أقلام وأراء

محمد أبو الفضل: مصر والإخوان والحسابات التركية

محمد أبو الفضل 28-7-2023: مصر والإخوان والحسابات التركية

قد يعتقد البعض أن مواصلة تركيا طرد عناصر تنتمي إلى جماعة الإخوان وترحيلهم من أراضيها مُرض لمصر، بزعم أن هذه أهم ورقة عكرت صفو العلاقات بين البلدين السنوات الماضية، لأن خروجهم لن ينهي إزعاجهم الفترة المقبلة، حيث تخلصت أنقرة من أحد كوابح تطوير علاقاتها مع القاهرة بينما تظل الثانية قلقة من تحركاتهم.

يفيد ما رشح من معلومات أخيرا بشأن تجاوب تركيا مع مطالب مصرية بأن ورقة الإخوان لم تعد ضمن تقديراتها في إدارة العلاقات الخارجية، إذ تأكدت أنها استنفدت أغراضها السياسية والأمنية وباتت تمثل عبئا لها مع القاهرة وعواصم خليجية تخطط أنقرة لتطوير العلاقات معها، ولن تحدث هذه القفزة ما لم تثبت أنها تخلت عن بعض التوجهات التي كانت من أسباب التوتر بين الجانبين فترة طويلة.

يبدو تقويض دور الإسلام السياسي في التصورات التركية مريحا لمصر على اعتبار أنها تستطيع الحوار معها في أجواء أكثر هدوءا، لكن في حقيقة الأمر لن ينتهي هذا الملف في رؤى أنقرة، لأنه جزء من فلسفة الحكم التي يتبناها حزب العدالة والتنمية.

وبدلا من أن تتصدر هذه الفلسفة الواجهة سوف تتم مداراتها من دون لفظها أو نبذها تماما، ولذلك لا تزال أنقرة تناور في مسألة تسليم عناصر إخوانية للقاهرة صدرت ضدها أحكام قضائية لارتكابها أعمال عنف وإرهاب في سنوات سابقة.

مصدر الإزعاج الحقيقي أن وجود هذه العناصر في تركيا رصدته القاهرة، وخروج عدد كبير منهم وانتشارهم في دول مختلفة ربما يسبب قلقا أكبر، فعملية توزيعهم جغرافيا على دول أوروبية وآسيوية وأفريقية يعني وجود منابر متعددة لهم، وتحركات قد يصعب رصدها بدقة، حيث تعتمد قواعد وسرديات مبهمة.

وإذا تمكنت القاهرة من فك شفرات كل ذلك فإنها في حاجة إلى مناقشات مع الدول التي سوف يستقرون فيها، والتي يعد قبولها بوجودهم على أراضيها أنها موافقة ضمنيا على توجهاتهم، ما يدخل الحكومة المصرية في حوارات مضنية.

يوجد انقسام مصري حول تسلم العناصر الإخوانية الخطرة والصادر بحقها أحكام قضائية، فهناك من يرون أهمية قصوى جزاء لما ارتكبوه من جرائم، وتأكيد حرص القاهرة على محاسبة المعتدين والمجرمين مهما طال الزمن، ويتضمن هذا التوجه رسالة تحذير لأيّ دولة يمكنها توفير ملاذات آمنة للإخوان والمتشددين عموما.

اختارت تركيا حلا وسطا بدت من خلاله مستجيبة لطلب القيادة المصرية ووفية لتصوراتها العقائدية فيما يتعلق بالتعامل مع الجماعات الإسلامية، ما يرضي الجناح البراغماتي في الحزب الذي يتفهم دواعي التغير في السياسة الخارجية، ويظهر حرصا على عدم التفريط في ثوابته الرئيسية، فقد يكون وافق على انحناءة مؤقتة مع القاهرة وغيرها، لكنه لن يقبل باستمرارها طويلا.

يرى فريق آخر في مصر أن عدم تسليم تركيا لجميع العناصر المطلوبة يرفع عن القاهرة حملا سياسيا، إذ يوجد المئات منهم في السجون، وزيادة العدد بآخرين من تركيا يدفع منظمات حقوقية لاستعادة ملف الإخوان إعلاميا بعد أن هدأ، ويتم تسليط الأضواء عليه، وفتح الشق الإنساني على مصراعيه، والذي يحقق منه تنظيم الإخوان مكاسب سياسية في وقت تستعد الدولة المصرية لإجراء انتخابات رئاسية الأشهر المقبلة.

يصب سقوط ورقة الإخوان من حسابات تركيا (مؤقتا) في صالح النظام المصري ظاهريا، في حين يمكن أن يفضي جوهريا إلى متاعب متباينة، لأن أنقرة قد تعود إليها في أي لحظة، ويدعم ذلك الطريق الذي سلكته قطر عندما مضت في مسار المصالحة مع مصر بلا تخل مباشر عن دعمها لجماعة الإخوان، واكتفت بوضعها على الرف.

تريد تركيا المضي في مضمار شبيه بالدوحة، ولن تستطيع مصر الإصرار على مطالبها بشأن تسلم بعض العناصر، فالسابقة القطرية تجعل موقفها أقل صلابة مع تركيا التي اختارت حلا مثاليا يشير عنوانه الرئيسي إلى أنها اتبعت منهج “لا إفراط ولا تفريط”، كصيغة ترضي القاهرة والجناح العقائدي في حزب العدالة والتنمية.

يعلم النظام المصري أن الاستثمار الإقليمي والدولي في الإخوان تراجع بشكل كبير، ويعلم أن أنقرة لن تتمكن من توظيف الجماعة سياسيا في ظل مصالحات قامت بها حيال الرياض وأبوظبي، إلا أنه يخشى أن تسترد هذه الورقة زخمها إذا لاحت فرصة للإخوان أو غيرهم من التيارات الإسلامية للتمكين السياسي في أيّ من دول المنطقة.

لن ينهي وضع الإخوان على الرف مؤقتا ظاهرتهم، ولا يكفي ما يحدث من انقسامات داخل صفوفهم للتعامل مع ملفهم كدليل على أن الجماعة انهارت أو على وشك الانهيار لدى تركيا أو غيرها من الدول المعروفة برعايتها لهم، فهؤلاء مثل البؤر السرطانية قد يتم تحجيمها ثم سرعان ما تنفجر فجأة إذا وجدت سبيلا للفكاك من محاصرتها.

حاولت تركيا نزع المبررات التي أعاقت تحسين علاقاتها مع مصر، وبدت كأنها غير راغبة في القبض على جمرة الإخوان، وهو ما قبلته القاهرة على مضض لأن لديها ملفات حيوية مع أنقرة تريد تسويتها عاجلا، لأن الجماعة بعد أن جرى تهميشها في دول عديدة بالمنطقة لن تستخدمها تركيا في الوقت الراهن، ما أدى بالحكومة المصرية إلى محاولة غض الطرف عنها لتهيئة الأجواء للحوار حول قضايا مصيرية.

ألقت أنقرة بورقة الإخوان وأبعدتها من تصوراتها الخارجية في هذه المرحلة، وأوحت للقاهرة أنها مستعدة للدخول معها في صفقة شاملة، تحوي الملفات الخلافية من ليبيا إلى شرق البحر المتوسط، تساعد على تعظيم المصالح الاقتصادية التي لم تتأثر كثيرا بالتوترات بينهما، وتفيدها في تعزيز حسن نواياها الإقليمية.

ومع أن البلدين أعادا العلاقات الدبلوماسية رسميا وجرى تعيين سفيرين في القاهرة وأنقرة والحديث عن لقاء قمة مرتقب بين الرئيسين عبدالفتاح السيسي ورجب طيب أردوغان، إلا أنه لم يحدث اختراق كبير في ليبيا أو شرق المتوسط، وكل ما حدث يدخل في عداد التهدئة السياسية في إطار سياقات إقليمية عامة، حيث تسعى أنقرة لإعادة التموضع بما يدعم رغبتها في الترويج لتوجهات جديدة تتبناها حاليا، كما أن القاهرة تريد عدم التخلف عن مشهد المصالحات الإقليمية.

يظل التفاؤل بتطور كبير في نسيج العلاقات بين مصر وتركيا مسكونا بهواجس عدة، يحاول كل طرف تحاشي التوقف عندها كي لا يتم توقيف ما حصل من تحسن ظاهر بينهما، فالعودة إلى مصفوفة التوتر مرفوضة، وتكلفتها عالية لهما في وقت يواجه كلاهما تحديات اقتصادية يصعب تجاوزها وسط توترات خارجية مزمنة، وتعني أيضا هذه المعطيات أن القاهرة غير مقتنعة بأن أنقرة أهملت الإخوان في رؤيتها السياسية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى