أقلام وأراء

محمد أبو الفضل: متآمرون على مصر من الداخل

محمد أبو الفضل 12-12-2022م: متآمرون على مصر من الداخل

نجح النظام المصري في مواجهة الكثير من التحديات التي واجهها عقب سقوط الإخوان، وتمكن من صد العديد من الهجمات التي استهدفته، لكن لم ينتبه جيدا إلى أن هناك خصوما غير واضحين بالداخل قادرين على تقويض ما يحققه من إنجازات بسبب إسرافهم في البيروقراطية وإصدار قرارات، عن قصد أو جهل، تسيء إليه أمام الرأي العام، ويحتاج بعدها إلى صمت أو تفسيرات لرفع ما تحمله من حرج بالغ.

ووقعت الحكومة المصرية في عدد من الأخطاء في الفترة الماضية زادت من حجم الضغوط على النظام برمته وصورته كمن لا يعبأ بما يتعرض له المواطنون من تحديات ولا يشعر بمدى معاناتهم ويقدر كفاحهم اليومي لسد احتياجاتهم الأساسية.

هناك إجراءات اتخذت تغافلت عن أوجاع الناس، أو لم تأخذ في الحسبان أن الأزمات الاقتصادية ارتفعت بشكل يتطلب المزيد من الحنكة لتجنب الخسائر السياسية، فالفترات التي تتصاعد فيها المشكلات الداخلية تفرض على من بيدهم الأمر والنهي أن يملكوا قرون استشعار لما سوف تسببه الإجراءات القاسية من تداعيات منتظرة.

يصعب الحديث عن وجود مؤامرة مكتملة في الداخل لإحراج النظام المصري وإشارة أصابع الاتهام إلى جهة بعينها، لكن من السهولة الإشارة إلى عدم التقدير الناضج للمسؤولية الملقاة على عاتق البعض من أعضاء الحكومة، كبيرها وصغيرها، يتمثل في تجاهل اختيار توقيتات القرارات الجماهيرية التي تمس حياة الناس وحاجاتهم الرئيسية، ما أدى إلى التراجع عن عدد منها أو تجميدها بعد ظهور ملامح تململ.

يمكن رصد مجموعة من القرارات والإجراءات التي تدلل على عجلة في اتخاذها وسوء تقدير للعواقب الناجمة عنها، بدءا من تطبيق قانون مخالفات البناء وحتى فرض الفاتورة الإلكترونية ومرورا بفرض تسعيرة جبرية على المزارعين لتوريد القمح والأرز والتهديد بمعاقبة المخالفين، وكلها علامات تصلح للكشف عن الهوة بين الحكومة وشريحة من المواطنين، وأصبحت مؤشرا على التذبذب في الأداء العام.

أخذ التململ شكل اعتراضات علنية تستطيع أن تلمسها الحكومة بسهولة، وأخرى صامتة يمكن أن تنفجر في أي لحظة، بما أدى إلى ارتفاع منسوب الكلام الصامت، كما يسميه أهل السودان، والذي يحمل معاني متفرقة لا يستطيع الحديث المباشر توصيفها بدقة، ومضامين يمكن أن تطفو على السطح فجأة في شكل تحركات غاضبة.

تتمثل المؤامرة الداخلية هنا في فقدان القدرة على قياس مردود القرارات ومدى المواءمة السياسية لها والأهداف التي تحققها في المدى المنظور، وأسفر غياب التقديرات العميقة عن مشاكل في الشارع جعلت البعض من المواطنين يظنون أن هناك إمعانا في إنهاكهم، وإصرارا على تشويه ما جرى تحقيقه من إنجازات في نظرهم، وتعمدا في تهيئة الأجواء بما يقود إلى توجيه الانتقادات باستمرار للنظام المصري.

وخسرت الآلة الإعلامية جانبا كبيرا من دورها الحيوي في معركة لفت الانتباه إلى ما تم من تطورات على مستويات مختلفة، وأصبحت عاجزة عن رد الهجمات التي يتعرض لها النظام بالداخل في شكل تعليقات ساخرة على مواقع التواصل الاجتماعي.

وتحولت الدعاية البيضاء إلى سوداء، والمشروعات القومية إلى نقمة حياتية، والأمن والاستقرار في الدولة إلى توتر يعصف بفئة تشكو من فشلها في تلبية مطالبها الأساسية، بما يعرض الأمن القومي لتهديد لا يقل خطورة عما يأتيه من الخارج.

ما تركته تصرفات الحكومة في وجدان الناس من نتائج قاتمة بات كبيرا جراء قلة اكتراثها بهمومهم وعجزها عن معالجة مشاكلهم المتعددة وكأنهم من صنعوا وحدهم الأزمة الاقتصادية وعليهم تحمل تبعاتها ودفع الضريبة المادية والمعنوية المناسبة، فكي تتحلل الحكومة من عبء الأخطاء وتراكماتها عليها أن تجد ضحية تتحمل المسؤولية نيابة عنها، وهو شعور يزداد شيوعا وسط شريحة ليست هينة.

يجد مصريون في هذه المسألة ثغرات تمكنهم من إعادة الكرة إلى ملعب الحكومة التي أخفقت في استثمار ما توافر لها من فرص سابقة، وأهدرت جزءا كبيرا منها في مشروعات عملاقة كان من الممكن تأجيلها باللجوء إلى ترتيب الأولويات بطريقة تتناسب مع الأوضاع التي تمر بها البلاد، فقد أدى الطموح الزائد عن الحد وبلا تقدير للإمكانيات الحقيقية إلى ورطة لا أحد يمكنه توقع أبعادها في المستقبل.

ويجد البعض من المسؤولين ضالتهم في إظهار التأييد للسلطة من خلال طريقين، أحدهما تنفيذ التعليمات الصادرة إليهم من رؤسائهم بلا تفكير باعتبار هذه الحالة فضيلة سياسية تؤكد الولاء الكامل لها، والآخر التجويد في أداء الخدمات عبر التمادي في تبني سياسات يعتقد أصحابها أنها كفيلة بجلب الرضاء عنهم بلا حساب لعواقبها.

وفي الحالتين يصعب تصنيف هؤلاء بالمتآمرين على الدولة، غير أن النتيجة التي تفضي إليها هذه النوعية من التوجهات حسنة النوايا أخطر من المؤامرة نفسها، لأنها تعبر عن عقلية متكلسة لا يهمها سوى تحقيق مصالحها الشخصية مهما كان تعارضها مع المصالح العامة، ومهما كانت النتائج المترتبة عليها لا تخدع مشروع الدولة.

وتعد هذه واحدة من النقاط المركزية في فهم جانب معتبر من الارتباك الحاصل في كثير من الخطوات التي أثارت غضبا في أوساط الرأي العام مؤخرا، بما أجبر الحكومة على التراجع بلا اعتذار عنها، مع أن التأييد أو الولاء الظاهر في تصرفات البعض من المسؤولين ربما تصبح تأثيراته أشد وطأة من المؤامرة نفسها، وهي زاوية يتم توظيفها للإيحاء بأن النظام المصري لا يعبأ بمتاعب المواطنين.

قد تكون هذه فرية يتم ترويجها للنيل من السلطة والتقليل مما حققته على أصعدة متباينة، إلا أنها تجد ما يعززها في الواقع من أسانيد تشير إلى أن هناك من يريدون استنزاف قدرات الناس بدرجة كبيرة وتعمد إنهاكهم لتوفير الموارد اللازمة لسد مطالبهم الحيوية وإبعادهم عن الحديث في الشأن السياسي العام.

يتحدث الناس في مصر عن الاقتصاد بصورة وثيقة الصلة بالسياسة، فما أدى إلى قصور في الأول هو نفسه ما أدى إلى قصور في الثانية، ويؤكد هذا الربط أن الحل من الضروري أن يكون مزدوجا، في ظل علاقة التأثير والتأثر التبادلية بينهما.

وتتغذى وسائل الإعلام الزاعقة والتابعة لجماعة الإخوان على محورين رئيسيين حاليا، الأول الإجراءات التي اتخذتها الحكومة وتبينت سلبيتها أو عدم جدواها واضطرت للتراجع عنها، والثاني سرد التناقضات التي تجدها في الخطاب العام الموجه من قبل الدولة للجمهور والاستثمار في ما يظهر من تباين فاضح في التعامل مع بعض المواقف.

ولذلك فالخطر يأتي من الداخل، حيث يهيئ الفرصة لزيادة معاول الهدم في هياكل دولة تمكن نظامها من عبور مرحلة صعبة عندما كان التفاهم كبيرا بينه والمواطنين.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى