفاع الكبير في نسب الفقر على أن الطعام الرخيص والسكن الزهيد والتعليم المجاني مسائل محسومة دون أن تعبأ بالعالم الذي تزداد صعوباته، وفي وقت تعمل فيه القاهرة على التخلص من شرنقة الدعم التي تطوق عنق الحكومة، والتوجه نحو منح المزيد من الفرص للقطاع الخاص.

معروف أن تسعى الحكومة المصرية لتخفيف الضغوط عن الفقراء، ومعلوم أن تعمل على مساعدتهم، لكن غير مفهوم كيف تقدم على خطوة وتنفذ عكسها، بما يناقض إجراءاتها ويضاعف من صعوبة التخلص من ممارسات قديمة تعودت عليها فئة كبيرة من المصريين حتى تحولت في نظرها وكأنها حق مكتسب ويجب أن يستمر.

إذا كانت القاهرة تلتزم بأجندة صندوق النقد الدولي بشأن رفع الدعم وتوفير برامج حمائية أيضا، فهي غير ملزمة بإطعام الناس مجانا وتسخير أدواتها لخدمة غرض أخذ مسارات متنوعة، بعضها يأتي قسرا أو نفاقا، فهناك أحزاب سياسية ورجال أعمال وسيدات مجتمع دخلوا لعبة توفير الطعام والشراب إرضاء للسلطة.

انتعشت الجمعيات الأهلية التي تقدم الطعام والعلاج والمساعدات المادية المنتظمة ودفع قروض للغارمين والغارمات لوقف حبسهم، لكن معدل الفقر لم يتغير وأحوال الناس لم تتطور والضجيج مستمر، لأن ما يقدم مهما كان حجمه لن يوفي بجزء كبير من الحاجات الأساسية التي قد تكون ممتدة ولا تتوقف عند سقف معين.

يعتقد النظام المصري أن هذه السياسة توفر له شعبية لدى الشريحة المتلقية للمنح، غير أنها أيضا ربما تسحب من رصيده المعنوي عند أول منحنى لا يستطيع فيه تقديم مساعداته أو يضطر إلى تخفيضها وسط أزمة اقتصادية طاحنة.

حمّل النظام نفسه فوق طاقته وهو يعتقد أنه يقدم خدمة جليلة، فمن حيث لا يدري أو يدري تسبب في تعلق الفقراء به، وهؤلاء نسبة ليست قليلة يتطلعون دائما للحصول على المزيد من المزايا، بدليل أنهم أكثر الطبقات استفادة من البرامج الحمائية المتعددة، وهم أيضا أشدهم نقمة على النظام وغضبا عليه ورفضا لتصرفاته بذريعة أنه يرفع أسعار السلع والخدمات ويتبنى خطة للإصلاح الاقتصادي ترهق نسبة كبيرة منهم.

مهما ارتفع مستوى البرامج الحمائية وزاد نطاقها لن تتمكن الحكومة من سد العجز لدى الفقراء، فهذه الشريحة تصل إلى نصف عدد سكان مصر، بمعنى أكثر من خمسين مليون نسمة، وهو رقم كبير إذا تمكنت البرامج من الوفاء باحتياجات نصفه في شهر رمضان وتقديم كراتين مليئة بالأغذية لن تستطيع مواصلة هذا المشوار طوال العام.

من الضروري أن يقدم النظام المصري على صياغة معادلة عملية تراعي مشاكل الفقراء وتعي المخاطر التي تنخر المجتمع ولا يركن إلى التأجيل المستمر في اتخاذ القرارات، لأن هذا الوضع سوف يقود إلى أزمات أكبر، ولا توجد دولة يتم حل مشاكل الفقراء فيها عبر تقديم أنواع متباينة من السلع مجانا أو بأسعار مخفضة لا تخلو من رشاوى سياسية، لأنها تظل ترقيعية وتدور على هامش التحديات الرئيسية.

تتطلب مواجهة التحديات رؤية واضحة وخطة محكمة وآليات تنظر إلى المستقبل وتحولاته، فالكرتونة التي تقدم لأسرة في رمضان أو غيره لن تكفيها سوى بضعة أيام، وفي النهاية لن يحصد النظام الحاكم الرضاء التام، حيث ستنظر كل أسرة في هذه اللحظة إلى النصف الفارغ من الكرتونة، وهي أنها لا تكفي ما تبقى من الأيام.

تجذرت سياسة تلقي أو تقديم المساعدات في مصر، ويصعب التخلي عنهما، فالقاهرة التي اعتادت على تلقي منح ومعونات من بعض الدول الخليجية تواجه مأزقا الآن بسبب وقف هذه السياسة أو استبدالها بأخرى أكثر عملية في حسابات أصحابها، ولم تتمكن من هضم الطريقة الجديدة والتعامل معها بأريحية.

بإمكان النظام المصري أن يتكيف مع هذا التغيير سريعا ويجد البدائل المناسبة لإنقاذه اقتصاديا، إلا أن المواطنين والفقراء منهم تحديدا لن يتقبلوا ذلك إذا جاءت الحكومة في وقت وقررت الكف عن تقديم مساعداتها أو اعتذرت عند تصاعد حدة الأزمة ووصولها إلى مستوى يجبرها على وقف بعض برامج الحماية الاجتماعية.

في هذه اللحظة سيكون الأمر مضنيا، فمن أدمنوا تلقي المساعدات سيصبون غضبهم على النظام برمته، ولن يتفهموا الأسباب التي دفعت إلى الحد مما يقدم من معونات غذائية، وقد يقوم الفقراء بالثورة عليه، فلن يجدوا أمامهم سواه لتحميله أزماتهم المعيشية.

كلما فكرت الحكومة في التخلي عن هذه الطريقة تراجعت خوفا من زيادة حدة الغضب، فتلجأ إلى المقتدرين لحثهم على توفير تبرعات سخية، وهي طريقة بدأت تزعج بعض المتبرعين لأنهم وجدوا أنفسهم بين مطرقة الفقراء وسندان الحكومة.

يغازل النظام الفقراء بالمساعدات ويعمل على إطفاء ظمأ شريحة تمثل خطرا داهما عليه إذا أهملها أو تسببت سياساته في زيادة المعاناة، ويسعى لكسبها إلى صفه بدلا من أن تتحول إلى قنبلة موقوتة تنفجر في وجهه، مع تقارير أمنية حذرت من زيادة الاحتقان الشعبي مع كل ارتفاع جديد في سعر الدولار الذي تحول إلى مقياس مهم لأسعار السلع والخدمات في البلاد.

نجح النظام الحاكم في قصقصة أجنحة الكثير من الجهات التي تزعجه، وتمكن من تدجين الجهات الموالية للسلطة تقليديا، لكنه لا يمتلك أدوات كافية للسيطرة على غضب الفقراء سوى عبر تخفيف المعاناة عن كاهلهم، ولا يجد وسيلة أنجح من كراتين الغذاء.

تحولت المساعدات إلى أداة سياسية أكثر منها اقتصادية واجتماعية، لأنها صارت من ضمانات الحد من ارتفاع الغضب، وآلية يمكن بها احتواء شريحة لا توجد وسائل سياسية لكبحها أو احتوائها، وإن وجدت فهي مكلفة وتستغرق وقتا.

يمكن أن تكون زيادة التكلفة والمدة الطويلة أكثر جدوى، فكل ما يقدمه النظام من مساعدات ربما يعجز عن الوفاء به لاحقا، أو يصل إلى جماعات ولا يصل إلى أخرى، وفي كل الأحوال لا يفضي إلى تحقيق الغرض الأساسي، وهو امتصاص غضب الفقراء.

يبدو المثل الصيني “لا تعطني سمكة، بل علمني كيف أصطاد” هو النموذج الحي الذي يلخص الخطأ الراهن، فهذه الشريحة من المصريين تحتاج إلى من يعلمها قواعد العمل وأدبياته الصحيحة وليس منحها كراتين مليئة بالأغذية في المناسبات المختلفة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى