أقلام وأراء

محمد أبو الفضل: حوار حول الحوار الوطني بمصر

محمد أبو الفضل 9-12-2022م: حوار حول الحوار الوطني بمصر

سألني صديق مقيم في إحدى الدول العربية منذ أن تمت الدعوة إلى حوار وطني من قبل الرئيس عبدالفتاح السيسي، هل تعتقد أن هذه الخطوة يمكن أن تسفر عن تغير في المشهد العام، وهل ينجح الحوار في الحصول على حراك سياسي حقيقي في مصر؟

كانت إجابتي في أواخر أبريل الماضي متفائلة، لأن الدعوة جاءت طواعية من رئيس الدولة، والأجواء العامة لن تتحمل انسدادا إضافيا، ومن الضروري أن يصل الحوار إلى نتيجة ملموسة في أقرب وقت، فما بعد الإعلان عن الحوار الوطني لن يكون في كل الأحوال مثل ما قبله، ومن المهم أن يستثمر المشاركون فيه الدعوة الرئاسية، فالفشل غير مرغوب من مواطنين ونخب ومسؤولين يرون أن الوقت أصبح مناسبا للإصلاح والعمل على تصحيح ما وقع من أخطاء في الفترة الماضية.

عاد صديقي المصري مؤخرا ليسألني وبعد مضي حوالي ثمانية أشهر، ألا زلت متفائلا بالحوار الوطني مع كل ما يواجهه من تحديات قد تعوق طريقه؟

لم تكن إجابتي بالدرجة ذاتها من الحماس لما يواجهه من تفاوت في بعض التقديرات، لأن غالبية القضايا الجوهرية لا خلاف عليها وفقا لما جرى الإعلان عنه في تصريحات عدد من المتحاورين أنفسهم، لكن يبدو أن الشيطان يكمن في التفاصيل.

أخبرته أنه لا مفر من التصميم على النجاح، فجميع الأطراف المنخرطة في الحوار أمام مسؤولية تاريخية ولو تأخر المشاركون في الترتيبات اللوجستية اللازمة للحوار فعليهم تعويض ذلك خلال الأسابيع المقبلة، فما تبقى من ثقة بالنظام الحاكم قد يتعرض للمزيد من الاهتزاز، ولا أحد وقتها سوف يلوم المعارضة مهما أدت تصرفاتها إلى تعطيل النتائج الإيجابية، لأنها الطرف الأضعف في مواجهة السلطة في أي دولة.

تقع المسؤولية على النظام الحاكم الذي دعا إلى الحوار الوطني الشامل، ومن واجبه أن يبذل جهدا كبيرا للتوصل إلى قواسم مع قوى المعارضة في أقرب وقت، فالحوار جرى تحديد سقف زمني له قد يمتد قليلا في حالة تمخضه عن مؤشرات توحي بأن العملية السياسية مستمرة بنجاح، لكن لا يحتمل ذلك التمديد إلى أجل غير مسمى.

قناعتي أن الدعوة إلى الحوار مهما كانت أسبابها ودوافعها وأهميتها انطلقت ولن تتوقف ما لم يتم التوصل إلى مخرجات تتناسب مع الطموحات التي تم التعويل عليها من قبل السلطة والمعارضة لتجاوز جانب معتبر من الاحتقان الحاصل في مصر، والذي لا يقتصر على أزمات اقتصادية لم تنته على مدار عقود طويلة ماضية.

هناك جوانب سياسية واضحة لن تخفت ما لم يتم اتخاذ إجراءات لرفع الغطاء عن الإناء وخروج الهواء والتنفيس علانية في الفضاء العام بدلا من الغمز واللمز والحيل التي تزخر بها وسائل التواصل الاجتماعي حاليا ويمكن أن تمثل إرهاقا للقاهرة في ظل ما تحفل به المنصات من مغالطات ربما يضطر معها النظام إلى دفع تكلفة عالية.

بدأت أوساط مصرية تتحدث عن الحوار وما ينتظره من مستقبل غامض، ووضع البعض سيناريوهات عديدة لما يمكن أن يسفر عنه بعد أن ربط كثيرون جزءا كبيرا من نجاحه بما يتخذه النظام من خطوات كبيرة في ملف الإفراج عن المحبوسين في قضايا تعبير عن الرأي وحريات عامة وأنشطة حقوقية مختلفة.

ورغم الإفراج عن أكثر من ألف شخص حتى الآن ممن أدرجتهم لجنة العفو الرئاسي مؤخرا على قوائمها، غير أن هناك تململا من بعض قوى المعارضة التي ترى أن هذا الملف اختبار نوايا لجدية الحوار الوطني في التوصل إلى مدى بعيد في مسألة الإصلاحات السياسية المطلوبة، ويكاد يهيمن على الكثير من الحوارات الجانبية.

ما يدور بشأن الحوار خارج الغرف المغلقة يفوق ما يجري داخلها، فبعد أن طال وقت الاجتماعات التي تهيئ للحوار بدأت المخاوف تتزايد من كثافة اللجان التي تشكلت لمحاوره الثلاثة، السياسي والاقتصادي والمجتمعي، والتي يمكن أن تغرقه في بحر من المناقشات يصعب التوافق حول قضاياها المركزية، لأن بعضها يمثل تغييرا في الآليات وأنماط التفكير التي اعتاد النظام المصري عليها السنوات الماضية.

كشفت حوارات جانبية مع مهتمين بالشأن العام أن هذه واحدة من تعقيدات تفرمل التمادي في التفاؤل بشأن ما يتمخض عنه الحوار، فمن الصعوبة أن تعتمد المرحلة التي يمكن أن تشهد انفراجا في المحاور الرئيسية على ما كانوا يديرون الأمر سابقا.

إذا أبدى النظام المصري مرونة في الاستغناء عن أشخاص عرفوا بأنهم لا يميلون للإصلاح الهيكلي سوف تمثل هذه واحدة من العلامات المهمة على التغيير والانفتاح، حيث يصعب أن يتأقلم هؤلاء مع المشهد الجديد المتوقع أن يسفر عنه الحوار.

بدأت الحوارات في أوساط المعنيين بالشأن العام تتحدث عن مستقبل البعض ممن بيدهم الأمر والنهي حاليا، لأن بقاءهم يسهم في تعطيل أي منجز يمكن أن يتحقق من خلال الحوار الوطني، ويتحمل هؤلاء جزءا من مسؤولية التعثر الراهن في الحوار ولو كانت دوافعهم الوطنية حرضتهم للتضييق على المجال العام، وهم على يقين أن ما قاموا به في وقت سابق يصلح لتكراره مع الانفتاح المنتظر.

قد يكون الحوار حول الحوار محملا بالتفاؤل أكثر من اللازم أو الشكوك المفرطة، لكن في الحالتين يعبر عما يدور في أوساط شريحة مهمومة بما يجري من تطورات لها علاقة بالمستقبل وما يواجهه من تحديات على أصعدة مختلفة لا تصلح معها المفاصلة بين المؤيدين والمعارضين، فقد بات الجميع على ظهر سفينة واحدة.

لن تواجه السفينة الرياح العاتية أو تتجاوز عباب البحر من دون تفاهمات مشتركة بين الركاب على إنقاذها، ومهما بلغ ذكاء وحنكة الربان لن يتمكن من ضبط الدفة والوصول إلى توازن وهناك عدد كبير ممن يرافقونه في الرحلة غير مقتنعين بطريقة القيادة الراهنة، والتي يمكن أن تؤدي إلى مواجهة عواصف تمثل عبئا جديدا.

نجاح الحوار الوطني والخروج بأجندة متوافق عليها ضرورة حتمية، وهو طريق يمكن الربان من تجاوز المرحلة التي تهب خلالها عواصف من اتجاهات متباينة، فعند حد معين قد يضطر إلى اتخاذ إجراءات أشد قسوة لن يتحملها ركاب السفينة ما لم تكن هناك تفاهمات كبيرة بين النظام والمعارضة، والتي على هامشية دورها تستطيع أن تحدث توازنا وتسهم بدور فعال في إنقاذ السفينة، حيث رأت الثقوب مبكرا وحذرت من تداعياتها ويجب التجاوب معها قبل أن تزداد وتواجه السفينة مصيرا مجهولا.

مركز الناطور للدراسات والابحاثFacebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى